بقلم: محمد النابلسي
مشروع أطلقه مركز الشارقة لصعوبات التعلم
ضمن جهود التوعية التي يقدمها مركز الشارقة لصعوبات التعلم، قدم مجموعة من قصص الأطفال التي تتناول التعريف بصعوبات التعلم، في خطوة توعوية وبناء الاتجاهات الحقوقية والإيجابية لدى الأطفال، والتعريف بالاختلاف القائم على تنوع القدرات التعلمية لدى الأطفال.
المجموعة الصادرة عن مركز الشارقة لصعوبات التعلم وبالتعاون مع دار (و) للنشر والخدمات التعليمية، وبدعم جزئي من مبادرة ألف عنوان وعنوان خلال العامين 2019 – 2020، تتكون من ستة قصص كتبتها ثلاث كاتبات يقمن في دولة الإمارات العربية المتحدة وهن الدكتورة ريم القرق، صباح ديبي، سحر نجا محفوظ. رسم الكتب مجموعة من الفنانين العرب المميزين سحر عبد الله، وليد طاهر، د. أميرة التابعي، وآية عبد الرحيم.
تناولت القصص مجموعة من مواضيع مختلفة تتعلق بصعوبات التعلم، خمس قصص منها شخصياتها كانت من الحيوانات المختلفة، بما يتناسب مع الفئة الأساسية التي تستهدفها هذه القصص وهي مرحلة الأطفال في المدرسة، وذلك بهدف التوعية بالاختلافات التعلمية بينهم وبين أقرانهم، وخلق بيئة دامجة لكافة الأطفال.
“حسبان وحركوش”
قدمت الكاتبة سحر نجا محفوظ، قصتين هما “مفاجأة حسبان” و “حركوش في موسم الحصاد”. سحر كاتبة لبنانية تعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، خريجة الجامعة الأمريكية في بيروت. كتبت لليافعين وللأطفال مجموعة واسعة من القصص. شاركت في الكثير من المعارض والمهرجانات الأدبية، كما شاركت في كتابة القصص الخاصة ببرنامج افتح يا سمسم بموسميه، وعضو في لجنة تحكيم العديد من مسابقات الكتابة الإبداعية. أسّست مجموعة “هنّ” للكاتبات والمبدعات في الإمارات منذ سنة 2013.
تتناول قصة “حركوش في موسم الحصاد” اضطراب التحكم في الحركة، وهي مجموعة من حالات الجهاز العصبي التي تسبب حركات متزايدة غير طبيعية والتي قد تكون حركات إرادية أو لاإرادية. يمكن أن تسبب اضطرابات الحركة أيضًا تقليل أو بطيء الحركات.
في هذه القصة قدمت الكاتبة صورة لاستخدام التقنيات المساندة البسيطة، والحلول العملية التي تساعد الشخص من ذوي اضطرابات التحكم في الحركة، على سبيل المثال يستخدم بطل القصة “القنفذ” حذاء بدون أربطة، وملقطاً احمراً لالتقاط الثمار. الأهم من ذلك بينت القنفذ منسجماً مع مجتمعه دون اظهاره بصورة البطل الخارق، وأن اتقانه لاستخدامه التقنيات المساندة لا يأتي من أول مرة، وإنما من خلال التدريب والدعم من المحيط كأسرة أو كأصدقاء.
في نهاية القصة قدمت رسالة واضحة ولكن ليست مثالية أو شعار طنان:
“أمي، دعيني أحاول، علميني وسأقوم بذلك وحدي” فالتركيز على فكرة المحاولة والتعلم المستمر، هي رسالة لتمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة من خلال تقديم التأهيل والتدريب المستمرين، وإيجاد الحلول العلمية مع تقدم الشخص في العمر، واختلاف ظروفه وتجاربه اليومية
أما قصة “مفاجأة حسبان” فهي تتناول “عسر الحساب” وهو اضطراب تعلم يشير إلى صعوبة في تعلم أو فهم الحسابات الرياضية والأرقام، وتستعرض هذه الحكاية إشكالية عُسر الحساب أكثر من تناول الحلول من خلال قصة السلطعون “حسبان” بزيارة مفاجئة لصديقه الاخطبوط “محظوظ”، وهو ما شكل لديه صعوبة كبيرة عند ارتباط عنوان الصديق بأرقام كثيرة “شارع الخطوط العريضة، المبنى المربع الكبير رقم 7، شقة 21”. ويعيش السلطعون “حسبان” مغامرة في الوصول إلى منزل صديقه، ولم ينجح في الوصول إليه إلا عندما فشلت المفاجأة لهذه المرة، وحصل على إرشادات صوتية للطريق من صديقه الاخطبوط.
في القصتين استخدمت سحر نجا محفوظ لغة بسيطة وسهلة، ووصف العوالم المحيطة لتلك الحيوانات، واستخدام سمات تلك الحيوانات وربطها بالشخصيات التي تتسم بصعوبات معينة، وهي مسألة تتسم بها معظم القصص الأخرى. تنجح الكاتبة في القصتين ببناء درامي متماسك للحكايتين.
الصورة ولذيذ
قدمت د. ريم القرق في هذا المشروع كتاب بعنوان “ابتسم للصورة” وكتاب آخر بعنوان “مطبخ لذيذ”. والدكتورة ريم القرق كاتبة إماراتية في أدب الطفل وأستاذة وباحثة أكاديمية. أصدرت العديد من كتب الأطفال، وشاركت في كتابة قصة “ناعمة النعامة” للإنتاج التليفزيوني الحديث ل “افتح يا سمسم”.
تتناول قصة “ابتسم للصورة” اضطراب الانتباه وفرط النشاط الزائد، وهو اضطراب يصيب ملايين الأطفال حول العالم، تأتي أعراض هذا الاضطراب على شكل مجموعة من المشكلات المستمرة، مثل صعوبة الحفاظ على الانتباه، وفرط النشاط، والسلوك الاندفاعي. وتدور القصة حول الطائر الطنان الذي خرج في رحلة مع بقية الطيور، وحين جاءت لحظة التقاط الصورة التذكارية للجميع، لم يكن الطيار الطنان ليهدأ للحصول على صورة “مثالية” حسب معايير بقية الطيور، واستعرضت القصة المشتتات المختلفة للطائر الطنان التي جعلته لم يستطع الوقوف بالشكل الذي طلبته الطيور، قد اقترحت البومة بأن يتحرك الطائر الطنان يتحرك بالطريقة التي تناسبه، وسيتم التقاط الصورة بناء على حركته، وهو ما يشير إلى أهمية تكييف الظروف بما يتناسب مع طبيعة الأشخاص من ذوي اضطراب الانتباه والنشاط الزائد.
والتقبل كانت السمة التي غلبت على قصة “مطبخ لذيذ” والتي تتناول عسر الكتابة، وهي من الأنواع الشائعة في صعوبات التعلم، وبطل القصة البومة “لذيذ” أراد أن يكتب لائحة الطعام الخاصة بمطعمه، ولكن الخط غير “المثالي” حسب المعايير المعتادة، جعل والد البومة “لذيذ” باعتبار هذا الخط باختلافاته خط جديد، وألا تشكل عائقاً في تأسيس مطعمه.
استطاعت ريم القرق بأسلوب كتابة سهل وبسيط، تكوين حكاية مترابطة تجعل من حل العقدة بشكل أساسي هو التقبل وهو عنصر أساسي في العمل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة بشكل عام، والأشخاص من ذوي صعوبات التعلم بشكل خاص.
“هوغو والكروان”
أما الكاتبة صباح ديبي شاركت بعملين “حروف هوغو” و “عندما غنّى الكروان”، والكاتبة صباح ديبي فلسطينية مقيمة في الإمارات، ودرست رياض الأطفال في جامعة دمشق، كتبت في عدة مجلات عربية للأطفال منها: مجلة العربي الصغير ومجلة ماجد، وكتبت في عدد من المواقع الإلكترونية المختصة بالأطفال: منها مجلة الحياة للأطفال، كما لها عدد من المجموعات القصصية، وحازت على جائزة “مهرجان الشارقة القرائي للأطفال 2014” عن قصص الأطفال فئة 3-5 سنوات لقصة “حيواناتي الغريبة”.
“حروف هوغو” والتي ركزت على صعوبة القراءة التي يصاب بها الأشخاص بدرجات متفاوتة على الرغم من الذكاء الطبيعي. قد تتضمن صعوبات في تهجئة الكلمات، أو القراءة بسرعة، أو في كتابة الكلمات، أو في “القراءة الصامتة” في الرأس، أو لفظ الكلمات عند القراءة بصوت عال وفهم ما يقرأه المرء. واستطاعت ديبي بخلق عالم جميل له طقوسه وفعالياته، التي يبلغ عنها بطل القصة “هوغو” لأهل القرية، ولكنه يبلغهم تفاصيل خاطئة بسبب قراءته الخاطئة للدعوة. العقدة البسيطة في هذه القصة تم حلقها من خلال نظارة ذات صفات معينة تساعده على تنظيم الحروف والكلمات فيقرأها.
أما حكاية “عندما غنى الكروان” تتحدث عن التشخيص الخاطئ الذي قد يتعرض له الشخص فيعيق عملية تقدمه، وفي قالب معتاد ومألوف تدور القصة حول كروان يحب الغناء ولديه صعوبات في النطق تتلخص بالتأتأة، لكن الجديد في هذه القصة هي فكرة التشخيص الخاطئ، فقد انتقل الكروان يبحث عن حلول مختلفة لدى أشخاص غير مختصين ويطبق نصائح غير منطقية، حتى استطاع أن يعرف التشخيص الصحيح من خلال طبيب، ومعرفته لضرورة اللجوء إلى أخصائي تخاطب.
في الكتب الستة قدمت الرسومات عالماً رشيقاً بألوان قليلة وخطوط رقيقة، عكس عالم الشخصيات، وارتباط الألوان بالبيئة الطبيعة المحيطة بالحيوانات وأحداث القصة، مما أضاف ثراء بصرياً لطل قصة، وأعطاها أبعاد جديدة.
هذه الحكايات الست تسهل فهم الاختلاف القائم بسبب صعوبات التعلم مع أقرانهم، وهي مسألة لا بد من الالتفات لها عند الكتابة للطفل، فتقبل الآخر واحترام الاختلاف من القيم الأساسية التي يجب ترسيخها لدى الفئة المستهدفة من الكتب، وهو أيضا يساعد الأشخاص من ذوي صعوبات التعلم على التأقلم مع المجتمعات المحيطة، وخصوصاً في المؤسسات التعليمية التي تمكنهم وتكسبهم المهارات اللازمة لاستقلالهم واحتوائهم.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”