رفض المؤسسات التعليمية والتربوية للصم وعدم وعي الآباء بالتعامل مع أبنائهم.. من العوامل التي تؤدي إلى تهميش الصم داخل المجتمع
التثقيف وتوفير فرص عمل مناسبة وتغيير نظرة المجتمع للأصم من أبرز الوسائل لدمجه داخل المجتمع
لقد كان الاتجاه الشائع منذ القدم أن المعوقين سمعياً تنخفض لديهم القدرة الذهنية، بل غالى البعض فى هذا الاعتقاد حتى أضحى ضمن بعض القوانين أن من بين حالات الإعاقة العقلية تلك الحالات التي ولدت فاقدة للسمع.
كما كان الإغريق يتخلصون من الأطفال الصم، اعتقاداً منهم بأنهم يمتلكون قدرات عقلية منخفضة، وأنهم سيصبحون عالة على المجتمع. وقد عبر أرسطو عن اعتقاده بعدم جدوى تعليم الصم لعدم مقدرتهم على السمع والكلام كما نادى أفلاطون بضرورة طرد الأشخاص المعوقين خارج البلاد حتى ينقرضوا بالتدريج للحفاظ على قوة الدولة وحتى يحقق جمهوريته المثالية كما تصورها.
ومقابل ذلك كانت نظرة الكثيرين من أفراد المجتمع إلى الإعاقة السمعية لدى الطفل أكثر تضخيماً وبالتالي كان تعاملهم معه بالعطف والشفقة المصحوبين بالأسى والحسرة حيناً أو بالاندهاش والنبذ والانقباض فى حين آخر، كل هذا ولد لدى الطفل الأصم إحباطاً شديداً، وكراهية السامعين وشعوراً بالنقص والإكتئاب من الحياة والخجل من مواجهة الناس، الأمر الذي يزيد من عملية تهميش الصم.
وقد أشار نيكولوف Neckoloff إلى أن المعاق سمعياً يعاني من رفض المعلمين ومساعديهم كما أن اتجاهات مديري المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية تتميز بالسلبية ورفض إدماج هؤلاء المعاقين فى مدارس السامعين.
أما من حيث إتجاهات الوالدين والتي من الممكن أن تكون سببا حيوياً وفعالاً في عملية تهميش الصم حيث هناك ردود أفعال سلبية من قبل الوالدين تجاه طفلهم الأصم وهذا نتيجة عدم قدرتـهما على فــهم حاجاته. بجانب رفضهما لطفلهما الأصم وإنكاره عن الآخرين، وعدم إلحاق هذا الطفل بالمدرسة ظناً منهم أن من العار أن يعرف المجتمع أن لديهم طفلاً لديه صمم.
بل إن الأمر يصل ببعض الأسر إلى تجاهل وجود مدارس خاصة بالتلاميذ الصم الأمر الذي يزيد أيضاً من عملية تهميش الصم.
وفي ضوء ما سبق يمكن تلخيص أسباب تهميش الصم في النقاط التالية:
- النظرة الخاطئة للمجتمع تجاه الصم بأنهم فاقدو السمع ومن ثم فاقدو القدرة على توصيل المعلومة إليهم من خلال السمع.
- نظرات الإهمال أو السخرية التي يلقاها الصم من الأفراد الآخرين والتي تسهم بدورها في إحباط الصم وتهدم كيانهم.
- الإعتقاد الخاطىء ـ منذ القدم ـ بأن المعوقين سمعياً تنخفض لديهم القدرة الذهنية، وهذا غير صحيح حيث أثبتت كثير من الدراسات أن الصم يوزعون توزيعاً عادياً على مقياس الذكاء، فمنهم من يتميز بشدة ذكائه، ومنهم من يتميز بشدة مختلفة.
- نظرة أفراد المجتمع إلى الإعاقة السمعية لدى الطفل بصورة أكثر تضخيماً وبالتالي تعاملهم معه بالعطف والشفقة المصحوبين بالأسى والحسرة حيناً أو بالإندهاش والنبذ والانقباض فى حين آخر.
- بعض الإتجاهات السلبية من قبل المعلمين ومديري المدارس تجاه هؤلاء الأطفال، والتى تتسم فى بعض الأحيان بالسلبية ورفض إدماج هذه الفئة من الأطفال في مدارس السامعين. كما أن البعض يحكم مقدماً على الطفل الأصم بأنه محدود القدرات، كما أنه غير قادر على التركيز وغير مدرك للزمان والمكان.
- ردود الأفعال السلبية من قبل الوالدين تجاه طفلهم الأصم.
- إخفاء الولدين لطفلهم الأصم وإنكاره عن الآخرين.
- إمتناع بعض الأسر عن إلحاق طفلهم الأصم بالمدرسة، ظناً بأنه من العار أن يعرف المجتمع أن لديهم طفلاً يعاني من الصمم.
- جهل بعض الأسر بوجود مدارس خاصة بالتلاميذ الصم. أو عدم تحمسهم لتعليم طفلهم.
- غالباً ما يساء فهم الأصم، لأن إعاقته أقل وضوحاً من إعاقة الشخص الكفيف أو الذي لديه مرض عصبي.
مقترحات
وبعد فيمكن تقديم مجموعة من التوصيات للحد من عملية تهميش الصم على النحو التالي:
- حاجة الآباء والأمهات إلى التثقيف وتزويدهم بالمعلومات والخبرات اللازمة للتعامل الجيد مع طفلهم الأصم.
- محاولة دمج الصم مع أقرانهم وعدم عزلهم، حتى يكون هناك اتصال وتواصل مع الآخرين، للتخلص من العزلة أو الإحباط الذي قد يصيب الأطفال الصم.
- توفير التسهيلات المناسبة داخل فصولنا الدراسية وخارجها، بصورة تشبع حاجات الطفل الأصم وتساعده على النجاح.
- توفير فرص عمل مناسبة تستهدف تشغيل الصم وتساعدهم في الإعتماد على أنفسهم، وتحقيق التوافق مع المجتمع.
- تغيير النظرة إلى الأصم بحيث ينظر إليه على أنه إنسان كسائر البشر في المجتمع من حقه أن يحيا بين الآخرين ومع الآخرين.
- يجب النظر إلى تعليم تلك الفئة على أنه خدمة واستثمار في ذات الوقت، فهو خدمة واجبة الأداء لكل فرد معوق سمعياً، وهو إستثمار في شريحة من المواد البشرية للدولة.
- تصحيح مفهومنا عن المعوقين سمعياً ومن ثم تصحيح تعاملنا معهم.
- الإهتمام بهذه الفئة في كافة المجالات وذلك حتى يشعروا بحمايتهم الطبيعية داخل المجتمع.
- تقديم الإجراءات التأهيلية الخاصة المطلوبة داخل النظم التعليمية والاجتماعية والإعلامية ليمكنهم من تنمية قدراتهم إلى أقصى حد ممكن ولتحسين نوعية حياتهم وزيادة إمكانية مشاركتهم وإسهامهم في المجتمع.
- مراعاة أن لفئة الصم وضعاف السمع حقوقاً لابد أن يوفرها لهم المجتمع تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص وأنهم غير مسؤولين عن الصمم الذي أصابهم.
- النظر إلى هذه الفئة على أنها تمتلك نفس المشاعر والأحاسيس التي يمتلكها السامعون كما أنهم يمتلكون من القدرات العقلية المختلفة ما يؤهلهم للقيام بدور ايجابي لخدمة أنفسهم بل وخدمة مجتمعهم.
- يجب على الأفراد السامعين أن يكفوا عن إرسال نظرات الشفقة والتعجب والأسى التي تصدر عنهم عند رؤيتهم للصم، وكأنهم مخلوقات غريبة من كوكب آخر غير كوكب الأرض.
- عناية المجتمع بالأفراد الصم العناية اللازمة، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي يمكن أن تساهم في دمج الصم في المجتمع إلى حد أن يشعروا فيه بأن الجميع سواء، و أن الدولة تنظر إليهم جميعاً بمعايير واحدة وثابتة.
- تنشيط الدور الذي تقوم به الجمعيات الأهلية ومراكز ومكاتب التأهيل المهني لتوفير الرعاية الاجتماعية والنفسية للصم.
- إتاحة الفرصة للأفراد الصم للاشتراك فى الأندية و مراكز الشباب لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية، وتنظيم المسابقات الرياضية فيما بينهم، وأيضاً بينهم وبين السامعين، وذلك تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة.
- إلزام أصحاب الأعمال والشركات والهيئات الحكومية بتشغيل خريجي مدارس الأمل للصم، طبقاً لنسبة ?5 من مجموع العاملين لديهم والتي نص عليها القانون 93 لسنة 1975 بشأن المعاقين بصفة عامة.
- تشجيع الباحثين وعلماء التربية على الخوض فى مجال التربية السمعية.
- الاهتمام بتثقيف الطفل الأصم وشغل أوقات فراغه.
المراجع
- محمد عبد المحسن التويجري، اتجاهات حديثة في تأهيل المعوقين سمعياً، مجلة كلية التربية، جامعة الزقازيق، العدد ،63 سبتمبر 2000.
- أحمد حسين اللقاني، أمير القرشي، مناهج الصم: التخطيط والبناء والتنفيذ، عالم الكتب 1999.
- زينب محمود شقير، سيكولوجية الفئات الخاصة والمعوقين، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1999.
- مقال كتب في مجلة المنال العدد 187 لسنة 2004 تحت عنوان: نحن بحاجة إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية المقدمة للصم.
- لطفي بركات أحمد، تربية المعوقين في الوطن العربي، الرياض، دار المريخ، 198.