انطلقت الحركة السينمائية في العالم العربي، مع أول عرض سينمائي في مصر بمدينة الإسكندرية سنة 1895، وبالتالي هو الوقت نفسه الذي انطلقت فيه الحركة السينمائية في العالم. أول فيلم مصري روائي انتجته (الشركة السينمائية الإيطالية – المصرية) سنة 1917، ومنذ ذلك الوقت بدأت حركة الإنتاج السينمائي في مصر واعتبرت القاهرة وقتها عاصمة السينما العربية.
ومرت السينما العربية في بداياتها بمحطات مختلفة، لمع خلالها عدد كبير من النجوم والنجمات والمخرجين وكتاب الأفلام، وتطرقت لموضوعات مختلفة كان معظمها مستنبطاً ومقتبساً عن القوالب التي طرحتها السينما العالمية، ومع اتساع حركة الإنتاج السينمائي برزت الحاجة إلى موضوعات جديدة لطرحها في الأفلام السينمائية، ولعل موضوع الإعاقة هو من المواضيع التي حاول الكثير عدم طرحها في ذاك الوقت لاعتبارات مختلفة، أهمها أنها تخالف تلك الصورة الرومانسية للبطل الوسيم أو البطلة الجميلة بالأوصاف الكاملة، وهي الصورة التي كان يسعى لها النجوم، ويرغب الجمهور في رؤيتها.
ويعتبر فيلم (ليلى في الظلام) والذي أنتج في العام 1944 أول فيلم عربي مصري تناول موضوع الإعاقة، من إخراج توجو مزراحي، ومن إنتاج شركة الأفلام المصرية، وبطولة المطربة المصرية الكبيرة ليلى مراد، والتي كانت نجمة السينما المصرية في ذاك الوقت، وهي أول نجمة حملت الأفلام اسمها بشكل مباشر، شاركها البطولة أنور وجدي وحسين صدقي، والذي كان معروفاً بأفلامه ذات الاتجاه الوعظي. وفي الحقيقة لا يوجد الكثير مما يقال حول فكرة الإعاقة في هذا الفيلم، ولكن أهميته تكمن في أنه اول الأفلام العربية التي تناولت شخصية من ذوي الإعاقة كبطل رئيسي.
تدور فكرة الفيلم حول قصة حب بين البطلة (ليلى مراد) وبطل الفيلم (حسين صدقي) منذ الطفولة، افترقا في طفولتهما نتيجة خلاف مالي حدث بين والديهما، والتقى الحبيبان فيما بعد بطريق الصدفة، وكانا السبب في إعادة الوفاق بين الأبوين الصديقين، ما أدى إلى خطبة الحبيبين، انتقل بعدها البطل للعمل في السودان، وأثناء سفر الخطيب فقدت البطلة بصرها نتيجة حادث سيارة، قررت البطلة على إثرها الابتعاد عن حبيبها دون أن تخبره بحقيقة الأمر، والظهور بمظهر الفتاة اللعوب حتى يبتعد عنها. وعندما تأتي لحظة المواجهة بين الحبيبين تنكشف حقيقة الأمر في آخر دقيقة بالفيلم وبمحض الصدفة، لينتهي الفيلم على قبول الحبيب لحبيبته رغم اعاقتها.
تأتي حكاية الفيلم ضمن إطار الأفلام العربية الرومانسية الكلاسيكية، بأداء الممثلين المسرحي والرومانسي، وبصوره النمطية لشخصيات الفيلم وطبيعتها، وتناول قضية الإعاقة لا يقل كلاسيكية عن الفيلم، إذ أن الفيلم يظهر تلك الصورة النمطية بالتعامل مع قضية الإعاقة، من خلال الأداء الدرامي والمبالغ فيه للبطلة وأفراد الأسرة عندما تبين فقدان بصر البطلة بعد الحادثة، ورغم ذلك لا نستطيع أن ننكر جزئية الصدمة عند الأسرة والشخص ذي الإعاقة في حالة حدوث الإعاقة نتيجة الحوادث، وقد لعبت الأم (أمينة رزق) صورة نمطية جداً بأداء درامي مسرحي مبالغ فيه للأم المكلومة بإعاقة ابنتها الجميلة الشابة، وتمنياتها ودعواتها بأن تفقد بصرها هي مقابل أن يعود (نور عين) ابنتها الوحيدة.
نأتي إلى دور الطب في الفيلم، وقد تسيّد تلك المشاهد طبيب العائلة (محمود المليجي)، بعد الحادثة قام الطبيب باكتشاف فقدان البطلة لبصرها، دون وجود أي خدش بسيط للبطلة، ومحاولة إخفاء الطبيب عن البطلة (المريضة)، وتوجيهاته للأسرة بإخفاء الأمر لفترة حتى تعتاد وتتأقلم على (حياة الظلام)، كما وصفها الطبيب، وهي ترتدي الرباط على عينيها، فتأتي صدمة فقدان بصرها أقل وطأة عليها. وفي هذا الجانب على الرغم من عدم منطقية المسألة طبياً وتأهيلياً، إلا أن الفيلم قد بين أهمية الجانب النفسي في إبلاغ الخبر، وضرورة الاهتمام بالاستعداد النفسي لتقبل واقع الإعاقة.
لعبت (ليلى مراد) دور الفتاة الكفيفة على أساس إخفاء إعاقتها دون أن يلحظ أحد هذا الأمر بالتعاون مع أفراد أسرتها وابن عمها الذي لعب دوره (أنور وجدي)، فرافقته للحفلات الساهرة حتى يعرف الجميع بأنها فتاة لعوب ومبصرة تهوى الحياة العصرية، وتفضل المال والمظاهر على حبها، بدعم من طبيبها الخاص، ورغم عدم منطقية هذه المسألة برمتها، إلا أنها حرصت على إظهار بعض التفاصيل التي تبين إعاقتها، وتبريرها السريع على لسان البطلة ومن يساعدها على إخفاء الأمر. وهذا الموقف الذي لعبته البطلة قدمه الفيلم على أساس أنه تضحية كبيرة منها بسمعتها، مقابل ألا يعرف أحد بحقيقة إعاقتها، والتي يتعامل معها الفيلم على أساس أنها حقيقة مرة.
أما البطل (حسين صدقي) وكعادته في أفلامه الوعظية، أراد أن يقدم صورة للشاب المثالي الملتزم بأخلاقه الحميدة والقيم المجتمعية، متجاوزاً كافة المظاهر الزائفة، ومخلصاً لأسرته ولحبيبته التي حاول أن يسعى لفهم حقيقة تغيرها، وعلى الرغم من سذاجة الموقف الذي اكتشف فيه البطل حقيقة الأمر بالدقيقة الأخيرة من الفيلم، إلا أنه سرعان ما وقف إلى جانب حبيبته، وتقبلها كما هي، بل وعزز تقبله لها بأن وصفها بأنها حبيبته وزوجته.
رغم كل الملاحظات الفنية والحقوقية على الفيلم، يحسب للفيلم أنه قد قدم للمرة الأولى على الشاشة الذهبية العربية شخصاً من ذوي الإعاقة، وقد وثقت الصورة النمطية التي حملها المجتمع في ذلك الوقت عن الأشخاص من ذوي الإعاقة، وكيف تعتبر الإعاقة حائلاً دون سعادة البشر.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”