مع تسارع إيقاع الحياة المعاصرة، واشتداد وطأة الضغوط المعيشية والاجتماعية والمهنية، وكثرة الزحام والضوضاء، تزايدت نوبات القلق والإرهاق والصداع التي بات كثير من الناس يشكون من معاناتهم المتصاعدة منها. وللتخلص من ألم الصداع تحديداً، يلجأ كثير من الناس إلى الحل السهل وهو ابتلاع قرصين من أقراص معالجة الصداع الشائعة. بيد أن هذا الحل السهل أصبح في الآونة الأخيرة هدفاً لانتقادات لاذعة من قبل الأطباء وخبراء الصحة النفسية والعصبية.
تقول البروفيسورة جيليان لينغ، وهي طبيبة أعصاب بريطانية مرموقة، ونائبة مدير المعهد الوطني لجودة الرعاية الصحية البريطاني المعروف اختصاراً بـ (نايس Nice): )إن الناس الذين يتناولون مسكنات الألم بكثرة لمعالجة نوبات الصداع التوتري من الممكن أن يسببوا لأنفسهم مزيداً من الألم).
وفي مقابلة مع وسائل إعلام بريطانية، قالت البروفيسورة لينغ: (من المهم أن يدرك الناس أن الصداعات المختلفة تتطلب علاجات مختلفة، ولذلك يصبح التشخيص الصحيح مهماً وأساسياً للغاية).
وأضافت: (قد لا يعلم الناس أن الإفراط في تناول بعض أنواع الأدوية المخصصة لمعالجة الصداع التوتري أو الصداع النصفي (الشقيقة)، قد يجعل الحال أسوأ، ويؤدي لمزيد من الألم).
ويعكف باحثو المعهد الوطني لجودة الرعاية الصحية (نايس) على إصدار توجيهات وإرشادات جديدة، تعين الأطباء على معالجة الأشخاص الذين يعانون من نوبات الصداع.
ويأمل الباحثون في أن تؤدي الإرشادات لضمان تلقي المرضى للعلاج الصحيح.
ويقول سام شونغ، وهو اختصاصي أعصاب عمل مع معهد جودة الرعاية الصحية لإعداد إرشادات معالجة نوبات الصداع: (إن السيطرة الفعالة على نوبات الصداع تعتمد على إعداد تشخيص صحيح والاتفاق على خطة علاج ملائمة. فالاستخدام الزائد لأدوية الصداع، يعد مشكلة شائعة).
وتنوه أبحاث علمية إلى أن الاستخدام المتكرر لعقاقير مثل: (كودين، باراسيتامول، أيبوبروفين وأسبيرين) يمكن أن تكون السبب الرئيسي الذي يؤدي لمعاناة الناس من الصداعات المتكررة، وقد أظهرت دراسات علمية أن ما يتراوح بين ربع وثلثي من يعانون من الصداع يفرطون في استخدام مسكنات الألم. وهم يتناولون العقاقير لفترات طويلة من الزمن.
ويقول الباحثون: إنه كلما زاد تناول مسكن الألم زادت مقاومة الجسم له. ولذلك يلجأ المريض لتناول مسكن ألم أقوى. وحينما يضعف أثر الدواء، قد يصاب مرضى الصداع بردة فعل إنسحابية تعرف بالصداع الارتدادي، تدفعهم لأخذ مزيد من الأدوية والعقاقير.
والسبب الذي يؤدي لحدوث نوبات الصداع الارتدادي غير معروف بدقة، بيد أن العلماء يعتقدون أن الاستخدام المفرط لمسكنات الألم يؤثر في انسياب إشارات الألم للأعصاب. وهذه المشكلة شائعة أكثر وسط النساء (لأن أرجحية إصابة النساء بالصداع النصفي تبلغ 5 أضعاف أرجحية إصابة الرجال).
وتحذر الدكتورة آن ماغريغر، مديرة الأبحاث السريرية في مشفى (سيتي) بلندن المتخصص بعلاج الصداع النصفي: (أن استخدامك المفرط للأدوية سيؤدي إلى إصابتك بالصداع حتى حينما تستيقظ من النوم، ولأن عتبة الألم الخاصة بك تكون في أدنى مستوياتها، فإن مسكنات الألم تكون قد فقدت مفعولها أثناء الليل).
وتضيف: (أن استخدام مسكنات الألم مرتين أو ثلاثة في الأسبوع لا بأس به. لكن المشكلات تبدأ حينما تؤخذ بتكرار أكثر. والحل الوحيد للصداعات الارتدادية هو الامتناع عن أخذ الأدوية التي تسبب هذه الصداعات).
قسم الخدمة الإجتماعية بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية