داخل أروقة جامعة النيل ذلك الصرح الأكاديمي المتميز ساد السكون في لحظات الترقب بكل ما تحمله من قلق وخوف في لحظة إعلان نتيجة مسابقة الأولمبياد الدولي للروبوت 2018.. لتعلن لجنة التحكيم عن فوز خمس فرق من الصم وضعاف السمع بالمراكز الأولى في تصميم وبرمجة وإبداع روبوت كرة القدم.. إنهم الصم.. وكما عودونا دائماً.. الإبهار.. التميز.. في مسابقات الروبوت داخل مصر وخارجها.
فريق Cute Panda بقيادة المدرب الأصم محمد صلاح وفريقه من ضعاف السمع دعاء جلال وهاجر أحمد وروان على حصل على المركز الأول في مسابقة روبوت كرة القدم، تلاه فريق Fast cheetah بقيادة المدرب الأصم أيضا نادر شريف وفريقه من الصم المبدعين فاروق محمود ومريم حافظ وروان سمير حصل على المركز الثاني في مسابقة روبوت كرة القدم، ثم الفريق الثالث وهو فريق Robo Giraffe بمدربه المبدع الأصم أيضا جمال محمود وفريقه المتميز أمين على ومحمد صبري وآدم هشام حصل على المركز الثالث في مسابقة روبوت كرة القدم.
ليدوي بعدها تصفيق حاد وإعجاب وتقدير لجان التحكيم وجهة التنظيم ممثلة في مركز Ideas Gym بل وكافة المشاركين وأولياء أمورهم الحضور.. إنه إبداع عقول مبتكرة يافعة وأنامل صادقة تعبر بحركاتها عن لغة خاصة بين الصم دمجوا فيها مصطلحات الروبوت في تصميمه بل ودمجوا لغة برمجة الروبوت داخل لغتهم الإشارية يتبادلون بها حوارهم في صمت ويتناقلون خلالها بعقولهم الفذة استراتيجيات تصميم وبرمجة الروبوت إنه حقا عالم من الابداع..
أما تصفيات مسابقة الروبوت بالإسكندرية والتي سبقت عقد الأولمبياد الدولي للروبوت بالقاهرة والخاصة بالفئة العمرية Elementary فقد عقدت بالجامعة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا ببرج العرب بالإسكندرية وقد حقق فيها فريق Horse Power المركز الأول بينما حقق فريق سترونغ أو إكس (Strong OX) للفئة العمرية Junior High المركز الثاني وسط تجمع من الفرق جميعهم من السامعين. وقد تم تكريم الفرق وتوزيع الكؤوس عليهم من قبل البروفيسور مساكي سوزوكي رئيس الجامعة اليابانية الذي عبر عن إعجابه الشديد بأداء فرق الصم في المسابقة بالدرجة التي يستحقون فيها دعمهم بالبرامج الاكاديمية والجامعية.. فهم بأدائهم المبدع يستحقون دعم كافة المؤسسات التعليمية لهم..
وجه مشرق حولنا يتابع حديثنا وحوارنا المتبادل مع الفرق الفائزة من الصم والمسئولين إنها المهندسة مروة سعووي منظم مسابقة الأولمبياد الدولي للروبوت بمصر.. حيث عبرت عن سعادتها قائلة: إن جمعية أصداء للارتقاء بالصم وضعاف السمع هي منظومة وكيان يهتم بالصم ويهتم بقيمتهم الانسانية يهتم بوجودهم على أرض الواقع بل وتحديهم للسامعين في مصر والعالم أجمع، فكان لابد أن أضع هذا الأمر ليكون في أولويات تفعيل مشاركتهم بالمسابقة عاماً بعد عام، فكان لا بد من أن أقوم بالدفع نحو دعم هذه الفرق وها نحن نجد منهم فريقاً مرشحاً للسفر إلى تايلاند ليمثل مصر في مسابقة الروبوت الدولية..
وتضيف: إن انبهاري بهم وبأدائهم سيدفعني لأن أعلن عن هذا الأداء المبهر وهذه العقول الصغيرة المتفتحة المبدعة في كافة المحافل ذات العلاقة بالمسؤولية المجتمعية سنهتم بالإعلام عنهم ليجدوا مكانتهم في المجتمع ولتضعهم الدولة ضمن أولوياتها… إنهم بحق يستحقون أن يجدوا طريقهم ومكانتهم في هذا الوطن.. لقد انتزعوا منا بؤرة اهتماماتنا واجبرونا بعقولهم وأدائهم وحركات أناملهم المبدعة أن نؤكد لهم بأننا من نتشرف بأن نكون وسطهم وأن ندعم إبداعاتهم فهم بحق مستقبل مصر.
ومن خلال الروبوت تزرع كل القيم.. التعاون.. الرأفة.. الاندماج.. المحبة.. مساعدة الآخرين.. فالروبوت ومسابقاته ليس مجرد لعبة.. لكنه حياة يحياها الصم بكافة جوانبها وأبعادها.. يحياها الصم ويتفاعلون مع بعضهم.. فيتألقون وتنمو خلالها حياتهم الإبداعية في البحث والعلم..
إن الروبوت هو اللعبة التي أبدعت في تهذيب الصم.. علمتهم الصبر.. واحترام الرأي والرأي الآخر.. بل أن الروبوت يغمر الصم بفرحة لا توصف عند الفوز..
إن تلك الزهور الصماء المنتشرة داخل جامعة النيل خلال فعاليات مسابقة الأولمبياد الدولي للروبوت بفئاتهم العمرية واختلاف مجموعات الروبوت بمسابقاتها وبرغم صمتهم نجدهم بحركات أناملهم الحثيثة وبشاشة الوجه وابتسامة تأكيد الوجود أوجدوا لأنفسهم لغة خاصة فيما بينهم بل أنها لغة متفردة بين الصم وبين تلك الروبوتات التي يشاركون بها ويتسابقون خلالها في فعاليات المسابقة وسط السامعين وكأنهم الأقدر على التواصل مع روبوتاتهم عن السامعين.. تدفعهم أحلامهم البسيطة في النجاح والتميز بأن يؤكدوا على إثبات الذات.. بالتحدي.. بالإصرار.. بالعزيمة.. وصولاً إلى الفوز..
إن مسابقات الروبوت أصبحت للصم محفلاً يحققون من خلاله احترام الآخرين لهم وتضعهم أمام التحدي في مواجهة وحل المشكلات وتتيح لهم الفرصة الكاملة في الإبداع وإثبات الوجود..
لقد اعتدنا منهم أن نجد بداخلهم طاقات من نور.. تبهر من حولهم في حسن أدائهم.. لنجد براعم تتفتح يحدوها الأمل في الفوز.. يلفتون الانتباه.. يقولون في سكون (نحن هنا… نحن قادرون..).
هاجر أحمد.. وجه مشرق يملؤها الأمل والثقة والإبداع.. تعلنها بصوت مسموع: نحن على موعد مع الفوز في المسابقة الدولية للروبوت بتايلاند.. نثق بأدائنا وإبداعنا وبقدراتنا.. لقد أبهرنا الروبوت ذاته لنبهر به الآخرين.. مشاركين وجهات تنظيم ولجان تحكيم..
أما روان علي بابتسامتها التي تؤكد على أن التفاؤل والأمل هو نمط حياة يعيشونه معاً عبرت بلغة الإشارة على أن هذه هى مشاركتها الثانية في المسابقات الدولية للروبوت قائلة: سنرفع علم مصر عالياً ونقدر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا في تلك المشاركة الدولية سنؤكد للجميع أننا قادرون وأننا نستحق أن نجد من كافة مؤسسات الدولة وهيئاتها كل الاحترام وكل التقدير بل سنبهر الجميع بإبداعنا سنهدي فوزنا وتميزنا بإذن الله لكل الصم في مصر والعالم عرفاناً بتواجدنا.. إنه تاريخ من البطولات لم يتعد السنوات العشر ولكننا حققنا خلاله إنجازات تلو الإنجازات تؤكد على قيمتنا الإنسانية..
أكملت روان علي حديثها قائلة: لقد شاركت مع فريق من الصم وحصلنا على المركز الأول بمسابقة الليجو للروبوت عام 2015، وها أنا ذا وفريقي نحقق من جديد المركز الأول في الأولمبياد الدولي للروبوت بمصر في مسابقة الروبوت لكرة القدم وأصبحنا من نمثل مصر بالمسابقة الدولية للروبوت فهل سنجد من يهتم بنا ويتولى توفير الرعاية لدعم مشاركتنا بالمسابقة الدولية بتايلاند.. لقد حققنا النجاح بأيدينا فهل يوجد في بلدنا من يهتم بأمرنا.. هل نجد من يرى هذا النجاح الذي بذلناه جهداً وعلماً وتدريباً وصولاً إلى هذا المستوى المتميز والمتفرد من الأداء.. هل سنجد من يدعم رفع علمنا المصري في هذا المحفل التنافسي بتايلاند.. إننا نستحق حقاً أن نجد مكاننا وسط المجتمع بجهدنا وعلمنا وبدعم مؤسسات دولتنا مصر لنا..
وسط تلك الإشارات التي تبدعها أنامل الصم وجدنا شاباً يتبادل الحديث بين الصم المشاركين بالمسابقة وبين لجان التحكيم يصل بينهم دمج لغة الكلام مع لغة الإشارة خلال ترجمة فعاليات المسابقة وأحكامها وشروطها للفرق المشاركة.. إنه محمد دياب مدرب الصم المبدع في مجال الروبوت..
تبادلنا معه أطراف الحديث وعيناه لا تغيبان عن متابعة أداء فريقه من الصم بين الحين والآخر يتحدث معنا وعيناه في الأفق ترى فرقه وأبناءه من الصم وضعاف السمع في إبداعهم يخترقون في صمت عالم الروبوت فبدأ حديثه قائلاً: أتعامل مع الصم والسامعين في مسابقات الروبوت ولا أنكر أن البدايات كانت منذ عام 2010 مع الصم يملؤوني بالأمل ويغمروني بإبداعهم ويرفعون مستوى الدافعية لدي لتصل إلى أعلى ما بداخلي.. يدفعوني دفعاً نحو الإبداع والابتكار عقولهم ليست بصامتة.. أناملهم ليست بساكنة.. عيونهم ليست لترى فقط.. إنهم حواس عامرة بالفكر والتميز.. إن أناملهم يملؤها صخب من الأفكار والابتكار.. إنهم حقاً استثمار في صمت…
سامي جميل مؤسس جمعية أصداء للارتقاء بالصم ذلك الأب الروحي للصم.. متبنى قضايا الصم وإبداعاتهم في مجال الروبوت ظلت الابتسامة على وجهه لا تفارقه ابتسامة تعني الثقة بأبنائه الصم.. تحدث باعتزاز: أنا فاقد للسمع في أذني اليسرى منذ الولادة وابن الأم صماء وخال أصم وأنا جزء من هذا العالم الصامت في صوته والصاخب المبدع في أدائه وفخور جداً بهم.. إنها رحلة طويلة محلياً وعربياً ودولياً ليست هادفة للروبوت بل هى تأكيد بأننا كمجتمع للصم وضعاف السمع الأقدر على أن نحمل مع السامعين راية الإبداع والأقدر على دفع عجلة التنمية.
لا ننتظر إدماجنا من المجتمع.. بل نحن من دمجنا أنفسنا بأيدينا.. بإبداعنا.. بقدراتنا.. لقد بهرنا العالم قبل مصر.. إن الصم وضعاف السمع أبناء جمعية أصداء هم حديث مؤسسي منظمات ومؤسسات الروبوت المحلية والعربية والعالمية. إن الصم هم حديث لجان التحكيم وجهات تنظيم مسابقات الروبوت على المستوى الدولي.. ألا تفتخر بنا بلادنا في الوقت الذي ينتظر العالم كله إبداعنا في مسابقات الروبوت الدولية..
ولكن للأسف لا زالت مصرنا الغالية صامتة عن أدائنا.. أدائنا نحن الصم الذي دوى صوته في العالم أجمع ولا نسمع له دوياً في مصر.. ولكننا من ندوي بصمتنا وجودنا في بلدنا الغالي..