يبدأ الإنسان في اكتساب مهاراته بشكل عام منذ المراحل المبكرة من عمره، وتعد اللغة من أهم ما يكتسبه الطفل في حياته على الرغم من تعقيدها، ولكنه يتعلمها على مراحل ضمن عوامل بيئية وعقلية وجسمية، وحتى يتمكن الشخص من تعلم أي لغة، لابد من تعلمه لمهارة القراءة كخطوة أولى لتحقيق هذا الهدف، ولكن من الممكن مواجهة بعض الصعوبات التي تعيق هذا التعلم، لأسباب كثيرة منها طرق التدريس التي يعمل بها المعلم أو لأسباب تكون من الطالب نفسه أو السياسة التعليمية المتبعة، مما يؤثر على مهارة القراءة لدى الطالب.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة جداً للقراءة، إلا أن الدراسات أثبتت وجود ضعف لدى بعض الطلاب في القراءة، حيث تظهر مشكلة العسر القرائي بين الطلاب والتي تؤثر سلباً على مستقبل تعليمهم، لأنها تسبب لهم الشعور بالنقص والعجز والإحباط الذي ينتج عنها لجوءهم إلى الهروب في بعض الأوقات أو التسرب من المدارس.
والقراءة تعتبر من أهم العمليات التي على الفرد تعلمها فهي التي تمكنه من بدء مشواره الدراسي، ويعد الوعي الصوتي أحد الأساسيات التي تساهم في اكتساب مهارة القراءة، فالوعي الصوتي يتمثل في التعرف على الأصوات في اللغة وبالتالي ترجمتها إلى رموز مقروءة ومكتوبة.
والكثير من المشكلات التي تواجه المجتمعات في تعليم اللغة خاصة في مراحل التعليم الأولى ترجع أسبابها إلى الضعف في الوعي الصوتي، ومن الجدير بالذكر أن تنمية مهارات القراءة والكتابة تعتمد بدرجة عالية على تنمية الوعي بالجانب الصوتي.
إن المتتبع للدراسات والأبحاث العلمية في هذا المجال يجد أن المهارات القرائية التي يكتسبها الأطفال خلال المرحلة التعليمية المبكرة تمثل قواعد أساسية لنجاح تعلم مهارات القراءة في وقت لاحق، وأنه خلال السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية يكتسب التلميذ المهارات اللغوية الأساسية المتعلقة باللغة الشفهية التي تؤسس لمهارات القراءة.
وفي دراسة لمصطفى (2018) ذكر أن القراءة نظام معقد لاستخلاص المعاني من الرموز المطبوعة، وقد حددوا عدداً من القدرات المرتبطة بذلك النظام هي كما يلي:
- معرفة كيفية ارتباط الوحدات الصوتية وأصوات الكلام بالرموز المكتوبة.
- القدرة على فك رموز الكلمات غير المألوفة.
- القدرة على القراءة بطلاقة.
- توفير المفردات اللغوية والمعلومات والخلفيات الأساسية الكافية لتعزيز فهم المقروء.
- توظيف استراتيجيات فعالة تناسب بناء المعنى من الرموز المكتوبة.
- الحفاظ على الدافعية للاستمرار في القراءة.
ومن التعريف السابق يتضح الوعي الفونولوجي كأساس لنمو مهارات القراءة وفهم المقروء وأهمية تطوير هذه المهارات إلى مستوى أعلى بهدف تنمية القدرة أو الاستعداد في وقت مبكر لتعلم مهارة القراءة والكتابة.
أما الوعي الفونولوجي فقد عرفه أبو الديار (2014) بأنه الوعي بمحتويات الكلمة من الأصوات التي تتكون منها، ويساعد هذا النوع من الوعي الطفل على إدراك العلاقة بين الحرف المكتوب والصوت والمنطوق ويعد هذا الوعي أساسياً أو جوهرياً في عملية حل الرموز.
ويذكر الزيات (1998) أن الطلاب ذوي صعوبات التعلم يعانون من صعوبات في المهارات الفونولوجية Phonological الأساسية اللازمة لإدراك العلاقة بين صوت الحرف وإدراكه كرموز.
وفي هذا الصدد أشارت دراسة ADAMS (1990) إلى أن 15% تقريباً من الطلاب الذين لديهم صعوبات في القراءة تكون بسبب الضعف في الوعي الفونولوجي فهم بحاجة إلى تنمية وتدريب هذه المهارة.
وتشير كثير من الدراسات التي أجريت على مدى السنوات الماضية على أهمـية الوعي الفونولوجي في عملية تعليم القراءة بشكل خاص والذي يحدثه ضعف الوعي الفونولوجي في ظهور صعوبة أو عسر القراءة.
فقد أكدت دراسة زايد (2014) على أهمية أن يتم البدء في تعليم الوعي أو الإدراك الفونولوجي للأطفال في مرحلة مبكرة منذ سن الرابعة من عمرهم، حيث أن ذلك من شأنه أن يساهم في تسهيل اكتسابهم للغة، واكتسابهم للمهارات الأولية للقراءة، وتعلمهم القراءة بشكل عام.
وفي هذا الصدد ذكرت دراسة عادل عبد الله (2005) إلى أن أهمية الوعي الفونولوجي ترجع إلى أنه يعد ضرورياً لكي يتمكن الطفل من إدراك الحروف الهجائية ومعرفتها. كما أن الوعي أو الادراك الفونولوجي خلال المرحلة المبكرة مؤشر قوي للنجاح اللاحق للطفل في القراءة أو ما يمكن أن يتعرض له من صعوبات لاحقة في القراءة.
وذكر في دراسة مصطفى (2018) أن تعلم الوعي الصوتي في المرحلة المبكرة يساعد على القراءة المبكرة والحد من احتمالية التعرض إلى خطر صعوبات القراءة.
وتتفق نتائج الكثير من البحوث العلمية والدراسات على أن العلاقة بين صعوبات القراءة والوعي الفونولوجي علاقة سببية فالضعف في الوعي الفونولوجي يسبب بدوره صعوبات في القراءة كما أن بينهما علاقة ارتباطية من ناحية أنه كلما ضَعِف الوعي الفونولوجي لدى الطفل ازدادت صعوبات القراءة لديه، ومن ناحية أخرى فإن بينهما علاقة تنبؤية فالضعف في الوعي الفونولوجي في المرحلة المبكرة يشير بدوره إلى أن الطفل سيعاني مستقبلاً من صعوبات في القراءة.
ومما لا شك فيه أن للبرامج التدريبية أهمية كبيرة في تنمية مهارات الوعي الفونولوجي وقد أشارت نتائج العديد من الدراسات إلى أن الأطفال الذين تدربوا على مهارات الوعي الفونولوجي أحرزوا تقدماً كبيراً في مهارة القراءة مقارنةً بالذين لم يُدربوا عليها، ومن الجدير بالذكر أن أكثر من يستفيد من برامج الوعي الفونولوجي هم الأطفال ممن لديهم صعوبات تعلم في القراءة.
ومن ناحية أخرى ذكر السرطاوي (2009) أن هناك اتفاقاً بين عدد كبير من المختصين على أهمية تضمين الطريقة الصوتية في تعليم القراءة كجزء أساسي من مناهج تعليم القراءة لجميع الأطفال في المراحل المبكرة.
وتساعد القدرة على حل الرموز المكتوبة وقراءتها بسرعة وسلاسة إلى الانتباه إلى معنى الكلمة واستيعاب المادة المقروءة، وأن تعليم الكلمة كوحدة واحدة (الطريقة الكلية) دون الاهتمام بالسمات الصوتية (الفونولوجية) للأصوات قد يؤثر سلباً على الأطفال الذين لديهم صعوبة في تعلم القراءة. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه الفئة تعاني من صعوبة في تطبيق الاستراتيجيات الفونولوجية بشكل تلقائي ودون تدريب خاص على هذه المهارة أو تعميم المعرفة الصوتية من كلمة إلى أخرى.
وأخيراً:
إن من واجب المعلمين الاهتمام بتنمية الوعي الفونولوجي لطلابهم في مراحلهم العمرية المبكرة؛ لأن ذلك يعد أمراً أساسي في عملية تعلم مهارة القراءة. والمهارات القرائية التي يكتسبها الأطفال في مراحلهم المبكرة تمثل قواعد أساسية لهم للنجاح في المراحل المتقدمة، كما أن القراءة ليست مهارة منفصلة بحد ذاتها فمما لا شك فيه أن تأثيرها يظهر في جميع المجالات الأكاديمية الأخرى.
المراجع العربية:
- أبو الديار، مسعد (2014) العمليات الفونولوجية وصعوبات القراءة والكتابة. الكويت: مركز تقويم وتعليم الطفل.
- زايد، خالد سمير (2013) الوعي الصوتي وتعليم القراءة في المرحلة الابتدائية. مجلة القراءة المعرفة. ع 148، 189 ـ 216.
- السرطاوي، عبد العزيز؛ طيبي، سناء؛ الغزو، عماد؛ منصور، ناظم. (2009). تشخيص صعوبات القراءة وعلاجها. ط1، عمان: دار وائل للنشر والتوزيع.
- مصطفى، ريحاب محمد العبد (2018). فعالية برنامج مقترح لتنمية الوعي الصوتي لدى تلميذات الصف الأول الابتدائي بالمملكة العربية السعودية. مجلة القراءة والمعرفة. ع 196، 17 ـ 90.
المراجع الأجنبية:
Adams, M. J. (1990). Beginning to read. Thinking and learning about print. Cambridge, MA: MIT Press.