أخيّتي الحبيبة
سبحان من بكت من خشيته العيون، سبحان قاضي الحاجات
سبحان مقسّم الأرزاق، سبحان هادي الضال إلى طريق الهدى والصلاح..
سبحان الله.. والحمد لله.. ولا إله إلا الله.. والله أكبر..
أخيّة..
إن لله في أحكامه وأقداره على وجه هذه الأرض ما هو دال على حسن تنظيمه، وما هو دال على أنه القادر فوق قدرة عبيده.. والعبد يريد.. والله يريد.. ولكن الله (فعّال) لما يريد..
غاليتي..
انتابتني اليوم قشعريرة في جسدي لتذكري كيف يعذب المسلمون في السجون وكيف تعذب المسلمات الطاهرات في سجون المغتصب! وكأنني تصورت نفسي في هذه المرتبة من الابتلاء.
فقلت: ماذا عساني فاعلة؟ ماذا عساي فاعلة وهم ينتفون شعر رأسي.. أو ما عساني فاعلة وهم يغرسون الإبر في صدري.. أو عساني فاعلة وهم يقطعون وينزعون بالحديد نزعاً ظفراً من بين أحشاء إصبعي؟
تذكرت ما هو أشد من هذا وذاك.. تذكرت ـ والحمد لله ـ عذاب جهنم.. وليكن قبله عذاب القبر.. اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر..
إيه أخيّة..
هي سويعات وهذا العبد في (الدنيا) تحت العذاب، وهي سنون وأبداً لا يعلم مداها (في الآخرة) إلا الله تبارك وتعالى.
فقلت ـ والحمد لله ـ: هل أنا سأتحمل ذاك العذاب في الدنيا لأتحمله في الآخرة؟!
لا يعلم الإجابة إلا ربي (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) (النجم ـ 23).
أيتها الحبيبة..
إن يفقد المؤمن الحق ماهيته الإسلامية المتميزة بشخصه وخلقه، يجد ذل هوى النفس.. ومن ثم ذل الخوف من عبيد الله، وهو بالتالي ذل بالشرك مع الله ـ جل علاه.
ومن ضمن هذه الماهية ـ قيام الليل ـ فهو الدليل لكل شيء.. فمنه البصيرة إن كان المرء مخلصاً في خلوته مع ربه.. ومنه القوة ومنه الهيبة.. ومنه خشية الله حق الخشية.. ومنه معرفة الله حق المعرفة..
فإن رزقك الله إياه فلا تنسينا من دعائك الطيب، فلا يفقد المرء المسلم نعمة قيام الليل إلا لذنوب قد اقترفها.. وما مُنِع منه إلا لاغتراره بنفسه.
ابنتي العزيزة..
لقد رزقك الله بحمده ومنّه الزوج الصالح، فاسألي الله له الثبات والمغفرة والرحمة.. ولا تركني إلى الدنيا بل انظري إلى ما عند الله، وكوني له عوناً وعضداً.. ولا تكوني له فتنة، فقد قال الله قولة الحق: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم).
نعم..
إن لله عباداً اختلفوا في كيفية طاعته.. وهذا رحمة بالبشرية جمعاء.. فمنهم.. ومنهم.. ومنهم من يخشى الله حتى في المشتبه من الأمور، فليجعل هذه الخشية بينه، وبين الله لأنه بنصح الغير بها يولّد البدع.. ويولّد الشدة، ويولّد الخلاف..
إيه بنيّة..
إن الله عدل يحب العدل.. فقد قيل: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما شادّ الدين أحد إلا غلبه».. ونحن ما شددنا في الدين وغلونا أو ابتعدنا عن الدين وانغمسنا في هوى النفس إلا.. إلا بجهلنا بديننا الحنيف القويم، ففيه اليسر، وفيه الرحمة.. ألا فإنه نور من الله.. ألا فهل هناك أعلم بالنور الذي يناسب عبيده إلا هو..
غاليتي
لم لا يجعل المرء المسلم يوماً من أيام عمره المديد، في سنة من عمره يوماً يُطلق عليه (يوم مجاهد) يعيش فيه يتحدث عن الجهاد وأهله، يقرأ عنهم، يعيش مثل عيشهم في هذا اليوم.. ففيه تربية للنفس، وفيه ترطيب للسان، وفيه تطهير للقلب، وفيه تذكير بأهل الباطل، وفيه تذكير بأهل الحق.. وفيه تذكير بمعيّة الله..
فلا تقولي تشديد فهو والله تذكير.. لا تقولي ليس هو بواقع فهو والله (عين) الواقع.. ولكننا نيام على أسرة دافئة، ولكننا في الحديد نتمرّغ.. فكيف بيوم تذكير، يكون يوم تشديد؟
في لحظة غفلة..
قلتها من ضعف نفس بشرية.. من إنسان هو مخلوق. فله ذلك، شرط ألا يتمادى به إلى عمل باطل في الظاهر يُغضب الله..
قلت: لم الصالحون يبكون.. وهم الصلاح فيها موسوم؟ أليس هذا تشديد؟
ولم البكاء فما فعلوا منكراً، ولم يذنبوا ذنباً يغضب الله، ولم يفعلوا الكبائر.. والحمد لله إذ لم يفعلوا إلا الصغائر.. فلم البكاء؟ ولم الخوف من عذاب القبر؟ ولم الخوف من عذاب النار؟
إيهٍ..
اليس في ذاك المقال كذباً…! أليس هذا المقال تعدٍّ على الله؟ فما أدراك يا نفس ما هو في الصحائف مدون؟ وما أدراك ما مقامك عند الله مبين؟ أتطمعين بالجنة؟ فهلا نظرت إلى أهلها.. فمن هم؟ نعم إنهم الأنبياء والصالحون، والصادقون والشهداء..
ومن هم.. إنهم أعظم الخلق لاقوا البلاء.. أعظم الخلق تلقوا مكاره هذه الدنيا الفانية.. التي هي كحاجة الإنسان! ـ يا سبحان الله ـ وما حاجة الإنسان إلا ذات رائحة كريهة ينبذها الإنسان، ويخجل أن يراه أحد وهو في ذاك الحال..
إذن فكيف تحكم هذه النفس على أنها صالحة؟ فهل تتحمل نار الدنيا ولو للحظة؟ إن أجابت بنعم فلها.. ولكن هيهات.. هيهات لمغرور أن يلامس جسده الجنان قبل النار.. وماذا يوقنك أيتها النفس بأن بعد النار جنّة.. فما يؤول مصير نفس مغرورة تتمادى بالغرور.. إلا الكفر والجحد به، وهي لا تعلم حتى تصبح وهي تعلم بغرورها..
فاللهم ارحمنا.. اللهم ارحمنا.. اللهم طهر قلوبنا، وزكِّ نفوسنا.. اجعلنا في أعيننا صغاراً.. وبسترك في أعين الناس كباراً. اللهم علِّمنا.. اللهم ربِّنا.. اللهم ربنا على طاعتك.. فأنت خير مربٍ..
اللهم استودعناك نفوسنا فربها خير تربية.. أنت خير من يربيها.