وضرب الله المثل! ضرب مثلاً لنوره.. {كمشكاةٍ فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكبٌ دريٌّ، يوقد من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور} وهذا نور الله الذي إن ملأ القلب فاض على الجوارح وجعل الحياة أنواراً..
.
.
* سجدة ظلامٍ.. للنور!!!
السِّرُ الذي حيّر البشرية منذ القدم؛ بحث الإنسان الأول عن جوابٍ له فحار عقله لسببٍ بسيط…!! هو أن الموضوع أكبر من أن يُدرك. وسلَّم الإنسان نفسه وأسلم عقله للخرافات!!
كم طالبٍ للحق.. يخطئ الطريق.. وكم باحث عن النور قد غرق في الظلام…!! أراد الإنسان أن يعرف ماهية النور ويدرك السر الذي يجعله ينجذب للنور ويخشى الظلام.. فعبد النار.. قدسها ومجدها لا لشيء إلا لأنها سبب النور وسرُّ الحياة.. ولم تشبع النار نَهَمَ المعرفة فعبد الشمس وسجد للنور البعيد الذي يعمُّ الكون كله، وطال السجود ولم تطمئن النفس ولم يهتدِ العقل.. وكانت لحظة حاسمة في حياة البشرية عند غروب شمس أحد الأيام حينما صرخ أحد الموحدين: (إني لا أحب الآفلين)..
وكان أفول النور مفتاح حيرة وطريق ضلال بدأ الإنسان مسيره فيه ووضع رجله على بدايته، فكان من العسير أن يرجع ومن المحال أن يتوقف.
* وضرب الله مثلاً..
وضرب الله المثل! ضرب مثلاً لنوره.. {كمشكاةٍ فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكبٌ دريٌّ، يوقد من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور} وهذا نور الله الذي إن ملأ القلب فاض على الجوارح وجعل الحياة أنواراً.. وهذا مَحْضُ مَثَلٍ {ولله المثل الأعلى} وهذا النور لو استضاء به الإنسان لما أظلمت حياته أبداً ولما وقع في الضلال، كيف يضل ومعه هذا النور الإلهي والله يهدي إلى الحق ويهدي إلى صراط مستقيم.
ومع ذلك.. فقد بقي أناس لم ينتفعوا بهذا النور، ولم يهتدوا به، ولا عجب! فالعيب ليس في النور.. ولكن يهدي الله لنوره من يشاء وليس كلٌّ مستحق الهداية.. فنور الله لا يهدي الـ …!
وازداد الجحود.. جحد الإنسان وتكبر.. ورأى نفسه شيئاً مذكوراً، فتحدى ربه وأراد…!! ويا لهول ما أراد {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم}، وهذا حال العقل البشري.
ولكن الحياة والأحياء وكل ما في الكون يعرف أنه
ليس يصح في الأذهان شيءٌ
إذا احتاج النهار إلى دليل
* وكان ما كان..
ملأ نور الله الأكوان.. ملأ الأذهان.. أحيا موات القلوب، وقال القمر الذي يدوِّن تاريخ البشرية منذ القدم: لقد انتهى عهد الظلام وبدأ عهد النور بدأ عهد الايمان بالله الواحد الأحد؛ فهو مصدر النور ومنبع الأنوار وهو النور ـ إنه الله؛ فما بال هؤلاء الأقوام لا يهتدون!
* زاد القلوب
إن القلب يحتاج إلى زاد ليواصل مسيره إلى ربه، وأول الزاد أن يقذف الله نوره في هذه القلوب فتنتبه فلا تنام، وتستنير فلا تغفل، ثم يقذف فيها نوراً من لدنه فتؤتى البصيرة، فترى رأي العين فتفهم كتاب الله ودينه وتتفجر ينابيع من المعارف لا تنال بكسبٍ أو دراسة، ثم يقذف نوراً في هذه القلوب فتفرق بين الحق والباطل (إن في ذلك لآيات للمتوسمين).
ثم يقذف الله نوراً يقع في القلوب، يريهم أنهم واقفون بين يدي ربهم فيستحون منه في خلواتهم وجولاتهم.
وما زالت هذه القلوب تنقلب في أنوار الله تعالى، بحيث لا يبقى إلا الواحد القهار، فتفيض أنوار من المعرفة والصدق والإخلاص والمحبة من هذه القلوب كما يفيض نور الشمس عن جرمها حتى تصل إلى القرب من ربها.
أرأيت أن نور الله لا يخبو أبداً.
* سجود القلب
فإذا عرفت النور، فاعلم أنه لا يتحصل عليه كل كسول، خمول، بل يُجْلَب بالطاعة، وقد جعل الله سبحانه للحسنات والطاعات آثاراً محببة لذيذة طيبة، لذاتها تفوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة. قال ابن عباس: >إن للحسنة نوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وقوة في البدن، وزيادةً في الرزق، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق. فإذا حصل هذا سجد القلب.
وقد قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟
قال: نعم! يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة.. فإذا سجد القلب سجدت معه جميع الجوارح.
ولذلك قالوا في الدعاء: (اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك والتقت على طاعتك وتوحدت على دعوتك وتعاهدت على نصرة شريعتك فوثق اللهم رابطتها.. وأدِم ودَّها واهدها سبلها.. واملأها بنورك الذي لا يخبو واشرح صدورها بفيض الايمان بك وجميل التوكل عليك.. وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك.. إنك نعم المولى ونعم النصير).
وأخيراً..
(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)