مع بداية العام الدراسي نحتاج إلى مراجعة بعض الآليات التي تعيننا على التذكر واستدعاء المعلومات، كما يلزمنا التدرب على آليات ربط المعارف الجديدة بالمعارف التي نحتفظ بها في ذاكرتنا بعيدة المدى، كيف نحتفظ بالمعلومات وكيف نتعامل معها وما هي الوسائل المعينة لتسريع عملية الحفظ والاستدعاء.
ويعتبر التعامل مع الذاكرة من أهم الأدوات التي تساعد على النجاح سواء في مسيرتنا التعليمية أو المهنية أو حتى في علاقاتنا الاجتماعية وتواصلنا مع الآخرين. لذا آثرت تسليط الضوء على هذا الموضوع خلال السطور التالية.
لقد تنوعت الدراسات والبحوث المعنية بدراسة العقل البشري وامكاناته ودراسة عملية تخزين واستدعاء المعلومات ومن أكثر الدراسات التي حظيت بالاهتمام والقبول تلك التي قام بها عالم النفس الألماني (هيرمان إبنجهاوس Hermann Ebbinghaus) فقد قام بدراسات تجريبية لتحديد كيفية النمو، وضبط المتغيرات في الذاكرة. وميز بين الذاكرة الأولية المباشرة والذاكرة الثانوية غير المباشرة. وقد اعتبر أن الذاكرة الثانوية هي المستودع الخفي للمعلومات التي سبق لها أن خضعت للتكرار وللخبرة.
وبعد بضع دراسات وبحوث استطاع أن ينجز منحنى يجسد فيه التغييرات التي تطرأ على المعلومات في الذاكرة والذي أسماه منحنى النسيان حيث بينت أبحاثه أن للنسيان منحنى يشير إلى السرعة التي نفقد فيها المعلومات وأثبتت تجاربه أن العقل البشري وبعد ساعة ينسى 25% على الأقل من المعلومات التي تلقاها أي غالباً ما نفقد المعلومات بسرعة في بداية تعلمها، وينسى أيضاً 25% على الأقل بعد 24 ساعة و25% بعد أسبوع، وبعد شهر لا يتبقى في ذاكرة الانسان سوى أقل من 5% من كمية المعلومات التي تلقاها كما يوضح الشكل التالي:
وهذا يلزمنا أن نقف جلياً للتفكير بجدية في الأمر. فقد افترض هيرمان إبنجهاوس أن سرعة النسيان تعتمد على عدد من العوامل مثل صعوبة مادة ما والعوامل الفسيولوجية الأخرى مثل الإجهاد وقلة النوم. كما افترض أن معدل النسيان الأساسي يختلف قليلاً بين الأفراد. وخلص إلى أن الاختلاف في الأداء يمكن تفسيره من خلال مهارات التمثيل الذاكري، واستمر في افتراض أن التدريب الأساسي في تقنيات الذاكرة يمكن أن يساعد في التغلب على هذه الاختلافات جزئياً، وعليه ستبقى المعلومات مستقرة في الذاكرة طويلة الأمد دون أي تهديد لضياعها.
وإذا كان النسيان طرفاً فالتذكر هو الطرف الذي يقابله فمنحنى النسيان أشار إلى المشكلة والحل في ذات الوقت. حيث أن سبب النسيان هو عدم محاولة استذكار المعلومات، وأن محاولة الاستذكار هي الحل.
هناك اختلاف بين استغلال التكرار حسب الحاجة والضرورة، فإن كنت تريد الحفظ بسرعة مع احتمال النسيان على مدى الطويل، فالأفضل أن يتم التكرار على مدى قصير وعلى أربع مراحل في نطاق الأربع وعشرين ساعة بعد عملية الحفظ الأولى كما هو موضح في الجدول التالي:
أول تكرار | مباشرة بعد الحفظ |
ثاني تكرار | بعد 15-20 دقيقة |
ثالث تكرار | بعد 6-8 ساعات |
رابع تكرار | بعد 24 ساعة |
أمّا في حال أراد الشخص الاحتفاظ بالمعلومات لوقت أكبر سواءً تعلم لمفردات لغة أجنبية، معلومات علمية، أحداث تاريخية… فيجب أن تعتاد ذاكرته أيضاً على التفكير والتخزين على المدى الطويل. بغيةَ ذلك، يجب تكرار ما تم حفظه على فترات متباعدة قد تصل للشهرين أو الثلاثة.
من هذا وذاك، يمكن أن نستنتج أنّ الذاكرة تعتمد بشكل أساسي على التمرين والتدريب. إذن، التكرار من أهم الطرق التي تساعدك على ترسيخ المعلومات في ذاكرتك البعيدة المدى. وعليه، يجب أن نتبنى فكرة أن التذكر عضلة: مثلها كمثل أية عضلة أخرى في الجسم يمكن تقويتها.
- التذكر مهارة: وليست موهبة، والمهارة يمكن اكتسابها على عكس الموهبة والتي تخلق مع الإنسان منذ الولادة.
- الذاكرة لا يمكن أن تمتلئ إطلاقاً: أشار توني بوزان في كتابه “خريطة العقل” إلى دراسة بينت أن الجزء الذي قد يكون مستخدماً في حال استقبال معلومة كل ثانية باستمرار طوال عمر الإنسان لا يتعدى حبة الحمص.
كيف تحتفظ بالمعلومات في الذاكرة لأطول مدة؟
- بدايةً عليك أن تحاول فهم ما تحفظه، فذلك علمياً سيجعل من المعلومات تترسخ في الذاكرة تسع مرات أسرع.
- هناك ما يسمى بتأثير الموقف المتسلسل والذي يدل على أنّ ذاكرة المرء تتذكر بشكل أفضل أول (تأثير الأسبقية) وآخر (تأثير الحداثة) عناصر سلسلة أو قائمة ما، فاستخدمها إذاً كنقطة قوة خلال حفظك.
- هناك نظرية تسمى بنظرية التداخل لتفسير النسيان والتي تثبت أنّ الأحداث أو المعلومات الجديدة تحدث خللاً في الذاكرة وبالتالي تتداخل المعارف، مما يؤدي إلى نسيان المعلومات السابقة وتعويضها بالجديدة (نوع التداخل الرجعي) أو تعطيل التعلم الجديد بسبب مكتسبات سابقة (نوع التداخل الكفي) لذا يستحسن عدم مراجعة مواد دراسية متشابهة في نفس الوقت أو وراء بعض، فلن يزيد ذلك عملية التعلم إلّا تعقيداً.
- تعلم بالمضادات خاصة بالنسبة لتعلم اللغات الأجنبية، بمعنى أنّ التعلم بالمضادات أمر مهم يسهل الحفظ والتذكر.
- الكلمة – المسمار أو ما يسمى “Mots-Clous” إنّها طريقة فرنسية قديمة تختصر في أنّه مثلاً إن كنت تريد تعلم لغة أجنبية فاربط كلمة تعلمتها بكلمة تعْلَمُها سابقاً. هكذا، كلما تذكرتك كلمتك المعتادة فستتذكر أوتوماتيكياً الكلمة الأخرى.
- إن كنت ممن يملكون ذاكرةً سمعيةً قويةً، فالأحسن أن تستخدم طريقة التسجيل الصوتي. اقرأ المعلومة أو الكلمة وسجّل لنفسك، أعد الاستماع للتسجيل مراراً وتكراراً، لتجد نفسك تحفظها وتتذكرها بسهولة.
- اصنع لنفسك ستايلاً ونمطاً خاصاً أثناء الحفظ. مثلاً نبرة خاصة غريبة لنطق الكلمة، رسم معبر عن المعلومة… ستجد أنّ الأمر ممتع قليلاً ومرح، وطبعاً مفيد وفعال للغاية.
- الخرائط الذهنية من أفضل الممارسات المعينة على اختصار المعلومات وسهولة تخزينها واستدعائها.
وفي الختام تخلص من كل المعتقدات المعيقة التي توحي لك أن ذاكرتك ضعيفة وتوقف عن تكرار أنك تنسى بسرعة وأنك لم تعد تتذكر كالسابق وتمعن لربما كنت محاطاً بالكثير ممن يتمتعون بذاكرة فولاذية وإن طال بهم العمر.
المراجع:
تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2015 ـ المؤلف: المكتبة الوطنية الفرنسية ـ الرخصة: رخصة حرة
- Wozniak, R. H. (1999). Classics in Psychology, 1855-1914: Historical Essays W. Bristol: Thoemmes Press.
مؤرشف من الأصل في 06 يونيو 2019.رو
http://www.marzoukelghannamy.com/2017/02/blog-post_79.htm
- كيف تتغلب على منحنى النسيان؟ المدرب المحترف 2017
https://mudarreb.blogspot.com/2017/07/blog-post_31.htm
- د. عثمان باعثمان، دورة الخرائط الذهنية، 2020
آمنة الزعابي
اختصاصية نفسية
مدرب معتمد في التنمية البشرية من المجلس الكندي الأمريكي
كوتش لايف معتمد من الاتحاد الدولي للكوتشينج ICF