إذا كان الزواج هو الهدف الأسمى للعلاقات بين الرجل والمرأة، … وإذا كان الزواج هو البذرة الصالحة والخيرة لإنبات الأسرة، … وإذا كان الزواج هو العلاقة الشرعية التي أوصانا بها الدين والرسل وأمرنا بها الله جلَ وعلا، … فالسؤال الكبير الذي نطرحه هنا: لماذا يعزف جيل الشباب عنه؟؟؟
إشارات استفهام وتساؤلات كبيرة وفرضيات كثيرة تتزاحم أمام الإجابة عن هذا السؤال الذي أصبح ملحاً في عصرنا الراهن.
فبينما نبحث في مجتمعاتنا العربية عن التقدم والازدهار، وحيث تتكاتف الجهود للتميز والابتكار ويشرق الإبداع معلناً التطور العمراني، نجد الخلل يتسلل إلى المجتمع الإنساني وذلك بتراجع بناء اللبنة الأولى في الحياة البشرية الأسرة تلك الخلية المنتجة والمؤسسة الشرعية لتماسك أي مجتمع يسعى للتميز.
ومن هنا كان لابد لنا أن نسلط الضوء على هذه المشكلة الإنسانية ونطرح السؤال من جديد:
لماذا يعزف الشباب في أيامنا هذه عن الارتباط بالعقد الشرعي؟ ويصمون آذانهم عن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم للزواج المُبكر فقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب، مَن استطاع الباءة فليتزوج، فإنّه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) (صحيح البخاري).
شبابنا اليوم لا يصمون آذانهم فحسب فهناك عزوف شديد عن الزواج، فلقد أعرض عنه كثير من شبابنا الذكور منهم والإناث امتد بهم العمر ولم يتيسر لهم الإحصان (وأقصد هنا تحصين النفس والجسد والروح من الأهواء والمخاطر والوقوع بالرذيلة والشهوات) ناهيكم عن المساهمة في بناء المجتمع وتماسكه بإنشاء اللبنة الأولى، الأسرة الصحية المتماسكة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وضع قاعدة ذهبية للإحصان تتمثل في قوله: (إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كثير) والإسلام لم يحدِّد سِنّاً للزواج إلا أنه حثّ الشباب على الزواج المُبكر، فكيف بنا إذا رصدنا رغبة شديدة من الطرفين بالعزوف عن الزواج.
ومن خلال عدة لقاءات مع شبابنا جاءت الأجوبة كالتالي:
1 ـ غلاء المهور:
يقول (منصور ـ م): إن الالتزام بهذا الشرط في الزواج والمغالاة فيه تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يتقدم للارتباط نظراً للظروف الاقتصادية والحاجات الملحة للعيش وتأمين ما يلزم وخصوصاً أنه عصامي يريد أن يكون نفسه بنفسه ولا يتلقى مساعدات من أسرته أو الدولة التي تعمل دائماً على تيسير الزواج للشباب.
وهنا يأتي سؤالي: لماذا يتناسى أولو الأمر وصايا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم النساء بركة أقلهن مهوراً) حيث وضع عليه صلوات الله معايير لاختيار الزوج مخاطباً أولي الأمر، حين قال عليه السلام: (إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) فغلاء المهور منهي عنه شرعاً.
ومن هنا يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر معيار الدين والأخلاق والأمانة هو ما يجب أن يقبل على أساسه الشاب فهو لم يقدم المعيار الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي، رغم أهميته وتأثيره في الزواج والاستقرار الأسري، وحين تقدم هذه المعايير على معيار الدين فإن النتيجة ستكون وقوع الفتنة والفساد على صعيد الأفراد والأسرة والمجتمع بدليل انتشار الخلافات الأسرية وارتفاع حالات الطلاق بسبب إهمال الدين والأخلاق في أغلب حالات الزواج وتفضيل الجوانب المادية والكماليات.
إن غلاء المهور من أحد الأسباب الحقيقية لدفع الأبناء باتجاه الامتناع عن الزواج وتأجيله إلى أجل غير مسمى. ويتبع السبب الأول حسب رأي معظم الشباب واستشهد هنا بما قاله الشاب الجامعي (خلف ـ ح).
2 ـ لوازم حفلة الزواج:
لقد أصبحت هذه الترتيبات مكلفة جداً ومغالاة فيها مما يجعلها عبئاً على المتزوجين فهي لم تعد حفلاً لإشهار الزواج ومباركته بل صارت مدعاة للمفاخرة والبذخ والمنافسة والمضاهاة وهذا في الحفلات سواء عند الخطوبة أو عند إقامة حفل العرس، يتطلب ذلك نفقات لا يستطيع توفيرها إلا الموسرون والأغنياء، وهو شيء يخالف تعاليم الإسلام في بساطته ويسره وتيسيره، فلو تصرف تلك الأموال في إنشاء ضروريات الحياة الزوجية لكان حلاً ناجعاً وفاعلاً للجميع. وحتى لو عرفنا أن الوليمة في العرس سنة مباركة فقد قال عليه الصلاة والسلام: (أولموا ولو بشاة) لكن ينبغي أن تكون الوليمة وسطاً لا إسرافاً ولا تقطيراً فكلاهما منهي عنه شرعاً.
وأضيف إلى السببين أعلاه ما يتداوله الشباب حيث أجاب (فيصل ـ م) عن الأسباب قائلاً:
3 ـ الخوف من البطالة وقلة الأجور:
فهناك تغييرات اقتصادية متسارعة وأمور ملحة يصبح أمامها تأمين السكن وتكاليف الزواج أمراً صعباً في ظل الظروف الراهنة وندرة فرص العمل للشباب الذين يواجهون عند التخرج من الجامعة شبح شهادات الخبرة وعدم الاستقرار الوظيفي وهنا أتكلم بشكل عام وأستثني جيل الشباب الإماراتي الذي تعمل الدولة مشكورة والقيادات الحكيمة على تأمين فرص عمل لائقة لكل الشباب. وهنا أحب أن أقول لو صلُح أمر الشباب وتوكّلوا على الله حق الاتكال لأعانهم فقد قال جل وعلا: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (سورة النور- 32).
ومن هنا، ومن هذا المنبر الإعلامي (مجلة المنال) أدعو كل الشباب إلى عقد العزيمة والنية الخالصة بالزواج وتكون الأسرة والله عز وجل كفيل بتيسير أمورهم وفتح أبواب الرزق والحياة.
في العهود السابقة كان الزواج أمراً ميسّراً بدون تعقيدات زماننا ومطالبه التي تثقل كاهل الشباب فترهقه. فليتنا نعود إلى حيث كنا وكانوا. فحيث أن الزواج ظاهرة طبيعية تتميز بها جميع الكائنات الحية وهو الاستمرارية لكل الكائنات والتكاثر وشرط البقاء الإنساني الذي دعا إليه الرسول الكريم: (تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) وأمرنا به الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) [الروم: 21]، إلا ان ظاهرة العزوف عن الزواج أصبحت مرضاً مجتمعياً منتشراً في أيامنا هذه وعلينا جميعاً ان نعمل للقضاء عليه والوقوف في وجه هذا الطوفان المدمر للمجتمع والمساهم في كل التأثيرات السلبية والعواقب اللاأخلاقية الآخرى.
4 ـ الهروب من تحمل المسؤولية والروتين:
واذكر هنا ما أضافه (أمجد ـ ح): التخبط في الاختيار لدخول قفص الزوجية تحت إلحاح المجتمع والأهل على الزواج وتكوين أسرة وعدم رغبة الشباب في تحمل المسؤولية وخسارة استقلاليتهم الشخصية، في ظل الضغوطات التي تتأتى عليهم بسبب الزواج بالإضافة إلى الخوف من الروتين والملل بعد الزواج، وتغير شخصية الشريكين أو ظهورها على حقيقتها، ممكن هي أسباب حقيقية تجعل أبناء جيلي يعزفون عن الزواج.
وأنا هنا نظراً لما يكتسيه الزواج من خاصية وقداسة تفوق كل التصورات، وما له من أهمية بالغة في حياة الفرد ذكراً كان أم أنثى كان لابد من الحديث مع بعض الفتيات والاستماع إلى بوحهن وتسليط الضوء على الأسباب التي تجعلهن يعزفن عن الزواج والارتباط وتكوين الأسرة والفوز بفارس الأحلام والثوب الأبيض الذي كان في السابق حلماً لكل الفتيات وعنواناً للسكينة والطمأنينة والاستقرار.
5 ـ تغيرات العصر والمفاهيم:
تقول الأنسة (راما ـ ق) طالبة متخرجة من كلية الصيدلة: إن أزمة الثقة بين الشباب والشابات في زمن كثرت فيه الفتن وقلّ الحياء وقلّما يجد المرء شخصاً بدون علاقات سابقة هو أحد الأسباب الأساسية من وجهة نظري وكذلك الإعلام والعولمة وما من شأنه أن يغيِّر من مفاهيم وعادات ومعايير المجتمع والانفتاح الحاصل في المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أشكاله أصبح عبئاً على معظم العلاقات الاجتماعية.
وأرى أننا أمام تحديات جديدة من نوع آخر علينا ألا نتجاهلها إذ أننا أمام هذا التطور المستمر والمتسارع والانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث بكل ما فيه من سلبيات وايجابيات كان لابد للهزات العنيفة لنظم وقواعد الحياة العربية والإسلامية لدى المجتمع، وكان لزاماً علينا أن نتحرك ونتمسك بمبادئنا وحضارتنا وأخلاقنا أمام هذا الطوفان.
6 ـ العولمة والانفتاح:
ومن نتائجه الواضحة العزوف عن الزواج لدى الشباب، ولقد أجابت الموظفة (أمل ـ ف) عند سؤالها عن السبب بقولها: كانت الفتاة ما إن تبلغ سن الزواج حتى يسارع الخطّاب إلى طلبها ويعتبرون هذا الأمر طبيعياً كما اعتادوا حفاظاً على الأخلاق ودرءاً للمفاسد وشروعاً في بناء الأسرة، أما اليوم فقد اختلفت النظرة لقضية الزواج وبناء الأسرة نتيجة اختلاف المعايير والمفاهيم والنظرة للمؤسسة الزوجية واختلاف نمطية التفكير والقِيَم والعادات في مجتمعاتنا.. وما ذلك إلا بسبب ضعف الوازع الديني وقلة معرفتنا بشرعنا وكذلك بسبب الغزو الفكري والإعلامي والعلمي.. وقد بعُدنا عن تعاليم الإسلام التي تحفظ الأسرة والعقول والقلوب واندمجنا كلياً أو بشكل كبير في المجتمع الذي نعيش فيه دون العودة إلى الأصول مما أدّى إلى سهولة تقبّلنا للبضاعة المعروضة في المجتمع والبعد عن التفكير بالنتائج المستقبلية لهذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة.
7 ـ التربية والقشور:
أما المربية (سهير ـ م) فقد علقت بقولها: من ناحية أُخرى فقد تغيّرت أيضاً تربية الآباء والأمّهات للأولاد فترعرعوا وهم فاقدو القدرة على تحمل المسؤولية وترعرعوا دون توعية مناسِبة وتفهُّم لمعاني الزواج وتحضيرهم منذ الصِغر للقيام بدورهم في المستقبل.. ناهيك عن فنون التباهي والتعلّق بالماديات فخرَّجوا أبناءً راغبين بالدنيا معرضين عن الزواج وتحمل المسؤولية متمسِّكين بالقشور والمظاهر..
8 ـ مستجدات العصر الراهن:
المحامية (ندى ـ ش) وهي غير متزوجة وتعمل في حل الخلافات وقضايا المرأة لخصت رأيها بالنقاط التالية:
- التفتيش عن شروط معينة ومواصفات عالية في شريك الحياة خاصة إن كان الشاب أو الفتاة يتمتّع بمميزات خاصة.
- انشغال الشاب بأعباء أخرى وعدم استطاعته تحمل أعباء إضافية.
- عدم الرغبة في تحمل المسؤولية أو تقييد الحرية الشخصية
- الخوف من الزواج بسبب الخلافات والطلاقات الكثيرة والعنف وغياب الاستقرار والمودة من البيوت.
- الخشية من المستقبل في ظل الظروف القاسية المحيطة
- هجرة الشباب بسبب الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية (في بعض البلاد) وزواجهم من أجنبيات لسهولته في الخارج وتدني تكاليفه وقلة مسؤولياته.
- رفض الفتيات السكن مع أهل الشاب ابتغاءً للاستقلالية وخوفاً من المشاكل في المستقبل من أحد الأسباب أيضاً.
وقد يقول قائل إن مجتمعنا قد تغير شئنا أم أبينا ولا نستطيع أن نعود لأيام السلف فقد اختلفت المعايير وكيفية الحياة.. وأقول نعم لقد تغيّر ولكن بأيدينا أن نرفض هذه المعايير الجديدة التي تؤثر على حياة وصحة مجتمعنا العربي وبنيته الأساسية الأسرة الصالحة المبنية على أساس الزواج الشرعي المبارك هل وعينا خطورة تأخر الزواج على بناتنا وشبابنا وإمكانية وقوعهم في الفاحشة والمعاصي أو تعرّضهم لأمراضٍ نفسية؟ ما نحتاجه فعلياً هو إعادة صياغة لتفكيرنا ومبادئنا ونظرتنا للقضايا وتجريدها ومعالجتها بجدية مطلقة.
وأما عن الأسباب التي دفعت الكثير من الشباب إلى العزوف عن الزواج المبكر فحقيقة هناك العديد من الأسباب وهي متشابكة مترابطة وأساسها اقتصادي وتربوي واجتماعي وثقافي، وأحب هنا ان أضيف:
9 ـ الطموح والاستقلالية:
وما زلت اتابع استطلاعي مع مختلف الشرائح المجتمعية حيث أجابت الدكتورة (منى ـ ح) عن السؤال بقولها إن المستوى التعليمي العالي للفتاة وطلبها لمَن يماثلها تعليمياً أو اجتماعياً سبب رئيسي من وجهة نظري، في حين رغبة الشاب غالباً بالفتاة الأقل منه سِناً وعلماً حسب الموروث. وكذلك تدخل الأهل وفرض آرائهم المغايرة لآراء أبنائهم ما يؤدي إلى تأخر الزواج حتى إيجاد حل يرضي الطرفين.
وتضيف: الخوف من الروتين والملل بعد الزواج، ومفاجأة ما بعد الزواج، ففترة الخطوبة ليست مقياساً حقيقياً لتحديد شخصية الشريكين، وما إن كانت مناسبة للارتباط أم لا. الخوف من فكرة الزواج من أجل الزواج فقط، دون وجود أي أسباب أو عوامل تشجع على ذلك من قبل الشباب. عمل المرأة واعتمادها على نفسها واستقلاليتها في حياتها وشخصيتها جعل منها تفكر كثيراً قبل الإقدام على الزواج، فقد يتسبب الزواج بخسارة وظيفتها، أو تقييد حريتها، وطموحاتها.
إن هذه الإجابات تفتح أمامنا الباب على مصراعيه للبحث والتقصي لإيجاد حلول موضوعية تحارب هذه الظاهرة الخطيرة وتساهم في إيجاد حل منطقي يرضي المرأة والرجل.
10 ـ مفاهيم ومخزون خاطئ:
وفي المقابل نجد بعض الشباب الذين تيسّرت لهم سبل الزواج وتكاليفه ولكنهم يُعرِضون عنه ويمكن تفسير ذلك بأسباب (أوردها الشاب عمر ـ ز) وهو في الخامسة والأربعين من عمره وعازف عن الزواج حيث يقول:
- الرهاب من عدم القدرة على الجماع أي المعاشرة الجنسية فحين يكون مدرِكاً أنه مريض جسدياً فمن باب أولى ألا يتزوج ويظلم زوجته وهو غير قادر على إعطائها حقوقها.
- عدم قدرته على التعرف على امرأة تتوافق معه فكرياً وتحقق له طموحاته وتطلّعاته.
- توغّله في متاهة العلاقات المحرّمة فلم يعد يجد حاجة في الزواج لأنه يحصل على ما يريد من لذّة في الحرام وبدون تحمل مسؤولية وتبعات العلاقة الشرعية.
- فقدان الثقة بالمرأة نتيجة تجربة أو سماع لتجارب الآخرين.
كلها أسباب ساهمت في نظره في عزوفه عن الزواج.
11 ـ وسائل التواصل والإعلام:
وعندما طرحت السؤال على المهندسة (لينا ـ ش) قالت موجهة إصبع الاتهام إلى وسائل الإعلام بوسائله كافّة باعتباره الحربة الأصعب التي تعبث بعقول ومفاهيم أبناء الأمّة.. ويكمن خطرها في قدرتها على برمجة التفكير وتذويب المبادئ وتغيير الأخلاق وقولبة القِيَم وتشكيل الثقافة وتوجيه الإدراك كيفما يريد.
وتضيف أن كثيراً من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تساهم في نشر أفكار غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية والمستقاة في أكثر الأحيان من المجتمعات الغربية.. وهي تتبنّى إقامة علاقة حب قبل الخطوبة، وتدعم أفكار مختلفة كضرورة التعلّم العالي للفتيات وتأمين مورد مالي ووظيفة محترمة، وتحث على تقوية الشخصية والنضج والتساوي مع الرجل حتى لا (يسيطر) عليها فتصبح له تابعاً! وهي غالباً ما تُظهر للمرأة أنها حين تتزوج فستكون في موضع ضعف ومكسراً للعصا وعرضةً للعنف والاحتقار والخيانة والطلاق وكأنّ الحياة الزوجية عذاب وجحيم ما يجعلها تخشى الإقدام على الزواج.. في حين أن الشاب يتأثّر بالإعلام الذي يُظهِر المشاكل الأسرية بطريقة مشوّهة ومضخّمة فتنأى نفسه عن هذه المسؤولية المُكلِفة مادياً ومعنوياً!
وكذلك نرى الإعلام يشجّع على العلاقات المحرّمة وتصريف الشهوة في قنوات الرذيلة والفاحشة وإثارة الغريزة مما يدفع الشباب للعلاقات المحرّمة حتى إذا ما وجدوا فيها بغيتهم أعرضوا عن الزواج وتكاليفه!
ومن وجهة نظري فإن الترويج الإعلامي يجعل الفتيات يقعن في فخ انتظار الرجل المثالي الذي تُصوّره وسائل الإعلام اليوم في مخيلتهن، فيضعن مواصفات تعجيزية، وإن صح القول خياليةً لشريك الحياة المستقبلي، ويرفضن أولئك الذين لا تنطبق عليهم هذه المواصفات ويُؤجلن فكرة الزواج لحين اللقاء بفارس الأحلام، فيكون هذا التفكير لديهنّ سبباً في تأخرهنّ بالزواج.
وهنا لابد من قرع ناقوس الخطر ووضع رقابة على الإعلام ومنهجيته لتحسين صورة الزواج والتشجيع على بناء الأسرة العربية في ظل العلاقات الشرعية الناجحة.
أما (شما ـ ف) المسؤولة في إحدى الشركات وهي غير متزوجة وتبلغ من العمر (45 عاماً) فتقول إن دخول المرأة في الشبكة الرقمية وتعرّفها على أنماط من المجتمعات كثيرة وتفجير طاقاتها بين طيات صفحاتها ألهب رغبتها لإثبات نفسها أكثر وعدم الانطواء تحت مظلة الرجل. فهي لم تعد تجد الأمان تحت ظله كما كانت جدادتنا بل راحت تبحث بعيداً عن ظلها المستقل.
وأضيف هنا أن معظم الفتيات لم تعد لديهن الرغبة والاستعداد لإنجاب الأطفال وتحمل المسؤولية المتعلقة بذلك بسبب الخوف من فقدان المسار الشخصي أو الأولويات في سبيل إسعاد الشريك أو أولويات ومصالح الأسرة، وكذلك الخوف من عدم التفاهم بسبب وجود اختلافات في المعتقدات بين الطرفين.
يضاف إلى ذلك أن تعليم المرأة جعلها تؤجل فكرة الزواج إلى حين الانتهاء من الدراسات العالية كالماجستير والدكتوراه، وبعد أن تنهي دراستها ترفض الزواج ممن هو أقل منها في التعليم، بسبب تعاليها أو خوفها من ظلمه لها، وتعامله معها بعنف ليقتل فيها الإحساس بالتفوق والنجاح، كما أن الشباب يتجنبون الفتاة المتعلمة خوفاً من ذات السبب وهو تعاليها عليهم. ولأن الرجل الشرقي قد ينتفض في داخله معلناً رفض ذلك. وهذه أصبحت حقيقة واضحة لا يمكن تجاهلها.
ولا ننسى هنا أن نذكر سبباً موجود يمكن ان نعتبره غير معلن في بعض الأسر وهو:
12 ـ عضل أولياء الأمور:
يلجأ بعض الأهل لمنع ابنتهم من الزواج من رجل كفء ترغب في الزواج منه، كما يرغب هو في ذلك، وذلك لعدة أسباب؛ معظمها أسباب مادية كطمعهم في الحصول على مهر أعلى عند زواجها من شخص آخر، أو حتى لا تنقطع مكاسبهم المادية التي يحصلون عليها من وراء وظيفة ابنتهم، وهذا يعتبر من المخالفات الشرعية.
السلبيات:
ومما لا شك فيه أن تأخّر سِن الزواج له انعكاسات وآثار سلبية كثيرة على المجتمع من جهة وعلى الشاب والفتاة من جهة أُخرى وذلك من النواحي النفسية والجسدية والاجتماعية وفي هذا الإطار أحب أن أنبه الجميع إلى بعض النتائج الخطيرة التي تنتج عن مشكلة العزوف عن الزواج واختيار العزوبية منهجاً في الحياة، وتتمثَّل هذه المخاطر في النقاط الآتية على سبيل المثال لا الحصر:
- انتشار الرذيلة والفواحش والعلاقات المحرَّمة والانحرافات السلوكية والأخلاقية في المجتمع.
- انتشار الاكتئاب والقلق بسبب عدم وجود السكن والشريك وبسبب ضغوطات المجتمع ما يؤدي إلى نشوء عقد نفسية.
- انتشار ضعف الدم وفقدان الشهية والإدمان بنسبة كبيرة بين المتأخرين عن الزواج.
- السخط على المجتمع وسوء التكيّف الاجتماعي.
- الميل للوحدة والانعزال وتحميل الأهل أحياناً مسؤولية عدم الزواج ما قد يؤدي إلى العقوق.
- قلة فرص الحمل لدى المرأة الكبيرة وزيادة نسب الإجهاض وتشوّه الجنين وتعرض الحامل لارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض.
- إمكانية تعرّض الطفل من أم كبيرة في السن إلى الإعاقة.
- الشعور الدائم بالحسرة في حال اللجوء إلى المحرّمات لتفريغ الطاقة الجنسية كالعادة السرية والمواقع الإباحية والقنوات الفضائية السيئة وغيرها.
- شعور المرأة بالنقص وعدم رغبة الجنس الآخر بها ما يؤدي إلى فقد التقدير الذاتي والثقة لديها.
- عدم استقرار المجتمع عند انتشار العنوسة وتعطيل قدرات أبنائه في ظل الجوع للاستقرار النفسي والجسدي.
- انتشار الأمراض الجنسية بسبب الشذوذ والزنا.
- كثرة حالات الانتحار والجرائم والاغتصاب والخطف.
- انتشار الطلاق الصامت أو الفِعلي نتيجة للزواج غير المتكافئ الذي ينساق إليه الشاب أو الفتاة حين يتأخر سِن الزواج.
- انتشار أنواع لم نعهدها من الزواج كالمسيار والمسفار و(الفريند) والتي لا تحقق السكن والمودة.
- توسيع الهوّة بين الآباء والأبناء بسبب فارق السِن بينهم ما يؤدي إلى تفاوت ثقافي وفكري وعاطفي بينهم.
وقد بات من المؤكّد اليوم أن تضليل الشعوب وانحلال مفاصل الأخلاق عندها من أحد أسبابه الأساسية العزوف عن الزواج، فدعونا نحمي أبناءنا ونساعدهم على الاستقرار والطمأنينة النفسية وتكوين أسرة صالحة تتمتع بالرعاية والمباركة الإلهية.
إضاءة:
بفضل الله جل وعلا فإنّ دولة الإمارات الحبيبة وبفضل قيادتها الحكيمة ووعي حكامها الشرفاء تنبهوا لهذه الظاهرة ووضعوا الخطط والاستراتيجيات التي يمكن بدورها أن تساهم في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة فهناك العديد من الجمعيات التي تُعنى بتزويج الشباب وتخفيف تكاليفه عليهم حتى أنها تقيم الأعراس الجماعية لتخفف من أعبائه عنهم.. وهي خطوة طيبة يؤجرون عليها ولها صدى رائع حيث يشعر المرء بقيمة التكافل الاجتماعي والتعاضد والأخوّة.
وإيماناً منهم أن الجهود لا بد أن تتكاتف بين العديد من الجهات لمساعدة هؤلاء الشباب وحثّهم على الزواج المبكر فقد تضافرت جهود مختلف الوزارات لتحقيق ذلك كوزارة العمل ومسؤوليتها في تأمين فرص عمل وزيادة الدخل للشباب، ووزارة الإعلام ومسؤوليتها الرقابية على القنوات التلفزيونية والفضائيات وفلترة الانترنت من المواقع الإباحية.. لما لها من تأثير سلبي على الأخلاق والقِيَم، ووزارة الإسكان ومهمتها في بناء مجمّعات سكنية بمعايير مقبولة للشباب المقبل على الزواج وعرضها للشراء بدفعات ميسّرة، ووزارات التربية والتعليم ودورها في التوعية بمفهوم التربية الزوجية والأخلاقية وجعله ضمن المقررات الدراسية، ووزارة الشباب والرياضة والتنمية المجتمعية وكذلك جمعيات الإرشاد الأُسري ومهمتها في إقامة دورات للمقبلين على الزواج للمساعدة على التعريف بمقوّمات الزواج الناجح وطرق التعامل بين الزوجين.
ولا ننسى هنا دور المدارس والجامعات ومهمتها في تربية النشء على تحمل المسؤولية ونشر ثقافة الزواج المبكر وإحياء الأخلاق والقِيَم الإسلامية والشرقية في المجتمع، وإشغال الشباب بالمفيد والرياضة والعمل التطوعي وكذلك تحويل نظرتهم السلبية للحياة الزوجية والاجتماعية إلى نظرة إيجابية، وكذلك دور الدعاة وخطباء المساجد والجمعيات الإسلامية المؤثر في بث الوازع الديني ونشر تعاليم الشرع حول تسهيل الزواج وتخفيف المهور وتبيان الآثار السلبية لتأخير الزواج والتحذير من الفواحش، وكذلك التوجيه والإرشاد حول قدسية الزواج والعلاقة بين النساء والرجال.
ولا نغفل هنا دور الأسرة ومهمتها في الأساس تيسير الزواج لأبنائها وعدم المغالاة في المهور والتقليل من الطلبات الملقاة على عاتق الشاب وتكاليف الزواج الباهظ وأيضاً تقديم نماذج سلوكية جيدة للأبناء لأساليب التعامل بين الزوجين، تقوم على الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل، ذلك أن تقديس الأب للحياة الزوجية سيشعر الابن بقيمة الزواج وأهميته لحياته، وتجنب تعريض الأبناء للمشاكل الأسرية، أو المشادات الكلامية التي تحدث بين الوالدين، وإعلاء قيمة عاطفة الأمومة والأبوة الناتج عن بناء أسرة طبيعية، وبطريقة شرعية. كل هذا يساعد الأبناء على عدم تكوين خلفية مؤلمة عن تجربة الزواج بل بالعكس يتخذون من تجارب آبائهم وأمهاتهم دافعاً لتكرار التجربة والتمتع بمزاياها.
الجدير بالذكر أن الحل أيضاً يكون عن طريق تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة لتوضيح موقف الإسلام من الزواج والأسس التي يجب أن تبنى عليها الأسرة والمعايير التي يجب أن يختار على أساسها الشباب شريكة أو شريك الحياة، وكذلك توعية المجتمع بالمخاطر الأخلاقية والاجتماعية المترتبة على انتشار ظاهرتي العنوسة والعزوف عن الزواج من خلال البرامج المتنوعة والملصقات والنشرات والحملات الإعلامية والمواقف المعبرة والهادفة.. إلى جانب عقد محاضرات وندوات، وهذا ما نلمسه واضحاً في منهجية وسائل الإعلام الإماراتية مشكورة.
في الحقيقة إن مشكلة تأخر الزواج مشكلة كبيرة وهي نتاج طبيعي لمشاكل اجتماعية وتربوية وثقافية ولحل هذه المشكلة لا بد أن يهب جميع المعنيين للالتفاف عليها والقضاء عليها والحد من آثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ككل، ولا بد أن يتحمل كل فرد منا مسؤوليته في ذلك وهذا ما دفعنا في مجلة المنال أن نفتح ملف العزوف عن الزواج لدى جيل الشباب وتسليط الضوء على المشكلة وأسبابها ومناقشة بعض الحلول مساهمة منا بوضع المشكلة تحت المجهر وإثارة الدافعية لدى الجميع ليدلي كل فرد من أفراد المجتمع من موقعه برأيه ويسهم في التصدي لهذا السرطان المجتمعي الخطير لأن هذه الظاهرة التي باتت منتشرة بشكل كبير في أيامنا هذه مرض خطير ينهش كيان المجتمع العربي ويفتت تماسكه وبنيانه الأصيل ويساهم في عدم استقراره النفسي والاقتصادي الاجتماعي.
ويبقى للحديث بقية
- حاصلة دكتوراه في الآداب من جامعة دمشق كلية الآداب والعلوم الإنسانية
- حاصلة على دكتوراه فخرية في العمل الطوعي وخدمة الإنسانية من الأمم المتحدة
- حاصلة على وسام السلام العالمي من الأمم المتحدة
- حائزة على دبلوم مدربة معتمدة من جامعة بوسطن الأمريكية للتدريب المهني / مدرب دولي متقدم Advanced International Trainer
- حائزة على دبلوم معتمدة من كلية كامبريدج البريطانية للتدريب (مدرب دولي متقدم)
- حائزة على شهادة معتمدة من الاتحاد الدولي للتدريب (مدرب دولي متقدم)
- حائزة على دبلوم مستشارة أسرية وتربوية معتمدة من جامعة بوسطن وكلية كامبردج /بريطانيا
- حائزة على شهادة من الأكاديمية الدولية للتدريب والتنمية Auditor- iso 10015 Guidelines for traning
- حائزة على لقب سفيرة للسلام الدولي من الاكاديمية الدولية للسلام
- حائزة على شهادة مدربة مؤثرة من منظمة الاعتماد الدولية (هيوستن IAO)
- حائزة على International Trainer Card Expert Coach
- حائزة على لقب سفيرة الإيجابية من الرابطة الدولية للإبداع الفكري والثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة
- مديرة تنفيذية لأكاديمية سفراء السلام الدولية في دولة الإمارات 2017
- حائزة على شهادة مستشار تدريب معتمد من هيئة المعرفة والتنمية البشرية / حكومة دبي
- حائزة على شهادة مدرب خبير معتمد من هيئة المعرفة والتنمية البشرية / حكومة دبي
- حائزة على شهادة مدرب أخصائي معتمد من هيئة المعرفة والتنمية البشرية / حكومة دبي
- حائزة على شهادة مدقق تدريب معتمد من هيئة المعرفة والتنمية البشرية / حكومة دبي
- شاركت في فعالية (عزبتنا غير) المخيم الشتوي (هيئة صحة دبي)
- شاركت بالمنتدى العربي لمعايير التدريب (السودان)
- شاركت في مؤتمر التعاون العربي في القاهرة
- رشحت للتكريم ضمن أهم مائة شخصية عربية مؤثرة في المجتمع من قبل اتحاد رواد الأعمال العرب (10 مايو 2018) المقام في القاهرة
- شاركت في المؤتمر العلمي الدولي الأول / الإمارات
- شاركت في المؤتمر السنوي التاسع عشر لمركز الخليج للدراسات
- شاركت بأسبوع الأصم العربي الرابع والأربعين (2019)
- شاركت بمؤتمر الخدمة الاجتماعية العاشر (الإمارات 2019)
- شاركت بمنتدى الإدارة الحكومية (2019) الإمارات
- شاركت بمؤتمر الاستشارات والتدريب الإداري (الإمارات 2019)
- شاركت بمنتدى تطوير الهوية المؤسسية
- عضوة في جمعية الإمارات للمستشارين والمدربين الإداريين
- عضوة في رابطة المدربين العرب
- مؤسسة مبادرة (كوني أنتِ) برنامج تمكين وتطوير المرأة المستمر
- مؤسسة مبادرة تسامحوا على نهج زايد (فرسان وفارسات التسامح)
- متخصصة ببرنامج التنمر المجتمعي والمدرسي
- متطوعة في جمعية حماية اللغة العربية (الإمارات) كمدربة في تطوير المعلمين والاداريين
- متعاونة مع جمعية (عربي مبين ـ الإمارات) كمحاضرة ومدربة معتمدة
- متطوعة في فريق طموحي الإعلامي / مكتبة اقرأ واستمتع وغيرها من المبادرات المجتمعية
- متطوعة في جمعية حب الإمارات
- باحثة ومؤلفة ومطورة مناهج في اللغة العربية وآدابها (ألفت دليل معلم وأنشطة لسلسلة (أبجد) (الإمارات ـ 2015) وقصص للأطفال واليافعين)
- شاركت في دورات وورشات لإعداد القادة والمتطوع القائد في الإمارات العربية المتحدة ـ مؤسسات الدولة المختلفة والشركات الخاصة والعامة والجمعيات التطوعية والمدارس والمعاهد في دولة الإمارات والسعودية والكويت وعمان والبحرين
- محاضرة ومدربة عبر الشبكة العنكبوتية في منصات عدة ومساهمة في (عام زايد الخير)
- مشرفة وموجهة تربوية في مديرية تربية دمشق قسم اللغة العربية
- أستاذة في معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين 2006
- أخصائية تفوق دراسي وصعوبات تعلم
- مشاركة في التوعية المجتمعية والمدرسية في برنامج التنمر
- عضوة لجنة تحكيم في مبادرة (كتاب يجمعنا)
- باحثة في العلوم الإنسانية وخدمة المجتمع ومؤلفة وكاتبة
- ألفت دليل معلم وأنشطة لسلسلة ا ب ج د
- أستاذة لغة عربية للناطقين ولغير الناطقين بها