تنتج السينما الهندية سنوياً بلغاتها المختلفة أكثر من 1500 فيلم سنوياً، مما يتطلب التطرق إلى مواضيع مختلفة ومتعددة وفريدة من نوعها، ومن المواضيع التي تناولتها السينما الهندية موضوع الإعاقة، وقد انتجت عدد كبير من أفلام ما نستطيع إدراجه تحت مسمى (سينما الإعاقة)، ومن أبرز تلك الأفلام Guzaarish, Rainbow, Dhanak, Aby, Margarita with a Straw, Vimaanam, Hiccup, Oopiri & Iqbal.
ولكن واحداً من أبرز تلك الأفلام هو (BARFI) (بارفي) والذي أنتج في العام 2010، من إخراج أنوراغ باسو وبطولة رانبير كابور، بريانكا تشوبرا وإليانا دي كروز. وقد نال هذا الفيلم عدداً كبيراً من التكريمات والجوائز بلغت 35 جائزة و21 ترشيحاً منها ترشيحه كأفضل فيلم أجنبي في مهرجان الأوسكار في العام 2013، كما يعتبر واحداً من أفضل 250 فيلماً هندياً على مر التاريخ.
ليست الترشيحات والجوائز التي جعلت هذا الفيلم قطعة سينمائية فريدة، إنما العمل المتكامل، من إخراج قام به أنوراغ باسو، الذي استطاع من خلاله أن ينقل صورة بصرية فريدة، كما أن إدارته للممثلين وترشيحه لهم لم يكن عملاً سهلاً، فالممثلون لم يعرفوا أحداث الفيلم كلها، وقام كل ممثل بأداء دوره بعد حصوله على السيناريو الخاص بدوره فقط، لم يكن أحد يعرف تماماً نهاية الفيلم أو بقية أحداثه، فقد كان كل ممثل يتفاعل مع مشهده كما هو.
ورغم الصنعة السينمائية البديعة في الفيلم، إلا أنه تميز بإبرازه الصورة غير النمطية للأشخاص ذوي الإعاقة التي قدمها بطلا الفيلم سليل عائلة كابور الفنية رانبير كابور، والممثلة العالمية بريانكا تشوبرا. فالشخصية الرئيسية للفيلم (بارفي) أصم لا يسعى للنجاح أو لاثبات نفسه، فهو واثق من نفسه بشدة، ومندمج في مجتمعه لدرجة المشاكسة والتمرد، وقد عزز الأداء الصامت للشخصية الممثل رانبير كابور باستناده على أفلام شارلي شابلن الصامتة، كذلك قام المخرج بالاستناد على بعض مشاهد أفلام شابلن، مما منح الشخصية بعداً متمرداً يشبه شخصية شابلن في أفلامه.
أما بريكانا تشوبرا وهي ملكة جمال العالم لعام 2000، فقد دخلت مجال التمثيل من باب الجمال، لتقدم دوراً استثنائياً في هذا الفيلم بعيداً عن الصورة التقليدية للممثلة الهندية الجميلة والفاتنة، فشخصية جهيلميل من ذوي اضطراب طيف التوحد، تمت دراستها بكافة تفاصيلها، وعملت بريكانا على الشخصي بجهدٍ كبير أهّلها للحصول على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان فيلم فير.
القصة التي تدور حول شاب أصم مشاكس ينطق اسمه (مارفي) بطريقة خاطئة ليعرفه الناس باسم (بارفي)، يحاول انقاذ حياة والده لإجراء عملية جراحية ويقوم بالفعل بخطف (جهيلميل) الفتاة الثرية من ذوات اضطراب طيف التوحد للحصول على فدية، توفي والده قبل اجراء العملية، وفي خضم هذه الأحداث تنشأ علاقة غرامية أدت إلى زواجه من (جهيلميل) ومن ثم رحيلهما بعيداً عن مدينتهما الأصلية، وتتصاعد الأحداث التي تفرضها أطراف مختلفة منها عائلة الفتاة المكونة من أب مقامر وأم سكيرة، ومدير دار الرعاية التي نشأت بها جهيلميل، والشرطة التي لعب فيها الدور الأساسي الممثل الممثل سوراب شوكلا مقدماً دور ضابط الشرطة بشكل بارع، والحبيبة السابقة لبارفي والتي أدت دورها الممثلة إليانا دي كروز في أول بطولة لها في فيلم ناطق باللغة الهندية.
تعامل الفيلم مع زوايا مختلفة تتعلق بقضية الإعاقة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، قلما استطاع صُناع الأفلام الاقتراب منها بشكل مناسب وبعيداً عن الصور النمطية، الفيلم مبني على ثلاثية مهمة موجودة في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة عموماً، وهي الشخص ذو الإعاقة نفسه، الأسرة والمجتمع.
أولاً ـ الشخصيات من ذوي الإعاقة:
الفيلم تناول حكاية رومانسية تنشأ بين شخصيتين من ذوي الإعاقة، بارفي من ذوي الإعاقة السمعية وجهيلميل من ذوي اضطراب طيف التوحد، هذه العلاقة الفريدة التي بنيت بين شخصين من بيئتين اجتماعيتين مختلفتين وإعاقتين مختلفتين ولكهما لقيا قدراً من الاهتمام والرعاية، أسهما في قدرتهما على تكوين شخصيتهما الخاصتين، وقدرتهما على اتخاذ القرار، فقد جاء قرار الارتباط والزواج دون أي مؤثرت خارجية، بل كان قراراً ذاتياً عزز من مفهوم حق الأشخاص ذوي الإعاقة في اتخاذ القرار. بالإضافة إلى مشاهد عززت المفهوم الحقوقي منها على سبيل المثال عمل بارفي كساعاتي، الحرية في تنقل الأشخاص ذوي الإعاقة وانتقالهم من مدينة إلى أخرى، بالإضافة إلى مساواتهم أمام القانون، وعندما حاولت أسرة جهيلميل توريطه في قضية قتلها حاول الشرطي الدفاع عن حق (بارفي) في الحصول على محاكمة عادلة وتحقيق شامل يمنع من توريطه على أساس الإعاقة.
ثانياً ـ الأسرة:
تناول الفيلم الجانب الأسري وأهميته في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد طرح الفيلم نوعين من الأسر، النوع الأول هو المتفهم والمحب والداعم المتمثل بشخصية والد بارفي، الذي عمل على تنشئته كأي شاب آخر على الرغم من الظروف المالية الصعبة، إذ كان يعمل الأب سائقاً لدى عائلة جهيلميل، وشخصية جدها المحبة والمعطاءة، والذي عمل بسبب ثرائه على ضمان أعلى مستوى من الرعاية والاهتمام بها وابعدها عن النموذج الثاني من الأسر في الفيلم المتمثل بوالد ووالدة جهيلميل، فالأب المقامر والأم السكيرة، حاولا اختلاق عملية اختطاف ابنتهما للاستيلاء على الثروة التي منحها الجد لجهيلميل قبل وفاته.
ثالثاً ـ المجتمع المحيط:
أحداث الفيلم التي حدثت في السبعينات من القرن الماضي، قدمت نموذجاً لمجتمع داعم بشكل عام ومتقبل، فشخصية (شروتي) التي قبلت بصداقة بارفي تحولت إلى علاقة حب تقليدية واجهت معارضة الأسرة بسبب إعاقته وفقره، وعلى الرغم من زواجها من شخص آخر فقد سعت للدخول إلى حياة بارفي مرة أخرى بعد أن التقته بالمصادفة في مدينة كالكوتا، واستهانت بحبه لجهيلميل، كما استهانت بمشاعرها، وهي صورة أخرى من صور التعامل مع مشاعر الأشخاص ذوي الإعاقة.
أما شخصية ضابط الشرطة سودهانشو دوتا والذي لعب دوره الممثل سوراب شوكلا، ونجح في لعب دوره مستوحياً من أفلام شارلي شابلن شخصية الشرطي الحريص على تطبيق القانون بحذافيره، ولكن بشكل عادل ومتكافئ.
بالإضافة إلى دور مدير دار الرعاية الذي كان حريصاً على إخفاء جهيلميل، بعيداً عن بارفي وأسرتها التي تحاول استغلالها، لدرجة أنه اخترع قصة مقتلها حتى يوقف عملية البحث عنها، وكل هذا يبرز مفهوماً آخر للبيئة المحيطة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وهو مفهوم الحماية الزائدة، ذلك أن قرار إخفاء الفتاة هو مفهوم غير حقوقي على الرغم من دوافع الحماية والحب.
هذا الفيلم الذي بلغت تكلفة انتاجه ما يقارب خمسة ملايين دولار أمريكي، تم عرضه في جميع أنحاء العالم وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً في شباك التذاكر، ليصبح واحداً من أعلى عشرة أفلام هندية حسب الإيرادات لعام 2012 وواحداً من أعلى معدلات المشاهدة على الاطلاق لأفلام بوليوود عام 2012 في الهند والعالم. وقدم نموذجاً فريداً غير تقليدياً للأفلام ذوي الأشخاص ذوي الإعاقة، وعزز المفهوم الحقوقي بشكل سينمائي متقن الصنع.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”