<<يمكنك أن تقود الحصان نحو الماء، لكن لا يمكنك إجباره على الشرب>>
مثل لِجون هييود
وجود الطالب على مقعد الدراسة لا يضمن له تحقيق الأهداف الدراسية المطلوبة، عاجلاً أم آجلاً سيكتشف الآباء والمعلمون هذه الحقيقة! لكن ما الذي يجعل الأمور بهذا التعقيد؟ ولماذا تختلف النتائج وجودة التعليم من تلميذ إلى آخر؟ ما الذي يتسبب في تأخر بعض الطلاب عن تحقيق الأهداف المطلوبة منهم؟
التأخر الدراسي «Underachievement» هو من أهم المشاكل التي تواجه الآباء والعاملين في المجال التربوي، ففي ظل الإطار التنافسي والسريع في عالم الأعمال أصبح العالم محموماً بالتميز الدراسي، خاصة في البلاد النامية، حيث يصبح التميز الدراسي معناه الحصول على وظائف أفضل ووسط اجتماعي أفضل.
خلال هذا السباق، لا أحد يحب أن يجد ابنه متأخراً عن بقية زملائه؛ وهنا تبدأ المشكلة!
لماذا يتأخر ابني؟ لماذا يتأخر تلميذي؟ لماذا أتأخر أنا في التحصيل الدراسي عن بقية زملائي؟
يمكننا الإجابة عن الأسئلة خطوة بخطوة.
بدايةً، ما هو التأخر الدراسي؟
هو إخفاق الطالب في مواكبة الأهداف الدراسية المطلوبة منه.
كيف يحدث ذلك؟ ولماذا؟
ستجد في الواقع طالباً على الأقل في كل فصل متأخراً دراسياً، وغالباً أكثر من طالب، وهؤلاء الطلاب الذين لا يحققون النتائج المرغوبة، دائماً ما يشكّلون أزمة لمعلميهم وذويهم، الطالب الكسول أو الصعب، كما يطلق عليهم.
لكن لماذا أصبح هذا الطالب متأخراً دون زملائه؟ وما الأسباب التي تدفع الطالب لهذا التأخر؟
تنقسم الأسباب إلى قسمين:
- أسباب تتعلق بالطفل.
- أسباب تتعلق بالبيئة التعليمية.
أسباب تتعلق بالطفل:
»المتأخرون دراسياً لديهم المحفز الكافي للتعلم، لكنه موجه إلى طريق مختلف غير الحصول على الدرجات الجيدة، واكتشاف أين يكون محفزهم واستغلاله هو المفتاح الذي سيساعدهم للعودة لأن يصبحوا مواكبين لأهدافهم الدراسية» (Mandel & Marcus, 1995, p.3).
تأخر الطفل / الطالب عن أهدافه الدراسية لا يجعل منه غبياً، بل على العكس فإن نسبة كبيرة من المتأخرين دراسياً من ذوي الذكاء المرتفع أو الموهوبين.
إذن ما المشكلة؟
في الحقيقة هنالك عدة أسباب قد تدفع الطفل لهذا التأخر، وسنفصّلها حسب نوع الطفل:
الطفل ذو الإعاقة:
في حالة كان الطفل من ذوي الإعاقة الجسدية أو العقلية، فمن المهم في حالة الإعاقات الكشف المبكر عنها، حتى يتلقى الطفل التدريب المبكّر واللازم الذي يكفل له مواكبة أقرانه بشكل جيد.
كيف يتم الكشف المبكّر؟
بالفحوصات الدورية أثناء الحمل وما بعد الولادة، ومتابعة جداول النمو الخاصة بالطفل، واستشارة الطبيب عند أي خلل.
الطفل غير المعاق:
أولاً، عدم تلبية احتياجات الطفل الجسدية:
يحتاج الطفل / الطالب إلى التغذية السليمة، وعدد ساعات كافٍ من النوم، وصحة جيدة كي يتمكن من التركيز في الدراسة، وحدوث خلل في هذه الجوانب يستدعي بالضرورة خللاً مؤقتاً أو دائماً في التحصيل الدراسي.
ثانياً، عدم تلبية حاجات الطفل الاجتماعية والعاطفية:
المنازل غير المستقرة، مثل: انفصال الوالدين أو التعرض لعنف منزلي، تدفع بالطفل إلى مشاكل عديدة، قد تمنعه من التركيز في تحصيله الدراسي، وأيضاً وجود الطفل في بيئة غير آمنة كالحروب أو التهديد، الشعور بعدم الاستقرار أو عدم تلقي الحب يجعل الطفل عرضةً للخوف والتفكير في مشاكله ما يجعله يفقد الاهتمام أو التركيز في الدراسة.
ثالثاً، الطفل الذي يعاني من قصور الانتباه وفرط الحركة:
الأطفال الذين لديهم مشاكل في التركيز أحياناً يصنفون تبعاً لقصور الانتباه وفرط الحركة «ADHD»، وحسب تقرير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال «AAP» فإن نسبة إصابة الأطفال بالـ«ADHD» تتراوح من 4% إلى 12% من الأطفال في عمر المدرسة، مما يجعله من أكثر اضطرابات الأطفال السلوكية والعصبية شيوعاً، ومن أهم المشاكل التي تتبع هذا الاضطراب؛ صعوبات في المدرسة والتأخر الدراسي.
رابعاً، الطفل الذي لديه صعوبات تعلم:
ماهي صعوبات التعلم؟
صعوبات التعلم مصطلح واسع ومتعدد لبعض مشاكل التعلم، وهي ليست مشكلة في الذكاء أو الرغبة في التعلم، فالأطفال ذوو الصعوبات ليسوا أغبياء أو كسولين، في الحقيقة إن مستوى ذكائهم متوسط وأحياناً فوق المتوسط، كل ما في الأمر أن أدمغتهم تعمل بشكل مختلف، ببساطة فإن الأطفال أو الراشدين ذوي صعوبات التعلم، يرون ويسمعون ويفكرون بشكل مختلف.
بعض الأنواع الشائعة لصعوبات التعلم:
- Dyslexia مشاكل في القراءة والكتابة والإملاء والتحدث. صعوبة في القراءة.
- Dyscalculia مشاكل في حل المسائل الرياضية وفهم الوقت واستخدام المال. صعوبة في الرياضيات.
- Dysgraphia مشاكل في خط اليد والإملاء وترتيب الأفكار. صعوبة في الكتابة.
- Dyspraxia مشاكل في تآزر اليد والعين، والتوازن، والمهارة اليدوية. صعوبة في المهارات الحركية الدقيقة.
- Dysphasia/Aphasia مشاكل في فهم اللغة المنطوقة وضعف في القراءة والاستيعاب. صعوبة في اللغة.
- Auditory Processing Disorder مشاكل في القراءة والإدراك واللغات. صعوبة في التفرقة بين الأصوات.
- Visual Processing Disorder مشاكل في القراءة والحساب والخرائط والرسوم البيانية والرموز والصور. صعوبة في تفسير المعلومات البصرية.
خامساً، يتعلم بشكل مختلف:
إن نظرية أنماط التعلم تتحدث عن بعض الأنماط التي يفضلها المتعلم وتجعله يتعلم بشكل أفضل، ماهي هذه الأنماط؟
أنماط التعلم
- Visual بصري: يفضل التعلم بواسطة الصور والخرائط والتصاميم، والرسوم البيانية.
- Auditory سمعي: يفضل التعلم بالتحدث والاستماع، كالمحاضرات ومجموعات النقاش وأسلوب التكرار.
- Read & Write قراءة وكتابة: يفضل التعلم بواسطة الكتابة، مثل: أخذ الملاحظات، والتلخيص، وإعادة الكتابة.
- Kinesthetic المحسوس: يفضل التعلم بواسطة العرض المحسوس، والإمساك بالأشياء.
سادساً، الطفل موهوب!
الإبداع يصل بالمبدع للنجاح أفضل من نسبة الذكاء أو درجات المدرسة، والمبدع عادةً ما يحقق أفضل النتائج، لكن كما أن الإبداع يقوده نحو النجاح، يمكن للإبداع أن يقود الطفل نحو التأخر الدراسي! ربما يفاجئك أن 60% – حسب الدراسات – من الموهوبين عانوا مشاكل في دراستهم، هذه المشكلة التي تواجه الموهوبين تعود إلى أن عدد كبير من المعلمين نادراً ما يشجع الإبداع، بل إن بعضهم يعاقب بسببه، فأغلب المعلمين يمشي على مسار محدد يرغب بأن يكمل الطلبة المشي عليه بهدوء، مما يسبب للطالب المبدع مشاكل مع هذا النوع من المعلمين ينتج عنها تأخره عن روتين الدارسة المطلوب منه.
الأسباب التي تتعلق بالبيئة التعليمية
البيئة التعليمية، المكونة من المعلم وقاعة الدرس، هي أهم أعمدة العملية التعليمية، وحدوث خلل بها ينتج عنه اختلال المنظومة وتأخر تحقيق الأهداف، إذن قد يكون الخلل في قاعة الدرس أو في المعلم:
1 ـ قاعة الدرس:
- تختلف نماذج القاعات من مرحلة دراسية إلى أخرى، فشروط القاعة في مرحلة رياض الأطفال تختلف عن المرحلة الجامعية مثلاً، لكن هناك بعض الشروط التي لا يختلف عليها في جميع القاعات التعليمية، مثل:
- التهوية الجيدة.
- وجود مخارج مناسبة.
- مساحة كافية بالنسبة لعدد الطلاب.
- خلوها من المشتتات الخارجية.
على سبيل المثال، ازدحام القاعات يتسبب في تشتيت انتباه الطفل / الطالب، فجزء كبير من تركيزه تشتت بينما يحاول الحصول على مساحته المناسبة في القاعة. إذن فإن توفر الحد الأدنى من القاعات المريحة للطالب يجنب الكثير من المشاكل الدراسية التي قد يتعرض لها البعض.
2 ـ المعلم:
لماذا قد يكون المعلم هو المشكلة؟ وكيف يكون هو الحل؟
بالنظر إلى المشاكل التي تتسبب في تأخر الطلاب دراسياً، فإن مفاتيح هذه المشاكل مع المعلم؛ المعلم هو المسؤول عن الخلل الذي يحدث في الفصل، فنقص ثقافة المعلم التربوية أو عدم اطلاعه على خصائص المرحلة الدراسية المنوط بها واحتياجات الطالب تجعله يغفل عن الأسباب الحقيقية وراء تشتت انتباه الطالب.
لذلك من المهم خلال مرحلة إعداد المعلم، وخلال فترة ممارسته للمهنة أن يطلع بشكل دوري على المشاكل التي قد تواجهه في قاعة الدرس وكيفية التغلب عليها، فاكتشافه للسبب الحقيقي وراء القصور، وعلاجه بشكل صحيح هو أهم طرق التغلب على مشكلة التأخر الدراسي.
بعد الإطلاع على الأسباب التي تؤدي إلى المشكلة، كيف يمكن للمعلم أن ينشأ فصلاً تفاعلياً يستطيع من خلاله حل مشكلة الطلاب المتأخرين دراسياً؟ إليكم بعض الخطوات المهمة:
1 ـ إنشاء مجموعات تعاونية «التعلم التعاوني«:
«عالم الأعمال اليوم يحتاج إلى موظفين لديهم مهارات قوية للعمل في فريق أكثر من احتياجهم لموظفين بمهارات تنافسية «. (Walters, 2002).
التعاون يمكنه أن يكون محفّزاً قوياً وجيداً للطلبة، بالإضافة لتنمية مهارات الفريق وتعويض الضعف الشخصي، والتركيز على نقاط قوة الطفل / الطالب.
2 ـ وضع توجيهات واضحة:
من المهم أن يكون كل طفل / طالب على دراية وفهم تام لقوانين الفصل. وأيضاً للمدارس لوائح نظامية التي من المهم أن يكون لكل فصل لائحته الخاصة، ومن المهم أيضاً إيضاح القوانين ومراجعتها بشكل جيد، ووضع القوانين التي تناسب كل مرحلة.
ملاحظات للقوانين:
- الطلاب عادة يتبعون القوانين التي ساعدوا في وضعها.
- وضع حد أعلى للقوانين؛ سبعة قوانين فأقل، ووضعها بشكل تسلسلي يتناسب مع نظام اليوم الدراسي.
- وضع القوانين مطبوعة في مكان مرئي للجميع، والحرص على تكوين الجمل بطريقة (افعل) وليس (لا تفعل).
- جميع القوانين عليها أن تكون منطقية وقابلة للتنفيذ.
- على القوانين أن تدعم العادات المطلوب من الطلبة تعلمها.
- على القوانين أن تكون مرنة يمكن تعديلها لتناسب جميع فئات الطلبة.
(Adapted from Lavoie, 2007, pp. 74-75)
3 ـ تنظيم الأدوات / الواجبات:
الفصل المنظم الذي يعرف التلاميذ ما عليهم فعله بالترتيب – مثل: وضع قائمة بالواجبات المطلوبة والتأشير على المنتهي منها – يجعل الطفل / الطالب أكثر قدرة على تنظيم واجباته والمطلوب منه، كما أن معرفة أماكن تواجد الأدوات في الفصل يسهل الترتيب والتركيز في المطلوب.
4 ـ وضع الأهداف التعليمية:
»السماح للتلاميذ بوضع أهدافهم التعليمية هو أكثر طريقة فعّالة لجعلهم يبدؤون بالتحكم في تعليمهم» (Bartholomew, 2007) فالطلاب الذين يبدؤون الدرس وفي ذهنهم أهداف محددة ينجحون في الاستفادة من الدرس بشكل أكبر وأكثر تفاعلاً.
5 ـ الاستفادة من الدوافع الذاتية:
الطلاب يتعلمون بشكل أفضل حين يجدون أن الأدوات / المواضيع مثيرة لهم. إذن من الجيد للمعلم أن يستغل هذه الدوافع الذاتية للتعلم والفضول نحو المعرفة في تعليمهم ما يريد.
6 ـ التعليم الفعّال:
»بعض المعلمين يظنون أن التعلم والمرح لا يمكن الجمع بينهما، لكن بقليل من الإبداع يمكن جعل مهام الحفظ والتعلم مرحة جداً» (Lavoie, 2007) فصنع الألعاب التعليمية، وإضافة المرح والإبداع إلى الفصل دائماً ما يشد انتباه الطلاب ويحقق نتائج أفضل.
7 ـ معاملة الطلاب بمساواة:
من المهم للطالب أن يشعر بقدر من الألفة والارتياح في الفصل، وعلى المعلم خلق البيئة المريحة التي تعتمد على الحب والاحترام في الفصل مع الحرص على أن تتم معاملة الطلاب بعدل ومساواة دون تفرقة، وهذه بعض النصائح:
- استخدام الألقاب المحببة للأطفال / الطلاب في مناداتهم.
- الانصات بشكل جيد لكل طالب حين يتحدث إليك، سواء في المحادثات الرسمية داخل الدرس، أو غير الرسمية خارج إطار الدرس.
- النظر للطفل / الطالب في عينه حين توجيه الحديث إليه.
- استخدم أسمائهم عند كتابة تعليقات على الواجب، واكتب تعليقاً دائماً فكتابة الدرجة وحدها ليس كافياً.
اظهر الاهتمام بحياة الطالب الشخصية، اقترح أنشطة خارجية يمكن للطلاب الانضمام إليها مثل الأنشطة الرياضية، تمن لطلابك عيد ميلاد سعيد (Lavoie, 2007, p. 60).
8 ـ الثواب المناسب:
اختيار الثواب المناسب من أهم العمليات في التعليم، الثواب قد يكون محفزاً جيداً، لكنه أيضاً قد يؤذي إذا لم يكن بطريقة مناسبة وبالاعتماد على كيفيته وليس كميته، فالاستفادة من الخطوات السابقة، وترتيب فصل محفز للطلاب يعتبر من أساليب الوقاية للمعلم حتى لا يقع طلابه في فخ التأخر أو التقصير في مسيرتهم العلمية.
علاج التأخر الدراسي:
- الوقاية مهمة، منح الطفل احتياجاته الصحية والنفسية والاجتماعية والعاطفية تسمح له ببناء شخصية متزنة.
- الخطوة الأهم في العلاج هو أن يحدد الأب / المعلم السبب وراء تأخر الطالب، معرفة السبب هو المفتاح الذي سيسمح للمعلم بالبحث في طرق العلاج والبدء بها.
- العلاج يختلف بناءً على السبب وحالة كل طالب، لا يمكن وضع خطة علاج موحدة لكل الطلاب؛ كل حالة تحتاج برنامج تدريبي خاص بها كي يعالج هذا التأخر والعودة لتحقيق الأهداف المرجوة منه.
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
مراجعة لغوية محمد مراشدة
المصادر:
- http://www.edweek.org/media/fo-motivation-resources.pdf
- http://www.ncld.org/
- http://www.helpguide.org/articles/learning-disabilities/learning-disabilities-and-disorders.htm#resources
- https://www.psychologytoday.com/blog/keep-it-in-mind/201308/do-learning-styles-matter-learning
- https://www.psychologytoday.com/blog/finding-butterfly/200911/unraveling-the-paradox-when-creative-and-gifted-students-underachieve
- http://www.webmd.com/add-adhd/childhood-adhd/news/20000721/attention-problems-reading-difficulties
ندى القصبي
www.facebook.com/nada.alkasapy.9
بكالوريوس رياض أطفال – جامعة الاسكندرية، كاتبة في عدة مواقع إلكترونية