لا تعطه سمكة بل علمه كيف يصطاد
يبدو كرسي الإعاقة متسلق السلالم ذي التقنية العالية للوهلة الأولى من ضمن أهم الاختراعات الحديثة، ولكن من وجهة نظر ليز جاكسون، فهذا الكرسي ليس إلا مجرد واحد من التقنيات المساندة.
(ليز جاكسون) تُعد من مُناصري الأشخاص ذوي الإعاقة وهي مُصممة تقنيات مساندة، فضلاً عن كونها مؤسِسة منظمة (The Disabled List) التي تهتم بتطوير واختراع التقنيات المساندة في مجال الإعاقة.
تُعرِف ليز هذه المعينات والتقنيات على أنها أدوات وأجهزة أنيقة، صُمِمت بكل حسن نية لتخدم حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة. ولكنها في نهاية المطاف لا تعدو كونها حلولاً غير ناجعة لمشاكل لم يعهدها الأشخاص ذوو الإعاقة من قبل.
وفي لقاء إذاعي لها مع شبكة(CBC) أجرته الإعلامية (نورا يونغ) أوضحت ليز أن كل ما يقوم به مصممو التقنيات المساندة في مجال الإعاقة، مثل كرسي الإعاقة المتسلق مثلاً، تنطلق من حسن النوايا الهادفة لمساعدة هذه الفئة.
وأردفت قائلة: إذا كنت فعلاً حقا تريد ملامسة حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة، فربما يخبرونك هم بتوجساتهم ومخاوفهم إزاء هذه التقنيات باهظة الثمن، والتي يتعذر على معظمهم الحصول عليها. أو فلنقل بكل بساطة هم ليسوا بحاجة لها بقدر حاجتهم إلى المصاعد والممرات والمنحدرات التي تساعد في انسياب حركتهم.
وهنا ـ تضيف ليز ـ تُبرٍز مشكلة كبرى، وهي اعتبار الأشخاص ذوي الإعاقة مستقبلين للتقنيات أو متلقين بدلاً عن مشاركتهم في تصميم تلك التقنيات. وتقول جاكسون في هذا الشأن: كمصممة بذلت اقصى جهودي ووقتي، حيث اُريد ان أرسخ ثوابت جديدة في عالم الإعاقة، وذلك باستثمار الوقت والمصادر، التي لم تحوّل بشكل فعلي إلى مخرجات عملية وواقعية.
يأتي هذا الاقتراع دليلاً على أن الأشخاص ذوي الإعاقة قد شاركوا في عملية التصميم منذ وقت مبكر. وتقول جاكسون: الأشخاص ذوو الإعاقة هم قرصان الحياة الحقيقيون فنقضي حياتنا في ترسيخ مفهوم الاختراعات لأننا مجبورين على ان نبحر بالعالم الذي في الأصل لم يخلق ليوافق اجسامنا.
و من ملامح توثيقية، تطرقت بيس وليمسون وهي كاتبة ومؤرخة لتصاميم الأشخاص ذوي الإعاقة، تطرقت لبعض هذه التصاميم في كتابها (Accessible America: A History of Disability and Design) الكتاب الذي يُلقي نظرةً شاملة على تاريخ الإعاقة، والاختراعات المتعلقة بشأنها، وتقول فيه، إن هذه الاقتراعات فتحت نوافذ جديدة، وانها جلبت معها بعض المفاهيم الضرورية التي كانت في السابق يتم غض النظر عنها.
وحول موضوع مبادرات الأشخاص ذوي الإعاقة في الاختراعات تكتب وليمسون “إن الأشخاص ذوي الإعاقة لديهم الرغبة في اقتراع أشياء بطرق مبتكرة، حيث أحرزوا تقدما مشهودا في مجال التقنيات المساندة قبل الحرب الامريكية، وكانوا بالفعل قد شرعوا في تبني قاعدة (افعلها بنفسك) افعل ذلك بنفسك. وهي مقولة تحفيزية تحث على الوصول المادي للأشياء (استخدام أعضاء الجسم في فعل الأشياء). وأضافت ايضاً في ذات الشأن: هؤلاء الاشخاص المعاقين، الذين يعمل بعضهم في أعمال السمكرة، أو حتى المخترعين منهم، هم جزء أصيل من تاريخ طويل من المستهلكين الذين اعادوا تشكيل وصياغة التكنولوجيا الحديثة وطوعوها لمصلحتهم وعلى حسب حاجتهم.
وخلال المقابلة، استحضرت أحد الأمثلة عن إحدى المجلات التي تعنى بشلل الأطفال، (مجلة تومي. جيه) التي صدرت لأول مرة في أواخر الخمسينيات، حيث كانت تلك الإصدارة تعمل على إتاحة الفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة لتبادل خبراتهم واختراعاتهم، والتفاكر حول تطوير تلك الاختراعات. فما كان يدور بينهم عبارة عن حلقة محصورة بينهم، فيتفاكر ويتباحث الأشخاص ذوي الإعاقة، من أجل الأشخاص ذوي الإعاقة بغرض خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة.
واردفت قائلة خلال المقابلة: من وجهة نظري ان هذا يُعد توثيقا هاماً لمشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الاقتراعات التي بدأت وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وحتى إن توقفت هذه الاقتراعات عند هذا الحد، فهي لا تزال اقتراعات عظيمة، تُضاف لسجل تاريخ أشخاص عظماء.
واستناداً على التجارب السابقة، لموضوع التصاميم ودور الأشخاص وذوي الإعاقة فيها، يمكن تحاشي نظرة البعض على ان هذه الشريحة تعتبر مشروعاً لاستقبال تلك التقنيات. ولتجنب ذلك، فنحن بحاجة للنظر أبعد من مجرد التعاطف مع الاختراعات.
تقول (اميليا ابريو)، مصممة الأبحاث ومؤسِسة مُنظمة (يوكس نايت سكول): لقد لاحظت ان هناك تعاطف بشأن استخدام أسلوب المحاكاة في التصميم، الذي يُعد امراً مقلقاً بالنسبة لي. فعلى سبيل المثال، نجد بعض فرق التصميم تسعى لذلك. فمثلاً عندما يقوم الفريق بتصميم كُرسي إعاقة، فإنه يراعي في تصميمه محاولة استمالة التعاطف.
بالنسبة (لأميليا ابريو) فإن دوافع حسن النوايا، ينظر اليها كمثيرات تستثني الأشخاص الذين يبحرون في عالماً متعدد القدرات.
فالتعاطف ليس محض عبوات تأخذها معك أينما ذهبت، بل يخضع للخبرات والتجارب الواقعية، فعندما لا تكتمل لديك صفات الإنسانية من خلال تقنيتك الخاصة، فأعلم إنك تفقد الكثير من حياتك.
تقول ليذ جاكسون: أحد الطرق التي تضمن عدم تجاهل رؤى الأشخاص ذوي الإعاقة، هي وضع تلك الرؤى ضمن مناهج الطلاب في مدارس التصميم. ولتتاح الفرصة لكلتا المجموعتين الطلابيتين (الطلاب ذوي الإعاقة والطلاب الاسوياء) ليستوعب كل منهم الاخر، ويكون هناك تواصل، بشكل فعلي وواقعي.
الدراسات حول حياة الإعاقة هي حقل بحثي شائك، يتطلب الدقة، والجدية، وبالطبع الواقعية. وعند القيام بذلك سوف تجد نفسك مستمتعاً ومنداحاً في هذا المجال.(اميليا ابريو) تتفق مع وجهة النظر الهادفة لتسخير الحاجيات وإشراك مجموعة أوسع من الناس ذوي المفاهيم المشتركة في العمل على تصاميم تعبر عنهم جميعاً، وأن يكونوا جزء من المشاركة والتباحث حول هذه المواضيع وليس فقط متلقين، أو مستمعين لتلك الأفكار.
ما وراء التصميم كما تعتقد بيس وليمسون، هناك جزء من التغيير هو تغيير المفاهيم تجاه هذه الحقوق، ويعتبر الحصول على حق التصميم أو الاقتراع، من الحقوق المدنية التي يجب أن يحظى بها الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأضافت قائلة أيضاً: في الحقيقة اعتقد ان الامر يذهب في اتجاهين في نفس الوقت، هما الإلتزام المجتمعي تجاه قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يهدف للمساواة، والالتزام التقني الذي يهدف لوجود الأدوات المساندة التي تقوم بدورها في مساعدتهم، وكل ما يوظف بطريقة جيدة متماشيا مع مفاهيم واقعية، مع أن نضع في حسباننا كثير من التحديات التي تواجه ذلك.
من وجهة نظر جاكسون ان التعرف على مثل هذه التحديات يقودنا لمجابهة المعوقات التي تعتري حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، فالعالم لم يخلق لاستيعاب أجسامنا فقط، ولذلك ومن هذا المنطلق فنحن نعمل على تسخير كافة الجهود وتذليل العقبات، مواصلين بكل تجرد، سعينا الحثيث والمستمر للتعرف على ما يهدف إليه الأشخاص ذوي الإعاقة.
المصدر:
لقاء إذاعي لشبكة (CBC) أجرته الإعلامية (نورا يونغ) مع المصممة: ليز جاكسون
https://www.cbc.ca/radio/spark/disabled-people-want-disability-design-njTlzveO2trRjvYMakCY3clwtzXqM
- [email protected]
- باحث ومترجم، مهتم بالقضايا الاجتماعية والعمل الإنساني ومناصرة قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة.