منذ القدم لجأ الإنسان إلى طرق ووسائل طبيعية عديدة لعلاج الأمراض والعلل التي يعاني منها وللتخفيف من الإعاقات التي تصاحب هذه الأمراض، فقد استخدم ينابيع الماء الحارة وأشعة الشمس والزيوت والأعشاب الطبيعية والرمل الساخن والروائح المختلفة لعلاج أمراضه أو تطوير قدراته.
إلا أن استخدام الحيوانات في علاج الأمراض لم يبدأ إلا حديثاً وفي القرن الثامن عشر على وجه التحديد مع أن بعض الكتابات اليونانية القديمة أشارت إلى حالات فردية من الأشخاص ذوي الإعاقة تحسنت قدراتهم الحركية نتيجة ممارسة ركوب الخيل وتعود هذه الكتابات إلى عام 600 قبل الميلاد.
العلاج باستخدام الحيوانات
تشير الكثير من المصادر التاريخية إلى مؤسسة علم التمريض الحديث والتي تدعى فلورانس نايتينجيل (1860) التي لاحظت أن الحيوانات الصغيرة (الحيوانات المنزلية) كانت أفضل رفيق للأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة والتي تقعد المصاب بها مدة طويلة أو تعزله عن أفراد المجتمع الآخرين وتحد من حركته. وأشارت إلى أن الأشخاص الذين يمضون مدة طويلة في مكان واحد مثل المستشفى أو دار النقاهة أو المنزل نتيجة المرض الذي يعانون منه سوف يجدون نوع من المتعة والتسلية عند وجود طير صغير في الغرفة التي يمضون حياتهم بها مما ينعكس بشكل ايجابي على نفسيتهم وسرعة تماثلهم للشفاء.
وفي القرن الثامن عشر وفي انجلترا على وجه التحديد استخدم يورك ريتريت Yourk Retreat الحيوانات في علاج الأشخاص المصابين بأمراض نفسية وذلك بهدف التقليل من الأدوية التي يتعاطونها والتقليل من تقييد حريتهم أو حجزهم في أماكن مغلقة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الحيوانات بشكل واسع في الجلسات العلاجية التي تمت في مستشفى القوات الجوية (دار النقاهة) Army Air Corps Convalescent وذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي جلسات العلاج هذه تم تشجيع المرضى على العمل بمزرعة الحيوانات الملحقة بدار النقاهة، ويعد هذا التاريخ البداية الحقيقية لاستخدام الحيوانات في العلاج، حيث أصبح من الأمور الشائعة في الكثير من البرامج التأهيلية والعلاجية.
استخدام الحيوانات في علاج الأشخاص ذوي الإعاقة
استخدام الحيوانات في علاج الأمراض أو في تطوير القدرات المختلفة عند الأشخاص المصابين بإعاقات وأمراض مزمنة من الممكن أن يتم على مستويات وأشكال مختلفة. فقد يكون هذا النوع من العلاج بهدف الوقاية بمعنى الحيلولة دون ظهور إعاقات أو اضطرابات مصاحبة ومن الممكن كذلك أن يكون على شكل تدخل علاجي يهدف إلى علاج أعراض معينة عند الشخص المصاب أو تطوير قدراته في مجالات محددة.
العلاج بحيوان الدولفين
بدأ التفكير في استخدام حيوان الدولفين في علاج الأفراد ذوي الإعاقة في الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينات القرن الماضي، ويُعد الدكتور دافيد ناثنسون David Nathanson المختص بعلم النفس والذي عمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً أول من وضع الأسس النظرية في هذا النوع من العلاج، وتقوم هذه الأسس على أن الانتباه والتركيز والقدرة على التواصل عند الأشخاص ذوي الإعاقة سوف تتطور نتيجة الرغبة في التفاعل مع حيوان الدولفين وذلك عند استخدام هذا الحيوان كمعزز عند الاستجابة المعرفية أو الحركية أو العاطفية الصحيحة. وهناك أهداف خاصة توضع لكل طفل على حدة اعتماداً على طبيعة المشاكل أو الاضطرابات التي يعاني منها.
من أوائل الدراسات التي أجريت حول فوائد استخدام حيوان الدولفين في علاج الأطفال ذوي الإعاقة تلك التي تمت في ولاية فلوريدا في عام 1978 حيث وجد دكتور ناثنسون أن أداء الأطفال من ذوي متلازمة داون Down Syndrome في مهارات تتضمن حفظ جمل أو فقرات من قصص قصيرة أفضل وأسرع بأربع مرات وذلك في حالة استخدام السباحة مع الدولفين كمعزز، وكتفسير لهذه النتيجة يشير الباحث إلى أن مشكلة الأطفال المعاقين ذهنياً هي في الانتباه والتركيز على المثير لذلك تنخفض قدرتهم على التعلم وبزيادة الدافعية لديهم للانتباه والتركيز تتحسن مهاراتهم.
توالت بعد ذلك الدراسات والتي أشارت جميعها إلى النتائج الايجابية والآثار الجيدة التي يتركها استخدام حيوان الدولفين في علاج الأطفال ذوي الإعاقة بما في ذلك المصابين بالإعاقات الحركية المختلفة مثل الشلل وضعف الحركة والشلل الدماغي واضطراب التوحد وعجز الانتباه والتركيز واضطرابات اللغة والتواصل وإصابات العمود الفقري والمصابين بالإعاقات حسية مثل فقدان السمع أو البصر والإعاقات النمائية، وفي عام 1995 بلغ عدد الجلسات العلاجية التي تمت في أحد المراكز المختصة بهذا النوع من العلاج في ولاية فلوريدا الأمريكية أكثر من خمسة آلاف جلسة علاجية على مدار العام. ونتيجة الطلب المتزايد على العلاج باستخدام الدولفين ازداد عدد المراكز المختصة بهذا النوع من العلاج وأصبحت تنتشر خارج الولايات المتحدة في القارة الأوروبية وفي دول عديدة في آسيا وفي استراليا.
نتائج العلاج باستخدام حيوان الدولفين
يهدف العلاج بالدولفين إلى زيادة النشاط الحسي والفسيولوجي عند الشخص ذي الإعاقة، ويتم برنامج التدريب في بركة ماء معدة خصيصاً لهذا الهدف تضم حيوان الدولفين المدرب والمعالج الذي يدرب الأطفال على السباحة معه ولمسه أو إطعامه واحتضانه، والكثير من الدراسات أشارت إلى تطور كبير يطرأ على قدرات الطفل المعاق في نواحي ومجالات مثل:
- تطور وتحسن القدرة على التواصل، وخصوصا عند ذوي اضطراب طيف التوحد.
- زيادة الانتباه والتركيز عند المصابين بضعف الانتباه والتركيز.
- زيادة الثقة بالنفس.
- تطور في المهارات الحركية الدقيقة والغليظة Gross and Fine motor Skills.
- تطور في التنسيق الحركي Co-ordination.
- تطور في التواصل البصري وفي حواس مثل اللمس.
- تطور في جهاز المناعة.
- تغيرات ايجابية في النواحي العاطفية عند الطفل.
ويشير المختصون إلى أن العلاج بالدولفين يعمل على التخفيف من الأعراض التي تصاحب الإعاقات المختلفة من خلال تعزيز عملية التخلص من هذه الأعراض. وللتأكيد على ذلك تم جمع عينات من الدم وتحليلها قبل البدء بجلسات العلاج وبعد الانتهاء من جلسات العلاج بالدولفين وأظهرت النتائج إلى حدوث تغيرات في مستوى هرمونات وأنزيمات معينة في الدم وكذلك تغير في T-cells، وهناك دراسات في عدد من الجامعات ومراكز الأبحاث تحاول توضيح سبب هذه التغيرات الايجابية وظهرت في سبيل ذلك عدد من النظريات والتي من أهمها:
العلاج في بيئة أو ظروف محببة ومفرحة للطفل
السباحة مع الدولفين واللعب معه يؤدي إلى ظهور استجابات عاطفية عميقة عند الطفل وإطلاق أو التخلص من مشاعر وأحاسيس مدفونة. ومن المعتقد ان الاستجابة إلى العلاج تكون أفضل بسبب التعزيز الذي يحصل عليه الطفل والسعادة التي يشعر بها عند السباحة مع الدولفين مما يعزز قدرته على التعلم والاستجابة الصحيحة، وهناك اعتقاد لدى بعض الباحثين إلى أن حيوان الدولفين لديه نوع من الإحساس بموطن الضعف الجسدي أو الإعاقة عند الطفل وبأن الدولفين يشجع الطفل على استخدام هذه المناطق الضعيفة.
نظرية الصوت
بالنسبة لباحثين آخرين يعود سبب الآثار الايجابية التي يحدثها العلاج بالدولفين إلى إيقاع واهتزاز الصوت الذي يخرجه الحيوان وترددات هذا الصوت والتي تؤثر على الناحية العاطفية عند الطفل والأمر مشابه لما يحدث في (العلاج بالصوت)، ويشير الباحث Cole إلى أن السباحة مع الدولفين تحدث تغيرات في أنسجة وخلايا معينة في الجسم وتفسيره لذلك هو أن حيوان الدولفين لديه (جهاز سونار طبيعي Natural Sonar) يصدر موجات صوتية ذات تردد عالٍ لتحديد موقع الأشياء وللتواصل مع الحيوانات الأخرى وتسمى هذه العملية بـ (التعرف على الموقع من خلال الصدى Echolocation). وهذه الأصوات التي تصدر عن الدولفين مكثفة إلى درجة أنها تحدث فجوات أو فتحات في جزيئات سوائل الجسم أو أنسجته الرقيقة، ويعتقد هذا الباحث أن الترددات الصوتية لها تأثير عميق على دماغ الإنسان من خلال التأثير على نشاط الموجات الدماغية.
وهناك دراسات أخرى لاحظت حدوث زيادة في التنسيق (المزامنة Synchronisation) بين شقي الدماغ عند العلاج باستخدام الدولفين وهذا يعني تواصل أفضل بين شقي الدماغ مما يعزز القدرة على التعلم.
بقي أن نشير إلى أن العلاج بالدولفين ومع آثاره الايجابية التي لاحظها العاملون في مجال الإعاقة وأولياء الأمور، وأكدتها معظم الدراسات إلا انه غير متاح لجميع الأفراد ذوي الإعاقة بسبب ارتفاع تكلفته وعدم توفره في عدد كبير من البلدان.