يُعد ميدان عسر القراءة (Dyslexia) من الميادين الحديثة نسبياً في العالم العربي، على الرغم من الانتشار الواسع لهذه المشكلة في العالم. فعلى سبيل المثال: تُشكّل نسبة الأفراد الذين يعانون من عسر القراءة في بلجيكا 5% وفي اليونان 5% وفي اليابان 6% وفي نيجيريا 10% وفي الولايات المتحدة الأمريكية 9% وفي بريطانيا 4% وفي فنلندا 10% وفي روسيا 10% (طيبي، السرطاوي، الغزو، ومنصور، 2009أ) وتشير جلجل (2003) إلى أن نسبة الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم من سكان العالم تتراوح ما بين 15% إلى 20% بحيث يُمثل 85% من هذه النسبة أطفال يعانون من عسر في القراءة.
كما أشارت الدراسة التي قام بها كل من البيلي ونشواتي ومحمد والشايب (1993) إلى أن نسبة الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم، بمن فيهم الأطفال ذوو عسر القراءة في الإمارات العربية المتحدة بلغ 13%.
لقد ظهرت الجذور الرئيسة لمجال عسر القراءة على يد العالم كوزمول kussmul في العام 1877 عندما عبر عنها بمصطلح (عمى الكلمات) في القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن أول من استخدم مصطلح الدسلكسيا (Dyslexia) أو عسر القراءة هو الطبيب بِرلن Berlin في العام 1887 (عباس وعلي، 1988).
تعود أصول كلمة (Dyslexia) إلى اللغة اليونانية القديمة حيث تتكون من مقطعين الأول (Dys)، وتعني عسر والثاني (Lexia)، وتعني الكلمة أو اللغة. ويعرف مركز تقييم الطفل التابع للمركز الطبي بجامعة إنديانا عسر القراءة (Dyslexia) بأنه حالة قصور في القدرة على القراءة الصحيحة بالدرجة التي يتقنها أقران الطفل العاديين من الذين هم في مثل عمره، ومرحلته التعليمية، وتحدث نتيجة عوامل عضويةً عصبية أو وراثية أثناء مرحلة النمو (حمزة، 2008).
تعددت وجهات نظر العلماء والباحثين حول العوامل المسببة لعسر القراءة (Dyslexia) فمنهم من يرى أن مُسببات عسر القراءة تعود إلى عوامل وراثية والبعض الآخر يُرجعها إلى عوامل نمائية في حين يرى البعض الآخر أنها تعود إلى عوامل بيئية لذا فإن الكاتب يتناولها هنا من منطلق هذه المكونات الثلاثة على النحو التالي:
أولاً ـ العوامل الوراثية:
ونقصد بها تلك الأسباب التي قد تتكون نتيجة للامتداد السلالي للإنسان. يشير الوقفي (2001) إلى أن عُسر القراءة في أساسه يعود إلى أسباب وراثية، تكمن في وجود جين سائد لدى حوالي 20% من الأسر الذين لديهم حالات عسر في القراءة. حيث أن هذا الجين يكون متواجداً في الكروموسوم رقم (15)، أو كروموسوم رقم (6).
وفي دراسة قام بها هلجرين Halgreen تهدُف إلى إيجاد العلاقة بين الوراثة وصعوبات القراءة عند التوائم، فقد توصل إلى وجود عامل وراثي يتدخل في تكوين هذه الصعوبة. وفي نفس الاتجاه أكد كل من أولوسن Olson وبنيجتون Pennington في دراستين منفصلتين هذه النتيجة التي توصل إليها هلجرين Halgreen (العبد الله ، 1997).
ويشير بينتون Benton وأوين Owen في دراستين منفصلتين كذلك إلى وجود عامل وراثي قوي لدى أسر المعسرين قرائياً تدل على وجود هذه المشكلة بين أفراد هذه الأسر (الزيات، 1998)، كما توصل ويكر وكول Walker & Cole في دراسة أجرياها على عدد من أسر الأطفال ذوي عسر القراءة، التي تهدف إلى إيجاد الرابط بين عسر القراءة لدى الأبناء، ووالديهم توصلا إلى وجود ارتباط دال إحصائياً لظهور عسر القراءة بين الأبناء، وأحد الوالدين (الزيات، 1998). ويشير بانتين Bannatyne بعد مراجعته لعدد من الأدبيات إلى اتفاقها حول وجود أساس وراثي مسبب لعسر القراءة (كيرك و كالفانت، 2013).
ثانياً ـ العوامل النمائية:
نقصد بها الأسباب التي تتكون منذ بداية نشأة الجنين أثناء تكونه، وحتى مراحل نموه اللاحقة. يشير أورتون Orton إلى وجود مشكلة في الدماغ تتمثل في عدم سيطرة أحد جانبيه على ملكة اللغة للتحكم بها بشكل جيد، حيث يحاول كل جانب في نفس الوقت أن يكتب، أو يقرأ فتنتج الأخطاء أثناء القراءة، أو الكتابة عن ذلك الخلل (العبد الله ، 1997). يشير الزيات (1998) إلى أن من أسباب عسر القراءة هو التغيرات، والانحرافات التي تحدث في البنية، أو التراكيب النمائية لدى هؤلاء الأطفال التي تؤدي بهم بالضرورة إلى خلل في الأداء.
يُشير بندرBnder إلى أن التأخر في النضج في المخ هو السبب الرئيس لعسر القراءة، حيث يكون على شكل بطءً في نمو المراكز الخاصة في المخ التي تتطلبها عملية القراءة (كامل، 1996). وتُشير سوزانSusan إلى أن حوالي 60% من الأطفال المصابين بعسر القراءة هم من الذين تأخروا في النطق (Snow, Burns, & Editors, 1998). ويُشير فرنسيس وآخرونFrancis et al في دراسة أجروها إلى وجود ارتباط بين عسر القراءة، والبطء في تطور ذاكرة المعسرين قرائياً (كيرك وكالفانت، 2013).
ثالثاً ـ العوامل البيئية:
نقصد بها الأسباب البيئية المكتسبة التي قد يعاني منها الطفل ذو عسر القراءة؛ نتيجة عدم تكيفه مع بيئته المحيطة به. ويشير ديرابورن Deraborn إلى أن صعوبة القراءة ترجع إلى عدم تمكين الطفل من استخدام تفضيله في إحدى يديه أثناء الكتابة؛ حيث يؤدي الضغط عليه وإرغامه في التحول من استخدام إحدى يديه المفضلة إلى الأخرى إلى ظهور الأخطاء في القراءة، والكتابة تتمثل في قلب الحروف أو إبدالها (الملا، 1989). ويُشير هارسHarris في دراسة أجرها على الأطفال المعسرين قرائياً إلى أن 50% منهم يواجهون مشاكل في التكيف الانفعالي (الملا، 1989). كما تُشير حنا والشماش (1995) إلى أن عسر القراءة يعود لأسباب؛ منها عدم الاستقرار الانفعالي المتمثل في عدم القدرة على التكيف البيئي؛ نتيجة نقل الطفل من مدرسته إلى مدرسة أخرى، أو تغير سكنه.
ويُشير هاريس Harris وجورج George في دراستين منفصلتين إلى أن خبرات الفشل التي يواجهها الطفل الذي يعاني من عسر في القراءة أثناء تكيفه الانفعالي مع مجتمعة، وإخفاقه المتكرر في تحقيق ما هو متوقع منه من قبل المحيطين به؛ تؤدى به إلى الشعور بالخوف وعدم الثقة في النفس، التي تقود بالتالي إلى ظهور مشكلة في القراءة (مدانات، 2001).
ويرى بول Poule أن تحصيل الطفل ذي عسر القراءة في مهارات القراءة يعتمد على ما يشعر به من مناخ أٌسرى صحي، حيث أن الأطفال الذين ينتمون إلى أُسر متوترة لا شك أن تعلمهم للقراءة يكون في حالة توتر وقلق وعدم استقرار ذهني، وذلك يؤثر خاصة على الفهم القرائي. على عكس الأطفال الذين ينشؤون في جو أسرى مستقر (Mussen, 1973). ويرى أحمد ومصطفى (2000) أن الأسلوب الخاطئ في تعليم القراءة قد يؤدي بالضرورة إلى عُسر في القراءة لاحقاً.
وعلى الرغم من تعدد أسباب عسر القراءة، إلا أننا لا نجدها منفصلة تماماً. حيث يمكن القول إن عسر القراءة له منشئ وراثي في الأصل أدى إلى ظهور مشكلة نمائية؛ أثرت في تطور أساليب التعلم لدى المعسرين قرائياً، وبالتالي عدم القدرة على التكيف مع البيئة المحيطة.
المراجع
- احمد احمد، وفهيم مصطفى. (2000). الطفل ومشكلات القراءة (المجلد 1). القاهرة، مصر: الدار المصرية اللبنانية.
- احمد عبد الكريم حمزة. (2008). سيكولوجية عسر القراءة. عمان: دار الثقافة.
- راضي الوقفي. (2001). الصعوبات التعليمية في اللغة العربية (المجلد 1). عمان، الأردن: كلية الأميرة ثروت.
- الزيات، فتحي. (1998). صعوبات التعلم: الأسس النظرية والتشخيصية والعلاجية: اضطراب العمليات المعرفية والقدرات الأكاديمية. القاهرة: دار النشر للجامعات.
- سناء عورتاني طيبي، عبد العزيز السرطاوي، عماد محمد الغزو، وناظم منصور. (2009 أ). مقدمة في صعوبات القراءة. عمان: دار وائل.
- فاضل حنا، وعيسى الشماس. (1995). الطفل وتعلم القراءة. دمشق، سوريا: دار مشرق.
- كيرك، وكالفانت. (2013). صعوبات التعلم الاكاديمية والنمائية. (زيدان السرطاوي، وعبد العزيز السرطاوي، المترجمون) عمان، الأردن: دار المسيرة.
- محمد علي كامل. (1996). سيكولوجية الفئات الخاصة (المجلد 1). طنطا، مصر: دلتا للطباعة.
- محمد البيلي، عبد المجيد نشواتي، نبيل محمد، وعبد الحافظ الشايب. (1993). صعوبات التعلم في مدارس المرحلة الابتدائية بدولة الامارات العربية المتحدة (دراسة مسحية). تم الاسترداد من أطفال الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة http://www.gulfkids.com/pdf/LD_UAE.pdf
- محمود فندي العبد الله. (1997). تأثير برنامج علاجي مقترح في تحسين القدرة القرائية لطلبة الصف السادس الأساسي، ممن يعانون من صعوبات في القراءة (الدسلكسيا) في مدارس مديرية الأغوار الشمالية. كلية التربية. أربد، الأردن: جامعة اليرموك.
- مدانات، أوجيني. (2001). الطفل ومشكلاته القرائية في الصفوف الابتدائية الأولى. عمان، الأردن: دار مجدلاوي.
- الملا، بدرية. (1989). برنامج مقترح لعلاج بعض مظاهر التأخر في القراءة الجهرية لدى تلميذات الصف الرابع الابتدائي بدولة قطر. مجلة ثقافة الطفل، الصفحات 174-178.
- نصرة جلجل. (2003). الدسلكسيا الإعاقة الخفية. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.
- Mussen, P. H. (1973). The psychological development of the child (Vol. 2). New Jersey, USA: Prentice-Hall
عضو هيئة التدريس قسم التربية الخاصة
جامعة الملك سعود – تخصص صعوبات التعلم
البريد الالكتروني:
- [email protected]
- [email protected]
- موقع الكلية: http://faculty.ksu.edu.sa/almahrej/default.aspx
- التويتر: almahrej
التدريس الجامعي
تدريس أكثر من (17) مقرر جامعي في مجال التربية الخاصة
المؤهـــلات العلمية
الدكتـوراه (2015): عنوان الرسالة: فاعلية طريقة سلانجرلاند في تعلم القراءة للأطفال الذين يعانون من عسر القراءة في نظرية أورتون.
الماجستير (2005): مجال صعوبات التعلم جامعة Mochester Metropoliton في المملكة المتحدة.
التأليف
تأليف (8) كتب باللغة العربية والانجليزية:
- ديسليكسيا Dyslexia
- المختصر المفيد في علم النفس التربوي
- عسر القراءة: دليل الباحثين والمهنيين (تم نشره في ألمانيا).
المؤتمرات
- حضور أكثر من (8) مؤتمرات في مجال التربية والبحث العلمي والتعليم العالي خلال الفترة 2016 إلى 2017.
المقالات العلمية
- نشر أكثر من (10) مقالات علمية باللغتين والانجليزية حول موضوع التربية الخاصة.
خدمة المجتمع
- تشخيص الأطفال ذوي صعوبات التعلم في بعض مدن ومحافظات المملكة العربية السعودية.
- المشاركة في إعداد دليل معلم صعوبات التعلم في المملكة العربية السعودية.
- تأسيس لجنة تطوير برامج صعوبات التعلم في المملكة العربية السعودية.
- تقديم الاستشارات التطوعية من خلال عدد من الجمعيات التخصصية.
- إنشاء حسابين فيسبوك وتويتر للإجابة عن الاستفسارات حول مجال صعوبات التعلم.
خبرات التدريب
تقديم ورش تدريبية في مجال صعوبات التعلم لصالح:
- الأمانة العامة لجائزة التعليم للتميز.
- الهيئة الملكية للجبيل وبنبع الصناعية.
- مركز الملك سلمان الأبحاث الإعاقة.
عضويات العلمية
- عضو سابق في اللجنة العلمية رئيس فريق تحكيم فئة المرشد الطلابي ولجنة التحكيم لجائزة التعليم للتميز في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 2012 حتى 2018.
- عضو سابق في اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي لصعوبات التعلم في العام 2006.
الأبحاث
- نشر (3) أبحاث في مجال عسر القراءة والاشراف التربوي في مجال صعوبات التعلم.
شهادات الشكر
حاصل على عدد من شهادات الشكر والتقدير من قبل عدد الجهات مثل:
- إدارة العامة للتعليم الرياض.
- الأمانة العامة للتربية الخاصة.
- الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
- مركز الملك سلمان الأبحاث الإعاقة.
- الجمعية السعودية للتربية الخاصة (جستر).
- تكريم من قبل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر آل سعود أمير منطقة الرياض في حفل تخريج طلاب الدورة الستين من طلاب جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية.
عضويات الجمعيات واللجان
- عضو مجلس إدارة الجمعية الخيرية لصعوبات التعلم.
- عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للتربية الخاصة (جستر).
- عضو عامل الجمعية السعودية لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (أفنا).
- عضو في أكثر من (20) لجنة تربوية في وزارة التعليم.