الأطفال كثيراً ما يكذبون، فإذا كسر أحدهم آنية أو اتلف شيئاً ثميناً لم يكن من الغريب إن يلجأ إلى الكذب منكراً فعلته بل والغريب أن يتألم الآباء لهذا أشد الألم فينصبون على الأبناء بالتقريع والإذلال والتشهير ليقطعوا دابر الكذب, ولكن الأغرب أن هذا القمع يؤدي إلى نتائج عكسية فيتفنن الأطفال في إخفاء الحقائق وتزييفها.
والكذب نوع من عدم الأمانة في وصف الحقائق أو هو لا يطابق الواقع وهذا هو الكذب البريء ولكن إذا توفرت النية للتضليل كان الكذب غير بريء.
ومما يزيد مشكلة الكذب أهمية أنه تبين للباحثين في جنوح الأحداث صلته الوثيقة بالسرقة والغش وفي كثير من الأحيان يكون الكذب لتغطية جريمة السرقة أو الغش.
عوامله وأنواعه:
حاول كثير من الباحثين إن يرجعوا الكذب إلى عامل واحد أو عاملين فقط فمنهم من قال إن الكذب يكتسب من البيئة الاجتماعية وذلك أن الطفل يشهد صنوفاً من الكذب الاجتماعي يسمح والداه لنفسيهما بأن يشتركا فيه وبأن يكذب ويتعلق به إذ يجده مفيداً.
ويرى ( فيريل) أن الخوف سبب 71% من حوادث الكذب وحاول دوبرا أن يربط بين الكذب والطبع فقال: إن الانطوائيين الخجولين يكذبون كذباً سلبياً (تستر ـ انكار) وان الأشخاص الاجتماعيين يكذبون كذباً ايجابياً (اختلاق ـ تظاهر مبالغة).
ويرجع بعضهم الكذب إلى قابلتين فطريتين هما ذلاقة اللسان وخصوبة الخيال غير أن الواقع يدلنا على أن الكذب أنواع كثيرة ولكل نوع عوامله الخاصة.. من هذه الأنواع:
-
الكذب الخيالي
ليس هذا الكذب إلا نوع من اللعب يلهو به الأطفال فقد يلجأ الطفل إن كان ذا لسان ذلق وخيال خصب إلى سرد حكايات جذابة يدعي أنها حقيقية ومرور الزمن وحده كاف لعلاج الكذب الخيالي ويحسن بهذه الحالة أن نبادل الطفل قصة بقصة وخيالاً بخيال على أن نشعره أن هذه القصص المسلية مخالفة للواقع وإذا أحسن توجيه الطفل فقد ينبغ في التآليف والتمثيل.
-
الكذب الالتباسي
وسببه الخلط بين الحقيقة والخيال فهما يلتبسان على الطفل فلا يميز بينهما ومن الأمثلة عليه أن طفلة قامت من نومها تبكي وادعت أن بائع الثلج في آخر الشارع ذبح خادمها ووصفت ذلك بالتفصيل ثم تبين إنها رأت ما روته حقيقة في الحلم!!
وهذا النوع من الكذب يزول تلقائياً إذا كبر الطفل ويطلق على هذين النوعين من الكذب الكذب البريء.
-
الكذب الادعائي
ومن الأمثلة على ذلك أن يتحدث الطفل عما يملك في البيت من لعب عديدة جميلة خلافاً للواقع أو يباهي بوالده وقوته ونفوذه كذباً أو يبالغ في وصف تجاربه الخاصة جذباً للأنظار وتوكيدا للذات وينشأ هذا النوع من الكذب من الشعور وقد يكون من كثرة الإذلال والقمع الواقعين عليه ممن حوله ممن لا يريدون له الظهور ويجب الإسراع إلى علاج هذا النوع من الكذب منذ الصغر بأن نشعر الطفل بأنه ليس أقل من الآخرين، بل قد يفوقهم في نواحِ أخرى.
-
الكذب النفعي
قد يكذب لأن الكذب يحقق له منفعة شخصية ومن الأمثلة على هذا أن يذهب طفل إلى أبيه مطالباً أياه ببعض النقود مدعياً أن والدته أرسلته لإحضارها لشراء بعض الحاجات المنزلية والواقع أن الطفل يريدها لشراء بعض الحلوى.
ومن ذلك أن يتظاهر الطفل بالمرض للحصول على العطف والرعاية وسبب هذا النوع هو عدم ثقة الطفل بمن حوله من الكبار المحيطين به لشعوره بالحرمان أو لكثرة العقاب.
-
الكذب الانتقامي
كثيراً ما يحدث في المدرسة أن يكذب طفل ليتهم غيره اتهاماً تترتب عليه معاقبة هذا الطفل أو الإساءة إليه، ويصدر هذا كثيراً عن الفتيات في سن المراهقة، وعوامل هذا الكذب هي شعور الطفل بالغيرة أو عدم المساواة في المعاملة أو هي عوامل لاشعورية وعلى الآباء والمعلمين في المدرسة التثبت من الحقائق مثل أي تصرف كان.
-
الكذب الدفاع
ويقال له الكذب (الوقائي) وهو من أكثر أنواع الكذب شيوعاً بين تلاميذ المدرسة الابتدائية فيكذب الطفل خوفاً من العقوبة وسبب هذا النوع هو أن معاملتنا للطفل إزاء بعض ذنوبه تكون خارجة عن حد المعقول وقد يكذب الطفل ليحظى لنفسه بامتياز خاص وهنا يكذب على أصحاب السلطة عليه كالآباء والمعلمين ليحمي أخاه أو زميله من عقوبة قد تقع عليه ويلاحظ هذا في مدارس الثانوية أكثر من الابتدائية.
-
كذب التقليد
قد تتكون خصلة الكذب لدى الطفل بتقليده والديه فهو يلاحظ أنهما يكذبان في حالات كثيرة فيظن أن الكذب مباح له.
-
الكذب العنادي
يكذب الطفل أحياناً لمجرد السرور الناشىء من تحدي السلطة وخاصة إذا كانت شديدة الرقابة والضغط وقليلة الحنو ومن الأمثلة عليه أن أماً صارمة كانت تطلب من ابنها ألا يشرب قبل النوم كي لا يلوث فراشه أثناء النوم فكان الطفل يطلب أن يغسل وجهه قبل النوم ويستغفل أمه ويشرب كميات من الماء أثناء ذلك وكان الطفل يشعر بلذة عظيمة لتحديه أوامر أمه رغم تشددها في الرقابة.
-
الكذب المزمن
إذا لم يعالج الكذب لدى الطفل في الوقت المناسب وصل عنده إلى حد خطير وأصبح مرضاً وفي هذه الحالة يصدر الكذب عن الطفل رغم إرادته ويكون التخلص منه أمرا عسيراً.
العلاج ودور المعلم والمدرسة
من الملاحظ أن الكذب لا يظهر وحده عند الأطفال وإنما يكون عرضاً إلى جانب السرقة أو الخوف أو الحساسية المفرطة، الأمر الذي يضفي على علاجه مزيداً من الأهمية.
وفيما يلي بعض القواعد العامة في علاج الكذب:
- على المربي أن يتبين الدافع إلى الكذب ونوعه وأن يبتعد عن علاجه بالضرب أو السخرية أو الانتباه أو التشهير بل يعالج الدوافع التي دفعت إليه.
- يجب توفير جو من الصدق والاستقامة في بيئة الطفل المنزلية والمدرسية. وهنا يجب أن يمتنع المربي عن خداع الطفل ويقدم له الحقائق التي في مستوى فهمه دون كذب أو غش أو اختلاق أعذار وألا يعد الطفل إلا إذا كان قادراً على التنفيذ.
- على المربي أن يتجنب الظروف التي تشجع على الكذب.
- لا يجوز للمربي إعطاء الكاذب فرصة الإفلات من كذبته دون أن يكشفه لأن الإفلات بالكذب له لذة خاصة تشجع على تبنيه واقترافه مرة أخرى، ولكشف الكذب على المعلم أن يتسلح بالأدلة القاطعة وألا يلصق التهمة بالطفل وهو في شك فلا نتهمه مثلاً بالكذب لمجرد كونه تعثر في الكلام أو اضطرب في المناقشة.
- لا يجوز للمربي أن يضع الطفل في مواقف يصعب عليه فيها أن يقول الصدق ولا يجوز له أن يرغمه على الاعتراف بذنبه لأن الاعتراف محرج بوجه عام ولاسيما إذا كان الاعتراف سيتم أمام الزملاء علناً.
- لا يجوز للمربي أن يوقع العقاب بالطفل بعد الاعتراف بذنبه لأن هذا العقاب يقلل من أهمية الصدق ومكانته في نظر الطفل.
- على المربي أن يعرف دوماً أن الطفل لا يسر بما عنده إلا لأصدقائه ومحبيه أما أصحاب السلطة فيخاطبهم بحرص وخوف ويستطيع المربون بهذه الطريقة إحلال العطف والمحبة محل القساوة والشدة والتفاهم محل الكراهية وأن يبتعدوا عن العقاب الذي لا يتناسب مع الذنب الذي يفقد الطفل شعوره بالأمن.
- إن قول الصدق يعتمد على قدرتين هما صحة الإدراك ودقة التعبير ولذلك يعد تدريب الطفل على هذين الأمرين أمراً مفيداً ويكون ذلك أثناء الرحلات والمشاهدات.
على المعلم أن يخلص البيئة المدرسية من العوامل التي تشجع على الكذب ومنها:
- العقاب والشدة والصرامة التي تجعل الطفل يخاف فيلجأ إلى الكذب.
- كثرة الوظائف البيتية.
- عدم تناسب العمل الذي يكلف به الطفل مع قدراته.
- عدم عرض أعمال في المعارض على أنها من أعمال التلاميذ وذلك خلافاً للواقع لأن هذا يعودهم على التساهل والكذب ويصير عندهم عادة متحجرة.
المرجع:
كتاب علم النفس التربوي. أحمد غبر وبلقيس عوض
الجنسية: سوري
الوظيفة:اختصاصي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
الحالة الاجتماعية:متزوج ويعول أربعة أبناء.
المؤهلات العلمية:
- حاصل على درجة الدراسات العليا في الفلسفة من جامعة دمشق بتقدير جيد جداً عام 1979.
- حاصل على درجة الليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية بتقدير جيد جداً من جامعة دمشق عام 1975.
- حاصل على دبلوم دار المعلمين من دمشق عام 1972.
- حاصل على دورة عملية في طريقة اللفظ المنغم من بروكسل في بلجيكا.
الخبرات العملية:
- أخصائي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مدرس من خارج الملاك بجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين.
- عضو بالاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم منذ عام 1980.
- أخصائي نطق في اتحاد جمعيات الصم بدمشق.
- مشرف على مركز حتا للمعوقين بدولة الإمارات العربية المتحدة عامي 2001 و 2002.
المشاركات والدورات:
- عضو مشارك بالندوة العلمية الرابعة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1994.
- عضو مشارك بالندوة العلمية السادسة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1998.
- مشارك في المؤتمرين السادس والثامن للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم 1991 و 1999.
- مشارك في ورشة توحيد لغة الإشارة بدبي عام 1998.
- مشارك في تنظيم وتخريج عدد من دورات المدرسين والمدرسات الجدد في مدرسة الأمل للصم.
- عضو مشارك في الندوة العلمية التربوية بمؤسسة راشد بن حميد بعجمان عام 2002.
- مشارك في عدد من المحاضرات التربوية والتخصصية.
- كاتب في مجلة المنال التي تصدرها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو مشارك في مؤتمر التأهيل الشامل بالمملكة العربية السعودية.
- عضو مشارك في الندوة العلمية الثامنة في الدوحة بقطر.