The Intern… Experience never gets old
كبار السن طاقة منتجة لا ينبغي تعطيلها
(المتدرب) أو The Intern فيلم كوميدي كتبته وأخرجته الأمريكية نانسي مايرز وعرض لأول مرة في سبتمبر 2015 وهو من بطولة روبرت دي نيرو، آن هاثاواي ورينيه روسو، بلغت ايراداته 194 مليون دولار أما ميزانيته فكانت 35 مليون دولار، تلقى الفيلم مراجعات فوق المتوسطة ولم يحصل على أي جائزة بعد، وحظي بالكثير من النقد، ففي الوقت الذي حاولت فيه الكاتبة تحميله طابعاً نسوياً من خلال تمحوره حول قصة امرأة شابة (جولز أوستن) التي تلعب دورها الممثلة آن هاثاواي التي حققت نجاحاً استثنائياً بعد تأسيسها شركة تسوق إلكتروني كبيرة في أميركا، حاول الكثير من النقاد وصمه بالذكورية نظراً لتصاعد نفوذ ومكانة المتدرب المتقاعد والأرمل (بين وايتكر) الذي يلعب دوره الممثل روبرت دي نيرو، وفي المقابل عدم كفاءة المتدربة المسنة الأخرى التي كادت تتسبب بعدة حوادث عندما كلفت بقيادة سيارة مديرة الشركة.
ورغم هاذين الحدين النسوي والذكوري الذي لهما ما يؤكدها في سياق القصة إلا أن ما جذبنا إلى موضوع الفيلم هو فكرته الأساسية التي تقوم على أن من واجب كل مؤسسة اقتصادية مسؤولية اجتماعية ينبغي أن تمارسها وجميل عليها أن ترده للمجتمع الذي وفر لها كل مقومات النجاح وذلك من خلال تدريب عدد من كبار السن المتقاعدين الذين ما زالوا قادرين على العطاء ويتمتعون بالخبرات والمهارات والقدرات الكافية ولا يجدون فيما تبقى لهم من سنوات يعيشونها ما يشغلهم عن أعمالهم والقيام بها على أكمل وجه حتى وأن افتقروا لحماس الشباب وقوته إلا أن لديهم حكمة الحياة وعصارتها.
وهذه بالضبط فكرة الفيلم والدافع لعرضه.. لا الانحياز للنساء ولا للرجال ولو أن لكل منهم طبيعته الخاصة واهتماماته وميوله، نقاط قوته وضعفه، التي لم يستبعدها الفيلم والتي لا ينبغي بسببها تبديد فكرته الهادفة وحصرها بين هاذين الحدين لا لأسباب وفروق طبيعية بين الجنسين بل لثقافات وأفكار تضع الحواجز والعقبات وتكرس الفروق بين الذكر والأنثى.
قصة الفيلم
الشابة جولز أوستن (آن هاثاواي) صاحبة أحد المواقع الالكترونية الناجحة في مجال الترويج للأزياء والموضة وبيع الألبسة، اقترح عليها زملاؤها في العمل (مكان مفتوح لا حواجز فيه ولا أبواب مغلقة) أن تقبل ضمن برنامج لتشغيل كبار السن أن يرافقها أحدهم، يساعدها ويتعلم منها وتستفيد هي من خبراته.. ترفض الفكرة بداية إلا أنها تقبل بها بعد نقاش مقنع مع زملائها.
يأتي المتدربون إلى مقر الشركة، ومن بينهم )بين وايتكر = روبرت دي نيرو) المتقاعد الذي يرغب في العودة إلى الحياة المهنية بعد وفاة زوجته، ويبدأ عمله مجدداً كمعاون لجولز، وسط أنماط عمل عصرية لم يعتد عليها في السابق وهو الإنسان المنضبط الذي نكتشف فيما بعد أنه سبق له العمل لأربعين سنة خلت في المكان ذاته الذي بدأ العمل فيه الآن وكان يشرف وقتها على طباعة وتسويق دليل الهاتف والصفحات الصفراء التي لم يعد أحد بحاجة إليها اليوم.
أما (جولز) التي تصغر (بين) بأربعين عاماً، فقد حققت نجاحاً كبيراً بعد ثمانية عشر شهراً فقط من تأسيسها شركة تبيع الثياب على الإنترنت يعمل فيها الآن 218 موظفاً. لكن جول المشغولة دائماً في عملها، تواجه خطر الانفصال عن زوجها المتفرغ في المنزل لتربية ابنتهما، فعلاقتها مع زوجها الذي تحول إلى ما يسميه الفيلم (الزوج المنزلي) الذي يهتم بتربية ابنتهما وبمدرستها وبأمور المنزل من طعام وثياب وأمور أخرى، بسبب تفرغ زوجته للشركة التي تؤسسها. هذا الوضع يبدو أنه سوغ له خيانتها، بحسب تبريراتها هي ذاتها أي من أجل الانتقام منها ومن الأذى الموجه إلى ذاته الذكورية.
ولا يبدو أن الرجل كان وحيداً في انتقامه هذا، فقد قام بخيانتها مع أم صديقة ابنتهما، التي تبدي نقمة على (جولز) بسبب تفرغها للعمل وتركها ابنتها لرجل يربيها، ويخفي انتقاد المرأة لجولز حسداً مبطناً من نموذج المرأة الناجحة الذي تعجز هي عن الوصول إليه، فتحاول الانتقام منها من خلال تحطيم حياتها الزوجية.
يحاول الفيلم إعطاء صورة عن المعاناة التي تشهدها حياة المرأة العصرية الطامحة إلى النجاح، في مواجهة نظام أكبر يحاول إضعافها. ويتألف هذا النظام أولاً من نساء متواطئات مع نظام ذكوري يردن تكريسه، ومن رجال يحاولون في يأس استرداد بعض من مكتسباتهم الماضية.
القيم الذكورية
لكن ما يثير السخرية من الفيلم هو نقد القيم الذكورية، الممزوج في الوقت نفسه بتبجيل لنموذج الرجل المثالي الذي يمثله (بين)، واجراء مقارنة ذكورية بين هذا النموذج ونماذج الرجال الحاليين، حيث نرى (بين) يرتدي البدلة بشكل دائم، كما أنه يحلق ذقنه يومياً، ويحمل حقيبة جلدية من الطراز الرفيع. لا يتكلم كثيراً ويحافظ على هيبته ورصانته كامل وقت الفيلم. وللحق لا تنفصل شخصية (بين) عن شخصية الممثل الذي يؤدي الدور، أي روبرت دي نيرو الذي يمثل بطريقة أو بأخرى (الذكر المثالي) الذي لا ينتقص شيء من رجولته المتكاملة والتي تنعكس على خارجه من خلال ثيابه وتصرفاته الحازمة وكلامه المقتضب.
في أحد المشاهد يجتمع (بين) و(جولز)، مع ثلاثة متدربين شبان، تنظر (جولز) إلى (بين) ثم إلى الشباب الثلاثة الواقفين، وتقول إنها تفهم الآن كيف تغيرت كلمة النداء من (رجال Guys) وتحولت اليوم إلى (فتيان Boys) بعكس تعبير (فتيات Girls) الذي تحول إلى (نساء Women). كأنها تحاول القول إن الرجال يصبحون صِبية مع الوقت أما الإناث فقد أصبحن نساء مكتملات كأفراد.
ويظهر (بين) خبيراً في أمور النساء بعكس الشباب الآخرين في الشركة، فلا يتوانى عن اعطائهم النصائح ومساعدتهم في علاقاتهم مع النساء كما أنه يرافق (جولز) في وقت لاحق من الفيلم مقدماً لها النصائح في محاولته حمايتها قدر الإمكان من الوقوع في الخطأ.
نقطة ضعف الفيلم
ويقع الفيلم هنا في نقطة ضعفه الأكثر وضوحاً، فتعجز (جولز) عن المحافظة على شركتها من دون مساعدة (بين) الذي يبدو كأنه المخلص الذي أتى لإنقاذها من (نفسها) عندما أرادت تعيين مدير للشركة ما يعني فقدانها لكل شيء بعد أن تراءى لها أنها غير قادرة على تحمل مسؤولية بهذا الحجم ولا بد من رجل يقف بقربها ويساعدها، وعلى الرغم من علمها بخيانة زوجها لها، استمرت في البحث عن مدير يأخذ مكانها، ظناً منها أنها هي من دفعت زوجها لخيانتها، ما يدفع (بين) للتدخل فيقول لها: (أكره أن أظهر بأني النسوي هنا، لكن لا يمكنك هدر كل ما أنجزته بهذه البساطة لتحملي نفسك ذنباً لم ترتكبيه)… يبدو (بين) في هذا الموقف حريصاً على مصلحة (جول) أكثر منها، كأن (النسوية) بطريقة أو بأخرى أعظم من أن تترك للنساء ليدافعن عنها!
على الرغم من نقاط ضعف الفيلم الكثيرة، لكنه يوثق التبدل الجندري (الجندرية هي رؤية الشخص الخاصة إلى جنسه أي أنه إدراك وشعور الشخص الخاص بكونه ذكراً أو أنثى) الذي يشهده العالم في العقود الأخيرة، مصوراً المأزق الذي تقع فيه شخصياته والذي يعكس مأزق المرأة العصرية، وبالتالي فإن العمل يعكس مشكلة صانعته نفسها، في نظرتها إلى نساء اليوم اللواتي يبدون، بحسبها، عاجزات عن مواجهة نظام ذكوري أكبر منهن من دون تواطؤ الرجال معهن.
- المتدرب (فيلم 2015)
- قصة وإخراج نانسي مايرز
- إنتاج سوزان فارويل ونانسي مايرز
- بطولة: روبرت دي نيرو، ان هاثاوي ورينيه روسو
- مدة الفيلم: 121 دقيقة
- اللغة: الإنجليزية
- الميزانية: 35.44 مليون دولار
- شباك التذاكر: 194.6 مليون دولار