قلما تطرح أفلام السينما حول العالم شخصيات من ذوي الإعاقة، دون أن تكون تلك الشخصيات موضوعاً رئيسياً للفيلم، وهو ما يعكس في الحقيقة مستوى دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، ومدى تفاعلهم مع محيطهم بشكل ملموس. فلا تكون الشخصية من ذوي الإعاقة ما لم تكون هي محور الفيلم أو أن إعاقة هذه الشخصية هي السبب في تعاسة بطل الفيلم، كما أن الكثير من الأفلام عادة تطرح شكلاً نمطياً لصورة القرصان أو الشخصية الشريرة بأنها من ذوي الإعاقة، بأن يكون فاقداً لإحدى العينين على سبيل المثال أو لديه قدم خشبية.
والسينما الهندية عموماً بلغاتها المختلفة قدمت أفلاماً عديدة تتحدث عن موضوع الإعاقة، ومنها سينما موليوود وهي السينما الناطقة بلغة المالايالم وهي لغة جنوب هندية، تقتصر على ولاية كيرلا حصراً، لذا فهي ليست صناعة كبيرة مقارنة بصناعة بوليوود (السينما الناطقة بالهندية) وكوليوود (السينما الناطقة بالتاميلية). وقد ركزت موليوود على الكثير من الأفلام ذات العلاقة بموضوع الإعاقة بشكل مباشر ومنها Aby، Vimaanam، Oopiri. وهي كلها أفلام تناولت شخصيات رئيسية من ذوي الإعاقة.
ولكن الاختلاف الملموس كان في فيلم “Oru Yamandan Premakadha” أي (قصة حب واحدة كبيرة)، وهو من انتاج العام 2019 ومن إخراج المخرج الهندي الشاب B.C. Noufal ومن بطولة Dulquer Salmaan دولقار سلمان وهو من أكبر النجوم الشباب في موليوود وسليل عائلة فنية فوالده النجم الهندي الكبير ماموتي.
يدور الفيلم بصورة تقليدية حول شاب يعيش بطريقة بوهيمية في قريته ويعمل في دهان المنازل، على الرغم من أنه ابن الشخص الوحيد المتعلم في القرية، ولكن له طريقة مختلفة بحياته، لذا كان حريصاً على أن يجد حب حياته عندما يخفق قلبه له من اللحظة الأولى، وقد خفق قلبه لفتاة مفقودة وجد صورتها في صحيفة تتبع أثرها حتى وجد من قتلها وانتقم منه. هذا الشكل السينمائي يبدو تقليدياً جداً ولا يوجد ما هو مختلف عن الأفلام الهندية عموماً، ولكن ما هو مختلف فعلاً هو شكل القرية الدامج والذي كتبه الممثلون Bibin George, Vishnu Unnikrishnan واللذان لعبا دورين لشخصيتين من ذوي الإعاقة.
وفي هذا الفيلم تجد ثلاثة أشكال من الشخصيات ذوات الإعاقة:
الأولى: الصديق الكفيف:
لبطل الفيلم Lallu الذي لعب دوره النجم دولقار سليمان، عصابة صغيرة مكونة من ثلاثة أشخاص أحدهم من ذوي الإعاقة البصرية باسم سبيستان لعب دوره Vishnu Unnikrishnan وهو أحد الكاتبين الرئيسيين في الفيلم، وكانت تلك الشخصية تظهر بصورة مستقلة تماماً، يعتقد أن لديه موهبة الغناء هو ووالده الكفيفان، لذا فإن وسيلة رزقهما هي الغناء في الشارع أو في الأفراح، وعلى الرغم من سوء أدائهما إلا انه من السهل حصولهما على المال بسبب تكافل المجتمع بشكل ما وخاصة إذا حضر صديقه البطل ليحفز الناس أكثر لتقديم المال. ولكن البارز هو ذلك الأداء غير المتكلف لشخصية الكفيف، فقد جاء أداء بسيطاً مقنعاً وفي مكانه، على الرغم من المواقف البطولية التي يقوم باتخاذها لدعم صديقه بطل الفيلم عندما يتخاذل الآخرون عن دعمه. وإن كانت الكوميديا تلعب دوراً في تأدية دوره إلا أنها لم تسخر من إعاقته للحظة واحدة، بل جاءت لتخدم المواقف البطولية التي يتخذها.
الشخصية الثانية: الشرير وإعاقته الحركية:
إن شخصية الشرير والتي قدمها Bibin George وهو الكاتب الثاني في الفيلم، والممثل من ذوي الإعاقة الحركية فعلاً، ووظف إعاقته بأنها السبب في ترك والدته له فترة طفولته، مما ربى لديه مشاكل نفسية تجعله ينتقم أو يؤذي أي شخص يذكر والدته سواء بشكل سلبي أو إيجابي، المميز أن هذا الممثل قدم أداء حركياً مميزاً بالإضافة إلى شخصيته المفطرة في نواياها الشريرة.
الشخصية الثالثة: صاحب المقهى وصعوبات الحساب:
هذه الشخصية لم تكن شخصية محورية في الفيلم على الإطلاق، ولكنها كانت جزءاً من خلفية الحياة الاجتماعية للشخصيات الرئيسية في الفيلم، فهو صاحب مقهى أو كافتيريا القرية، ولكن لديه صعوبات في الحساب، لذا فقد كان يتعرض لخداع كل من يرغب بالتهرب من دفع حسابه، فعندما يطلبون منه حساب مجموع طلباتهم فإنه يقرر التخلي عن حسابه، لم يكن لهذه الشخصية أي دور مؤثر في الفيلم إطلاقاً، ولكنها كانت جزءاً من النسيج المجتمعي الذي تعمد أن يقدمه كاتبا الفيلم بشكله الدامج.
هذا الفيلم يقدم شكلاً واضحاً من أشكال الأفلام الدامجة، والتي تكرس صورة الدمج المجتمعي الموجودة فعلاً في القرى أو المجتمعات البسيطة في ولاية كيرالا الهندية، والتي تكسر الصور النمطية المعتادة في الأفلام. وقد قدم الدمج دمجاً على مستوى الفريق أيضاً الذي أشرك الممثل والكاتب Bibin George وهو من ذوي الإعاقة الحركية، للعب دور رئيسي في الفيلم، وأسهم في كتابته بشكل رئيسي.
إن هذا النوع من الأفلام يمرر رسائل بسيطة تسهم في رفع الوعي المجتمعي الحقوقي للأشخاص ذوي الإعاقة فيمارس طريقه في التسويق الاجتماعي لترسيخ مفاهيم حقوقية، تعزز من مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتهم.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”