تتسم القصص بأهمية بالغة للقراء مثلها في ذلك مثل الطعام بل إنها ربما تفوقه أهمية، حيث أن الطعام يبقينا أحياء، أما القصص فتعطي معنى حقيقياً لحياتنا.
ريتشارد كيرني Richard Kearney (حول القصص)
أن تكون إنساناً يعني أن لديك قصة ترويها للآخرين.
اسحاق داينسن Isac Dinesen
حين يتمكن الناس من توفير أساسيات حياتهم فإنهم يمضون المزيد من وقتهم بالانشغال بسرد القصص أكثر من فعل أي شيء آخر، وهي قصص تتناول في معظمها قضايا غير حقيقية كما تتناول بشراً لا وجود لهم! ونحن في حياتنا اليومية نشاهد الأفلام والتلفزيون ونتسلى بالعاب الفيديو ونقرأ الكتب ونقرأ أيضاً حتى الزوايا الهزلية في الصحف ونشاهد أفلام الكارتون. كما أننا نستمع إلى الأغاني ونحضر المعارض الفنية ونشاهد الأداء المسرحي وكذلك حفلات الرقص والأوبرا. فضلاً عن ذلك نعمد إلى سرد القصص على أسماع بعضنا بعضاً ونحن نجلس على مائدة الطعام أو أثناء حفلات السمر. لقد درج الإنسان على القيام بمثل هذه النشاطات طيلة تاريخه الطويل منذ أن تعلمنا كيفية التواصل فيما بيننا واكتشفنا كيفية الرسم على جدران الكهوف.
تمثل القصص جانباً أساسياً من حياتنا لذا فإننا لا نحب هذه القصص فحسب إنما نحتاج إليها كثيراً. ومثال على ذلك أشعر أن أحد الجوانب الهامة والممتعة في حياتي هو الوقت الذي أمضيه في قراءة القصص وبالذات الروايات وكذلك القراءة عن الأحداث والناس وهي قصص ابتدعها ببساطة شخص آخر. ولا يمكن لحياتنا أن تكون ذات معنى وهدف دون تلك القصص.
والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا تتسم القصص بمثل هذه الأهمية؟ لا أظن أن هناك سبباً واحداً يجيب عن مثل هذا التساؤل. ويبدو لي أن القصص تتسم بالأهمية البالغة لكونها تقدم الكثير من الوظائف النقدية التي تعيننا على العيش والتقدم بصفتنا بشراً.
أولاً ماذا تعني القصة على وجه التحديد؟ إنها ببساطة حكاية ترويها لزوجتك وأنتما تتناولان طعام الغداء عن الجو المتشنج في العمل على سبيل المثال وما رافق ذلك من تطورات أو سرد الأحداث المثيرة التي تنقلها الأخبار المحلية. وهناك سبب يدعونا لأن نشير إلى الحدثين بـ (القصص). والقصة في جوهرها تمثل سلسلة من الأحداث التي تتناول موضوعا محدداً يرويه شخص معين لجمهور ما.
وأظن ان وظيفة القصص الأولى تتمثل في الهروب من طبيعة الحياة الرتيبة. ثم أن الحياة طويلة بطبيعتها وأن الكثير من الوقت في الغالب يمر فيما بين الأحداث المهمة الجارية. أثناء هذا الوقت نمارس نشاطات مألوفة مثل غسل الصحون وتنظيف الأسنان والذهاب إلى العمل، وهي فعاليات لا تتصف بالمتعة.
إن القصة تعمل على تقويض تلك الأفعال واستبعاد الجوانب المملة منها. وبإمكاننا من خلال القصة أن نتظاهر بكوننا أشخاصاً آخرين أو نذهب إلى أماكن أخرى دون أن نتحمل أية مخاطر أو تكلفة مادية. وبإمكاننا أيضاً أن نفعل المستحيل مثل السفر عبر الزمن أو استكشاف الكون. وفي الواقع يبدأ الأطفال بتقمص بعض الأدوار أو التظاهر بالأشياء منذ سنينهم الأولى ومن ثم يتواصل الحال دون توقف من خلال أنواع مختلفة من القصص.
إن هذا الأمر يجعل القصص ممتعة للغاية فهي تعيننا على تمضية الوقت مع الشعور بالتسلية مما يمكّن القصص من تأدية وظائف أخرى لعل من أهمها الوظيفة التعليمية، فالقصص تعين على تعلم الحقائق بسرعة ويسر حيث أظهرت البحوث العلمية أننا نحصل على الحقائق بيسر وسرعة في حال سردها بشكل قصصي. كما أن القصص تعلمنا أيضا كيفية العيش وديمومته.
لقد أدت الثقافات البشرية إلى تعزيز الأعراف الاجتماعية من خلال السرد القصصي، فنحن نتواصل مع أطفالنا وكذلك مع الآخرين من خلال القصص لنبين لهم كيفية التعامل مع بعضهم بعضاً وكذلك الأمور التي نقيمها وما يمكن تحقيقه من أمور. والقصص تحافظ على تاريخنا وثقافتنا من خلال تمريرهما بشكل يسهل على الجيل اللاحق تذكرهما.
كما أننا نستخدم القصص للتأمل وطرح الأسئلة ومن ثم العمل على إيجاد الحلول. ترى هل ثمة تطور لما يمكن أن يحصل في حال اتصالنا مع شعب غريب؟ القصص في مثل هذا الحال تساعدنا على استكشاف الاحتمالات كافة. وما النتائج المتوقعة في حال عمدت إلى خداع زوجتك؟ القصص في الواقع تعيننا على فهم مثل هذا الموقف الافتراضي أيضاً. وحين نروي قصصا عن أنفسنا فلابد أن نتخيل جوانب مستقبلنا المحتملة كافة ومن ثم يحدونا الأمل بأن نختار أفضل تلك الجوانب.
كما أننا نستخدم القصص للإجابة عن الأسئلة الكبيرة التي يتعين الإجابة عنها: لماذا أنا موجود هنا؟ ما هدف الحياة؟ وما الذي تعنيه إنسانية الإنسان؟ لا شك أن القصص تضفي النظام والمعنى على فوضى الحياة وعشوائيتها. وللقصة بداية ووسط ونهاية، والنهاية تهدف إلى إشباع رغبة القارئ لأننا شخصياً لا نعرف الكيفية التي تنتهي في ضوئها قصتنا الشخصية سيما وأن حياة البشر تمثل في الواقع بحثاً عن قصتنا الخاصة بنا.
وأخيراً تسعى القصص إلى ربط الناس بعضهم مع البعض الآخر، فرغم أننا نعلم تماماً أنها تستمد مادتها من الخيال فإنها تثير ردود فعل عاطفية قوية داخلنا. وحين نستغرق في قراءة قصة معينة فإن بمقدورنا أن نرى العالم من حولنا من خلال عيني شخص آخر، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن نطلع على حال صبي فقير في مدينة دلهي أو فتاة مستعبدة في ولاية فرجينيا في القرن السابع عشر أو حتى ملكة بريطانيا. من هنا فإن مشاركة تجاربنا الشخصية من خلال القصص تمكننا من التواصل مع بعضنا بعضاً وتوثيق علاقاتنا، وإن المشاركة من خلال القصص تعيننا على التعايش السليم.
وبسبب القدرات التي تميز القصص عن غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى فإنها تصبح أدوات فاعلة للغاية وهي بذلك يمكن أن تستخدم لإقناع الناس وتغيير المجتمعات نحو الأفضل أو الأسوأ! من هنا يغدو النقد القصصي أمراً جوهرياً أيضاً فنقاشاتنا المتواصلة حول القصص سواء حصل ذلك عبر الإنترنت أو من خلال الجلوس في مكان بارد تشكل جزءاً أساسياً لعملية السرد القصصي وهي عملية لا تقل شأناً عن القصص ذاتها. ولأهمية مثل هذا الأمر يتعين علينا على الدوام أن نعمد إلى النظر بريبة إلى أولئك الذين يسعون للتضييق على قصصنا أو مناقشاتنا ذات الصلة بتلك القصص.
ترى ما الذي يمكن أن يحصل لو أننا قابلنا شعباً غريباً لا يعرف شيئاً عن القصص البتة؟ هل بمقدورنا التواصل معهم أو سرد أية قصة عليهم؟ لربما يحفز ذلك أحدنا لكتابة قصة عن ذلك!
المصدر:
https://shannonturlington.com/2010/06/03/why-are-stories-so-important/
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.