(سكون، اختفى صديقي وغيمة قطن)
نهلة غندور تتمتع بنسبة عالية من الثراء الفكري والثقافي، فهي كاتبة أطفال، وتعمل مديرة روضة، وتهتم بشؤون الأطفال ذوي الإعاقة، وتنحدر من أسرة ترتبط بصلة قرابة وصداقة مع غسان كنفاني، استيقظت حواسها على فكرة المنفى عن فلسطين، وحكاية النضال المتجذرة بفضل وجود غسان كنفاني، وشلل الأطفال الذي أصبح جزءاً من حياتها اليومية منذ طفولتها، كل تلك المعادلة الثرية لدى نهلة غندور جعلها تقدم حكايات ثرية بالتنوع، تتناول الإعاقة بطريقة مغايرة وغير تقليدية إلى حد كبير.
صدرت للكاتبة الفلسطينية اللبنانية عن دار كلمات ثلاثة كتب قبل قرابة العام، عن دار النشر الإماراتية كلمات، ترتبط تلك الكتب بعضها ببعض بدفاعها الرقيق والقوي في ذات الوقت عن التنوع، والبحث العذب لحقوق الأشخاص المختلفين عن المعايير السائدة للمجتمع، تلك المعايير النمطية التي نرسمها ونرسخها في أذهان أطفالنا بحثاً في حالة من تكريس الكمال الذي نصبو أن يصل إليه أطفالنا، دون النظر إلى اختلاف قدراتهم وإمكاناتهم.
سكون
سكون أحد كتب نهلة غندور الثلاثة ومن رسومات آنا سنفيلو، حكاية روتها بتلك اللغة المنسابة والعذبة والفكرة المبدعة الكامنة وراء الحكاية، يشير كتاب “سكون” للأطفال من ذوي اضطراب التوحد، وإن لم تتم الإشارة بشكل مباشر لهذا الأمر، ولكن الحكاية تدور حول طفل يرغب بأن يظل مرتدياً قبعته لتعزله عن العالم المحيط من خلال ظل أسود، وعلى الرغم من جمال وصف اللون الأسود من وجهة نظر الطفل، إلا أن الحكاية قد عززت من عزلة الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد، فالقبعة السوداء قد عززت انفصال الطفل عن واقعه المحيط بشكل أو بآخر، وقد جعلت تلك المساحة المظلمة الآمنة من وجهة نظر الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد، أو أي اضطراب آخر أرادت الكاتبة الإشارة إليه، تبرر للطفل بأن يظل في مساحته الآمنة ولابأس بأن يظل داخلها ولا يخرج منها، وهو الأمر الذي أراه غير موفقاً في الكتاب، على الرغم من الوصف النفسي الدقيق لحالة العزلة التي يعيشها المصابون باضطراب طيف التوحد، إلا أن الكتاب كان يحتاج أن يطرح منطقة الوسط غير المثالية بين الطفل ومجتمعه، وتعزيز قدرته على الاندماج، وتخفيف وطأة العزلة.
اختفى صديقي
الإصدار الثاني للكاتبة نهلة غندور بالتعاون مع دار كلمات ورسوم فرانسيسكا دلاورتو، هذا الكتاب يعتمد في بناءه على حكاية بسيطة لصداقة تنشأ بين راوي القصة وشخص يخالف الصورة المعتادة بمظهره، فتنشأ الصداقة بتردد وبعض الحذر خلال فصل الخريف، فيختفي ذلك الصديق الغريب بأرجله التي تشبه الأغصان، ليكون الصديق غريب المظهر هو رمز لكل شخص مختلف عنا للونه أو عرقه أو قوميته أو دينه …. أو إعاقته.
النص بسيط جداً لا تعقيد لغوي فيه ولا صور تعبيرية مفرطة، ولم تحمل الحكاية أكثر مما تحتمل، مشكلة الكتاب تكمن في الرسومات والتي كان ارتباطها مع النص ضعيفاً إلى حد ما، فالرسومات رائعة الجمال، مبهرة كلوحات، ولكنها أخفقت بأن تنسجم مع النص، مما أضاع فرصة بأن يكون الكتاب أكثر كمالاً.
غيمة قطن
أيضاً من اصدار دار كلمات، ومن رسومات الفنانة فرانسيسكا كوسانتي، غيمة قطن حكاية مفتوحة على التأويل لطفل يحلم بالطيران فوق الغيم فيتخيل نفسه سابحاً بين الغيوم، إن الحكاية هي تحريض معلن لممارسة الحق في الحلم، وما أجمل أن نحرض أطفالنا على هذا الحلم، كتبت نهلة غندور القصة بلغة جميلة رقيقة مدهشة بتوالي الأفكار والكلمات، وكأن النص هو تعويذة للتنويم المغناطيسي والتورط في الحلم حتى النهاية.
بالنسبة لرسوم الكتاب فهي مذهلة كلوحات مستقلة، ولكنني بشكل عام أَجِد أن هذه الأعمال ليست مدهشة بقدر الكلمات، فجاءت الرسومات ترجمة حرفية للنص دون أن تضيف عليه الكثير أو تثري الكتاب.
وجاءت الإشارة إلى الإعاقة وتحديداً الإعاقة الحركية من خلال الرسومات فجة إلى حد ما، خصوصاً مع الكرسي المتحرك الأسود الرتيب بصورته النمطية غير المستخدم تقريبا إلا في المستشفيات، مما جعل النص الرقيق يأخذ منحى مختلف متورط مع الإعاقة بشكل سطحي.
ما يؤخذ على الكتاب ليس أن يكون بطل القصة من ذوي الإعاقة، وإنما استخدام الحلم ليكون هو وسيلته لترجمة رفضه للإعاقة، وقد يكون هذا صحيحاً بالنسبة للكثير من الأطفال ذوي الإعاقة الذين يسعون للتأقلم مع واقع إعاقتهم، ولكن السؤال هنا متى ستلفت دور النشر وكُتاب الأطفال لإصدار وتأليف كتب تساعد الأطفال ذوي الإعاقة والأطفال بشكل عام لتقبل الإعاقة كجزء من التنوع، ومفردة من مفردات هوية الانسان، وليس الهروب منها بالحلم.
واقتناء وقراءة هذا الكتاب هو إثراء للروح وبث لطاقة إيجابية مذهلة…. طاقة الحلم على غيمة قطن!
ومن الملفت للانتباه في هذه الكتب الثلاثة أنها تصلح بأن تكون كتب ليست مرتبطة بالإعاقة، تصلح للطفل بمختلف ظروفه ومستوياته، وافترض هنا أن دار النشر قد لعبت دوراً هاماً في تحوير هذه الكتب لموضوع الإعاقة، ربما بسبب الإعاقة الجسدية لدى الكاتبة، وربما لاهتمام دار النشر بموضوع الإعاقة.
وهنا يبرز السؤال هل يجوز توظيف كل الحكايات التي يكتبها الكاتب من خلال الرسم أو التعديل الطفيف لتكون كتب موجهة للطفل وتتناول موضوع الإعاقة؟ هل من المبرر فرض توصية الناشر على الكاتب؟
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”