يتمتع جميع الأطفال بحقوق أقرتها جميع الأديان السماوية والمواثيق الدولية والوطنية. ويمكن تفسير هذا الاهتمام بضرورة ضمان حياة طبيعية للإنسان وخصوصاً في مرحلة الطفولة لما لها من أثر واضح على تشكيل شخصيته وبنيانه مستقبلاً وحتى تحديد ميوله واتجاهاته واستعداداته بعد هذه المرحلة.
وتعتبر الطفولة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان خلال فترة حياته، بها يتحدد تكوينه الجسمي والعقلي والاجتماعي والنفسي،.
إن الاهتمام بالطفولة ضمن هذه الرؤية يعبر عن وعي المجتمع بأهمية هذه الفئة العمرية فأطفال اليوم هم شباب الغد ورجال المستقبل وقادته.
وقد وعت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية هذه الحقيقة واستهلت بها أولى بنود الميثاق الأخلاقي للعاملين فيها باعتبار العنصر البشري أهم عنصر في الحياة وغايتها المنشودة وفيه ما نصه: «إن الأطفال هم القيمة الأسمى والمبرر الأوحد لبقائنا واستمرارنا ولابد من تقبلهم تقبلاً غير مشروط والمحافظة على حقوقهم وصيانتها وتقديم كل مساعدة ممكنة لهم، وتغليب مصلحتهم على ما سواها وحمايتهم من أي أمر قد يؤذيهم أو يسيء إلى ذويهم».
ومعروف أن كلمة الحق تشير في المعنى اللغوي إلى الشيء الملائم والمناسب والصحيح والمنطبق أو الموافق للحقيقة، ويرى علماء القانون أن الحق هو إدعاء مؤسس أو معترف به شرعياً يعزى إلى أو يدعى من قبل ذات شرعية كالدولة أو شخصية قانونية،. إذن، ما هو هذا الشيء المناسب والصحيح والموافق للحقيقة الذي يتمتع به الطفل تحت مسمى الحقوق،.. وإذا كانت جميع الأديان والقوانين الوضعية قد أقرت حقوق الطفل عامة فما هي حقوق الطفل المعاق!!
بالطبع لا ينبغي أن تكون أقل من حقوق الطفل غير المعاق، بل لا بد من توفير مزيد من الرعاية والحماية الخاصة لهذا الطفل من منطلق أنه يتمتع بميزة الإعاقة التي قد تؤثر بالسلب على قدراته وأدواره وممارساته في الحياة وفرصه في المستقبل.
إن الحديث عن حماية حقوق الطفل المعاق عند وضع قانون اتحادي في دولة الإمارات لحماية حقوق الطفل عامة يكتسي أهمية كبيرة وخصوصاً عندما نعرف مدى تشعب هذه الحقوق وتداخلها وحتى تعقدها ووصولها في بعض الأحيان إلى حد المأسوية كالجنين الذي قد يحرم من حقه في الحياة بسبب الإعاقة، والطفل الذي يحرم من حقه في العلاج والتأهيل المناسبين لقلة التخصصات وضعف الامكانيات، ويحرم من حقه في المساواة حتى ضمن الأسرة الواحدة، وقد يصل الأمر ببعض الأسر إلى التنصل من مسؤولياتها والتخلي عن دورها في رعايته والاهتمام به لا بل معاملته معاملة لا إنسانية تصل إلى حد حبسه وتقييده أو تعريضه لأساليب الشعوذة والسحر لتخليصه من إعاقته!!.
وفي حالات أخرى أقل من تلك يتعرض الطفل المعاق للتمييز حتى وهو يلعب مع أقرانه، ولا يستطيع ارتياد الحدائق وأماكن الترفيه مع ذويه لعدم تجهيزها للوفاء باحتياجاته أو نتيجة لنظرة الناس وثقافتهم السلبية تجاه الإعاقة، ويحرم من ارتياد مدارس التعليم العام لعدم تهيئة المدارس والمجتمع المدرسي لتقبل فكرة الدمج، ولا يحق له بعدها أن يفكر في تعليم عال لأنه لم يتلق تعليماً كافياً وملائماً لطبيعة إعاقته.. وكل هذا يحول بينه وبين ممارسة حياته كأقرانه ويقلل إلى أبعد مدى فرصه في المستقبل وبالتالي حرمانه من حقوقه التي يتمتع بها غيره.
لكل هذا لا بد من تبديل نظرة المجتمع بجميع أفراده وليس بنخبه فقط إلى هذه الحقوق التي تمتد إلى الأساس التشريعي للدولة ولا بد من توضيحها وايصالها ليس فقط لعامة الناس بل للأشخاص المعاقين أنفسهم وأسرهم والعاملين معهم حتى يعوا ما لهم وما عليهم ويعرفوا كيفية المطالبة بحقوقهم.
لقد ضمن دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لجميع أبنائه في مختلف مراحلهم العمرية المساواة والعدالة الاجتماعية والأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص ولم يستثن أحداً من هذه الحقوق الأساسية معاق أو غير معاق، ونص كذلك على أن الأسرة هي أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يكفل القانون كيانها، ويصونها ويحميها من الانحراف، ويشمل المجتمع برعايته الطفولة والأمومة ويحمي القصر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم لسبب من الأسباب كالمرض أو العجز أو الشيخوخة أو البطالة الإجبارية ويتولى مساعدتهم وتأهيلهم لصالحهم وصالح المجتمع ويضمن حق التعليم للجميع باعتباره عاملاً أساسياً لتقدم المجتمع ورقيه.
هذه الحقوق التي أقرها دستور دولة الإمارات لجميع أبنائه بمن فيهم الأشخاص والأطفال المعاقون تعززت أكثر مع مصادقة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله في 29 ديسمبر 2009 على الاتفاقية الدولية الشاملة والمتكاملة لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وحفظ كرامتهم والبروتوكول الاختياري الملحق بها وكذلك قرار سموه بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 بشأن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ليصبح في شأن حقوق المعاقين.
ومع هذه المصادقة وهذا التعديل يمكننا القول إن نظرة المجتمع وضميره الحي المتمثل بأعلى سلطة في البلاد إلى الأشخاص المعاقين وقضاياهم قد اكتملت على أساس تشريعي وقانوني قوي يكفل للأشخاص المعاقين حقهم في الحياة ويضمن تمتعهم بهذا الحق على قدم المساواة مع الآخرين وحمايتهم من الأخطار وعدم حرمانهم من حريتهم وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وعدم التعرض للاستغلال والعنف والاعتداء ورصد جميع المرافق والبرامج لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة للحيلولة دون حدوث جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء وعند الاقتضاء المقاضاة على هذه الحالات إن وقعت، واحترام كرامة الأشخاص المعاقين واستقلاليتهم وكفالة مشاركة الأطفال المعاقين بصورة كاملة وفعالة في المجتمع من خلال منظماتهم أو من خلال ذويهم واحترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية.
ولن تغفل هذه الوضعية التشريعية والقانونية المتقدمة عن أهمية توعية المجتمع بأسره بشأن الأشخاص المعاقين بما في ذلك الأسرة ومكافحة القوالب النمطية وأشكال التحيز والممارسات الضارة بما فيها تلك القائمة على الجنس والسن وتنظيم حملات فعالة للتوعية ونشر تصورات ايجابية عنهم وتشجيع الاعتراف بمهاراتهم وقدرتهم على التطور واحترام حقوقهم في جميع مستويات التعليم وتشجيع أجهزة الإعلام على عرض صورة ايجابية عنهم.
الصورة كما تبدو حتى اللحظة وردية في كل ما يتعلق بحماية الطفل المعاق وكفالة حقوقه، طالما امتلكنا الأرضية القانونية والتشريعية الكافية التي لا يسعنا إلا أن نقف احتراماً وتقديراً لكل ما تبعها من انجازات تحققت للأطفال والأشخاص المعاقين في دولة الإمارات، إلا أننا نعتقد أن آليات التطبيق والتنفيذ لما ترق بعد إلى ما تحقق من تشريعات وقوانين ولا بد من العمل على تفعيل هذه القوانين وتطبيقها بدقة.. فما بأيدينا اليوم وما نحن بصدده من قانون جديد لحماية الطفل والطفل المعاق انجاز كبير لا يقدر بثمن وأمانة عظيمة في أعناقنا لا بد أن نوصلها إلى أصحابها المستحقين في أقرب وقت ممكن بإذن الله.