ربما يكون من أكثر الأشياء أهمية في اكتشافها أثناء التعامل مع الأطفال الصم المكفوفين هو الاختيار المناسب لأسلوب التواصل معهم. ويقول فان دايك Van Dijk إن بعض الأطفال الصم المكفوفين لا يستطيع عمل أي إيماءة أو إشارة على الإطلاق ولكنهم بارعون في استخدام الهجاء الأصبعي. ومع أطفال آخرين يمكن أن نقدم لهم كلمات مطبوعة كبيرة الحجم، وبالرغم من عدم قدرتهم على القراءة فإنهم قادرون على طبع هذه الرموز الكبيرة في أذهانهم وربطها بمعناها. وحتى الذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة أو الإشارة بعد فإنهم يطابقون الشكل الكلي والمعنى بشكل الشيء الموجود أو المثير وذلك مثلما يحدث في الهجاء الأصبعي.
وقد لا يتفق هذا الأمر مع قوانين التطور، ففي النمو الطبيعي يتعلم الطفل أولاً أن يستخدم لغة الجسد ثم بالتدريج يستبدل الإيماءات الطبيعية بالكلمات، وذلك أيضاً يكون في حالة الطفل الأصم الذي يعرف لغة الإشارة أو الكلام. ولقد توصل فان دايك إلى نتيجة أنه لا يوجد مثل هذا الطريق المنطقي للتطور لدى ذوي الإعاقات المتعددة. وهذا الطريق المنطقي لا يكون دائماً الطريق الصحيح للأطفال الصم المكفوفين (Van Dijk, 1987) فلابد من إقران الإشارة باللمس والحركة (لغة الإشارة اللمسية) مع الكلام أو الأشياء المرجعية أو الهجاء الأصبعي أو طريقة برايل وذلك مع الصم المكفوفين الذين لديهم بقايا سمعية، وإقرانها باللمس والحركة مع الكتابة أو الرسم أو الصور أو البكتوجرام مع الصم المكفوفين الذين لديهم بقايا بصرية.
إن الأصم الكفيف لا يستطيع تعلم أية لغة بدون المدخل اللمسي والحركي مع استخدام البقايا السمعية أو البصرية إن وجدت. وأيضاً في اكتسابه اللغة المنطوقة يحتاج هذا الطفل إلى لمس الأماكن التي تصدر منها الأصوات حتى يتعرف على كيفية إخراج الصوت وحركة أعضاء النطق والكلام مع وجود مواد مرجعية للشيء الذي نتكلم عنه.
كيف نتواصل مع الأصم الكفيف لبناء اللغة؟
إن فلسفة التواصل الكلي تعد هى المدخل الرئيسي للتدخل مع الصم المكفوفين وهي تعنى استخدام أنظمة عديدة في نفس الوقت لإعطاء الطفل أكبر الفرص للتعبير عن نفسه حتى نوفر له المرونة داخل المواقف المختلفة. وبمعنى آخر هى تتضمن استخدام أية وسيلة من وسائل التواصل تبعاً للبقايا الحسية لدى الطفل. إن الوسائل المختلفة المستخدمة فى التواصل وبناء اللغة ترتبط بقدرات الطفل وجوانب تطوره. ونحن نعني بالقدرات كلاً من القدرات المعرفية الكامنة والحواس التي يمكن أن يستخدمها الطفل في المواقف المختلفة للتفاعل. فبالنسبة للأصم الكفيف الذي لا يوجد لديه أية بقايا بصرية فنحن نمتد من الأشياء المجسمة إلى الصور ذات الملمس وأحياناً إلى طريقة برايل.
أما بالنسبة للأصم الكفيف الذي لديه بقايا بصرية فيمكن أن نتوسع من الأشياء المجسمة إلى الرسم أو الصور أو البكتوجرام أو الكتابة. وبالإضافة إلى ذلك نستخدم إشارات لمسية بصرية تبعاً للموقف وتطور الطفل.
ونحن فى كل هذا نتحرك من الأشياء المعروفة إلى الأشياء غير المعروفة، ويجب أن نلاحظ ألا نقفز من خطوة قبل أن نتحقق من أن الطفل قد فهم النظام الجديد المقدم له. على سبيل المثال يجب أن نظل نعطي الطفل الشيء المرجعي والرسم الخاص به لفترة طويلة حتى نتأكد من أنه قد فهم أن هذه الرسومات تدل على الشيء المرجعي.
إن الأنظمة التواصلية المدعمة مثل الأشياء المرجعية والرسومات تستخدم في تدعيم الطفل لاستدعاء الأحداث وتذكرها. وهذه الأنظمة المدعمة يمكن أن تساعد الشريك في التأكد من أنه والطفل يتشاركان الخبرة ذاتها (Andersson, E., Rodbro, I. 2007).
كيفية اكتساب اللغة لدى الأصم الكفيف
يعتبر السمع والبصر من أهم الحواس اللازمة لتطور ونمو اللغة. وعندما تضعف هاتان الحاستان يصبح نمو اللغة شيئاً صعباً جداً. وعند فقد هاتين الحاستين تماماً تصبح الصعوبة أكبر في مطابقة اللغة بما ينتبه إليه الطفل الأصم الكفيف وذلك لأنه يستخدم يديه للاستكشاف وأيضاً للتواصل في الوقت نفسه. وهذا يعنى أن الأصم الكفيف يحتاج أن يستكشف أولاً ثم نضيف الإشارة بعد ذلك لما يستكشفه الطفل. ومن الضروري عند ربط الإشارة بالعالم أن يكون الربط بين الإشارة والعالم سريعاً. وذلك يعتبر تحدياً للأصم الكفيف حيث أن تعرضه للغة يكون بطريقة متتابعة وليست في وقت واحد. ويمكن أن يستكشف الأصم الكفيف بإحدى يديه ويستقبل الإشارة على يده الأخرى.
وعند تمتع الطفل ببقايا بصرية فإنه يستطيع أن يتعرف على ما يستكشفه بصرياً عندما يستقبل الإشارة اللمسية أو يمكن أن يتعلم الإشارة عن طريق البصر من مسافة قريبة. ولذلك يجب على الشريك أن يكون ماهراً في لغة الإشارة ولديه طلاقة فيها.
أما الطفل الذي لديه بقايا سمعية فيمكن استخدام الإشارات مصاحبة للكلام، لأنه يجب ألا نستخدم الكلام فقط مع الأصم الكفيف، ويجب دائماً أن ندمج اللغة مع الإيماءات الجسدية أو الأشياء المرجعية أو الرسومات أو الصور الملموسة.
وفي البداية يمكن أن نعطي الطفل جملة من إشارتين إلى ثلاث، ونكرر أهم كلمة في نهاية الجملة. وعندما يستطيع الطفل إصدار إشارة يمكن للشريك هنا أن يتوسع ويتطور بالطفل من استخدام إشارة واحدة إلى جملة من إشارتين أو ثلاث يصدرها الطفل (Andersson, E., Rodbro, I. 2007I). وهكذا مع اللغة المنطوقة يمكن أن نبدأ بكلمات مفردة ثم ندخلها فى جمل من كلمتين ونكرر هذه الكلمة فى آخر الجملة، وعند تمكن الطفل من نطق هذه الكلمات نستطيع التوسع لنطق جمل من كلمتين أو أكثر.
نظرية التكامل الحسي Sensory integration theory
تبحث نظرية التكامل الحسي فى تفسير المشاكل الخاصة بالتعلم والسلوك والتي لا ترجع إلى تلف فى الجهاز العصبي المركزي. وأول من وضع أسس نظرية التكامل الحسي العصبي هي المعالجة الوظائفية الأمريكية (جين آيرس) وقد أضافت إلى الحواس الخمس المعروفة لدينا حواس خفية أخرى هي الحاسة الدهليزية Vestibular المرتبطة بالأذن الداخلية والتي توفر معلومات عن الجاذبية (الفراغ، التوازن، الحركة) وذلك عن طريق وضع الرأس والجسم بالنسبة إلى سطح الأرض، والأحاسيس العميقة المرتبطة بالعضلات والمفاصل Proprioceptive والتي توفر المعلومات الحسية المستقبلة من المفاصل والعضلات والأربطة من أجزاء الجسم.
وقد ساعد تركيز آيرس على الوظيفة العصبية وعمليات التعلم على التقدم في فهم (الذكاء) كنتيجة للإدراك الحسي، والتكامل الحسي، والمعالجة الحسية Sensory Processing. وأدى عملها إلى العديد من الدراسات لتحسين قدرات التعلم من خلال العلاج الحسي التكاملي الذي يساعد الأطفال على التقدم نحو توظيف أعلى للقدرات العقلية. وتتم عملية التكامل الحسي العصبي نتيجة استقبال الإنسان للمعلومات من الحواس المختلفة وإرسالها إلى الدماغ ثم معالجتها وإعطاء الاستجابات الملائمة لها. ويعرف التكامل الحسي هنا بأنه عملية لا شعورية للمخ لتنظيم ومعالجة المعلومات المستخلصة من حواس الجسم وهو يسمح لنا أن نسلك أو نستجيب للموقف الذي نخبره بأسلوب وطريقة هادفة. فالتكامل الحسي يعطي معنى لخبراتنا، ويشكل الأساس الجوهري للتعلم الأكاديمي والسلوك الاجتماعي.
ويبدأ التكامل الحسي في الرحم حيث تتطور هذه الحواس الخفية بشكل مبكر في مراحل الحمل فيشعر مخ الجنين بحركة جسم الأم ثم تتفاعل هذه الحواس مع الحواس الأخرى وهي السمع والبصر والتذوق والشم والتي تتطور فيما بعد، وأقرب مثال إلى مفهوم التكامل الحسي العصبي هو تكامل حواس اللمس والشم مع عمليات المص والتنفس والبلع أثناء الرضاعة الطبيعية للطفل الرضيع.
وهناك العديد من المؤشرات لنقص التكامل الحسي، فقد يشعر الطفل بفقدان الأمان العاطفي، وفقدان الإحساس بوضع الجسم في الفراغ، أو عدم الشعور بالأمان في الحركة ضد الجاذبية الأرضية، أضف إلى ذلك فقدان الإدراك الحسي والبصري والمهارات الاجتماعية مثل تأخر اللغة والكلام الذي يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس. ويقوم المعالج باستخدام برامج علاجية لتوظيف مهارات الجسم ليعيد استخدامها بطريقة متكاملة ومفيدة. حيث يعمل على استثارة الحواس وتنبيهها بطريقة مدروسة ليرتقي بها إلى مرحلة التكامل الحسي العصبي. (فاتن الضامن، 2008)
ويوجد تنوع في الإدراك الحسي والقدرات التكاملية بين الناس. وأي إنسان لا يمكن أن يكون لديه تكامل حسي تام، أو لا يوجد لديه تكامل حسي على الإطلاق. فبعض الناس لديهم تكامل حسي جيد بصورة خاصة، وآخرون لديهم تكامل حسي متوسط أو ناقص (Poor). وقد تمت ملاحظة أن الأطفال الذين لديهم مثل هذه المشاكل يمكن أن يظهروا مميزين في أشياء أخرى ويمكن أن يكون لديهم ذكاء طبيعي أو فوق الطبيعي Average or above Average.
العلاج الحسي التكاملي Sensory integration therapy
يبني العلاج الحسي التكاملي على مبدأ أن التدخل يمكن أن يحسن من التكامل الحسي. وبرامج التدخل لاستثارة التكامل الحسي مبنية على الدراسات الأولية لجين آيرس والتي أظهرت تقدماً ملحوظاً يمكن أن يحدث في السلوك وقدرات التعلم من خلال العلاج الحسي التكاملي (Fisher, 1991).
وتفترض نظرية التكامل الحسي أن المخ يتفاعل مع البيئة من خلال أجهزته الحسية، ويشيد عملية من (الاستجابة ـ التفاعل ـ التعلم) وهذه العملية لها خاصيتان أولاها أنها دورية، والثانية أنها تراكمية كما في بناء عمليات التفاعل أو تراكم المعلومات من أجل التعلم وتحقيق تفاعل أكثر تقدماً.
وعناصر الدورة هي: المدخلات الحسية Sensory intake، التكامل الحسي، التخطيط والتنظيم، السلوك التكيفي والتعلم، والتغذية المرتجعة. ويقول فيشر (إن العملية الدورية تؤدي إلى دافعية داخلية قوية لتحقيق أنشطة الأداء الذاتي / التلقائي) أو أنشطة ارتقاء النمو والتي بدورها تمد التغذية المرتجعة والتي سوف تحسن المدخلات الحسية والتكامل الحسي (Fisher, 1991).
ويستثير العلاج الحسي التكاملي عملية التعلم ويجعلها عملية أكثر كفاءة بصورة متزايدة، وهكذا يمكن أن نعتبر أن المتعلم الجيد لديه (كفاءة ـ عصبية)، أما المتعلم الضعيف لديه نقص كفاءة عصبية (neuro ـ Inefficiency) ويبني العلاج الحسي التكاملي على خمسة افتراضات في التطور العصبي:
الافتراضات التي يبنى عليها العلاج الحسي التكاملي
- الافتراض الأول: المرونة العصبية Neural plasticity
ويعنى أن الدماغ يتغير بصورة مستمرة ويمكن أن يستثار حتى يتغير أو يتطور.
- الافتراض الثاني: التسلسل الارتقائي Developmental Sequence
كل سلوك متعلم يصبح الأساس لسلوك أكثر تعقيداً في تسلسل النمو والتطور.
- الافتراض الثالث: تدرج الجهاز العصبي المركزي Nervous system Hierarchy
بينما تعمل وظيفة المخ كوحدة واحدة فإن تكامل وظائف (المراكز العصبية العليا) فى القشرة المخية تستمد من وتعتمد على صحة وسلامة بناء (المراكز العصبية السفلى) فى النخاع الشوكي.
- الافتراض الرابع: السلوك التكيفي Adaptive Behavior
تحفيز السلوك التكيفي يعزز ويطور التكامل الحسي وبالتالي يطور القدرة على الإنتاج، ويتضح التكامل الحسي في السلوك التوافقي.
- الافتراض الخامس: الدافع الداخلي Inner Drive
حينما نتعلم مهارة بنجاح يؤدي ذلك إلى تكوين دافعية للرغبة في زيادة التعليم.
وبناء على هذه الافتراضات يتعرف المعالج على الأنظمة الحسية التي تحتاج الانتباه إليها، ويصمم برامج تفاعلية للعب مع الأطفال ولتوجيه المثير المناسب لتحسين مدخلات النظام الحسي والإدراك. وتبعاً لذلك فإن العلاج الحسي التكاملي يدفع بأربعة مبادئ أساسية وهذه المبادئ تستخدم لتنمية التواصل واللغة لدى الصم المكفوفين وهي:
مبادئ العلاج الحسي التكاملي
- التحدي المناسب: أن نقدم تحديات للطفل من خلال أنشطة اللعب يمكن أن يتكيف معها ويتعلم منها.
- الاستجابة التكيفية: سوف يكيف الطفل سلوكه مع الاستراتيجيات المفيدة والجديدة عند استجابته للتحديات المقدمة إليه.
- الارتباط الفعال: سوف يحب الطفل أن يشارك عندما تكون الأنشطة ممتعة.
- العلاج الموجه من الطفل: استخدام الأشياء المفضلة للطفل في بداية الخبرات العلاجية. (Reynolds, S. 2008)
التكامل الحسي لدى الصم المكفوفين
تشير الدراسات الحديثة الخاصة بالأطفال الرضع إلى أن الطفل الرضيع يولد وحواسه تعمل كوحدة واحدة. ومع تقدم عمر الطفل تبدأ الحواس في أداء وظيفتها بصورة متمايزة ومستقلة محققة بذلك أحد المبادئ الهامة في عملية النمو وهو أن النمو يسير من العام إلى الخاص ومن التمايز إلى اللاتمايز (فادية علوان 2006. نقلاً عن (Gowami, 1998).
وعلم الأعصاب المعرفي (Cognitive Neuroscience) يساعدنا على فهم التواصل من خلال الجهاز العصبي، وهو المفتاح العلمي لفهم كيفية معالجة المعلومات فى الدماغ. فالمخ عضو عالي التكيف حيث أنه يتكيف تبعاً للمهمة التي يقوم بها. وتبعاً لذلك فإن معالجة المعلومات لا تكون مقيدة بمنطقة واحدة فى المخ، ولكن التكيفات العصبية المختلفة تعالج المدخلات الحسية بأساليب مختلفة (Nicholas, J. 2003).
ولقد ألقت بعض الأبحاث فى علم الأعصاب المعرفي الضوء على كيفية تنظيم المخ لنفسه كنتيجة للحرمان الحسي، كما فى اتساع وإعادة تنظيم خرائط القشرة المخية نظراً للحرمان السمعي البصري. ولكن ما هو الميكانيزم الذي ينظم ويتحكم فى ذلك؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نضع فى الاعتبار الافتراض الأول الذي يبنى عليه التكامل الحسي وهو مفهوم المرونة العصبية (Neuroplasticity) هي قدرة الجهاز العصبي على تعديل تنظيمه. وذلك يمكن أن يحدث كنتيجة لعدة مواقف مثل التطور الطبيعي، وعند اكتساب مهارات جديدة مثل التعلم، وبعد حدوث أي تلف في الجهاز العصبي، وكنتيجة للحرمان الحسي، ويعتبر التكامل الحسي خطوة ضرورية لتحقيق التطور.
وأشارت عدة دراسات أجريت على أشخاص فاقدي البصر وآخرين فاقدي السمع أن قدرة المخ على التكيف تتبع الحرمان الحسي. فعند غياب المدخلات البصرية يمكن أن تطوع المنطقة البصرية على القشرة المخية للمعالجة السمعية واللمسية، وعند غياب المدخلات السمعية يمكن أن تطوع المنطقة السمعية على القشرة المخية للمعالجة البصرية الحركية.
ومما سبق يمكن القول إن الميكانيزم المسؤول عن المرونة العصبية عبر التكيف الحسي أثناء الحرمان البصري أو السمعي يجب أن يكون مشابهاً لما يحدث عند الحرمان من الحاستين معاً. أي أنه عند غياب المدخلات السمعية البصرية تطوع المنطقة السمعية والبصرية على القشرة المخية للمعالجة اللمسية الحركية. وهذا الافتراض يلقى الضوء على أهمية الجوانب اللمسية عند التدخل لتنمية التواصل وعند عمل برامج تعليمية للصم المكفوفين (Nicholas, J. 2003).
إن إحدى الإسهامات التي ساهمت بها جين آيرس لفهم الطفل كان التركيز على المعالجة الحسية وخصوصاً للحواس القريبة (Proximal senses) (الحاسة الدهليزية، واللمسية، والأحاسيس العميقة بالعضلات والمفاصل Proprioceptive)
ومن وجهة نظر التكامل الحسي فهذه الحواس الثلاث القريبة يجب أن نؤكد عليها لأنها بدائية وأولية ولأنها تسيطر على تفاعلات الطفل في المراحل المبكرة. أما حواس المسافات (السمع، البصر) فتصبح أكثر سيطرة عندما ينضج الطفل. وتعتقد آيرس أن الحواس المرتكزة حول الجسد هي الأساس لفهم الوظائف المعقدة. وتعتبر المدخلات الحسية بمثابة التغذية الحسية للدماغ مثلما يغذي الطعام الجسم (Ayers, 1979).
كما تعتقد أيضاً أن الجوانب الأساسية للتكامل الحسي تقع في المراكز العصبية السفلى للجهاز العصبي المركزي وخصوصاً في جذع المخ brain stem والثلاموس Thalamus. ومعظم معالجات الجهاز العصبي للمعلومات الدهليزية تحدث في جذع المخ، ويحدث العديد من المعالجات الجسدية الحسية في الثلاموس. وبسبب اعتماد بناءات المراكز العصبية العليا في الجهاز العصبي على بناءات المراكز العصبية السفلية فإن زيادة الفاعلية والكفاءة في جذع المخ والثلاموس سوف تحسن وظيفة المراكز العليا (Ayers, 1979).
وباستخدام منطق التدرج في الجهاز العصبي فإن تحسين الوظائف البدائية يمد وظائف المراكز العليا بأساس حسي حركي مثل القدرات الأكاديمية والتنظيم الذاتي والسلوكي والمهارات الحركية المعقدة ويمكن أن يرفع من المهارات المعرفية والاجتماعية.
وتمثل هذه الرؤية الافتراض الأساسي للاتجاه العلاجي الذي طورته جين آيرس وهو أننا بتحسين وظائف المراكز العصبية السفلي والمرتبطة بالحواس القريبة يمكن أن يحدث تأثير إيجابي على وظائف المراكز العصبية العليا بالقشرة المخية.
أهمية الأيدي كوسيلة تعويضية لدى الصم المكفوفين
إن الشخص الذي لا يستطيع أن يرى أو يسمع أو الذي يفتقد جزءاً كبيراً من هاتين الحاستين لابد أن نوفر له طريقة تعويضية يمكنه بها من الوصول إلى المعلومات المفقودة التي تمده بها هاتان الحاستان. وفي رأي هارلين لين (Lane, H. 1997) فإن هذا النوع من الأشخاص لابد أن يواجه (استثارة مناسبة مشروطة). وفي معظم الأحوال تقوم اليدان بدور ووظيفة العينين والأذنين عند الشخص الأصم الكفيف. ولحسن الحظ أن الدماغ شديد المرونة، وعندما تستخدم حاسة بشكل كبير يستطيع الدماغ معالجة المعلومات من خلال هذه الحاسة بشكل أكثر فاعلية. والأشخاص الذي يستخدمون أصابعهم بشكل موسع أمثال أولئك الذين يقرؤون بطريقة برايل يعد ذلك بمثابة الدليل على التمثيل المتزايد للأصابع على القشرة الدماغية (Lane, H. 1997).
والأكثر من ذلك أن مناطق الدماغ التي كانت مخصصة للمعالجة البصرية أو السمعية يمكن إعادة توزيعها لمعالجة المعلومات اللمسية لتقدم لنا اليدان ممثلة بقوة أكبر فى المخ. وبهذه الطريقة يمكن أن تصبح أيدي الفرد الأصم الكفيف – بالإضافة إلى دورها المعتاد – أدوات للاستخدام مفيدة ونافعة، ويمكن أن تصبح أيضاً من أعضاء الحس الذكية، وذلك لأنها تتيح الفرصة للأشخاص فاقدي البصر والسمع للوصول إلى الأشياء والأشخاص واكتساب اللغة التي كان متعذراً عليهم الوصول إليها من قبل.
ومن المهم أن نلاحظ هنا أن المخ يصل إلى أقصى حد من المرونة والتكيف عندما يكون الطفل صغيراً، ويعتقد أن أول سبع سنوات في عمر الطفل هي فترة التطور السريع في التكامل الحسي. وبالتالي كلما بدأ الطفل الأصم الكفيف في التعلم في مرحلة مبكرة مستخدماً يديه كمستقبلات، استطاع الوصول إلى الدرجة المثلى في استخدام يديه للحصول على المعلومات. وغالباً تأخذ يدا الشخص الأصم الكفيف على عاتقها دوراً إضافياً، فليس عليها فقط أن تكون مجرد أدوات وأعضاء حس (لتعويضهم عن فقدان حاستي السمع والإبصار) ولكن عليها أيضاً أن تكون الصوت أو الوسائل الأولية للتعبير عند هؤلاء الأشخاص.
وغالباً ما تكون لغة الإشارة والإيماءات هي السبيل الأساسي للتواصل التعبيري. وبالنسبة لهذه المهام، فلابد أن تكون اليدان على درجة مهارة تصل إلى حد الإبداع لكي تكون قادرة على التعبير عن مثل هذه الأشياء كوصف المشاعر، والتأكيد على المعنى، هذا بالإضافة إلى القدرة على تشكيل الكلمات.
ومن الضروري أن يكون المعلمون والآباء والأصدقاء الذين يحيطون بالشخص الأصم الكفيف على درجة عالية من الحساسية عند تعاملهم بالأيدي معهم، ولابد أن يتعلموا ألا يحاولوا التحكم بالمثل بأيدي الطفل الأصم الكفيف والتي تكون بمثابة عينيه. وعلى هؤلاء الأشخاص المحيطين به تعلم كيفية قراءة أيدي الشخص الأصم الكفيف، وكيفية التفاعل معه لكي نضمن تطوراً أفضل، كما عليهم تعلم كيفية عرض المعلومات لتكون متاحة للأيدي، وعليهم (التحدث بلغة الأيدي للأيدي، وقراءة لغة الأيدي من الأيدي) (Miles, B. 1998).
ملاحظة:
قدم هذا البحث إلى المؤتمر الدولي السادس، يوليو 2008 (تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة = رصد الواقع واستشراف المستقبل) معهد الدراسات التربوية ـ جامعه القاهرة، جمهورية مصر العربية.
أمل عزت علي
- اعمل معالج لغة وكلام منذ عام 1994، وأتشرف بأن أكون رئيسة مجلس ادارة مؤسسة هوب سيتي في مصر، وهي مؤسسة تقدم خدمات تأهيلية وتعليمية للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، والصم المكفوفين، وذوي الإعاقة البصرية مع إعاقات إضافية. وأتشرف بأن أكون من أول 5 متخصصين في مصر والعالم العربي الذين درسوا تعليم الصم المكفوفين بدايةً من عام 2002 وحصلوا على دبلوم من جامعة أوسلو بالنرويج، ثم حصلت على اول ماجستير في مصر عام 2010 بعنوان تنمية التواصل وأثره على السلوك التوافقي لدى الاطفال الصم المكفوفين وأسرهم، ثم قمت بترجمة كتاب بعنوان بناء التواصل مع الصم المكفوفين، وتم نشره بدار الفكر العربي 2010، وترجمت أول مقياس باللغة العربية للصم المكفوفين وذوي الإعاقات الشديدة وعنوانه (مقياس كاليه أزوسا). وقدمت العديد من الأبحاث المنشورة والعروض التقديمية في مجال الصمم وكف البصر، وحصلت على منحة دراسية في القيادة التربوية عام 2014 في مدرسة بيركنز للمكفوفين بالولايات المتحدة الأمريكية وكلية بوسطن لدراسة تعليم الصم المكفوفين وذوي الإعاقات المتعددة.
- قدمت مؤسسة هوب سيتي مبادرة (من حقك تتعلم) إلى وزارة التربية والتعليم المصرية والتي استهدفت فتح أول 4 فصول في المدارس الحكومية لتعليم الأطفال الصم المكفوفين وذوي الإعاقات المتعددة، وتم تدريب 14 معلماً في أغسطس 2016 على استراتيجيات تعليم وتأهيل الأطفال الصم المكفوفين وذوي الاعاقات المتعددة.
- وتقدم المؤسسة أيضاً التدريب للمعلمين والمتخصصين في هذا المجال.
- ونحن على استعداد للتعاون مع أي مؤسسة أو مركز يرغب في الحصول على معلومات عن تعليم الصم المكفوفين وذوي الإعاقات المتعددة.
- البريد الإلكتروني الشخصي: [email protected]
- البريد الإلكتروني للمؤسسة: [email protected]
- عنوان المؤسسة: 22 شارع سليمان باشا السيد، مسجد الفتح، هليوبوليس، مصر الجديدة
- التليفون من خارج مصر: 00201066573440
- https://m.facebook.com/Hope-Academy-أكاديمية-هوب-سيتي-1133840493296152/