(المفهوم، الأسباب، الأعراض، التشخيص، العلاج)
يتشكى الكثير من الآباء والأمهات من حالة التأخر الدراسي التي يعاني منها أبناؤهم، غير مدركين للأسباب الحقيقية وراء هذا التأخر وسبل علاجها، وقد يلجأ البعض منهم إلى الأساليب غير التربوية والعقيمة، كالعقاب البدني مثلاً في سعيهم لحث أبنائهم على الاجتهاد. ولا شك أن الأساليب القسرية لا يمكن أن تؤدي إلى تحسين أوضاع أبنائهم، بل على العكس يمكن أن تعطي نتائج عكسية لما نتوخاه.
مفهوم التأخر الدراسي
اختلف العلماء في تحديد مفهوم التأخر الدراسي تبعاً لتداخل العوامل المسببة له، وبناء على ذلك منهم من عرفه تبعاً لمنظور نسبة الذكاء أي أنها الحالة التي تتدنى فيها نسبة ذكاء الفرد، حيث أشار (طلعت عبد الرحيم 1402 هـ) إلى أن اللجنة الأمريكية للضعف العقلي أوضحت سنة 1963 أن نسبة ذكاء المتأخرين دراسياً تبدأ من 70 إلى 90.
وهناك من عرف التأخر من منظور التحصيل الدراسي فأشار ابراهام ويلرد إلى أن التأخر الدراسي هو الحالة التي يجد فيها المتأخر أن المقرر الدراسي من الصعب استيعابه إلا بعد أن يحدث لهذا المقرر نوع من التكيف التعليمي أو التربوي والتعامل مع المقرر بدرجة كبيرة تجعله متكيفاً مع متطلبات قدرته على التحصيل الدراسي.
كما يعرف (محمد جميل 1401هـ) التأخر الدراسي بأنه حالة تأخر أو نقص في التحصيل لأسباب عقلية أو جسمية أو اجتماعية أو انفعالية بحيث تنخفض نسبة التحصيل دون المستوى العادي.
التعريف الإجرائي للتأخر الدراسي
التأخر الدراسي هو انخفاض الدرجات التي يحصل عليها الطالب في الاختبارات الموضوعية للمواد الدراسية عن 50%من الدرجة الكاملة سواء في الاختبارات الفصلية أو الاختبارات والأعمال الشهرية.
أنواع التأخر الدراسي
يختلف التأخر الدراسي من تلميذ إلى آخر، ولكل نوع من التأخر الدراسي أسبابه وظروفه وسبل معالجته وإجمالاً يمكن تحديد أنواعه بما يأتي:
- التأخر الدراسي المرضي: ويتطلب هذا النوع علاجاً طبياً، وغالباً ما يكون علاجه صعباً.
- التأخر غير طبيعي: وهذا النوع يمكن علاجه بالوسائل التربوية العلمية، وهو ما يمكن أن تقوم به المدرسة بالتعاون مع البيت، وهذا النوع من التأخر يمكن أن يكون في جميع الدروس، وقد يكون تأخراً في بعض الدروس، وقد يكون تأخراً في درس واحد فقط، وقد يكون التأخر وقتياً، وقد يستمر وقتاً طويلاً، ولكل نوع من هذه الأنواع مسبباته ووسائل علاجه.
ما هي العوامل المسببة للتأخر الدراسي؟
إن أهم العوامل التي تسبب التأخر الدراسي هي:
العامل العقلي: كالتأخر في الذكاء بسبب مرضي أو عضوي.
العامل النفسي: كضعف الثقة بالنفس، أو الكراهية لمادة معينة، أو كراهية معلم المادة بسبب سوء معاملته لذلك التلميذ، وأسلوب تعامل الوالدين مع أبنائهم.
العامل الجسمي: ككون التلميذ يعاني من عاهة أو أي إعاقة بدنية، على سبيل المثال.
العامل الاجتماعي: ويتعلق هذا العامل بوضع التلميذ في البيت والمدرسة، وعلاقاته بوالديه، ومعلميه، وأخوته، وأصدقائه.
إن هذه العوامل كلها ذات تأثير مباشر في التأخر الدراسي لدى التلاميذ، وعلى ضوء دراستها نستطيع أن نعالج التلاميذ المتأخرين دراسياً والذين تثبت مقاييس الذكاء أن تأخرهم أمر غير طبيعي.
ومما تجدر الإشارة إليه أن التأخر الدراسي لدى التلاميذ يصاحبه في أغلب الأحيان الهرب من المدرسة والانحراف نحو الجرائم، من سرقة واعتداء وغيرها، ذلك أن التلاميذ الفاشلين في دراستهم يستجيبون أسرع من غيرهم لهذه الأمور بسبب شعورهم بالفشل، وعدم القدرة على مواصلة الدراسة والتحصيل، ولو تتبعنا أوضاع وسلوك معظم المنحرفين لوجدنا أنهم خرجوا من بين صفوف التلاميذ المتأخرين دراسياً.
أسباب التأخر الدراسي
إن التأخر الدراسي نتاج عوامل متعددة ومتداخلة تتفاوت في قوتها ومضاعفاتها بين فئات المتأخرين دراسياً. بين هذه العوامل ما يظهر مبكراً في حياة الطالب وبينها ما يتأخر ظهوره ومنها ما يظهر مباشرة وبينها ما يبدو في عدد من الأعراض. كما أن بعض هذه العوامل وقتي وعارض وبعضها دائم. ويمكن تصنيف تلك العوامل إلى:
1 ـ عوامل عقلية:
- انخفاض نسبة الذكاء.
- عدم القدرة على التركيز.
- الشرود والسرحان.
- بطء القراءة.
- صعوبة التعامل مع الأرقام.
- العجز عن التذكر والربط بين الأشياء.
2 ـ عوامل جسمية:
- ضعف البنية.
- الإصابة بأحد الأمراض.
- ضعف السمع.
- ضعف البصر.
- تضخم اللوزتين.
- زوائد أنفية.
- صعوبة في النطق.
3 ـ عوامل البيئة الاجتماعية:
- انخفاض مستوى دخل الأسرة.
- ضعف إمكانات الأسرة.
- عدم توفر الجو المناسب للمذاكرة.
- انشغال الطالب بالعمل.
- انخفاض المستوى الثقافي للأسرة.
- فقدان التشجيع.
- تواضع آمال وطموحات الأسرة.
- خلافات أسرية.
- الحرمان من أحد الوالدين.
- سلبية المعاملة واضطراب العلاقة مع الوالدين.
- الصحبة السيئة للرفاق.
4 ـ عوامل نفسية:
- اضطراب الانفعالات.
- القلق / الخوف / الخجل.
- ضعف الثقة بالنفس.
- كراهية تجاه المادة الدراسية.
- كراهية تجاه المدرس أو المدرسة.
- الشعور باليأس والقنوط.
- وساوس.
- تخيلات.
5 ـ عوامل شخصية:
- سوء استخدام الوقت وتنظيمه.
- انخفاض الدافعية للتعلم.
- الجهل بطرق الاستذكار.
- غياب متكرر.
- عدم اهتمام بالواجب.
- تأجيل الدراسة أو الاستذكار إلى نهاية العام.
6 ـ عوامل مدرسية:
- أسلوب معاملة المدرسين.
- موقف إدارة المدرسة السلبي.
- عدم توفر الكتب.
- عدم كفاية المدرسين.
- عدم اهتمام المدرس بمشاكل الطلاب.
- عدم القدرة على التكيف مع المدرسة.
- صعوبة وكثرة الواجبات.
- طبيعة الاختبارات.
- عدم اهتمام المدرس بالطالب.
- عدم اهتمام المدرس بالمادة.
أعراض التأخر الدراسي:
يمكن تلخيص أهم أعراض التأخر الدراسي فيما يلي:
- نقص الذكاء (أقل من المتوسط) أو الضعف العقلي.
- الأعراض العقلية (تشتت الانتباه، ونقص القدرة على التركيز، وضعف الذاكرة وضعف التفكير الاستنتاجي، وهروب الأفكار، واضطراب الفهم).
- التحصيل (بصفة عامة دون المتوسط، وفي مواد خاصة ضعيف).
- الأعراض العضوية (الإجهاد، والتوتر، والكسل، والحركات العصبية واللازمات).
- الأعراض الانفعالية (العاطفة المضطربة، والقلق، والخمول والبلادة، والاكتئاب والتقلب الانفعالي، والشعور بالذنب، والشعور بالنقص والفشل والعجز واليأس، والغيرة، والحقد، والخجل، والاستغراق في أحلام اليقظة، وشرود الذهن، والتعويض والعدوان أو التخريب).
- أعراض أخرى (قلة الاهتمام بالدراسة، والغياب المتكرر من المدرسة، والهروب، وأحياناً الجنوح).
تشخيص التأخر الدراسي
وهي المحاولة الواعية لمعرفة طبيعة التأخر الدراسي والعوامل المسببة لها وكيفية تفاعلها في إحداث التأخر وذلك بهدف وضع الخدمات العلاجية المناسبة.
وهناك مجموعة من الوسائل المستخدمة في التشخيص هي:
الاختبارات المقننة، السجل الشامل، بطاقة التحصيل الدراسي، الفحوص الطبية، ملاحظات المرشد والمدرس، ملاحظات الطبيب النفسي، ملاحظات الوالدين.
إن معالجة مشكلة التأخر الدراسي لدى أبنائنا تتطلب منا الاستعانة بالأساليب التربوية الحديثة، والقائمة على العلم، فهي المنارة التي يمكن أن نهتدي بها للوصول إلى ما نصبوا إليه لأبنائنا ولأجيالنا الناهضة من تقدم ورقي وهذا بدوره يتطلب منا الإجابة على الأسئلة التالية:
- كيف نحدد التأخر الدراسي؟
- ما هي أنواع التأخر الدراسي؟
- ما هي مسببات التأخر الدراسي؟
- كيف يمكن علاج التأخر الدراسي؟
تحديد التأخر الدراسي:
لكي نستطيع تحديد كون التلميذ متأخر دراسياً أم لا، ينبغي إجراء الاختبارات التالية:
- اختبارات الذكاء.
- اختبارات القدرات.
- اختبارات التكيف الشخصي والاجتماعي.
وسأحاول أن أقدم لمحة عن هذه الاختبارات وما يمكن أن تكشفه لنا كل واحدة منها من معلومات هامة ومفيدة تساعدنا على التعرف على مستوى ذكاء التلميذ، وما إذا كان عمره العقلي يتناسب مع عمره الزمني، أم انه أعلى، أم أدنى من ذلك، وتدلنا على الوسائل التي يمكن الاستعانة بها لمعالجة أسباب تأخره، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، وتلافي الهدر الذي يمكن أن يصيب العملية التعليمية والتربوية إذا ما أهمل هذا الجانب من الاختبارات.
أولاً ـ اختبارات الذكاء:
الذكاء يعني كما هو معلوم: القدرة على التعلم واكتساب الخبرات، وكلما زاد الذكاء، زادت القدرة على التعلم، وطبيعي أن الأطفال جميعاً يختلفون بعضهم عن بعض بنسبة الذكاء، كاختلافهم في القدرة الحركية سواء بسواء.
ولقد كان العلماء فيما مضى يهتمون بدرجة الذكاء لدى الطفل بصورة عامة، إلا أن الأبحاث الجديدة كشفت أن للذكاء أنواعاً متعددة، فقد نجد تلميذاً متفوقاً في الرياضيات، ولكنه ضعيف في الإنشاء والتعبير. إن لاختبارات الذكاء أهمية قصوى وينبغي أن تأخذها مدارسنا بالحسبان لكي تستطيع أن تؤدي عملها بنجاح.
ماذا تكشف لنا اختبارات الذكاء؟
- تعرفنا هذه الاختبارات إن كان تحصيل التلميذ متفقاً مع قدراته، أم أن تحصيله أقل من ذلك، وإلى أي مدى؟
- تساعدنا على تقبل نواحي النقص أو الضعف لدى التلميذ، فلا نضغط عليه، ولا نحمله ما لا طاقة له به، فيهرب من المدرسة، ويعرض مستقبله للخراب.
- تساعدنا على تحديد نواحي الضعف التي يمكن معالجتها لدى التلميذ.
- توضح لنا الفروق الفردية بين التلاميذ، ولهذا الأمر أهمية بالغة جداً، لا يمكن لأي معلم ناجح الاستغناء عنها.
- تساعدنا هذه الاختبارات على تحديد نواحي القوة والتفوق لدى التلميذ، والتي يمكن الاستعانة بها على معالجة نواحي الضعف لديه.
- تساعدنا هذه الاختبارات على توجيه التلميذ الوجهة الصحيحة، فلا يكون معرضاً للفشل وضياع الجهود والأموال.
وهكذا يتبين لنا أن الاهتمام بمثل هذه الاختبارات يتسم بأهمية كبيرة إذا ما أردنا النجاح في عملنا التربوي، وتجنبنا إضاعة الجهود، وحرصنا على أحوال التلاميذ النفسية، وجنبناهم كل ما يؤدي إلى الشعور بالفشل، وضعف الثقة بالنفس، وعدم القدرة، والشعور بالنقص، وربما يلجأ التلميذ إلى الهروب من المدرسة إذا ما وجد نفسه غير قادر على القيام بواجباته المدرسية شأنه شأن بقية زملائه في الصف.
أنواع اختبارات الذكاء:
هناك نوعان من اختبارات الذكاء:
أ ـ نوع يقيس القدرة العقلية بصورة عامة:
ويوضح لنا العلاقة بين [العمر العقلي] و[العمر الزمني] للتلميذ، وتعبر عنه هذه النتيجة بـ [نسبة الذكاء] حيث تقاس نسبة الذكاء بحاصل قسمة العمر العقلي على العمر الزمني مضروباً في 100 فلو فرضنا أن طفلاً عمره الزمني يعادل 10 سنوات، وأن نتائج اختبارات الذكاء بينت أن عمره العقلي يعادل 9 سنوات فإن نسبة الذكاء لديه تساوي 90%.
ومن الواضح أن التلميذ المتوسط تكون نسبة ذكائه 100 %
ومن كان نسبة ذكائه ما بين 80 إلى 90% كان دون المتوسط.
ومن كان نسبة ذكائه من بين 90 إلى 110 كان متوسط الذكاء.
ومن كانت نسبة ذكائه ما بين 110 إلى 120 كان ذكياً
ومن كانت نسبة ذكائه ما بين 120 إلى 140 كان ذكياً جداً.
ومن كان نسبة ذكائه ما فوق 140 كان التلميذ عبقرياً.
ب ـ نوع يقيس الأنواع المختلفة للقدرات العقلية:
ويبين لنا موطن الضعف، وموطن القوة، إلى جانب الذكاء الكلي، وطبيعي أن هذا النوع أدق من الاختبار الأول.
كان علماء النفس يعتقدون أن نسبة الذكاء ثابتة، غير قابلة للتغيير، ولا زال البعض منهم يأخذ بهذه الفكرة، غير أن الدلائل تشير إلى أن النمو في قدرة الطفل العقلية لا تسير على وتيرة واحدة، وبشكل منتظم، بل تتخلله حالات من البطء، وحالات من السرعة، وهي تتوقف على طبيعة النمو وعوامله المختلفة.
إن الذكاء يتأثر حتماً بالتفاعل بين عاملي [الوراثة] و[البيئة]، وإذا ما تبين أن ذوي التلميذ لا يعانون من أي عوق أو إعاقة عقلية أو اضطرابات نفسية، وإذا ما توفرت البيئة الصحية والطبيعية الملائمة، فإن النمو يجري على أحسن وجه.
غير أن هناك حقيقة لا ينبغي إغفالها وهي أن اختبارات الذكاء قد لا توصلنا إلى حد الكمال، بسبب وجود عوامل مختلفة تؤثر على مدى دقتها، كالمرض والاضطراب النفسي، والخبرة التي اكتسبها الطفل من بيئته لأنها تلعب دوراً مهماً في الموضوع. وعلى كل حال يمكننا أن نحصل على النتائج المفيدة إلى حد بعيد، إذا ما كانت الاختبارات التي نجريها دقيقة، وإذا ما أخذنا في الاعتبار جميع العوامل المؤثرة في هذا المجال وينبغي لنا أن نؤكد على أن نجاح التلميذ في اختبارات الذكاء لا يعني أنه لن يفشل في دراسته العليا، إذا ما أجبر على دراسة فرع لا يرغب به، وليست له القدرة عليه، ولذلك لابدّ وأن تكون هناك اختبارات أخرى تحدد الاتجاه الذي ينبغي للتلميذ أن يسلكه.
ثانياً ـ اختبار القدرات:
وهذا النوع من الاختبارات له أهمية خاصة، حيث أنه لا يعطينا فقط مستوى قدرة التلميذ في مجال ما، في الوقت الذي جرى فيه الاختبار، وإنما يتعداه إلى كشف المستوى الذي يمكن أن تبلغه قدراته في هذا المجال، إذا ما نال الرعاية والعناية اللازمتين من مربيه في البيت والمدرسة.
ومن الأنواع الشائعة لهذه الاختبارات:
- اختبار القدرة الموسيقية.
- اختبار القدرة الفنية من رسم ونحت وتمثيل.
- اختبار القدرة الميكانيكية.
- اختبار القدرة الأدبية.
وبهذه الأنواع من الاختبارات نستطيع أن نحدد قابلية التلميذ في هذه المجالات، ومدى إمكانية تطوير هذه القابلية في أي منها، كي نوجهه الوجهة الصحيحة التي تمكنه من النجاح فيها بتفوق.
ثالثاً ـ اختبارات التكيف الشخصي والاجتماعي:
وهذه الاختبارات تكشف لنا عن ميول التلميذ، ومزاجه، ومشاكله الشخصية، وهي لا تعطينا إجابات محددة، صحيحة أو خاطئة، عن الأسئلة المطروحة، والتي يطلب فيها من التلميذ الإجابة بما يشعر به، بل تقيس جميع مظاهره الشخصية.
وهذا النوع من الاختبارات له أهمية بالغة بالنسبة لعمليتي التربية والتعليم، وذلك لأن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه التربية الصحيحة، ويعلمهم بسهولة ويسر، إلا إذا فهم كل تلميذ فهماً صحيحاً، من حيث الميول، والرغبات، والمزاج، والتعرف على المشاكل التي يعانيها في البيت والمدرسة، ويعمل على تذليلها.
بقي لي كلمة أخيرة أقولها بكل أسف ومرارة، أن المدارس في معظم ما يسمى بالعالم الثالث لا تهتم بهذه الأنواع من الاختبارات، وجل اهتمامها ينصب على اختبارات التحصيل الدراسي، بل لا أغالي إذا قلت إن الكثير من المعلمين لم يسمعوا عن هذه الاختبارات، ولا يعرفوا شيئاً عنها، وهكذا بقيت الأساليب التربوية والتعليمية مبتورة، وسببت ضياع الجهود والإمكانيات لدى الأبناء، وعلى هذه المدارس أن تغير من أساليبها، لتلافي نواحي النقص فيها إذا شاءت النهوض بشعبها إلى مصاف الأمم المتقدمة الأخرى.
سمات الطلاب المتأخرين دراسياً
يتصف الطالب المتأخر دراسياً ببعض الخصائص والسمات مجتمعة أو منفردة والتي أوضحتها بعض الدراسات والبحوث النفسية من أهمها ما يلي:
1 ـ السمات والخصائص العقلية:
مستوى إدراكه العقلي دون المعدل.
ضعف الذاكرة وصعوبة تذكره للأشياء.
عدم قدرته على التفكير المجرد واستخدامه الرموز.
قلة حصيلته اللغوية.
ضعف إدراكه للعلاقات بين الأشياء.
2 ـ السمات والخصائص الجسمية:
لا يكون في صحته الجسمية الكاملة وقد تكون لديه أمراض ناتجة عن سوء التغذية.
لديه مشكلات سمعية وبصرية أو عيوب في الأسنان وتضخم في الغدد أو اللوزتين أو زوائد أنفية.
3 ـ السمات والخصائص الانفعالية:
فقدان أو ضعف ثقته بنفسه.
شرود الذهن أثناء الدرس.
عدم قابليته للاستقرار وعدم قدرته على التحمل.
شعوره بالدونية أو شعوره بالعداء.
نزوعه إلى الكسل والخمول.
سوء توافقه النفسي.
4 ـ السمات والخصائص الشخصية والاجتماعية:
قدرته المحدودة في توجيه الذات أو التكيف مع المواقف الجديدة.
انسحابه من المواقف الاجتماعية والانطواء.
5 ـ العادات والاتجاهات الدراسية:
التأجيل أو الإهمال في إنجاز أعماله أو واجباته.
ضعف تقبله وتكيفه للمواقف التربوية والعمل المدرسي.
ليست لديه عادات دراسية جيدة.
لا يستحسن المدرسة كثيراً.
كيف نعالج مسألة التأخر الدراسي؟
إن معالجة مسألة التأخر الدراسي للنوع الثاني [غير الطبيعي] تتوقف على التعاون التام، والمتواصل بين ركنين أساسيين:
أولاً ـ البيـت
ونعني بالبيت طبعاً مهمة الآباء والأمهات ومسؤولياتهم بتربية أبنائهم تربية صالحة، مستخدمين الوسائل التربوية الحديثة القائمة على تفهم حاجات الأبناء وتفهم مشكلاتهم وسبل تذليلها، والعائلة كما أسلفنا هي المدرسة الأولى التي ينشأ بين أحضانها أبناؤنا ويتعلموا منها الكثير.
ولا يتوقف عمل البيت عند المراحل الأولى من حياة الطفل، بل يمتد ويستمر لسنوات طويلة حيث يكون الأبناء بحاجة إلى خبرة الكبار في الحياة، وهذا يتطلب منا:
- الإشراف المستمر على دراستهم، وتخصيص جزء من أوقاتنا لمساعدتهم على تذليل الصعاب التي تجابههم بروح من العطف والحنان والحكمة، والعمل على إنماء أفكارهم وشخصياتهم بصورة تؤهلهم للوصول إلى الحقائق بذاتهم، وتجنب كل ما من شأنه الحطّ من قدراتهم العقلية بأي شكل من الأشكال، لأن مثل هذا التصرف يخلق عندهم شعوراً بعدم الثقة بالنفس ويحد من طموحهم.
- مراقبة أوضاعهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم بزملائهم وأصدقائهم، وكيف يقضون أوقات الفراغ داخل البيت وخارجه، والعمل على إبعادهم عن رفاق السوء، والسمو بالدوافع، أو الغرائز التي تتحكم بسلوكهم وصقلها، وإذكاء أنبل الصفات والمثل الإنسانية العليا في نفوسهم.
- العمل على كشف مواهبهم وهواياتهم، وتهيئة الوسائل التي تساعد على تنميتها وإشباعها.
- مساعدة أبنائنا على تحقيق خياراتهم، وعدم إجبارهم على خيارات لا يرغبون فيها.
- تجنب استخدام الأساليب القسرية في تعاملنا معهم، وعدم النظر إليهم، والتعامل معهم وكأنهم في مستوى الكبار، وتحميلهم أكثر من طاقاتهم، مما يسبب لهم النفور من الدرس والفشل.
- مساعدتهم على تنظيم أوقاتهم، وتخصيص أوقات معينة للدرس، وأخرى للراحة واللعب مع أقرانهم.
ثانياً ـ المدرسـة
المدرسة هي المؤسسة التي تعمل على إعداد الأجيال وتهيئتهم ليكونوا رجال المستقبل مسلحين بسلاح العلم والمعرفة، والقيم الإنسانية السامية لكي يتواصل تقدم المجتمع الإنساني، ويتواصل التطور الحضاري جيلاً بعد جيل. وهكذا نجد أن المدرسة لها الدور الأكبر في إعداد أبنائنا الإعداد الصحيح القائم على الأسس العلمية والتربوية القويمة.
إن المهمة العظيمة والخطيرة الملقاة على عاتق المدرسة تتطلب الإعداد والتنظيم الدقيق والفعال للركائز التي تقوم عليها المدرسة والتي تتمثل فيما يلي:
- إعداد الإدارة المدرسية.
- إعـداد المعلمـين.
- إعداد جهاز الإشراف التربوي.
- إعداد المناهج والكتب المدرسية.
- نظام الامتحانات وأنواعها وأساليبها.
- تعاون البيت والمدرسة.
- الأبنية المدرسية وتجهيزاتها.
إن هذه الركائز جميعاً مترابطة مع بعضها بعضاً، وكل واحدة منها تكمل الأخرى، ويتوقف نجاح العملية التربوية والتعليمية في المدرسة على تلازم وتفاعل هذه الركائز ببعضها، وكلما توطدت وتعمقت حركة التفاعل هذه استطاعت المدرسة تحقيق ما تصبو إليه من خلق جيل واعٍ، متسلح بسلاح العلم والمعرفة، وملتزم بالأخلاق والمثل الإنسانية العليا.
علاج التأخر الدراسي:
أن الكثيرمن حالات التأخر الدراسي يعود كما أسلفنا إلى أسباب متعددة ولتحسين مستوى تحصيل الطالب لابد من التشخيص الدقيق لنقاط الضعف لديه ولبحث عن الأسباب ومن ثم وضع العلاج المناسب.
وعادة يتم علاج التأخر الدراسي في إطارين:
أولهما: توجيه المعالجة إلى أسباب تأخر الطالب في دراسته سواء اجتماعية، صحية اقتصادية.. الخ.
ثانيهما: توجيه المعالجة نحو التدريس أو إلى مناطق الضعف التي يتم تشخيصها في كل مادة من المواد الدراسية باستخدام طرق تدريس مناسبة تراعى فيها الفروق الفردية. وتكثيف الوسائل التعليمية والاهتمام بالمهارات الأساسية لكل مادة والعلاقات المهنية الايجابية بين المدرس والطالب.
ويتم تحقيق تلك المعالجات من خلال تحديد الخدمات الإرشادية والعلاجية المناسبة لكل حالة ويمكن تقسيم هذه الخدمات إلى:
أولاً: خدمات وقائية:
- خدمات التوجيه والإرشاد الأكاديمي والتعليمي.
- الخدمات التعليمية.
- خدمات صحية.
- خدمات توجيهية.
- خدمات إرشادية نفسية.
- خدمات التوجيه الأسرية.
ثانياً: خدمات علاجية:
- العلاج الاجتماعي.
- الإرشاد النفسي.
- العلاج التعليمي.
أولاً – الخدمات الوقائية:
وتهدف إلى الحد من العوامل المسؤولة عن التأخر الدراسي وأهم هذه الخدمات:
- التوجيه والإرشاد الأكاديمي والتعليمي. وتتمثل في تبصير الطلاب بالخصائص العقلية والنفسية ومجالات التعليم العام والفني والمهني والجامعات والكليات ومساعدة الطلاب على اختيار التخصص أو نوع التعليم المناسب.
- الخدمات التعليمية وتتمثل في توجيه عناية المدرس إلى مراعاة الفروق الفردية أثناء التعليم أو التدريس وتنويع طرق التدريس واستخدام الوسائل التعليمية، وعدم إهمال المتأخرين دراسياً.
- خدمات صحية وتتمثل في متابعة أحوال الطلاب الصحية بشكل دوري ومنتظم وتزويد المحتاجين منهم بالوسائل التعويضية كالنظارات الطبية والسماعات لحالات ضعف البصر أو السمع، وإحالة الطلاب الذين يعانون من التهاب اللوزتين والعيوب في الغدد الصماء وسوء التغذية إلى المراكز الصحية أو الوحدات الصحية المدرسية لأخذ العلاج اللازم.
- خدمات توجيهية وتتمثل في تقديم النصح والمشورة للطلاب عن طرق الاستذكار السليمة ومساعدتهم على تنظيم أوقات الفراغ واستغلالها وتنمية الوعي الصحي والديني والاجتماعي لديهم وغرس القيم والعادات الإسلامية الحميدة وقد يتم ذلك من خلال المحاضرات أو المناقشات الجماعية أو برامج الإذاعة المدرسية وخاصة في طابور الصباح أو من خلال النشرات والمطويات.
- خدمات إرشادية نفسية وتتمثل في مساعدة الطلاب على التكييف والتوافق مع البيئة المدرسية والأسرية وتنمية الدوافع الدراسية والاتجاهات الايجابية نحو التعليم والمدرسة ومقاومة الشعور بالعجز والفشل ويتم ذلك من خلال المرشد الطلابي لأسلوب الإرشاد الفردي أو أسلوب الإرشاد الجماعي حسب حالات التأخر ومن خلال دراسة الحالة.
- خدمات التوجيه الأسرية وتتمثل في توجيه الآباء بطرق معاملة الأطفال وتهيئة الأجواء المناسبة للمذاكرة ومتابعة الأبناء وتحقيق الاتصال المستمر بالمدرسة وذلك من خلال استغلال تواجد أولياء الأمور عند اصطحاب أبنائهم في الأيام الأولى من بدء العام الدراسي وأيضاً من خلال زيارة أولياء الأمور للمدرسة بين فترة وأخرى وكذلك عند إقامة مجالس الآباء والمعلمين… الخ.
ثانياً: خدمات علاجية:
وتهدف إلى إزالة العوامل المسؤولة عن التأخر الدراسي من خلال:
- العلاج الاجتماعي.
- الإرشاد النفسي.
- العلاج التعليمي.
1 ـ العلاج الاجتماعي:
ويستخدم هذا الأسلوب إذا كان التأخر الدراسي شاملاً ولكنه طارئ حيث يقوم المعالج (المرشد الطلابي) بالتركيز على المؤثرات البيئية الاجتماعية التي أدت إلى التأخر الدراسي ويقترح تعديلها أو تغييرها بما يحقق العلاج المنشود.
ومن المقترحات العلاجية في هذا الجانب ما يلي:
- إحالة الطالب إلى طبيب الوحدة الصحية أو أي مركز صحي لإجراء الكشف عليه وتقديم العلاج المناسب.
- وضع الطالب في مكان قريب من السبورة إذا كان يعاني من ضعف السمع والبصر.
- نقل الطالب إلى أحد فصول الدور الأرضي إذا كانت لديه إعاقة جسدية.
- تقديم بعض المساعدات العينية أو المالية إذا كانت أسرة الطالب تعاني من صعوبات اقتصادية أو مالية في توفير الأدوات المدرسية للطالب.
- توعية الأسرة بأساليب التربية المناسبة وكيفية التعامل مع الأطفال أو الأبناء حسب خصائص النمو، وتعديل مواقف واتجاهات الوالدين تجاه الأبناء.
- إجراء تعديل أو تغيير في جماعة الرفاق للطالب المتأخر دراسياً.
- نقل الطالب المتأخر دراسياً من فصله إلى فصل آخر كجانب علاجي إذا اتضح عدم توافقه مع زملائه في الفصل أو عجزه عن التفاعل معهم، إذا كان السبب في التأخر له علاقة بالفصل.
- إحالة الطالب المتأخر دراسياً إلى إحدى عيادات الصحة النفسية أو مراكز التربية الخاصة لقياس مستوى الذكاء إذا كان المعالج يرى أن التأخر له صلة بالقدرات العقلية.
2 ـ الإرشاد النفسي:
وفيه يقوم المعالج (المرشد الطلابي) بمساعدة الطالب المتأخر دراسياً في التعرف على نفسه وتحديد مشكلاته وكيفية استغلال قدراته واستعداداته والاستفادة من إمكانيات المدرسة والمجتمع بما يحقق له التوافق النفسي والأسري والاجتماعي.
ومن المقترحات العلاجية في هذا الجانب ما يلي:
- عقد جلسات إرشادية مع الطالب المتأخر دراسياً بهدف إعادة توافق الطالب مع إعاقته الحركية والتخلص من مشاعر الخجل والضجر ومحاولة الوصول به إلى درجة مناسبة من الثقة في النفس وتقبل الذات.
- التعامل مع الطالب الذي لديه تأخر دراسي بسبب نقص أو إعاقة حركية بشكل عادي دون السخرية منه أو التشديد عليه.
- تغيير أو تعديل اتجاهات الطالب المتأخر دراسياً السلبية في شخصيته نحو التعليم والمدرسة والمجتمع وجعلها أكثر إيجابية.
- تغيير المفهوم السلبي عن الذات وتكوين مفهوم ايجابي عنه.
- مساعدة الطالب المتأخر دراسياً على فهم ذاته ومشكلته وتبصيره بها وتعريفه بنواحي ضعفه والأفكار الخاطئة وما يعانيه من اضطرابات انفعالية.
- تنمية الدافع (وخاصة دافع التعلم) وخلق الثقة في نفس الطالب التأخر دراسياً.
- إيجاد العلاقة الإيجابية بين المعلم والطالب المتأخر دراسياً وتشجيع المعلم على فهم نفسية الطالب المتأخر دراسياً وتحليل دواخله.
- التأكيد على المعلم بمراعاة التالي عند التعامل مع المتأخر دراسياً:
- عدم إجهاد الطالب بالأعمال المدرسية.
- عدم إثارة المنافسة والمقارنة بينه وبين زملائه.
- عدم توجيه اللوم بشكل مستمر عندما يفشل الطالب المتأخر دراسياً في تحقيق أمر ما، وعدم المقارنة الساخطة بينه وبين زملاء له أفلحوا فيما فشل هو فيه.
3 ـ العلاج التعليمي:
ويستخدم هذا الأسلوب إذا كان التأخر الدراسي في مادة واحدة أو أكثر وأن سبب التأخر لا يتصل بظروف الطالب العامة أو الاجتماعية أو قدراته العقلية، بل بطريقة التدريس. عندها يقوم المعالج (المرشد الطلابي أو المدرس) بالتركيز على كل ما له صلة بالمادة، المدرس، طريقة التدريس، العلاقة مع المدرس، عدم إتقان أساسيات المادة…الخ.
ومن المقترحات العلاجية في هذا الجانب ما يلي:
- إرشاد الطالب المتأخر دراسياً وتبصيره بطرق استذكار المواد الدراسية عملياً.
- مساعدة الطالب المتأخر دراسياً في وضع جدول عملي لتنظيم وقته والاستفادة منه في الاستذكار والمراجعة.
- متابعة مذكرة الواجبات المدرسية للطالب المتأخر دراسياً وإعطاؤه الأهمية القصوى في الإطلاع عليها وعلى الملاحظات المدونة من المدرسين.
- إعادة تعليم المادة من البداية للطالب المتأخر دراسياً والتدرج معه في توفير عامل التقبل ومشاعر الارتياح وتقديم الإشادة المناسبة لكل تقدم ملموس وذلك إذا كان السبب في التأخر يرجع إلى عدم تقبل الطالب لهذه المادة.
- عقد لقاء أو إجتماع مع المعلم الذي يظهر عنده تأخر دراسي مرتفع والتعرف منه على أسباب ذلك التأخر وما هي المقترحات العلاجية لديه. ثم التنسيق معه بعد ذلك حول الإجراءات العلاجية لذلك التأخر.
- عمل فصول تقويه علاجية لتنمية قدرات الطالب تسمح به للحاق بزملائه حيث يعتمد المعلم في تلك الفصول على استخدام الوسائل المعينة كعامل مساعد لتوصيل المعلومات.
(*) البحث مأخوذ من كتاب: مدخل إلى صعوبات التعلم لمؤلفه حمزة الجبالي.
المراجع:
جميل، محمد (1410 هـ)، (قراءة في مشكلات الطفولة)، ط1.
عبد الرحيم، طلعت حسن (1402 هـ)، (سيكولوجية التأخر الدراسي)، الدمام، دار الصلاح.