(الصوت الذي تسمعه ليس صوتي المتكلِّم، إنه صوت عقلي، فأنا لم أتكلَّم مذ كنت في السادسة، ولا أحد يعرف لماذا، حتى أنا)
البيانو فيلم درامي أنتج عام 1993 في نيوزيلندا عن عازفة بيانو صماء وابنتها، تدور أحداثه في منتصف القرن 19 على الحدود الموحلة في الساحل الغربي لنيوزيلندا. كتبت الفيلم وأخرجته جين كامبيون، وهو من بطولة هولي هنتر وهارفي كيتل وسام نيل، وآنا باكوين، ومن إنتاج دولي بالتعاون مع المنتج الأسترالي جان تشابمان والشركة الفرنسية سيبي 2000.
حقق الفيلم نجاحاً تجارياً ونقدياً كبيراً، بريع وصل إلى أكثر من 40 مليون دولار، وبموازنة بلغت سبعة ملايين دولار. وفاز في الحفل الـ 66 لجوائز الاوسكار بثلاث جوائز: أفضل ممثلة لهنتر، أفضل ممثلة مساعدة لباكوين، وأفضل سيناريو أصلي. وأصبحت آنا باكوين التي كانت في ذلك الوقت بعمر 11 سنة، ثاني أصغر فائزة بجائزة الأوسكار لفئة أفضل ممثلة مساعدة بعد تاتوم اونيل، التي فازت بالجائزة عام 1974 عن دورها بفلم قمر ورقي بعمر العاشرة.
القصة
يبدأ الفلم مع صوت الطفلة كأنَّها تردِّد بصوتٍ خافت مقطعاً من قصيدة (الصمت) للشاعر توماس هود: (الصوت الذي تسمعه ليس صوتي المتكلِّم، لكنَّه صوت عقلي، لم أتكلَّم مذ كنت في السادسة، ولا أحد يعرف لماذا، حتى أنا).. تظهر آدَّا وهي تحمل في عنقها قلادة من قلم ودفتر عبارة عن سبورة صغيرة بحجم اليد لتكتب عليها ما تريد قوله، ويكمل الصوت: (يقول والدي إنَّها موهبة سوداء، ويوم أضعها في رأسي ستكون آخر ما أفعله).
بطلة الفيلم آدَّا محتارةٌ بين زوجها الذي يحتفظ بلباقته ويتعامل بتحفظ مع السكّان الأصليين لجزيرة نيوزيلاندا، وصديقه الذي يندمج معهم ويتكلم لغتهم وقد رسم على وجهه وعلى أنفه وشماً ليصير أكثر شبهاً بهم، وهي عازفة بيانو محترفة ومولعة به زوِّجها والدها من إقطاعي في إحدى جزر نيوزيلاندا، وتوافق دون أن تكون قد رأته، وهذا الأخير لا يرى ضرراً من الزواج بامرأة صماء لديها ابنة، وحين يقوم والدها بتسفيرها إلى زوجها في قاربٍ صغير حملته الكثير من الأثاث وكان البيانو أهم قطعة فيه.
يأتي زوجها واسمه أليستر ستيوارت فيأخذها مع جميع أثاثها ويترك البيانو بحجة أنه ثقيل والطريق جبلي وعر وموحل، والجو ممطر، وربما كانت تكلفة نقله أكثر بكثير من ثمنه.
لم تنطق آدَّا بكلمة واحدة منذ أن كان عمرها ست سنوات وابنتها فلورا تحيك الأساطير حول الأمر، زوجها أليستر ستيورات لا يهتم بالشؤون العائلية، ولا يهمه سوى جني المال، تقوم ابنتها فلورا بترجمة لغة الإشارة التي تستخدمها والدتها وغالباً ما تكون الإشارات متشنجة وعصبية، وكانت هذه الابنة نتيجة لعلاقة آدا مع معلِّم البيانو الذي علمَّها العزف، وتقع هي بالمقابل في حب تلميذها جورج بينز صديق زوجها الذي تقوم بتعليمه، يعرض بينز على صديقه ستيورات شراء البيانو مقابل أن يعطيه قطعة أرض على أن يتكفَّل هو بنقله من الشاطئ وأن تقوم آدَّا زوجة ستيوارت بتعليمه العزف على البيانو.
وقبل أنْ يطلب بينز من زوجها شراء البيانو كانت آدَّا قد ذهبت إلى بيته وطلبت منه أنْ يوصلها إلى الشاطئ، فيرفض في البداية، ولكنَّها تصر وتقول له، أنَّها ستبقى أمام داره، فيرضخ للأمر الواقع ويذهب معها إلى الشاطئ حيث البيانو، فتبدأ بالعزف وصديق زوجها يراقبها بإعجاب كبير. وأثناء دروس التعليم تلاحظ آدَّا أنَّ جورج يريد الاستماع فقط، ويقبّلها في إحدى المرات فتنفر منه بشدة، ثم تستمر الدروس إلى أنْ يوقع بها في حبائله، ويعطيها البيانو بدون مقابل، ويقول إنَّه ما عاد في حاجةٍ إليه، وأنه يحبها هي ولا يستطيع الاستغناء عنها، بينما بإمكانه الاستغناء عن البيانو بكل سهولة. ولكنها بعد أيام تعود إليه بإرادتها بعدما تكتشف أنَّها هي أيضاً تحبه.
ويبدأ زوجها أليستر يشكُّ في الأمر، ويراقبها، وحين يتأكَّد من شكوكه يقفل عليها الباب كلما خرج من البيت، وعندما يعود يحاول التقرب منها، لكن محاولاته تفشل بسبب برودها وتهربها منه، فيسألها:
– إذا تركت الباب مفتوحاً هل تذهبين إلى رؤية جورج؟ فتهز رأسها إشارةً إلى النفي وأنَّها لن تذهب.
فيقول: أنا على ثقة من أنَّكِ لن تذهبي، فتعده بأنَّها لن تذهب إلى كوخ صديقه جورج..
وكان الأخير الذي بدأ النحول والحزن الشديد يظهر عليه لفراقها، يترك لها باب الكوخ مفتوحاً متوقعاً قدومها في أي لحظة، إلا أنها تفي بوعدها لزوجها، ومع هذا تكتب رسالة له وتطلب من ابنتها أن تأخذها له، فترفض الأخيرة وتقول لوالدتها: (لا يُفترضْ أنْ نزوره). وبعد تردد توافق على حمل الرسالة إلى جورج إلا أنها وبعد خطوات قليلة تغير رأيها وتتغلب غريزة الموت والدمار داخل الطفلة انتقاماً من أمِّها التي أجبرتها بطريقة غير لائقة على حمل رسالة إلى عشيقها.
كان الجو غائماً، وكانت فلورا تغني وهي تسير نحو الحقل الذي يعمل فيه أليستر بنشاطٍ يشوبه غضب، فتقول له فلورا: (قالت لي أمي أن أعطي هذا للسيد بينز… اعتقدت أنه ليس من الصحيح فعل هذا) وهنا مشهد الذروة، حيث يأخذ فأسه ويعود إلى كوخه سريعاً، غاضباً، ويسألها (لماذا؟ لقد ائتمنتك، ائتمنتكِ، هل تسمعين؟ لماذا تجبرينني على إيذائك؟).
وكان يقول وهو يبكي ويصرخ: يمكننا أن نكون سعداء، لماذا تجعلينني أفقد أعصابي.
وجرها إلى الخارج وهو يقول: لقد كذبت عليَّ. تكلمي، أو ردي على هذا، هل تحبينه؟ تحبينه أليس كذلك؟ هل تحبينه.
وهنا تصرخ الطفلة فلورا (إنَّها تقول لا)..
ومع هذا يهوي بالفأس على يد آدا، والدم يلطِّخ وجه الفتاة وهي تصرخ: (أُمي، أمي، أُمي)..
تقفُ آدا على قدميها تتأمل زوجها، وتتأمل ما حولها مع موسيقى البيانو، وتمشي خطوات قليلة وتسقط على الأرض.
أدت ضربة الفأس إلى قطع أحد أصابع يدها، فيقوم الزوج بإعطائه لابنتها ويقول لها: (أعطيه لبينز، وقولي له لو رآها مرة أخرى، سوف أقطعُ أصبعاً آخر، وآخر.. وآخر).
تصرخ الطفلة فلورا وهي تبكي (أمي) تتوقف عند أمِّها فيصرخ فيها (أركضي).
وحين تصل إلى بينز تبدو منهارة من التعب والرعب والبكاء يسألها: ماذا حدث؟ اهدئي اهدئيْ، ما الأمر؟ تعطيه الإصبع الملفوفة بقطعة قماش بيضاء، وتقول له: (إذا رأيتها ثانية فسيقطعُ أخرى) يسألها: أين هي؟ ماذا أخبرته؟ سأسحق جمجمته… – تصرخ الطفلة: لا.. لا.. لا إنه سيقطعهم.
يبدأ مشهد أليستر وزوجته في فراشها وهو يلومها (أنتِ دفعتني لاستخدام القوة معكِ، إنه حتى.. حتى مجرد التفكير في هذا يجعلني غاضباً جداً، لقد قصدت محبتك – يُمَسِّدُ شعرها ووجها الذي ابتل بعرق الحمى – هل تشعرين بالحر يا عصفوري الجميل، تبحلقُ في وجهه، فيسمع من عينيها أنَّها تحب بينز.
يذهبُ أليستر ليلاً ويتسلَّل إلى بيت بينز، ويضعُ فوهة البندقية بوجهه، ويقول له:
ـ (انظر حولك، إنه وجهك، تلك الصورة في مخيلتي، لكنني أراك الآن، إنه لا شيء، لديك ملاحظاتك وتنظر إليَّ بتلك العينين، وتشعرُ بالخوف مني، انهض، هل سبق أن تكلمت هي معك؟ أعني بالإشارات؟ لا.. بالكلمات؟ هل سبق أنْ سمعت كلمات مسموعة؟
ـ لا.. لم أسمع أيَّة كلمات.
ـ أما تخيلت أنك سمعت كلماتها؟ أنا سمعت صوتها هنا في رأسي، الشفاه لم تتحرك، لكن رغم ذلك أنا واثق أنني أستمع إليها بوضوح، لقد عاقبتها بصورة سيئة.
– يرد بينز: لقد كان عيبي. لقد قالت أنا أخشى من رغباتي، ماذا يمكنني أن أفعل؟ إنها غريبة وقوية جداً، لقد قالت: يجب أن اذهب.. دعني أذهب، دع (بين) يأخذني دعه يحاول أن ينقذني أتمنى لها أن ترحل، أتمنى لك أن ترحل، أريد أن استيقظ وأجد أن هذا لم يكن سوى حلماً ذاك ما أريد).
قبيل نهاية الفيلم تأخذ آدا معها البيانو إلى وسط البحر وتأمر ابنتها أن تقول لبينز أن يرميه في البحر فبعد أن قُطِعَت أصبعها لن تعود قادرة على اللعب عليه، فيرميه، وتتعمَّد وضع قدمها في حلقات الحبل الذي بدأ مع سقوط البيانو يلتف حول قدمها ويجرها إلى الأسفل، ولكن يبدو أنَّها وهي تعاني من الاختناق في عمق البحر تغيِّر رأيها، وتنتصر غريزة الحياة على غريزة الموت، وفي خدعةٍ بارعة من المخرج في المشهد الأخير جلعت المشاهد يظن المشاهد أنَّها ستنتحر، إلا أنها سرعان ما تنزع حذاءها وتطفو على السطح.
بسبب أطماع أليستر بأرض صديقه جورج، وبعلمه يقوم جورج بمساومته على أرضه فيتركها له.
وفي خاتمة جميلة، تصف آدا حياتها مع جورج وإعطاءها دروس العزف على البيانو في موطنها الجديد، حيث تم استبدال أصبعها المقطوع بأصبع من الفضة.
ينتهي الفيلم مع صوت الطفلة كأنَّها تردِّد قصيدة بصوتٍ خافت: (يا له من قدر، يا لها من فرصة، يا للمفاجأة، لقد وقع اختياري على الحياة، لكنَّها أخافتني وأخافت الكثير معي، أعلِّم البيانو الآن في نيلسون، صنعَ لي جورج مفاتيح معدنية، وأنا غريبة في المدينة، وأتعلَّم الكلام، وصوتي ما زال سيئاً واشعرُ بالخجل، أتدرب عندما أكون لوحدي وفي الظلام، أفكِّر بالبيانو في الليل، في قبره داخل المحيط، وأفكِّر أحياناُ بنفسي وأنا أطفو فوقه، هناك كل شيء ساكن وصامت ويهدهد لي هدهدة غريبة وهكذا أنا، إنَّه لي) ثمَّ تبدأ الطفلة بقراءة مقطعٍ للشاعر توماس هود من قصيدة (الصمت): (هناك صمت حيث لا صوت، في القبر البارد، في أعماق المحيط العميقة جداً).
طاقم التمثيل
هولي هنتر بدور آدا ماكغراث
هارفي كيتل بدور جورج بينز
سام نيل بدور أليستير ستيوارت
آنا باكوين بدور فلورا ماكغراث
الجوائز والترشيحات
فاز الفيلم بجوائز كثيرة كان من أهمها جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي 1993 لأفضل أداء لهولي هنتر، وفي عام 1994 حاز الفيلم على جوائز الأوسكار لأفضل دور رئيسي لهولي هنتر، وجائزة أفضل ممثلة في دور ثانوي للطفلة آنا باكوين وجائزة أفضل سيناريو للكاتبة جين كامبيون، كان الفيلم من أفضل مائة فيلم أنتجته هوليود، وكتب الناقد السينمائي روجر إيبرت: البيانو بغرابته يُخَيِّمُ شبحه على أي فلم شاهدته.