توحي كلمة التقاعد بالعجز والعطالة وانقطاع الدور الاجتماعي ونهاية الحياة واقتراب الموت البطيء، وأن الصبا والشباب قد ولَّى وانتهى مع التقدم بالسن وغدا المتقاعد المسن فريسةً للعديد من أمراض الشيخوخة والعجز والوهن والاضطرابات النفسية والسلوكية ولم يعد ذا نفع أو جدوى وسوف لن تسعفه الأيام المقبلة من الموت قاعداً لأن العطار لن يصلح ما أفسده الدهر.
في حين أن على المتقاعد أن يدرك مع بدء التقاعد بأنه ليس ما يدعو للتخاذل والخوف والقلق من التقدم بالسن والكبر لأن عامل الزمن من الأمور الحتمية في مسيرة الحياة، وأن مرحلة التقاعد هي فترة تنمية الاهتمامات والنشاط وتعزيز الصحة النفسية والعضوية ولا بد للمتقاعد من امتلاك زمام السيطرة بقوة وإرادة وقرار وتصميم للبدء بحياة جديدة غنية بالحيوية وزاخرة بالعطاء، سيما وأن كبار العلماء والفلاسفة والمفكرين والفنانين والأدباء قد أنجزوا ما قدموه للإنسانية في أعمار متأخرة.
والمسن المتقاعد عليه التحضير مسبقاً لمرحلة التقاعد، كيف ما كان موقعه وعمله السابق سواء في الإدارة أم مجال الصناعة أم صاحب اختصاص نادر يمكن الاستفادة من خبراته كمستشار أو خبير، والتفكير بإيجاد صيغة جديدة سهلة عن عمله السابق أو البحث عن عمل آخر مختلف وممارسته ضمن أوقات محدودة لا تسبب أي استنزاف لقدراته.
وفي الحالة التي يرغب فيها المتقاعد بالاسترخاء والراحة فقط، فإنه قد يعاني متاعب نفسية بسبب تآكل دخله المادي والارتفاع المريع غير المتوقع للأسعار والخسارة التدريجية للكثير من الأصدقاء وصعوبة تكيفه مع المتغيرات الحديثة مما يسب له شعوراً رهيباً بالعزلة الاجتماعية، وعليه أن يدرك أن برامج ملء أوقات الفراغ غير المرهقة مادياً بحد ذاتها تمنحه الشعور بالراحة النفسية والرضا عن الذات واستمرارية الحياة.
ويمكن للمتقاعد محاولة الكتابة أو الرسم والتلوين والمطالعة ولو لم يكن لديه اهتمام سابق في مجالاتها وارتياد المراكز الثقافية وممارسة رياضة المشي والتسوق المنزلي ومتابعة البرامج التلفزيونية والدخول إلى صفحات الأنترنت للاطلاع على أي معلومة يرغبها وارتياد الحدائق العامة والاهتمام بتعليم أطفال وأحفاد الأسرة والعناية بأحواض أو أصص النباتات المنزلية والتطوع في مؤسسات الخدمة الاجتماعية وزيارة الأسواق الشعبية والمتاحف التاريخية ولقاء ما تبقى له من الأصدقاء والمشاركة بالنزهات والرحلات والعائلية.
الدكتور فائز شالاتي
سابقاً، عضو اللجنة العلمية للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم