لم يكن ذلك صدفة..
إنما هناك عوالم كثيرة جعلتني اهتم بهذا النوع من الكتب:
· كعضو مؤسس للعديد من الجمعيات الأهلية التي تهتم بالأطفال ذوي الإعاقة، على غرار جمعية الرفيق للأطفال بدون سند، وجمعية المروءة للأطفال ذوي الاعاقات المتعددة، وجمعية ابن سينا للطفل الانطوائي أو التوحدي…
· العمل على تأسيس روضة أطفال (دار حضانة) صلب (جمعية ابن سينا) لاحتضان الأطفال الصغار ذوي الإعاقة عامة والأطفال الانطوائيين الصغار والصغار جداً (بين 2 و5 سنوات) والأطفال من غير ذوي الإعاقة بهدف الاندماج والتفاعل فيما بينهم.
· كانت الطريقة التعليمية والتربوية المعتمدة في هذه الدار هي الطريقة التي وضعتها الباحثة التربوية (البيداغوجية) الإيطالية ماريا مونتيسوري، هذه الطريقة التي تتوفر فيها وسائل تعليمية مختلفة تعتمد في البعض منها على توظيف جميع حواس الطفل.
· التفكير مع بعض الأصدقاء في تصميم وإنـجاز وصناعة مجموعة من هذه الوسائل منها الكتب والألعاب الذهنية والمجسمات التي تساعد الطفل وخاصة الكفيف على استيعاب وفهم الأشياء بتوظيف جميع حواسه خاصة منها السمع واللمس.
· كما أن مهنتي كأستاذ في المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس (اختصاص تصميم جرافيكي) مكنتني من طرح مجموعة من الإشكاليات العديدة والمختلفة في الرسم للأطفال ذوي الإعاقة عديدة منها: التصميم والرسم للأطفال ذوي الإعاقة (العديد من الطلبة الذين أطرتهم تناولوا بالبحث سنة تخرجهم محاور عدة لها علاقة بمواضيع تخص الأطفال فاقدي السمع والنطق … والطفل الانطوائي … وكذلك الطفل فاقد البصر..).
· كما أنني في يوم من أيام خريف 2003 كان لي اللقاء الأجمل في معرض للكتاب بمرسيليا بفرنسا حين التقيت صدفة السيد (فيليب كلوداي) مسؤول دار للنشر (الأصابع الحالمة) المختصة في الكتب اللمسية الموجهة للطفل فاقد البصر، عارضنا بعضا مما تنتج هذه الدار. وخلال هذا اللقاء اكتشفت لأول مرة أن هناك من يهتم بمثل هذه الكتب وينتجها وينشرها ويروج لها.
.. من يومها ومباشرة بعد رجوعي إلى تونس رتبت لاستضافة الصديق (فيليب) لحضور فعاليات معرض صفاقس لكتاب الطفل وعرض مجموعة من إنجازات هذه الدار وتقديم تجربته أمام طلبة المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس التي كانت حافزاً للعديد من الطلبة لتناول مثل هذه المواضيع بالبحث والدرس….
انطلاقاً من هذا اللقاء وبحكم اهتمامي بمثل هذه المواضيع من قبل.. ومن خلال تجربتي مع كتاب الطفل عامة حاولت تعميق دراستي وبحوثي في مجال كتاب الطفل من ذوي الإعاقة وبدأت أتساءل:
ü ما هو مستوى اهتمامنا بكتاب الطفل في العالم العربي؟
ü ما هي القيمة الفنية والتربوية لكتاب الطفل العربي.. مقارنة بما تتطلبه تطلعات المجتمعات العربية في هذا العصر ومقارنة بكتاب الطفل في العالم؟
ü ما هو مدى اهتمامنا بتربية الطفل من ذوي الإعاقة في العالم العربي…؟
ü هل يجب أن نكتفي في هذا العالم العربي بالمجهود الفردي للمتحمس لمثل هذه المواضيع؟
ü والسؤال المحرج جداً هو: في عصرنا هذا وفي يومنا هذا كم كتاب مرسوم موجه للطفل العربي فاقد البصر أنجزنا؟
في محاولة مني متواضعة وكإجابة عن هذه التساؤلات فكرت في:
بعث شعبه اختصاص في الجامعة التي أدرس فيها تهتم برسوم وتصميم كتب الأطفال.
تحسيس طلبتي للاهتمام بهذا الموضوع في مجال بحوثهم الجامعية.
إقامة عدة محاضرات وتنظيم العديد من الورشات حول هذا الموضوع في تونس وخارجها، منها بعض الورشات الخاصة بالكتب الموجهة للطفل ذوي الاحتياجات الخاصة وبالكتاب اللمسي.
وكلما تقدمت وتعمقت في البحث برزت أمامي تساؤلات جديدة:
ü هل للطفل العربي فاقد البصر إمكانية مشاركة صديقه الطفل المبصر في قراءة نفس الكتاب والتمتع برسومها؟ وكيف يمكن أن يكون ذلك؟
ü كيف يمكن مواجهة الإشكاليات التي تطرحها الرسوم اللمسية؟
ü ما هي الصورة التي نقدمها نحن الكبار والمبصرون إلى الطفل العربي فاقد البصر؟
ü ما هي الطريقة التي يجب أن نتوخاها لتحسيس أكبر عدد ممكن من المختصين في كتاب الطفل في العالم العربي من مسؤولين ورسامين وناشرين للاهتمام كذلك بكتاب الطفل فاقد البصر؟
في محاولة للإجابة على هذا السؤال الأخير، أعددت صحبة الأخ فيليب مسودة مشروع في هذا المجال تتلخص في جانبين اثنين:
1) الجانب الأول يتمثل في تصميم وإنجاز نموذجين لكتابين لمسيين عربيين نصا ورسما وانجازا (النص الأول للدكتورة نبيهة محيدلي أما النص الثاني فهو للأستاذ بيان صفدي) شكراً لهما لإيمانهما بجدوى هذا المشروع وللمساهمة في انجاز النموذجين.
2) الجانب الثاني من المشروع يتمثل في التفكير في إقامة مجموعة من الورشات في الكتاب اللمسي التي تستقطب رسامين عرب وطلبة في الفنون ومهتمين في مجال شؤون الطفل العربي فاقد البصر لتحسيس وتدريب أكثر عدد ممكن من الذين يهمهم الأمر في العالم العربي، وربما في وقت لاحق الخروج بنماذج لهذا النوع من الكتب من تصميم وإنجاز فكر عربي ويد عربية.
هذه الفكرة بدأنا تجسيدها في تجربة أولى أيام معرض الشارقة للكتاب الأخير. ثم اليوم ستكون التجربة الثانية ضمن فعاليات مؤتمر (إيبي ـ IBBY) الأول لمنطقة آسيا الوسطى وشمال أفريقيا.