تتبارى روضات تربية الأطفال ويتباهى الأهل بأن طفلهم يتعلم وفقاً لأسلوب مونتيسوري، دون أي اطلاع على الأساليب والطرق المتبعة في تطبيق ذلك المنهج التربوي، وبغية التعريف بتلك المنارة الدائمة التألق الطبيبة ماريا مونتيسوري (1870 ـ 1952) التي أبدعت بالاستفادة من خبرات عمالقة التربية ممن سبقها ومن عاصرها (إيتارد وسيجوان وبتسالوتزي وفروبل وروسو)، وغيرهم فقد اعتمد منهجها المميز على الملاحظة والتدقيق والمراقبة والمتابعة والبحث والتجريب وتعزيز التعلم بالمشاركة والتعاون والخبرة التي تساعد على تطور الطفل ونموه وكيفية تعليمه وبناء خبراته، سيما وأن أي طفل لديه كل الاستعدادات والمهارات الذاتية المتوافرة في المحيط الخارجي وبيئة كل من الأسرة والروضة والمدرسة التي تعزز قدراته ومهاراته الذاتية التي سيحملها مدى حياته.
ينمو الطفل بنظام متكامل عضوياً وعصبياً وحركياً وعقلياً ولغوياً وانفعالياً واجتماعياً سيما وأن الجنين في رحم أمه هو في حالة تغير مستمر وليس عليه بذل أي جهد للتكيف مع محيط الرحم الخالي من أي إثارة، وعليه عندما يغدو وليداً أن يتكيف مع البيئة المحيطة به الزاخرة بالإثارة والتشويق والمبادرة للاستكشاف والتعرف التدريجي للعالم الخارجي بنفسه بعد توافر الأدوات المناسبة لتدريب الحواس البصرية والسمعية عن طريق اللعب وتعزيزه الإيجابي وإشعاره بالاحترام والتقدير.
كما يتلازم نموه مع النضج بحيث يتدرج من الزحف إلى الوقوف بالاستناد والمشي ويتطور وينضج ويكتسب الخبرات ويتعلم لأنه لا يوجد نمو وتطور بلا نضج كما لا يوجد نمو وتطور بلا تعلم يساعد على اكتساب الخبرة سواء التعلم الحركي والحسي أم تعلم الكلام والبدء باكتساب الرموز اللغوية الكلامية المرتبطة بالتطور المعرفي والإدراكي والانفعالي والنفسي والاجتماعي ومفهوم الذات وفهم وإدراك موقعه في الأسرة وبين أقرانه في الروضة والمدرسة والمجتمع الكبير.
وقد أبدت مونتيسوري إعجابها بتقدم الأطفال ذوي الإعاقة نتيجة لتدريبهم وتعويدهم على تكرار العمل حتى إتقانه، في حين يستمر الأطفال من غير ذوي الإعاقة في المستوى الضعيف عند عدم تلقيهم أي تدريب، هذا ويبدأ تدريب الطفل على غرس المهارات الاجتماعية والإحساس بالمسؤولية والثقة بالنفس والاعتماد عليها والتعلم الذاتي منذ الساعات الأولى لولادته باعتبار أن المرحلة العمرية المبكرة هي مرحلة الاتكالية والاعتمادية بكل شيء على الأم سواء من ناحية نمط إرضاعه وتغذيته وقضاء حاجته من التبول والتبرز وارتداء الألبسة وتوسيع دائرة مسؤوليته الذاتية تدريجياً أم بتكوين السلوك السوي والاكتشاف والتعرف التدريجي للعالم الخارجي بنفسه.
لقد قدمت مونتيسوري برنامجاً كاملاً لكل فترة عمرية من نمو الطفل وتطوره حتى كبره ويفاعه اعتباراً من مسك القلم وربط الأزرار وفكها حتى القراءة والكتابة مؤكدة باستمرار على العمر العقلي واللغوي ومستوى المهارات والخبرات المكتسبة دون النظر إلى العمر الزمني.
الدكتور فائز شالاتي
سابقاً، عضو اللجنة العلمية للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم