تباطأ الاقتصاديون في اعتبار الإعاقة مظهراً من مظاهر الفقر في الدول النامية وتباطأ صناع القرار في وضع الإعاقة ضمن سياسات التنمية الإقتصادية
يعتبر الأشخاص المعاقون واحدة من أكبر المجموعات الفقيرة في العالم حيث تشير التقديرات إلى وجود ما يزيد على 400 مليون معاق في الدول النامية
هذا بدون اعتبار من يتعاملون مع الإعاقة بحكم وجود معاقين في عائلاتهم. وتعتبر مؤشرات الفقر مرتفعة جداً في أوساط المعاقين.
وتقول الدكتورة «أمارتيا سن» الحائزة على جائزة نوبل في هذا الصدد: إذا ما أخذنا في الاعتبار أثناء تحديد الفقر استنزاف المال والوقت فإن معدلات الفقر في أوساط المعاقين ستكون أكثر ارتفاعاً. ومن الواضح أن كل الجهود لمحاربة الفقر ستذهب سدى ما لم يتم التعامل مع حاجات المعاقين.
وتضيف أن طرح مسألة الإعاقة يصطدم بكل المواضعات التقليدية فالناس غالباً ما يتحدثون عن الإعاقة مستخدمين مصطلحات مختلفة عاكسين في طريقة طرحهم للموضوع خلفياتهم الجغرافية، وولاءاتهم الفئوية المختلفة.
وقد تمت صياغة هذا الموضوع المتكامل ليعكس جملة من وجهات النظر والمقاربات حول الإعاقة والتنمية وستساهم كل الكتابات في الموضوع في شرحها وتقريبها من بعض كعناصر متكاملة لمسألة واحدة.
بداية ملف المجلة عن الفقر والإعاقة كانت بمقال حول (الأمم المتحدة والإعاقة) للسيد ادواردو بللاندو. ويصف المقال عدة مناطق تتعامل فيها الأمم المتحدة مع موضوع الإعاقة مبرزاً عمل الأمم المتحدة على ضوء الإتفاقية الأممية حول الإعاقة. ويعتبر السيد بيلاندو أن الأمم المتحدة تأتي في طليعة المعترفين بالإعاقة كموضوع من مواضيع حقوق الإنسان وأن إتفاقيتها تعتبر حجر الزاوية في هذه المقاربة معتبراً الإتفاقية عملاً جوهرياً ليس فقط لأهمية الموضوع ولكن أيضا للتأثيرات العملية الملموسة التي تحدثها.
وقد كانت جمعيات المعاقين حاضرة في مداولات مسودة الإتفاقية تكريسا لشعار (لا شيء يخصنا من دوننا).
وكتكملة لجهود الأمم المتحدة في هذا المجال فقد تم وضع مسألة الإعاقة ضمن أجندة التنمية الإقتصادية.
واعتبر الكاتب أن الأهداف الكبيرة لمقاربة حقوق الإنسان لن يتم الوصول إليها إلا بوجود تقدم تنموي حقيقي، فالنتائج الإقتصادية لن تحقق من خلال تكريس حقوق الإنسان بل إن الإطار الحقوقي سيظل أجوفاً وبلا معنى ما لم تصاحبه تحسينات ملموسة في المستوى المعيشي للمعاقين.
لقد تباطأ الاقتصاديون كثيراً في اعتبار الإعاقة مظهراً من مظاهر الفقر في الدول النامية والسبب في ذلك يعود إلى الحلقة المفرغة بين عملية البحث ووجود البيانات عن الإعاقة التي غالباً ما تكون شحيحة في الدول النامية.
ومن خلال مساهمته المعنونة (إعداد البحوث هو مفتاح وضع الإعاقة في أجندة التنمية الإقتصادية) يركز السيد دانييل مونت الاقتصادي والمستشار لشبكة التنمية الإنسانية في البنك الدولي على موضوع إعداد البحوث المتعلقة بالإعاقة مقيماً الوضعية الحالية وواصفاً الجهود المبذولة في الفترة الأخيرة لتحسين الأمور داعياً الباحثين إلى تكثيف الجهود لإيجاد البيانات اللازمة للقيام بعملية بحث حقيقية.
وفي العديد من الدول النامية فإن صناع القرار قد تباطأوا هم أيضاً في وضع الإعاقة في سياسات التنمية الإقتصادية وبرامجها.
ويمكن تعليل ذلك بضعف تمثيل المعاقين في مراكز النفوذ وصنع القرار نظراً للمعوقات التربوية ولوجود التمييز ضد المعاقين. وهناك حلقة أخرى مفرغة تعتبر واحدة من النتائج السلبية لتجاهل صناع القرار لقضايا الإعاقة وهي أنه نتيجة لعدم اهتمام الدول النامية بالموضوع فقد ألغاه الممولون تماماً من خططهم وبرامجهم للدعم وهو ما يعني أيضاً أنه ما دام الممولون غير مهتمين بالموضوع فإن صناع القرار سيواصلون إهماله، ولكن يبدو أن هذه الحلقة المفرغة بدأت في التحلحل قليلاً.
فبعض الدول الداعمة وبخاصة الدول الإسكندنافية أصبحت تعتبر موضوع الإعاقة عنصراً أساسياً في برامج الدعم التي تقدمها للدول النامية، كما أن بعض منظمات الدعم الخارجي الكبرى قد بدأت تهتم بالموضوع ونذكر هنا مساهمات كل من: DFID, USAIDD والبنك الدولي.
لقد تبنت DFID مقاربة مزدوجة للتنمية الإدماجية كما هو موضح في تقرير DFID والإعاقة للسيد فيليب توماس.
كما أن المنظمة مصممة على إيجاد قوة عمل منوعة وذلك من خلال إحلال بعض المعاقين في مناصب عليا.
تتخذ USAID عدداً من الخطوات في سبيل إشراك المعاقين بشكل فاعل في تصميم وتطبيق خططها التنموية، وتركز الدراسة المعنونة (الإستفادة للجميع) للسيدين لويد فينبرغ وروب هارفاث على معايير الاستفادة من تمويل منظمة الدعم الأمريكي.
أما المقال المعنون (الإستفادة من خلال التكنولوجيا) للسيد محمد محسن فيصف جهود البنك الدولي لجعل الشبكة العنكبوتية وتقنيات الكومبيوتر والهاتف وغيرها متاحة للمعاقين.
والملاحظ أن المبادرة الأكثر أهمية في مجال التنمية الإدماجية لا تأتي من المنظمات الكبرى وإنما من المنظمات غير الحكومية وسنبرز هنا بعض هذه المبادرات:
يصف مقال (العيش المستقل يقوي المعاقين) للسيد آدولف رتزكا حركة عالمية من الأشخاص المعاقين لإثبات قدرات المعاق وتقديره لذاته ولتكريس مبدأ تكافؤ الفرص.
وتضع حركة العيش المستقل التي تجد جذورها في أفكار الحريات المدنية في أمريكا، مخططاً جديداً للمفاهيم القديمة كالتربية الخاصة وإعادة التأهيل وغيرها من المفاهيم المختلفة.
أما الكاتب فانس لاغان فيصف في مقاله (كسر الحواجز) التعاون بين الرابطة الوطنية للأشخاص المعاقين في الفيلبين والجمعية الدانماركية لضحايا الشلل والحوادث مبيناً أنه وخلال العشر سنوات الأخيرة أثمر هذا التعاون عن إقامة مراكز علاجية في 118 بلدية.
أما السيد روبرت رانسوم فيحكي في مقاله المعنون (التمكين الإقتصادي للنساء المعاقات في إثيوبيا) قصة السيدة ميبرات غيبريسيس التي أعيقت عندما كانت تناضل ضد الحكومة السابقة وتتم الآن مساعدتها من خلال برنامج تنمية الشراكة بين النساء المعاقات في أثيوبيا.
السيد لارس اوديغارد يقدم من خلال مقاله المعنون (من النرويج: مع الحب) عدداً من المبادرات التي قامت بها منظمة تحالف الأطلسي النرويجية غير الحكومية، ويصف الكاتب كيف استفاد الكثير من المعاقين في النرويج ومملكة ليسوتو من هذه المبادرات.
ويصف المقال المعنون (التنوير بشأن الإعاقة: تحسين الخدمات للمعاقين من خلال الفولغا) مشروع الشراكة بين البنك الدولي ومنظمة القضاء على الفقر في الريف الهندي حيث عهد إلى هذه المنظمة بعمل اللازم لتحسين مستوى معيشة الفقراء.
العديد من مقالات مجلة (Development Outreach) كانت مبوبة في مواضيع كالتعليم، الصحة، الاتصالات وما بعد الصراع.
ويتحدث مقال (تعليم المعاقين: باتجاه الدمج) للسيد كينيث اكليندث من اليونسكو لصالح الأطفال المعاقين أن 40% من الأطفال المحرومين من الدراسة هم من المعاقين بشكل أو بآخر.
ويؤكد أن استراتيجية التعليم للجميع يجب أن تشمل طرقاً لمحاربة التمييز ولإزاحة الحواجز البنيوية وأن تركز على حاجات الأطفال المعاقين. ويهدف المقال إلى إيجاد مفهوم جديد للتعليم يهدف إلى الدمج الكامل.
وفي مقاله المعنون (القبيلة المنسية) يعتبر الكاتب امبروسيه ميرنغيرا أن هناك ثالوثاً يتربص بأوغندا وهو: الإعاقة والفقر والآيدز. ويبين الكاتب أن المعاقين أكثر عرضة للإصابة بالآيدز لأنهم عاجزون عن الإستفادة من حملات التوعية كما أنهم أقل استفادة من الخدمات الصحية.
وميرنغيرا هو شاب أوغندي كفيف يدعو إلى دمج المعاقين في جهود الصليب الأحمر للوقاية من الآيدز.
وفي مقاله (الإعاقة والبث الإعلامي) يعتبر سيمون مينتي أن هناك تطوراً في مقاربة الإعلام لقضايا الإعاقة وذلك من خلال تجربته الشخصية خلال العشر سنوات الأخيرة. فالتغييرات الملحوظة على مستوى المؤسسات الإعلامية كالبي بي سي وسكاي تلفزيون وغيرها ستساهم في الحد من التمييز ضد المعاقين.
وفي مقالها المعنون (التنمية الإدماجية في مجتمعات ما بعد الصراع) تتحدث الملكة نور من الأردن عن تجربتها الشخصية في العمل في مجال نزع الألغام حيث عملت في السنوات الأخيرة مع شبكة الناجين من الألغام والتحالف الدولي لحظر الألغام وكما هو متوقع فإن أغلب العاملين في هذا المجال هم من المعاقين بسبب الألغام والذين يسعون لتحسين أوضاع المعاقين.
يتقاسم مواضيع هذا العدد من مجلة (Development Outreach) نفس من الحماس والديناميكية وإحساس أن الأمور تتحسن ودعوة الجميع إلى الإنتقال من الدفاع والمحاججة إلى الفعل والأداء.
قد يكون من المبالغ فيه الإدعاء أن هذه الجهود الحثيثة في أجندة التنمية قد بلغت نضجها وإن كانت المقالات في هذا العدد تعكس تقدماً كبيراً.
وكما تتشكل الفسيفساء من عدة خيوط وألوان فإن الجهود المتفرقة التي تم الحديث عنها في هذا العدد ستسهم مستقبلاً في رسم صورة متكاملة لمستقبل تكون فيه قضايا الإعاقة جزء لا يتجزأ من التنمية.
ترجمة: محمد سعدن ولد طالب
المصدر: مجلة
Development Outreach