داخل قاعة الاحتفالات بجامعة النيل.. ساد السكون لحظة إعلان نتيجة مسابقة الأولمبياد المصري للروبوت 2019 (أقيمت يومي 6 و7 سبتمبر 2019) والتي كان موضوع المسابقة هذا العام حول المدن الذكية Smart Cities.. لتعلن لجنة التحكيم عن فوز فريق Horse Power بالمركز الأول فى مسابقة open category وهو فريق كامل أعضائه من الصم وبرغم كونهم من الفئة العمرية الأصغر elementary إلا إنهم استطاعوا وباقتدار أن ينافسوا ثلاث فرق أخرى من فئة عمرية أكبر هما Junior وSenior ليحققوا المركز الأول لأحسن مشروع روبوت بالمسابقة.. إنهم الصم وكما اعتدنا منهم.. الإبهار والتميز فى مسابقات الروبوت داخل مصر وخارجها..
فريق Horse Power بقيادة المدرب محمد هشام وأعضاء الفريق أطفال هم براعم من الصم: ريتاج وسما وعمر.. قدموا مشروعاً للطريق الذكي Smart Road والذي تضمن أربعة إبداعات أساسية تمثلت فى: السيارة الذكية، الكراج الذكي، الإضاءة الذكية، مولد الكهرباء الذكي.
وشرحت ريتاج بإشاراتها عبر أناملها الصغيرة بأن السيارة الذكية التي ابتدعها الفريق مصممة بوحدتين حساستين هما: حساس للون Color Sensor يستشعر الخط الأبيض على شوارع الأسفلت السوداء ويسير محاذياً لها على طول الطريق بينما يستشعر الحساس الآخر وهو حساس الموجات فوق الصوتية Ultra-sonic sensor وجود الجسم أمام السيارة خلال سيرها سواء كان الجسم سيارة أخرى أو مرور لشخص ما، حيث يتم ضبط الحساس لمسافة محددة تقف السيارة عندها تلقائياً مما يحد من حدوث الحوادث في الطرق.. ويستهدف الفريق رفع كفاءة هذه السيارة بربطها ببرنامج التتبع GPS بحيث يمكن برمجة السيارة لتكون ذاتية القيادة وتسير بمسار الخطوط البيضاء في الشوارع دون التعرض للحوادث ولتصل للمكان الذي يحدده الراكب وبدون سائق.
وبرغم صغر سنه استعرض الطفل الأصم عمر وبلغة الإشارة فكرة الكراج الذكي، حيث أفاد بأن الكراج الذكي smart parking هو كراج رأسي حيث يحقق سعة رأسية للسيارات ويخفف من ازدحام الطرق، وقد تم تصميم هذا الكراج بحيث يترك السائق سيارته بمدخل الكراج وباستخدام كارت ذكي على وحدة حساس للون Color Sensor يتولى الكراج ذاتياً نقل السيارة إلى مكان انتظارها المخصص لها دون أي تدخل بشري، وعند عودة صاحب السيارة لاسترجاعها وبذات الكارت الذكي يقوم نظام إلكتروني خاص بالكراج بالتعرف على مكانها وإنزالها إلى مدخل الكراج ليستلمها السائق..
ويستكمل شرحه للمشروع فيما يخص الإضاءة الذكية حيث عبر وبلغة الإشارة أيضاً بأن نظام الإضاءة الذكية Smart Lighting هو نظام إنارة للطريق يجعل أعمدة الإنارة لا تضيء نهاراً بينما فى الليل تضيء وفقط عند مرور السيارات حيث يستشعر جهاز الإنارة الضوئية مرور السيارات عبر حساس بالموجات فوق الصوتية Ultra-sonic sensor لتضيء اللمبات مباشرة مع برمجتها ليتاح لها فترة زمنية لاستمرار الإضاءة وبعدها تنطفئ اللمبات.. وهو ما يحقق توفيراً فى استهلاك الطاقة من ناحية ويتيح الإضاءة عند الحاجة إليها فقط كما يقلل من فرص التعرض للحوادث بالطرق.
تشارك الطفلة سما فى الحديث وبلغة الإشارة أيضاً وتقول إن الجزء الرابع والأكثر إبداعاً فى المشروع يتمثل فى مولد الكهرباء الذكي Smart Electric Generator وهو مولد كهربائي جاءت فكرة إمداده بالطاقة الحركية من مجرد استمرار مرور السيارات على حاجز مرن تحركه للأسفل ومنه يتم نقل الحركة عبر التروس لتوجه إلى مولد كهربائي بسيط يتولى حركة ملف فى مجال مغناطيسي لتتولد عنه طاقة كهربائية.
وداخل قاعات مسابقات روبوت المدن الذكية للفئة العمرية Senior كان هناك فوز آخر لإحدى فرق الصم وهو فريق Cute Panda المكون من ثلاث فتيات هن: روان سمير وروان علي ودعاء جلال مع مدربهم المتميز الأصم أيضـاً محمد صلاح.. إذ حصل هذا الفريق على المركز الرابع وهو تميز فى الأداء والإبداع أمام إجمالي عدد فرق وصل إلى 180 فريقاً مشاركاً..
إن تلك الفرق من الصم تمثل إبداعاً لعقول مبتكرة يافعة وأنامل صادقة تعبر بحركاتها عن لغة خاصة بين الصم دمجوا فيها مصطلحات الروبوت فى تصميمه، بل ودمجوا لغة برمجة الروبوت داخل لغتهم الإشارية يتبادلون بها حوارهم فى صمت، ويتناقلون خلالها وبعقولهم الفذة استراتيجيات تصميم وبرمجة الروبوت.. إنهم حقاً عالم من الإبداع.
ولاحظت وجود شعار شركة أسمنت أسيوط (سيمكس) على تي شيرتات تلك الفرق المتميزة والمبهرة.. فكان لنا حديث مع الأستاذة / نانسي البارودي ممثلة الشركة التي شاركت بحضور فعاليات المسابقة وكانت تعبر من خلال متابعتها لأداء فرق الصم عن إعجابها الشديد وانبهارها بأدائهم وأفادت أن شركة أسمنت أسيوط (سيمكس) قد دعمت مشاركة فرق الصم في تلك المسابقة إيماناً من إدارة الشركة بقدراتهم وتفعيلاً لتحقيق مبادئ الدمج والمساواة وتكافؤ الفرص.. كما أن الشركة تؤمن بقدراتهم فى الإبداع فمن خلال الروبوت تزرع كل القيم: التعاون، الألفة، الاندماج، المحبة، مساعدة الآخرين.. فالروبوت ومسابقاته ليست لعبة، لكنه حياة يحياها الأشخاص الصم بكافة جوانبها وأبعادها.. ويتعاونون خلالها فيتألقون وتنمو خلالها حياتهم الإبداعية فى التعليم وفى العمل..
توجهنا بعدها لعاشق الصم الذي لم تتحرك عيناه عن ملاحظة أداء فرق من الصم.. سامي جميل مؤسس جمعية أصداء للارتقاء بالصم، حيث أفاد: إنني فاقد للسمع تماماً في أذني اليسرى وأنا جزء من هذا العالم الصامت فى صوته ولكنه الصاخب والمبدع فى أدائه وفخور جداً بهم..
إن رحلتنا الطويلة مع الصم فى عالم الروبوت والبرمجيات تؤكد أننا الفئة الأكثر تميزاً فى المجتمع، وأننا الأقدر على أن نحمل مع السامعين راية الإبداع، والأقدر على دفع عجلة التنمية إذا ما أحسن الاستثمار فينا، نحن لا ننتظر إدماجنا من قبل المجتمع، بل نحن من ندمج أنفسنا فى المجتمع وبأيدينا من خلال إبداعاتنا وقدراتنا.. لقد أبهرنا كافة الفرق المنافسة من المتسابقين، كما أبهرنا بأدائنا لجان التحكيم وجهة التنظيم بل وكافة أولياء أمور المتسابقين الذين لم تغب أعينهم عن أدائنا وحواراتنا خلال فعاليات المسابقة كاملة..
واستطرد سامي قائلاً: إن هذا الإبداع وهذا التميز من قبل الصم ما كان له أن يجد طريقه إلى النور وما كان له أن يتحقق لولا دعم شركة أسمنت أسيوط (سيمكس) من خلال ممارسة الشركة للمسؤولية المجتمعية والتي برزت جلية فى أرقى صورها من خلال الأداء المتميز لفرق الجمعية.. فقد كان الدعم ماديـاً ومعنويـاً ونفسيـاً.. مضيفاً: أن حضور ممثلين عن الشركة لمتابعة الأداء وإبداء إعجابهم بفرق الصم كان له أكبر الأثر في أن بذلوا أقصى ما لديهم من قدرات ليؤكدوا وجودهم داخل هذا المجتمع.
ويقول السيد سامي جميل: إننا حقــاً نكن كل التقدير والاعتزاز بشركة أسمنت أسيوط (سيمكس) ولفريق عملها الذين قدموا الدعم المالي والدعم النفسي والمعنوي بصورة أتاحت للصم الريادة الحقيقية لهم فى عالم الروبوت وأتاح لهم سيراً ذاتية أتاحت بالفعل لهم منحاً دراسية كاملة وسط السامعين في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.
إن فريق الصم الفائز بالمركز الأول لأفضل مشروع روبوت سوف يمثل مصر فى الأولمبياد الدولي للروبوت المقرر عقده فى نوفمبر 2019 بدولة المجر ونحن على ثقة بأنهم سيجدون من كافة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ورجال الأعمال الدعم اللازم لتفعيل مشاركتهم فهم الفرق الوحيدة من الصم المشاركة فى المسابقات المحلية والدولية للروبوت وسط السامعين، وهم كانوا ولا زالوا خير سفراء لمصر فى عالم الروبوت والبرمجيات على مستوى العالم.
إن الصم الذين أبدعوا خلال مشاركتهم فى هذا المحفل الإبداعي لعالم الروبوت هم ملائكة من نور يستحقون أن تستثمر فيهم الدولة بأن تفتح لهم كافة أبواب المؤسسات والهيئات التكنولوجية، فهم يستحقون أن يجدوا الاهتمام من الدولة بإتاحة الفرص الكاملة لهم للتعليم الأمثل، فإنهم حقــاً خيرة أبناء مصر.. وإنهم بالفعل استثمار في صمت لقدرات اجتازت واجتازت إعاقتهم..