صديقي القارئ لا تظنّ أني لم أشعر بك حينما كتبت هذا العنوان، قد تستغرب منه، وأحياناً تفهمه جيداً، وبين الفينة والأخرى سيراودك الشعور بأنك لم تفهمه، وقد تسيء الظنّ بالمقال.
أولاً ـ سبب كتابة هذا المقال – كما وعدتك دائماً – ثانياً: توضيح مفهوم التوازي وأبعاده، ثالثاً ـ ماهية التغير؛ مراحله وخصائصه ومدى أهميته. رابعاً ـ الفرق بين التقليد والتغيير؟
(كنّا في إحدى قاعات مركز الشباب العربيّ في إمارة أبوظبي، وكانت المحاضرة بعنوان (غيّرْ لتتغيّر) تطرقت فيها الأستاذة الكريمة إلى أساليب التغير ومفهومه، ولماذا نخشى منه، وإذا فكرنا وهممنا به أصابنا بعض الكدر، ووجب على الإنسان أن يكبح جماح نفسه، بحيث إذا عزم على وصال التغير لا تضرّه أقوال الآخرين وأفعالهم التي لا منفعة منها).
حين عدت إلى المنزل، وددت أن أعرف أكثر عن عالم التغير ومقاومته كانت النتيجة التي دفعتني أن أكتب هذا المقال؛ هي أنّ مفهوم التغير والمقدرة يوازنه مفهوم العجز، وأصبح العجز في مجتمعاتنا شيئاً أساسياً. يا صديقي، كلّ محاولة هي في الحقيقة تعدّ سفراً إلى أعماق أنفسنا، وكأنّ ثمّةَ أشياءَ، فالذات عليها أن تنسلخ من جذورها، ليتضح لنا أنّنا نولد من جديد.
نعم نولد بشقّ تمرة، ما نراه في أولى محاولاتنا الصغيرة هو نصف الرؤية، والإنسان يخرج من رحم أمه مرة واحدة، ويخرج من الظلام إلى النور مرات عديدة، ويتنقل بموجات فوضوية مكتظة، ويجول إلى وعي مغاير إلى أن يصل إلى نفسه.
فما الذي تخشاه؟ أتخشى أن تمضي يوماً دون صفاء الذهن؟ تحتسي القهوة في المقهى ولا تبالي؟ كم خراباً جعل العالم يعيش في لحظة الشجون، وفي لحظات الوعكة التي بقيت على حالها، لمَ لا تنظر إليهم من بعيد، وترى أحوال هذه اللحظات؟ أتحتاج إلى التعديل؟ أتحتاج إلى الترميم؟ أتحتاج إلى انغلاق الفوضى؟
هناك جريان، تمشي، وتتخبّط من كلّ الجهات، ونحن بحالة السكون، أطفالنا يعرفون قصصنا القديمة بأسمائها الإنجليزية! أين الآباء؟ وأين نحن من ذلك؟ أين غيرتنا على لغتنا وعلى هويتنا؟
مفهوم التوازي وأبعاده:
إنّ أبعاد مفهوم التوازي قد وقعت آثاره في الأبيات الشعرية؛ متناغمة بين أبنيتها، ليوازي البيت قافيته، وحجمه سواء أكانت متطابقة بالمعنى أم متضادة. وبعده الثاني واقع في جمال الأشكال الهندسية، لتوازي الأشكال في خطوطها بحيث إنها لا تلتقي في نقطة متشابهة.
في دراسة الماجستير التي كانت بعنوان (أسلوبية التوازي في القرآن الكريم، سورة هود نموذجا) أشارت إلى مفهوم التوازي إلى أنه تأليف ثنائيّ يقوم على أساس التماثل بينهما علاقة أو تضاد.
لا أريد أن نتعمّق في بعد التوازي حتى لا نذهب في مسار غير مسارنا، فمقصدي الوحيد هو أن تكون – يا قارئي – على دراية تامّة: من أين أتى هذا المصطلح؟ وكيف بدأت قصّته؟
ماهية التغير؛ مراحله، خصائصه، أهميته:
هناك العديد من التعريفات التي تجلّت في مفهوم التغيّر، وتفسيراته مثل: التجديد، الحداثة، التطوير. وموضع هذا المقال خاصّ بمفهوم التغير الاجتماعيّ وتبسيطه من منظور علماء الاجتماع، لكن هذا لا يمنعنا أن نعبر معاً وتدريجيّاً بالعلوم الأخرى حتى نصبح على دراية تامّة بالمفهوم.
قد تبيّن في بداية الأمر أنّ مصطلح التغير ينتسب إلى دلائل عديدة في مجالات مختلفة، أولها المجال اللغوي، وثانيها مجال علم الاجتماع، ثالثها وقع في مجال الفلسفة. أما في المجال الأول فالتغير يذهب إلى التحول، وينطوي على الاختلاف، ويقال غيرت الشيء، أيْ جعلته على غير ما كان عليه، أو أصلح شأنه، أو بدله. أما في المجال الثاني فقد ركز العلماء الاجتماعيون على مفهوم التغير الاجتماعي بأنّه كلّ التحولات التي تحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة خلال فترة زمنية محدّدة. وينحصر تعريف التغير في العلاقات والبناء الاجتماعي، بحيث إنه يركز على التحول الذي يطرأ على الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الأفراد. أما في المجال الثالث الفلسفي، فهو أنّ التغير عمل أو فعل يتبدّل بوساطته شيء دائم، أو يتبدّل في واحدة أو في كثير من سماته، ويعني تحول شيء إلى شيء آخر، أو إخراج شيء من شيء آخر.
قبل أن نتعرّف على أهمّ مراحل التغير الاجتماعيّ علينا أن نتّفق، وندرك أولاً؛ أنّ أيّ تغير يطرأ على المجتمع لا بدّ أن ينعكس على المؤسّسات الاجتماعية والظواهر أولاً، وبالتالي ينعكس على حياة الناس أنفسهم، إذ بعدها تختلف نظرتهم إلى المجتمع والحياة.
هناك مراحل يمرّ بها الإنسان قبل أن يتعلّم مهاراتٍ أخرى، أو أن يأخذ بالنمط الجديد؛ وتذكّر -قارئي العزيز- أنّ هذه المراحل لا تشترط أن تكون متسلسلة أو مرتّبة، فقد تتداخل بعض المراحل مع الأخرى. وهي تشمل:
- أول سماع أو معرفة بالموضوع الجديد.
- مرحلة تجميع المعلومات حول الموضوع الجديد، بغرض تحديد درجة فائدته.
- مرحلة اختبار المعلومات المستقاة عن الموضوع الجديد، وتفسيرها وفق الظروف السائدة ودراستها.
بشكل أعمق توجد أربع مراحل في العملية الاطرادية للتغير بوجه عام، وهي:
- حين ينتشر العنصر المغاير؛ بحيث يتمركز حول نقطة الأصل سواء كان هذا العنصر الجديد اختراعاً من قبل دائرة الثقافة الواحدة أم استعارة من ثقافات أخرى.
- تحدث قلقلة لدى السمات القديمة من قبل السمة الجديدة، أي يحدث صراع لأجل البقاء، وقد تكمل أو تنمي السمات الأخرى الكائنة للنسق الثقافيّ.
- بعدها ينتج هذا العنصر الجديد مما يسمى بالتغيرات التوافقية في السمات المتصلة به، وقد يعاد تنظيم مظاهر الثقافة القائمة أحياناً، لتتمكّن من مواجهته، أو امتصاص هذه السمة الجديدة.
- وفي الأخير يتولّى العنصر الجديد مكانه في النسق الثقافيّ، بحيث لا يتعرّض إلى قلقلة في حال دخول عناصر أخرى جديدة.
من أهمّ خصائص التغير هي التالي:
- الذي يمكن أن يلاحظ، ويدرس فيه ومن خلاله التغير.
- أي أنّ له ارتباطات ذاتية وعاطفية في الثقافة نفسها.
- أن يكون استعمال النمط الثقافيّ يمكن ملاحظته من الخارج.
- أن يؤدّي عملاً، ويكون مترابطاً مع الأجزاء، ويستدلّ على ذلك من خلال الإطار العام.
ما الفرق بين التقليد والتغير؟
التقليد يجعل الإنسان شبه آلة يطبع ما يكتبه الآخرون، ما هو موجود، ما هو ملموس بسهولة، لا يجيد فنّ التفكير الإبداعيّ، أو التفكير خارج الصندوق، وفي بعض الأحيان يشعر أنّ الآخرين قد أنجزوا، فليس بمقدوره الإنجاز في هذا الجانب، وإن فكّر بالإضافة فقد يراها غير موضوعية.
أما التغير فيغيّر الإنسان من فكر إلى فكر أعمق، يكون في القاع فيرتقي إلى القمّة، يجعل طريقة تفكيره من سلبيّ إلى إيجابي بل على سبيل الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يصبح أقوى ممّا كان. سيكشف أموراً كثيرة، سيسأل، وسيبادر، سيجعل من اللاشيء شيئاً في الوجود، سينطلق حرّاً، طليقاً لا يخشى من أحد إلا من الله، ستكون خطواته ثابتة، والسير أمامه واضحاً. سيرى النور ولمعة القمر، سيشرق حين تشرق الشمس. هيا – يا صديقي – لقد تعبنا ونحن نرى نماذج كثيرة تشبه بعضها، قمْ وامسحِ الغبار الذي برأسك، قاتله بالسيف إذا احتاج إلى ذلك.
في الأخير بإمكانك أن تراسلني إذا حققت هدفاً أو طموحاً سعيت لأجله، اسمحْ لي – يا قارئي – أن أكون بقربك، وأسمع قصص نجاحك، وأودّ أن أدعمك قليلاً ولو بالحبّ.
المراجع:
- آمال، حسيبة: أسلوبية التوازي في القرآن الكريم، سورة هود نموذجاً، الجزائر، 2017 ـ 2018، ص17.
- مجموعة مؤلفين: المعجم الوسيط، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، ط 4، ص 692.
- استيتية، دلال، التغير الاجتماعي والثقافي، عمان: دار وائل، ط 3، 2010، ص 19 ـ 2
هدى محمد الشاوش
-
- مكان الإقامة: الشارقة ـ الإمارات العربية المتحدة
- أخصائية اجتماعية
- بكالوريوس في علم الاجتماع – كلية الآداب والعلوم الانسانية ـ قسم علم الاجتماع ـ جامعة الشارقة – 2014-2018م.
- تدريب: إخصائية اجتماعية بمدينة الشيخ خليفة الطبية: 24 ديسمبر 2017 ـ 18 يناير 2018.
- مدرب معتمد دولي من جامعة أريزونا الدولية للأعمال وإدارة الأعمال شهادة الدراسات العليا في التدريب الدولي من المدربين 15-1-2019.
- مدرب معتمد من جامعة عين شمس بنجاح الدورة التدريبية للتدريب المهني للمدربين التي عقدت في القاهرة مصر خلال 60 ساعة من 20 يناير إلى 20 فبراير. TOT
- مدرب دولي معتمد من Longevity professional Management and Develop Training
- أكملت بنجاح متطلبات برنامج الخطابة المعتمد لمدة 36 ساعة بمقر أكاديمية آرت اند ساينس انترناشونال آسوسييشن للتدريب من 25 سبتمبر إلى 1 مايو 2019.
- عضوة فعالة في جمعية طالبات علم الاجتماع بجامعة الشارقة.
- متطوعة فعالة في منصة متطوعين إمارات ـ أكملت 84 ساعة تدريبية – و148ساعة تطوعية.
- متطوعة منطلقة من سفراء الخير التطوعي.
- من الأبحاث العلمية المنجزة: ـ اتجاهات الشباب نحو فاعلية العمل التطوعي بمدينة أبو ظبي: مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب نموذجاُ.
- (بحث مقدم لجائزة خليفة التربوية).
- ـ اتجاهات الطلبة نحو فاعلية المكتبات الجامعية في التحصيل العلمي (بحث التخرج).