تناقلت القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي خبراً مفزعاً حول أنتشار فيروس كورونا، وظهر مترجمو لغة الإشارة في المؤتمرات الصحفية بجانب رؤساء الدول وكبار المسؤولين والمتخصصين الذين يتحدثون عن آخر تطورات فيروس كورونا بشكل مباشر، وهذا الأمر ليس جديداً بالنسبة للدول المتقدمة، ليس فقط في الندوات الصحفية، بل ظهور ترجمة لغة الإشارة في المؤتمرات والمحاضرات العلمية وغيرها أيضاً، وكذلك على القنوات الفضائية، كما ظهور النصوص الفورية من الصوت إلى الكتابة على التلفاز منذ زمن طويل.
عندما شاهدت القناة التونسية الإخبارية، فوجئت بظهور مترجمة لغة الإشارة التونسية بجانب وزير الصحة التونسي بشكل مباشر في المؤتمر الصحفي حول تطورات أزمة كورونا، وقد ظهرت ترجمة لغة الإشارة التونسية في المؤتمر الصحفي لأول مرة في العالم العربي بالذات، حسب معرفتي، وهذه خطوة صحيحة، وقررت، في تلك اللحظة، أن أكتب تغريدتي في تويتر مع الصورة تظهر المقارنة بين المؤتمر الصحفي في تونس والسعودية إلى وزارة الصحة والجمعية السعودية لمترجمي لغة الإشارة وبعض الجهات المختصة، وسألت لهم سؤالاً: لماذا لم يظهر مترجم لغة الإشارة إلى جانب المتحدث الرسمي في المؤتمر الصحفي؟ وكيف يمكن للصم أن يفهموا ما يدور حولهم؟
في اليوم التالي، وصلتني رسالة مفاجئة من رئيس الجمعية السعودية لمترجمي لغة الإشارة بشأن التجاوب والتفاعل من وزارة الصحة، مشكورة، لتوفير ترجمة لغة الإشارة، ووجدت الردود الإيجابية في تويتر من قبل الأشخاص الصم والسامعين بعد ظهور مترجم لغة الإشارة إلى جانب المتحدث الرسمي لأول مرة في بلدنا لينقل المعلومة المتعلقة بأزمة كورونا والإجراءات الاحترازية والوقائية، وينقل كل ما يقول المتحدثون الرسميون من الجهات الحكومية المختلفة إلى لغة الإشارة بشكل احترافي مما يسهل وصول المعلومة إلى أكبر عدد من فئات المجتمع، ويفرح الصم والسامعون فرحة كبيرة، كما يبدو واضحاً، وذلك لأن من حق الصم أن يعرفوا الإجراءات الاحترازية والوقائية مثل الآخرين.
وفي الوقت نفسه، لم يظهر مترجم لغة الإشارة في المؤتمر الصحفي إلى جانب المتحدث الرسمي في الوطن العربي سوى تونس والسعودية حتى كتابة هذه السطور، رغم ظهور ترجمة لغة الإشارة بشكل مربع صغير على القنوات الإخبارية، كالعادة، في البلدان العربية، وأيضاً عدم وجود النصوص الفورية على القنوات الفضائية العربية، وهذا أمر مؤسف؛ لأن بعض الصم يجيدون القراءة والكتابة، وكثير من ضعاف السمع لا يجيدون لغة الإشارة، وهم يفضلون الكتابة النصية على الشاشة أكثر من ترجمة لغة الإشارة، بطبيعة الحال، ويعتقد الكثيرون أن لغة الإشارة هي الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الصم، كما يذكر بعض مترجمي لغة الإشارة، وهذا الاعتقاد خاطئ، فالصم وضعاف السمع يستطيعون استخدام ثنائية اللغة بين لغة الإشارة واللغة العربية في آن واحد.
لا شك أن عدد المترجمين المعتمدين قليل مقارنة مع عدد الصم في المملكة، لكن إحصائيات الصم في بلدنا غير دقيقة، وليس منطقياً أن يقال إن عدد الصم 720 ألف أصم في السعودية، وإنه أمر شائع فارغ لا أكثر، دون دليل أو إشارة إلى إحصائية رسمية من الجهة المختصة.
من الملاحظ أن بعض الجهات الحكومية والخاصة لا يوجد فيها مترجم لغة الإشارة بشكل رسمي ومستمر، والغريب في الأمر أن بعضهم يتواصلون مع مترجمي لغة الإشارة، رغم أنهم غير مؤهلين للترجمة، وعملهم لا علاقة له بالمهنة، وينبغي عليهم الاعتماد على مترجمين معتمدين من الجمعية السعودية لمترجمي لغة الإشارة، وهذه الجمعية هي الجهة الوحيدة والرسمية في المملكة التي تخدم ترجمة لغة الإشارة مثلها مثل المنظمات المحلية والعربية والدولية لمترجمي لغة الإشارة.
من الناحية المهنية، إن مهنة ترجمة لغة الإشارة ليست سهلة، وهنا الفرق بين مترجم ومؤشر للغة الإشارة، فالمترجم هو المتخصص الذي يقوم بترجمة المعلومة بين الصم والسامعين باستخدام ثنائية اللغة (لغة الإشارة واللغة المنطوقة) في آن واحد بشكل سريع ومتمكن، ويعتمد على أخلاقيات المهنة والاحترافية، بينما المؤشر، ببساطة، يعرف لغة إشارة تشبه لغة إشارية عامية ومنزلية، لكنه يتباهى بأنه يستطيع الترجمة في مواقع التواصل الاجتماعي مستغلاً أزمة كورونا بحجة التوعية، وطبقاً لأفكاره ومعتقداته الشخصية بعيداً كل البعد عن الاحترافية، ويجهل أخلاقيات المهنة، وليس ملماً بمهام ومتطلبات الترجمة، ولا يمكن أن يكون مترجم لغة إشارة كما يظن البعض نتيجة ضعف ثقافة الترجمة لديه.
من الناحية الأكاديمية، إن المترجم الأكاديمي يتطلب دراسات ودورات مكثفة مثل مهارات ثنائية اللغة والمهارات المعرفية والثقافية والمصطلحات العلمية، كما القدرة على الترجمة في جميع التخصصات الأكاديمية، فالمترجم الأكاديمي يجب أن يحصل على شهادة جامعية على الأقل، وليس من العقل أن أي شخص يجيد لغة الإشارة ولكن لم يحصل على شهادة أكاديمية، أن يقوم بالترجمة في البيئة الأكاديمية والمؤتمرات العلمية وغيرها، كما هو الحال في الوطن العربي، مع الأسف؛ لأنه لم يدرس المصطلحات الأكاديمية ومعانيها وتفسيرها، وهذه المسألة تحتاج إلى شهادة جامعية على الأقل حتماً.
أشكر كل من يقرأ هذا المقال، ولعله يدرك هذا الواقع المرير، وأشكر كل من يقوم بترجمة لغة الإشارة بشكل مهني، وأشكر كل من يطلب ترجمة لغة الإشارة من أجل الصم، وأشكر كل من يرغب في أن يتعلم لغة الإشارة ليصبح مترجماً متمكناً لاحقاً؛ لأن لغة الإشارة هي لغة الصم، وهي اللغة التي تؤدى باليدين وتسمع بالعينين، وهي لغة جميلة وجذابة وفريدة من نوعها، ليس لها مثيل في اللغات المنطوقة.
حمد عبد العزيز الحميد
- باحث وكاتب رأي
- أول سعودي من ضعاف السمع يحصل على الماجستير في الإدارة العامة (M.P.A) والبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة Gallaudet في واشنطن، بالولايات المتحدة الأمريكية
- محاضر سابق في قسم العلوم السياسية Gallaudet University
- لديه دورات علمية وتعليمية في مجال الصم وضعاف السمع
- حاصل على شهادة شرفية من منظمة الشرف للعلوم السياسية
- حسابه في تويتر:@PersonalHamad