يمثل النقد البيئي Ecocriticism توجها حديثاً في مجال النقد الأدبي حيث تقيّم النصوص الأدبية استناداً إلى معايير بيئية. ويطرح هذا النمط من النقد نظرة متجددة للعلاقة ذائعة الصيت بين الطبيعة والأدب والتي مرت بتحول كبير في القرنين العشرين والحادي والعشرين. تجدر الإشارة أن العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة غدت معقدة وعليه فإن تضمين هذه العلاقة في النصوص الأدبية يشمل الأنماط الثقافية والسياسية للمجتمع الإنساني الحالي. وفي ظل مثل هذا السيناريو يتعين على النقد البيئي تحليل الجوانب الثقافية والأدبية للعوامل التي تتسبب بالرؤية البيئية.
والنقد البيئي هو أيضاً تحليل للكيفية التي تتيح إمكانية تشكيل وصف الطبيعة والثقافة الإنسانية والبرامج السياسية التي تشكل النصوص الأدبية بهدف التوصل إلى حل ما ذي صلة بالموضوع للكارثة البيئية المتنامية، الأمر الذي يجعل هذا النقد الجديد بطبيعته متداخلاً مع حقول معرفية أخرى. لذا يتبنى هذا النقد مبادئ من حقول أخرى متنوعة مثل التاريخ وعلم النفس والفلسفة وعلم الأخلاق وعلم البيئة بهدف فهم العلاقة القائمة بين الطبيعة والأدب.
وقد أبتدع وليام روكيرت William Ruekert تعبير النقد البيئي في عام 1978 للتعاطي مع قضايا تتصل بالمناظر الطبيعية والبيئة التي لم يهتم بها نقاد الأدب في السابق. ويورد كريك كارارد Greg Garrard في كتابه الموسوم (النقد البيئي) Ecocriticism تعريفاً لهذا النمط من النقد طرحه شيرل كلوتفيلتي Cheryll Glotfelty في مقدمة كتابه الموسوم (القارئ النقدي البيئي) The Ecocritical Reader الذي ينص على أن (النقد البيئي يمثل دراسة العلاقة بين الأدب والبيئة الطبيعية، والنقد البيئي يتبنى منهجاً واقعياً في الدراسات الأدبية مثله في ذلك مثل النقد المؤيد لمساواة النساء بالرجال والذي يتناول اللغة والأدب من زاوية شعورية تتعلق بجنس الإنسان والنقد الأدبي الماركسي الذي يضفي وعياً بأنماط الإنتاج والطبقة الاقتصادية في قراءته للنصوص) (كارارد، 2004: ص 13). ويذكر الناقد البيئي دونيل دريس Donelle Dreese في كتابه المهم (النقد البيئي: خلق النفس والمكان في الآداب البيئية والأمريكية الهندية) Ecocriticism: Creating Self and Place in Environmental and American Indian Literatures عدة قضايا تشكل جزءاً من اهتمامات النقد البيئي الاعتيادية: (… كيفية تقديم الطبيعة ومتى يتم تمثيلها وكيفية تأثير الأزمة البيئية على الأدب وكيفية تطور المفاهيم البيئية عبر القرون) (دريس، 2002: ص1).
أهمية الثقافة في النقد البيئي
تحظى عملية وآثار الثقافة الإنسانية بأهمية بالغة في النقد البيئي. ومن الاهتمامات الكبيرة لهذا النمط من النقد التفرع إلى (ثقافة / طبيعة) والتفاعل بينهما لكون المشاكل البيئية تعتبر بمثابة نتيجة ثانوية أساسية للقضايا الثقافية والاجتماعية. وربما تشمل الدراسات النقدية البيئية دراسات ثقافية تضم تحليل النصوص ذات الصلة بالتلفزيون والأفلام والفن والعلوم فضلاً عن التوجهات الرامية للمحافظة على البيئة مثل (أنظمة المتنزهات الوطنية) National Park Systems إضافة إلى القصص ذات الصلة بالبرية ووصف الطبيعة.
يقول كريك كارارد في هذا الشأن:
تتطلب المشاكل البيئية إجراء عملية تحليل في المجالين الثقافي والعلمي لأنها تنشأ عن التفاعل بين كل من المعرفة البيئية للطبيعة وانعطافاتها الثقافية… وسوف يضم مثل هذا الأمر دراسات تشمل عدة حقول معرفية متداخلة تفضي إلى النظرية الأدبية والثقافية والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة البيئية إضافة إلى علم البيئة. (كارارد، 2005: ص 14)
نمط الاستعلام النقدي البيئي
أشرنا إلى أن النقد البيئي يتناول العلاقة الحيوية بين الأدب والبيئة الطبيعية، وهو بذلك يوفر فهماً أعمق للتفاعل بين كل من اللغة والبيئة في الأدب، عليه فإن تحليل أوصاف الطبيعة فحسب في الأدب لا يمثل هدفاً للنقد البيئي فهو يحلل عالم الطبيعة ويفهمه، هذا العالم الذي يتصف بتعقيده وخصوصيته. ومثل هذا الأمر يمكّن الناقد البيئي من مساندة تغيير ثقافي في المجتمع من خلال تبني وجهة نظر عالمية واقعية احيائية تحفز الإنسان على تخيل مجموعات عالمية تضم الكائنات غير البشرية والبيئة الطبيعية.
ويضع نقاد البيئة قاعدة ثقافية لنمط الاستعلام النقدي البيئي بهدف منع هذا النقد من أن يكون فرعاً من فروع النقد الأدبي ليس إلا! في هذا الخصوص يقتبس كريك كارارد وجهات نظر ريتشارد كيريدج Richard Kerridge التي وردت في كتابه الموسوم (كتابة البيئة) Writing the Environment الذي يركز على إمكانيات النقد البيئي في استكشاف المضامين الثقافية لأي تحليل يتناول نصاً أدبياً عن البيئة: (يتطلع الناقد البيئي لاقتفاء أثر الأفكار والمزاعم البيئية حيثما تظهر ليتسنى له ملاحظة حوار متوقع… ويعمد النقد البيئي إلى تقييم النصوص والأفكار فيما يتعلق بترابطها وجدواها بصيغة استجابة للمحنة البيئية) (كارارد، 2004: ص 4).
ومن غير المحتمل أن يفلح النقاد البيئيون في تقديم حلول للمشاكل البيئية، مع ذلك بمقدورهم أن يخلقوا وعياً متزايداً بين الناس حول الحاجة لحصول تغيير في إدراكهم البيئي وهذا هو الهدف النهائي للناقد البيئي. فعلى سبيل المثال يشكل كل من التزايد السكاني الهائل وما ينشأ عنه من تلوث بيئي قضية ثقافية واجتماعية وليس مجرد مشكلة بيئية فحسب، لكنها مع ذلك تشكل قلقاً كبيراً لنقاد البيئة.
قاعدة النقد البيئي
يستند الاستعلام البيئي على بعض الفلسفات البيئية الآتي ذكرها وفق ما |أورده كريك كارارد:
- قرن الوفرة Cornucopia**: يظن مؤيدو هذه الفلسفة أن غالبية المخاطر البيئية مجرد وهم أو مبالغ فيها! لذا فإن الذين يتبنون مثل هذا النمط من التفكير ليسوا في الواقع من المحافظين على البيئة بل أن الصناعيين المناوئين للبيئة يقومون بدعمهم ومساندتهم.
- الاهتمام البيئي السطحي: يؤكد المهتمون السطحيون بالبيئة على المخاطر البيئية مثل الاحتباس الحراري والتلوث ويعولون على مسؤولية الحكومة في التوصل إلى حلول لمثل هذه القضايا فضلا عن الأزمات ذات الصلة بالموارد. ولربما لن يكونوا على استعداد لحصول أي تغيير جذري في نمط الحياة لتحسين الحال.
- علم البيئة العميق: هذا النمط من الفلسفة البيئية يلهم منظمات مثل (الأرض أولاً) Earth First و(أصدقاء الأرض) Friends of Earth و(راعي البحر) Sea Shepherd. وقد تركت هذه الفلسفة أثراً كبيراً حتى خارج نطاق الحقل الأكاديمي. ويعتبر غاري سنايدر Gary Snider، في نظر كارارد، الشخصية الرائدة البارزة لعلم البيئة العميق وأرني نيس Arne Naes باعتباره المرشد الروحي الفلسفي لهذا التوجه. ويعزو دعاة هذا التوجه البيئي قيمة جوهرية للبشر وكذلك للكائنات غير البشرية كما أنهم يبرزون الحاجة لنمط حياة مستدام ولعدد سكان أقل من أجل ازدهار الكائنات غير البشرية على الأرض.
- تساوي الجنسين البيئي Ecofeminism: في الوقت الذي يركز فيه علم البيئة العميق على الازدواجية المركزية البشرية (الرجل / المرأة) تذهب الفرضية الأساسية لمثل هذا التوجه إلى أن النساء يرتبطن بشكل وثيق بالطبيعة ويتصفن بسمات ربما تفضي إلى معالجة أكثر عقلانية وأماناً من الناحية البيئية للحياتين الحيوانية والنباتية.
- علم البيئة الاجتماعي والماركسية البيئية: أن هذه الفلسفة البيئية توفر الأساس للنقد البيئي تماماً مثل التوجه السابق. ومثل هذه الفلسفة (تظهر أنظمة الهيمنة على البشر واستغلالهم من بشر آخرين) باعتبار ذلك يمثل السبب الرئيسي للقضايا البيئية.
- الفلسفة البيئية الهيدكرية: شكلت آراء الفيلسوف الألماني هيدكر Martin Heidegger (1889 – 1976) مصدر إلهام للكثيرين من نقاد البيئة. ووفق ما تؤمن به هذه الفلسفة فإن العالم المحيط بالإنسان يضم الحياتين الحيوانية والنباتية وأن دور البشر يتمثل في أفساح المجال أمام تلك الكائنات في ممارسة حياتها الحرة. ولا ينظر إلى الإنسان وفق هذه الفلسفة باعتباره سيد هذا الكون فهو لا يعدو كونه أكثر من مرشد للكائنات الأخرى التي تحيط به. كما أن معنى العالم من حولنا يعبّر عن حاله من خلال الأدب وخاصة الشعر (كارارد، 2004: ص 16 – 32).
لقد غدت الكتابات البيئية حقلاً معرفياً ثراً يتنامى بسرعة في عالم الأدب الحديث. من هنا أصبح للنقد البيئي أهمية بالغة لأنه يعيننا على فهم وتقييم أفضل للأدب البيئي، وهو بدراسته للصلة الوثيقة بين الكلمة والعالم من حولنا يوحي بتوجه جديد في النقد الأدبي.
* يعمل الكاتب أستاذاً ورئيساً لقسم اللغة الإنكليزية في إحدى الكليات في مقاطعة بانكلور في الهند والتابعة لجامعة بانكلور. (المترجم)
** قرن معزاة مليء بالثمار إلخ يتخذ رمزاً للوفرة. (المترجم)
المصادر:
- Donelle N. Dreese. Ecocriticism. Creating Self and Place in Environmental and American Indian Literatures. New York: Peter Land Publishing, 2002.
- Greg Garrard. Ecocriticism. New York: Routledge, 2004.
https://ashvamegh.net/ecocriticism-a-new-idiom-of-literary-criticism/
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.