أصبحت القراءة المبسطة (Easy Read) ظاهرة اجتماعية عالمية حديثة، هذا المصطلح يعتبر مرادفاً للكلمات الأخرى المستخدمة عبر العالم (Easy Read) في المملكة المتحدة، (Easy English) في أستراليا، (Leichte Sprache) في ألمانيا و(Selko Kielen) في فنلندا.
ويعني هذا المصطلح بالتوجيه حول إنتاج معلومات مبسطة، وسهلة القراءة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، ويُوصى بتطبيقه على نطاق واسع يتيح للأشخاص ذوي الإعاقة الوصول إلى المعلومات انطلاقاً مما نصت عليه اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتتضمن القراءة المبسطة ضرورة إجراء تعديلات فنية لتصميم المواد، مراعاة الفئة المستهدفة ومستوى مهارات القراءة لديهم، ومراعاة طول وتعقيد الجملة، تنسيق الصفحة، وضرورة اختبار المواد بواسطة المستخدمين النهائيين.
ومن هنا جاءت الترجمة التي تتبناها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية لتعريب مصطلح (Easy Read) إلى القراءة المبسطة وليس القراءة السهلة، فالقراءة السهلة تعتمد على المهارات القرائية لدى الشخص، ولكن القراءة المبسطة جاءت من تبسيط المعلومات الموجودة والمتاحة أساساً، والتي من المفترض اتاحتها للجمهور عموماً، مما يشمل الجمهور من ذوي الإعاقة الذهنية.
ظهور مصطلح Easy Read كتقنية لتبسيط الوصول إلى المعلومات واتاحتها للأشخاص حديث نسبياً، وجاء مرتبطاً بتطور فهم وتطبيق منظومة حقوق الإنسان. وتقول الباحثة البريطانية Deborah Chinn في ورقتها أن ظهور هذا المصطلح جاء في سياق تاريخي محدد، ويعود إلى اتساع نطاق الرعاية المؤسسية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية خلال فترة السبعينيات والثمانينيات نتيجة للتحول في السياسات والممارسات تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، مما أعطى زخماً إضافياً لتطوير آليات الاحتواء، والتأكيد على مواطنة وحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية، وضمان مشاركتهم الفاعلة.
وعلى الصعيد الدولي، فإن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد على أهمية الوصول إلى المعلومات بأشكال يسهل الوصول إليها كحق من حقوق الإنسان في المواد (4، 9، 21)، وينظر إلى القراءة المبسطة على أنها علامة فارقة في وصول المعلومات للأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية، فهي طريقة نترجم من خلالها ما نصت عليه مواد الاتفاقية لضرورة أن يعمل مقدمو الخدمات على إجراء (تعديلات معقولة) التي من شأنها إزالة حواجز الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة.
هذه التطورات في السياسة والتشريعات والخطابات حول الوصول والتمكين خلقت بالتالي مطالبات عالمية على تصميم نصوص القراءة المبسطة ونشرها بلغة الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية، وقد انتقلت تلك المطالبات إلى العالم العربي ضمن تطور المنظومة الحقوقية للأشخاص من ذوي الإعاقة، وعمل مؤسسات الإعاقة العربية على تطوير أداوت الاحتواء والتمكين للأشخاص من ذوي الإعاقة. على الرغم من نقص المعلومات في أثر تطبيق القراءة المبسطة على الأشخاص من ذوي الإعاقة بشكل دقيق وعلمي، ويقول الباحثان البريطانيان Sutherland, R. J., & Isherwood, T في ورقة بحثية تم نشرها في العام 2016 بعنوان الدليل إلى القراءة المبسطة الموجهة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، بأنه لا يوجد ما يثبت أن تغيير طريقة تقديم المعلومات على النحو الموصى به من قبل إرشادات القراءة السهلة بالضرورة يسهل فهم الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، حتى الآن هناك نقص في الأدلة البحثية القاطعة.
رغم ذلك فإن تقنية القراءة المبسطة تتطور حالياً بشكل كبير حول العالم، وعربياً على الرغم من المحاولات الفردية المتباعدة بين مؤسسات الإعاقة العربية، فإن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية تقوم حالياً بتدريب وتأهيل كوادر تعمل على تقديم معلومات عربية مبسطة ومتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، ووضع معايير عربية معتمدة للقراءة المبسطة، تتيح للمؤسسات تطبيقها بشكل أوسع.
وانسجاماً مع تلك الحركة العالمية في تطوير تقنية القراءة المبسطة فإننا في العالم العربي نحتاج إلى العمل على الأمور التالية:
- أولاً ـ اعتماد المعايير العربية للقراءة المبسطة والمتوقع صدورها في نهاية العام الحالي 2020، وتعميمها على نطاق واسع يتيح للمؤسسات العربية تطبيقها للجمهور من ذوي الإعاقة الذهنية.
- ثانياً ـ وجود متخصص في القراءة المبسطة داخل أجهزة الاتصال المؤسسي والعلاقات العامة لتبسيط وثائقها الخدمية.
- ثالثاً ـ توجيه الباحثين في دراسة أثر القراءة المبسطة على فهم الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية للمعلومات، ومدى كفايتها.
- رابعاً ـ نص القوانين والتشريعات التي تلزم المؤسسات الحكومية والرسمية في تطبيق تقنية القراءة المبسطة، خاصة في مؤسسات الرعاية الصحية والخدمات اللوجستية، ولجان الانتخابات الوطنية.
- خامساً ـ تطوير تقنية القراءة المبسطة واستخدامها بشكل أوسع من مجرد الوثائق الخدمية، ومحاولة تطبيقها على تبسيط النصوص الأدبية.
لا شك أن القراءة المبسطة مفهوم جديد وتقنية لا زالت في طور التطوير، ولكن تطبيقها منذ الآن في مؤسساتنا قد يسهم في رفع مستوى احتواء وتمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية في مجتمعاتهم، ويطور تلك التقنية بشكل يمكننا من قياس أثرها بمستوى أكثر دقة مستقبلاً.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”