انتشر هذا المصطلح ذو المعنى الواسع والذي يشير لسوء معاملة الطفل من شخص آخر. وإن كان التعريف القانوني يختلف من بلد لبلد إلا أنه غالباً ما يشمل الإساءة البدنية والإساءة الجنسية، والإهمال البدني والإهمال العاطفي وكذلك الإساءة العاطفية.
والعدد المتزايد والمنذر للتقارير عن حالات الإساءة البدنية والعاطفية للأطفال يعتبر دليلاً على الزيادة الفعلية في هذه الظاهرة وكذلك كثرة الإبلاغ عنها عما سبق.
وتعتبر الإساءة من الأمراض الطبية الاجتماعية التي يعتبرها البعض أحد جوانب العنف الاجتماعي الذي يتزايد في هذه الآونة.
وعدد التقارير الإحصائية من كل أنحاء العالم عن الإساءة للأطفال مهول، وكمثال يقدر المركز القومي للإساءة للطفل وإهماله في واشنطن أن نحو مليون طفل أمريكي يتعرضون للإساءة كل عام، وأن 2000 ـ 4000 حالة وفاة تحدث سنوياً نتيجة لذلك، ويقر المركز بأن العدد الفعلي لحالات الإساءة يفوق هذا التقدير لأن الكثير من الحالات تمر دون ملاحظة.
والإساءة البدنية هي الاتصال البدني المتعمد الذي يسبب ألماً واضحاً، أو إصابة، أو يفقد الطفل الأمان، ويشمل الضرب والرفس والعض والدفع والرج والحرق.
والإساءة الجنسية تبدأ من أقل احتكاك بالطفل لغرض الإرضاء الجنسي لأحد البالغين.
ويحدث إهمال الطفل عندما يفشل مقدم الرعاية في توفير الاحتياجات الأساسية للطفل عاطفياً وبدنياً مثل الغذاء والكساء والرعاية الصحية والتعليم،. إذن يتضمن الإهمال الملاحظة غير الكافية ونقص العاطفة والاحتواء المناسب.
وقد تحدث الإساءة العاطفية مع صور الإساءة الأخرى أو بدونها، وغالباً ما يصعب تعريف الإساءة العاطفية أو توثيقها بعد حدوثها، ولكنها تشير عموماً لسلوكيات مؤثرة على الصحة النفسية للطفل ونموه الاجتماعي، وكذلك تشمل الإساءة العاطفية سوء المعاملة اللفظية وعدم الانتباه والرفض والترهيب.
الأسباب
لسوء الحظ فإن الإساءة للأطفال مشكلة شائعة ومنتشرة في كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجموعات العرقية والدينية، ولذها من المهم التعرف على علامات وأعراض الإساءة للأطفال لحماية طفلك وأمثاله في مجتمعك.
يرى آباء الأطفال الذين يسيئون إليهم أن هؤلاء الأطفال مختلفون أو بطيئو النمو أو معاقون ذهنياً أو سيئون أو يصعب تعليمهم النظام. وأكثر الأطفال عرضة للإساءة من يعانون (فرط الحركة) وخاصة إذا ولدوا لأبوين يفتقران للقدرة على الرعاية والتنشئة.
ومن الغريب أن مرتكبي الإساءة من النساء أكثر من الرجال، وغالباً ما يكون أحد الأبوين مسيئاً والآخر يقف صامتاً أو سلبياً، وأحصيت أعمار الأمهات مرتكبات الإساءة فكان المتوسط 26 سنة، والآباء 30 سنة (وهذه احصاءات أمريكية ولهذا نرجو أن تتاح في المستقبل إحصاءاتنا العربية).
وإن كانت الإساءة غير محصورة في مستوى معين إلا أن معظم حالات الإساءة تكون في الأسر الفقيرة أو المنعزلة اجتماعياً.
ومن الملاحظات الهامة أن هناك بعض حالات الإساءة تلي توقعات غير مناسبة من الآباء تجاه أبنائهم، وذلك في صيغة تبادل لدور الاحتياج للإعتماد. فيظن الأب أن ابنه أكبر من سنه ويلجأ إليه سعياً للإطمئنان والرعاية والراحة والحماية، وعندما تخيب هذه ا لتوقعات غير المعقولة فإن رد الفعل الأبوي يكون الإساءة للطفل.
واكتشاف الإساءة قد يكون صعباً لأننا غالباً ما لا نعلم أين تنتهي حدود الرعاية الأبوية الطبيعية وتبدأ حدود الإساءة. فالكثير من الآباء يفقدون صبرهم منوقت لآخر وحتى رفع أصواتهم عندما يحبطون من تصرفات الأبناء. فمن الطبيعي، ومن الحكمة أيضاً، أن نضع حدوداً من وقت لآخر وأن نطبق العقاب المناسب وذلك لأن الأطفال بحاجة للنظام والقولبة بالتوازي مع حاجتهم للرعاية والحب.
كيف نشخص الإساءة؟
من النقاط الحساسة طبعاً أن أي تقرير أو بلاغعن إساءة محتملة أو مشتبه فيها سيحتاج لتقييم يتطلب غالباً التدخل في خصوصيات الأسرة. ورغم اعترافنا بأهمية الخصوصية الفردية والأسرية إلا أن اهتمامنا الأول يجب أن يتركز على أمان الطفل. ولا يجب أن يكتب تقرير عن الإساءة دون اهتمام كاف أو بسبب الاختلاف في أسلوب الرعاية الأبوية، وإن كان على الجميع أن يأخذوا بجدية واهتمام أية شكوك عن الإساءة للأطفال.
وغالباً ما لا تظهر على الطفل المساء إليه أية أعراض واضحة للإعتداء، ولكنه عندما يذهب إلى طبيب خاص أو مستشفى قد تبدو عليه علامات محتملة للإساءة منها:
الإصابات غير المعتادة أو التي لا تتفق مع قدرات الطفل (مثل الكسور في الطفل الذي لم يمش بعد).
الإصابات التي لا يمكن تفسيرها أو التي لها تفسير مريب.
الإصابات التي تأخذ شكل أشياء محددة (مثل حروق السجائر الدائرية وإبزيم الحزام).
الإصابات المتكررة.
عدم الاتفاق بين تفسير الطفل وتفسير القائم على رعايته لكيفية حدوث الإصابة.
الإهمال الواضح للاحتياجات البدنية للطفل مثل المأكل والمأوى والملبس والتعليم والرعاية الصحية ورعاية الأسنان.
السلوك العدواني: الطفل كثير الشجار والمتكرر نوبات الغضب والذي يحطم الأثاث ويؤذي الحيوانات.
سلوك الإنسحاب: الطفل الذي يجد صعوبة في تكيون صداقات والذي يتجنب الاتصال البدني مع الآباء والكبار عموماً والذي يتحاشى الأنشطة.
سلوك الخوف: يبدو الطفل خائفاً من والديه والكبار ويتكاسل ويتباطىء في العودة لمنزله من المدرسة.
سلوك التراجع: كأن يتصرف بطريقة من هم أصغر سناء مثل مص الإصبع أو التبول اللاإرادي بعد أن أصبح متحكماً في ذلك بالفعل.
وجود صعوبة في النوم: كأن يبدو الطفل متبعاً أو يكابد الكثير من الكوابيس.
تغيرات الشهية: كأن يفقد الطفل شهيته أو يأكل بشراهة.
الحزن الشديد والبكاء المتكرر.
لشكاوى الجسمانية المتكررة (مثل الصداع وآلام البطن).
من الملاحظ طبعاً أن الكثير من هذه الأعراض لا يقتصر سببياً على حالات الإساءة، وبالتالي عليك استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى قبل الوصول إلى الاستنتاج الأخير أن سبب هذه الأعراض هو الإساءة أو الإهمال.
ما هي الإساءة العاطفية؟
تمثل الإساءة العاطفية ?4 من كل حالات الإساءة للأطفال، وهي الهدم النفسي المنتظم لإنسان آخر. وتعتبر شكلاً من السلوك الذي يؤثر بشكل خطير على النمو الايجابي للطفل. ومن المتوقع سلفاً أن الإساءة العاطفية هي أقل أشكال الإساءة فهماً ووضوحاً، رغم أنها قد تكون الأكثر تعويقاً وتدميراً بين كل أنواع الإساءة. ولأنها هجوم على نفس الطفل ومفهوم الذات لديه، فإن ضحية الإساءة العاطفية يرى نفسه غير مستحق للحب ولا التعاطف، والأطفال الذين يعيرون دائماً ويروعون أو يرفضون يعانون تلك المشاعر من قلة الإحساس بالأهمية والاستحقاق، وربما بدرجات أكبر من أولئك المضارون بدنياً، وحتى الطفل الصغير المحروم بشدة من الرعاية العاطفية الأساسية ـ وحتى لو لقي الرعاية البدنية ـ قد يتأخر نموه وربما توفي.
أما الأشكال الأقل شدة من الحرمان العاطفي المبكر فقد تؤدي لنمو أطفال قلقين لا يشعرون بالأمان ونموهم بطيء وربما قل احترامهم لذواتهم.
ومن أنواع الإساءة العاطفية:
-
الرفض:
فالآباء الذين يفتقدون القدرة على الارتباط سيبدو عليهم سلوك رفض الطفل، ويخبرونه بطرق مختلفة أنه غير مرغوب فيه، وربما طلبوا منه الرحيل، أو بصورة أقل حدة يتركونهيقيم مع الجد والجدة أو أحد الأقارب، وينادونه بأسماء غير مقبولة، ويتكلمون معه على أنه عديم القيمة. وقد لا يمل الآباء الطفل الصغير ولا يتحدثون إليه. وقد يصبح الطفل كبش الفداء للأسرة فيلام على كل مشاكلها (من يوم ما جبناك وإنت كلك مشاكل، وأمك حامل فيك فضلت عيانة.. ولادتك كلفتنا الشيء الفلاني.. الخ.. من ذلك الكلام الذي نسمع الآباء يوجهونه إلى أطفالهم.
-
التجاهل:
الآباء الذين عانوا الحرمان العاطفي، غالباً ما لا يكونوا قادرين على الاستجابة لاحتياجات أبنائهم العاطفية (فاقد الشيء لا يعطيه). وقد لا يبدون التصاقاً بالطفل أو يقدمون له الرعاية اللازمة، وقد لا يبدون اهتماماً بالطفل أو يعبرون عن مشاعر تعاطف معه أو حتى يلفت نظرهم مجرد وجود الطفل، وفي أوقات عديدة قد يتواجد الوالدان جسدياً ولكنهما يغيبان عاطفياً.
-
الترويع:
قد يركز الوالدان نقدهما وعقابهما على أحد الأطفال، وربما سخرا منه وهو يعبر عن مشاعر طبيعية بما في ذلك توقع أشياء تفوق قدراته الطبيعية. وقد يصل الترويع لدرجة تهديد الطفل بالموت أو التشويه أو الهجر بالكلية.
-
العزل:
الأب الذي يسيء لطفله من خلال العزلة قد لا يسمح له بالمشاركة في الأنشطة المناسبة مع أقرانه، وقد يبقيه في غرفته، وبذلك يبعده عن الاختلاط، في بعض الحالات يصر الآباء على بقاء الطفل حبيس غرفته من وقت العودة من المدرسة وحتى صباح اليوم التالي، وحتى الوجبات تقدم للطفل في تلك العزلة.
-
الإفساد:
قد يسمح بعض الآباء للأطفال باستخدام الأدوية المخدرة أو حتى شرب الخمور والتدخين والمشاهد التي تفوق سنهم، أو حتى مشاهدة الجرائم أو القيام بالمشاركة في أنشطة إجرامية كالنشل وتجارة المخدرات.. إلخ.
كانت تلك بعض أنواع الإساءة العاطفية التي تترك لدى الطفل إحساساً بعدم الأمان وقلة احترام الذات والسلوك التدميري والأفعال الغاضبة كإشعال الحرائق والاعتاء على الحيوانات، والانعزال، وضعف نمو المهارات الأساسية، والإدمان وصعوبة تكوين علاقات وصداقات، وربما المحاولات الانتحارنية.
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية