نشر بحث (إمكانية مشاركة الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية في العلاج المعرفي السلوكي من منظور الوالدين) في عدد شهر يناير 2020 من مجلة بحوث الإعاقة الذهنية الصادرة عن الجمعية الملكية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في بريطانيا Royal Mencap Society، ويتناول أحد الموضوعات الملحة وذات الأهمية في مجال الإعاقة الذهنية، وهو استخدام العلاج المعرفي السلوكي في علاج الاضطرابات النفسية لدى الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية، وإمكانية استفادة هؤلاء الأطفال من ذلك الأسلوب العلاجي حسب وجهات نظر وتقديرات الوالدين ومقدمي الرعاية. وفي الأسطر التالية موجز للبحث ونتائجه.
خلفية البحث:
إن نسبة الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية ممن لديهم اضطرابات نفسية مصاحبة قد تصل إلى 50% وبسبب القصور في الأداء الوظيفي العقلي لدى هؤلاء الأطفال فإن العلاجات تشمل بصورة أساسية التدخلات السلوكية والأدوية. وقد تم مؤخراً التحقق من فاعلية العلاج المعرفي السلوكيCognitive Behavior Therapy في علاج البالغين من ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة إلى المتوسطة مع وجود اضطرابات مصاحبة مثل الاكتئاب والقلق والغضب.
وبينما لم يتم إجراء تجارب مشابهة بين الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية، فإن العلاج المعرفي السلوكي قد يعد خياراً علاجياً للأطفال ذوي الإعاقة الذهنية شريطة إدخال التعديلات اللازمة. إن أوجه القصور العصبية النفسية لدى الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية قد تشمل التعلم والتذكر والانتباه والوظائف التنفيذية واللغة. إن العلاج المعرفي السلوكي CBT هو المعيار أو القاعدة الذهبية بين التدخلات لعلاج الكثير من الأمراض النفسية لدى الأطفال من غير ذوي الإعاقة الذهنية.
ومن أسس العلاج المعرفي السلوكي الربط بين الأفكار والانفعالات والسلوك، وهو ما يمكن للبالغين من ذوي الإعاقة الذهنية القيام به. وفي حدود معرفة الباحثين فإن ذلك لم تتم دراسته وتقييمه بين الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة إلى المتوسطة. إن للوالدين دوراً جوهرياً في عملية العلاج الخاصة بالأطفال سواء كانوا من ذوي الإعاقات النمائية أو من غير ذوي الإعاقة. إن إشراك الوالدين يتوافق مع الممارسات المتمركزة حول الأسرة للتدخل مع الأطفال، ويوضع في الاعتبار أهمية التعاون بين الوالدين والمعالج في تخطيط وتقييم التدخلات كعامل جوهري، وذلك استناداً إلى أن الوالدين هما الأكثر دراية ومعرفة بالطفل.
كان هدف الدراسة هو جمع وجهات نظر الاَباء والأمهات الذين لديهم أطفال من ذوي الإعاقة الذهنية حول العلاج المعرفي السلوكي، وقد شرع الباحثون في السعي لمعرفة ما إذا كان اَباء وأمهات هؤلاء الأطفال يعتقدون بإمكانية مشاركة أطفالهم في العلاج المعرفي السلوكي، وفي فهم العوامل المرتبطة بذلك، وفي حدود علم الباحثين فلم يتطرق بحث سابق إلى هذا الموضوع ويعد ذلك البحث استطلاعياً.
منهج البحث:
أولاً – الإجراءات:
تمت الموافقة على البحث من لجنة الأخلاقيات في الجامعة، وقد تم طلب المشاركين عبر الإعلان على الانترنت بواسطة مؤسسات الصحة النفسية ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد أعلن أن البحث يحتاج إلى اَباء وأمهات أو مقدمي رعاية للأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة إلى المتوسطة في المرحلة العمرية من 10 إلى 17 عاماً، وذلك للإجابة على أسئلة عبر الانترنت حول كيف يفكر أو يشعر أطفالهم.
ثانياً – المقاييس:
استخدمت الدراسة عدة مقاييس مثل تقرير الوالدين حول قدرة الطفل في المشاركة في العلاج المعرفي السلوكي، حيث يقرأ الوالدان معلومات حول العلاج المعرفي السلوكي ثم يقومان بتقدير قدرة الطفل على التعبير عن مشاعره وأفكاره وشرح الأفعال والربط بين الأفكار والمشاعر والسلوك. وقد قام الاَباء والأمهات بالتقدير على مقياس ليكرت الخماسي لتحديد إلى أي مدى يمكنهم معرفة ما إذا كان طفلهم يشعر بالسعادة أو الحزن أو الغضب أو القلق أو التوتر.
كذلك استخدم الباحثون نسخة الوالدين من استبيان نمو الانفعالات، وهو يقيم الفهم الانفعالي والتحكم الانفعالي والسلوكي ونظرية العقل وحل المشكلات لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد مع الإعاقة الذهنية أو بدونها. ويحتوي الاستبيان على 29 بنداً تقدر على مقياس ليكرت الخماسي وتجمع الدرجات للحصول على الدرجة الكلية.
ثالثاً – الأسئلة المفتوحة:
تم تزويد المشاركين بمعلومات حول مكونات العلاج المعرفي السلوكي مع شرح إيضاحي عن طريق نموذج لحالة كمثال، كما أجابوا على أسئلة مفتوحة حول إمكانية مشاركة طفلهم في العلاج المعرفي السلوكي.
النتائج:
شارك في البحث 21 من الاَباء والأمهات ومقدمي الرعاية للأطفال في أستراليا، وتراوحت أعمار الأطفال بين 10 إلى 17 عاماً ممن لديهم إعاقة ذهنية بسيطة إلى متوسطة أو أداء عقلي في المستوى البيني، وحسب إفادة المشاركين فقد كان 23% من الأطفال ذوي إعاقة ذهنية بسيطة، و33% ذوي إعاقة ذهنية متوسطة، و10% على الحد الفاصل بين الإعاقة الذهنية المتوسطة والبسيطة، و5% من ذوي المستوى العقلي البيني، و29% من ذوي المستوى العقلي غير المحدد. وقد تواجدت تشخيصات عديدة مصاحبة من أهمها اضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والقلق والاكتئاب واضطراب المعارضة والتحدي واضطراب المعالجة السمعية والشلل الدماغي إضافة إلى تشخيصات أخرى.
أشار معظم المشاركين إلى أنهم غالباً أو بصورة شبه دائمة يمكنهم معرفة متى يشعر أطفالهم بالحزن (76%) والغضب (76%) والسعادة (72%). كما كان 48% من المشاركين قادرين غالباً أو بصورة شبه دائمة على معرفة متى يشعر أطفالهم بالقلق أو التوتر. وافق ثلث المشاركين على أن أطفالهم قادرون على وصف حالتهم الانفعالية بينما لم يوافق الثلث، وكان نسبة 24% غير محددين. وافق 14% على أن أطفالهم يمكنهم التعبير عن أفكارهم بينما لم يوافق 43% على ذلك، وكان الثلث غير محددين، 24%من المشاركين وافقوا على أن طفلهم يمكنه وصف أفعاله بينما لم يوافق على ذلك 33% وكان الثلث غير محددين. وافق 10% من المشاركين على أن أطفالهم يمكنهم ربط الأفكار والمشاعر والسلوكيات، وكان 19% غير محددين، كما كان أكثر من النصف (%62) غير موافقين. وبصورة إجمالية فقد وافق 76% من المشاركين أن بإمكان أطفالهم المشاركة في العلاج المعرفي السلوكي بمساعدة.
بعض النتائج الكيفية:
أشارت بعض النتائج عبر التحليل الكيفي إلى استعداد أولياء الأمور للعب دور المعالج خارج الجلسات العلاجية للمساعدة على تعميم استخدام الاستراتيجيات العلاجية، كما أشار أولياء الأمور إلى أهمية تواجد الخبرة بالأطفال ذوي الإعاقة الذهنية وبالعمل معهم لدى المعالج. وقد كانت بعض العوائق المتوقعة في صعوبة التعبير عن الأفكار والانفعالات، كما تساءل أولياء الأمور حول مدى تعقيد العلاج المعرفي السلوكي وتعدد خطواته. كذلك كان الجمود في التفكير عقبة محتملة. وقد تواجدت عوائق عملية محتملة مثل القيود الخاصة بالوقت والتكاليف والبعد الجغرافي وصعوبة الوصول إلى معالج يعمل مع الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية.
وفيما يلي بعض التعديلات التي اقترح أولياء الأمور إدخالها على العلاج المعرفي السلوكي لتناسب أطفالهم:
المناقشة:
تشير النتائج إلى أن الاَباء والأمهات يعتقدون بإمكانية استفادة أطفالهم من العلاج المعرفي السلوكي مع توفير المساعدة، وشريطة إدخال التعديلات على العلاج بما يتوافق مع احتياجات أطفالهم ومعالجة المعوقات. ومع أن أكثر من نصف المشاركين لا يعتقدون أن طفلهم بإمكانه الربط بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات إلا أن ثلاثة أرباع المشاركين وافقوا على أن بإمكان طفلهم المشاركة في العلاج المعرفي السلوكي بمساعدة. ويعد ذلك أمراً واعداً، فبينما يذكر الاَباء والأمهات أن الطفل قد لا يمتلك هذه المهارات حالياً، إلا أن بإمكانه تعلمها. كذلك أشار الاَباء والأمهات إلى رغبتهم في القيام بدور إيجابي في العلاج، وهو امر بالغ الفائدة في نتائج العلاج المعرفي السلوكي.
ومن أوجه المحدودية في نتائج هذه الدراسة أن المشاركين الذين استجابوا لها قد يكونون أكثر انفتاحاً على العلاج وهو ما يشكل احتمالية تواجد عينة متحيزة. كذلك كان عدد أفراد العينة صغيراً، كما أعطى بعض المشاركين استجابات موجزة. ونظراً لطبيعة الاستبيانات عبر الانترنت فلم تكن هناك إمكانية لأسئلة إضافية، كما أن الاختبارات الرسمية للأداء الوظيفي العقلي والتكيفي لم تستخدم لتأكيد التشخيص.
ومع ذلك تشير النتائج إلى أن إمكانات واعدة في استخدام العلاج المعرفي السلوكي مع الأطفال والمراهقين ذوي الإعاقة الذهنية واضطرابات الصحة النفسية. وللنتائج تطبيقات هامة في الممارسة العملية ويمكنها المساهمة في تطوير واستكشاف برامج العلاج المعرفي السلوكي المعدلة للأطفال ذوي الإعاقة الذهنية وعلى البحوث المستقبلية أن تركز على الدراسات التجريبية التي تستكشف إمكانية قيام الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية بالربط بين الأفكار والانفعالات والسلوكيات، وعلى التجارب البحثية التي تقيم فاعلية العلاج المعرفي السلوكي للأطفال ذوي الإعاقات الذهنية.
المصدر:
Hronis A, Roberts R, Kneebone L. (2020) .Potential for children with intellectual disability to engage in cognitive behavior therapy: the parent perspective.Journal of Intellectual Disability Research, 64(1), 62-67.
مدير ادارة الخدمات التعليمية و التأهيلية بمدينة الشارقة للخدمات الانسانية
عضو الفريق البحثي -عضو اللجنة العلمية للمؤتمر
متخرج في قسم علم النفس بجامعة عين شمس بالقاهرة
حاصل على ماجيستير علم النفس (مجال الاعاقة الذهنية) عام 2002 من نفس الجامعة .
تدرج في العديد من الوظائف في مجال الاعاقة كالتدريس و التقييم النفسي و الاشراف الفني و الادارة الفنية و تقديم الاستشارات في مؤسسات مختلفة خاصة و غير هادفة للربح .
لديه خبرة تزيد عن 25 عاما من العمل مع الاشخاص ذوي الاعاقة و أسرهم و مع فرق العمل في مؤسسات و هيئات متنوعة في كل من مصر و السعودية و الامارات.