إعداد د. جمال محمد سعيد الخطيب
لما كانت الأسرة هي الشيء الثابت في حياة الطفل فإن التدخل المبكر الفعال لن يتحقق دون تطوير علاقات تشاركية مع أولياء الأمور. ولكن مشاركة أولياء الأمور المؤثرة والايجابية في التخطيط للخدمات وفي اتخاذ القرارات بشأنها ليست عملية سهلة بل هي تتطلب قيام الاخصائيين بتعديل اتجاهاتهم وبإعادة النظر والتفكير بعلاقاتهم مع الأسر.
والسبب وراء ذلك هو أن الاخصائيين سواء منهم الذين يعملون في الحقول الطبية أو غيرها من الحقول لم يتعودوا العمل في ظروف يقومون فيها ببناء علاقات عمل تشاركية مع المستفيدين من الخدمات بل هم يعملون وفقاً لافتراض مفاده أنهم وحدهم الذين يمتلكون المعرفة ويعرفون الحقيقة وأنهم بالتالي القادرون على حل المشكلات واتخاد القرارات. وفي الحقيقة فإن استمرارية هذا النمط من أنماط التفكير يعني غياب أحد الضمانات الهامة للخدمات ذات النوعية الجيدة للأطفال وأسرهم.
كذلك فإن برامج التدريب قبل الخدمة التي تعمل على إعداد الكوادر في التخصصات ذات العلاقة بتقديم خدمات التدخل المبكر تركز تقليدياً على تزويد المتدربين بالمهارات اللازمة للعمل الفعال مع الأطفال. ولكن البرامج العلاجية التي تسعى لتلبية حاجات الطفل بمعزل عن أسرته لا تكفي ولن تعمل بفاعلية قصوى في كثير من الأحيان. فالفاعلية القصوى تتطلب تطوير علاقة عمل ايجابية بين الاختصاصيين وأولياء الأمور. والجهود الموجهة للعمل مع أولياء الأمور لا تقل أهمية من الناحية العلاجية عن الجهود المبذولة للعمل المباشر مع الأطفال. ولكن التركيز على الأسر في برامج التدخل المبكر ينطوي على تحديات غير تقليدية حيث أن مشكلات متنوعة قد تحدث عندما تختلف مواقف الاختصاصيين وأولياء الأمور أزاء أولويات الأهداف والخدمات.
وقد وثقت عشرات الدراسات الفروق بين الاختصاصيين وأولياء الأمور. ففي حين يؤكد أولياء الأمور أن الاختصاصيين غالباً ما يتجاهلون حاجات الأسرة، يعبر الاختصاصيون عن احباطهم بسبب عدم تعاون الأسرة وعدم اكتراثها ومشاركتها. وقد تفتقر بعض الأسر إلى الدافعية بسبب عدم القناعة بجدوى الخدمات التي يمكن تقديمها لطفلها المعوق. وهناك أسر قد لا تنقصها الدافعية ولكنها تفتقر إلى الوقت أو المهارة للمشاركة الفاعلة في خدمات التدخل المبكر. أما الاختصاصيون فقد لا يمتلكون المعرفة الكافية بالاحتياجات الحقيقية للأسرة، وقد تنقصهم الخبرة الكافية لاستثارة دافعية أولياء الأمور وتطوير قابلياتهم.
ويُقترح استخدام الصياغة التعاونية للأهداف وهي طريقة تعني ببساطة قيام الاختصاصيين وأولياء الأمور معاً بتحديد الأهداف والوسائل التي سيتم توظيفها لتحقيق تلك الأهداف. وذلك لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من شأن حكمة الاختصاصين وآرائهم. ولكنه يعني التعامل بمنتهى الجدية والاحترام مع أولياء الأمور كائنة ما كانت مواقفهم أو احباطاتهم لأن جهود الاختصاصي التي لا تتقبلها الأسرة ستبوء بالفشل. والعمل التعاوني مع أولياء الأمور لا يعني أبداً تخلي الاختصاصيين عن العمل المباشر مع الأطفال، بل هو يعني أن يتبنى الاختصاصيون وجهات نظر واسعة النطاق ومرنة حول أدوارهم فيما يتعلق بتقييم حاجات الأسر، وسبل مساعدة أفرادها في التفاعل البناء، وطرق تكييف البيئة المنزلية واستثمار مصادر الدعم المتوفرة.
ويؤكد أخصائيو التدخل المبكر أن العلاقات التشاركية بين الاختصاصيين وأولياء الأمور تعود بفوائد على الأطفال لثلاثة أسباب رئيسية وهي:
- إن العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة تبادلية. فكما أن للآباء أنماطهم الشخصية والتفاعلية الفريدة فالأبناء أيضاً لهم أنماط شخصية وتفاعلية فريدة. ومن خلال مساعدة الآباء على تعديل أساليبهم في رعاية الأبناء فإن الاختصاصيين يصبحون قادرين بشكل غير مباشر على تطوير وتعديل استجابات الأطفال.
- إن العلاقات التشاركية بين الاختصاصيين وأولياء الأمور ضرورية لترسيخ علاقات مرْضية وايجابية بالنسبة لكل من الآباء والأبناء. فباستطاعة الاختصاصيين بما يمتلكون من معرفة وما يتمتعون به من خبرات مساعدة الآباء على تفهم حاجات أبنائهم وتلبيتها. ومن شأن ذلك أن يعود بفوائد على كل من الآباء والأبناء.
إن أنماط التنشئة الوالدية الفعالة تهيئ الفرص للتفاعلات الايجابية بين الآباء والأبناء، فعندما يتعلم الآباء الطرق المناسبة لتلبية احتياجات أبنائهم، فإنه يصبح بمقدورهم تعديل أنماط تفاعلهم مع أبنائهم على نحو يقود إلى تحسين أدائهم.
أستاذ التربية الخاصة في قسم الإرشاد والتربية الخاصة، كلية العلوم التربوية/الجامعة الأردنية. حصل على البكالوريوس من الجامعة الأردنية (1976) ، والماجستير من جامعة ولاية متشيغان (1982)، والدكتوراه من جامعة ولاية اهايو (1982). عمل نائباً لعميد كلية الدراسات العليا، ورئيساً لقسم الارشاد والتربية الخاصة، ومستشاراً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مدينة الشارقة للخدمات الانسانية.
له أكثر من عشرين كتابا في التربية الخاصة وتعديل السلوك منها: المدخل إلى التربية الخاصة، وتعديل السلوك الإنساني، ومناهج وأساليب التدريس في التربية الخاصة، ومقدمة في الإعاقة العقلية، ومقدمة في تأهيل الأشخاص المعوقين، ومقدمة في الإعاقات الجسمية والصحية، واستراتيجيات تعليم الطلبة ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية، ومقدمة في التدخل المبكر. ونشر أكثر من خمسين بحثاً في مجلات عربية وأجنبية محكمة.
شارك في أكثر من 100 دورة تدريبية، ومؤتمر علمي، وندوة. وأشرف على أكثر من ستين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه في التربية الخاصة، وقام بتدريس أكثر من 40 مادة في التربية الخاصة على مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. وقدّم عدداً كبيراً من الاستشارات في التربية الخاصة على المستوى المحلي والعربي.
وشارك في عضوية العديد من اللجان والمجالس العلمية والمنظمات المحلية والدولية مثل: المجلس الأمريكي للأطفال ذوي الحاجات الخاصة، والأكاديمية الأمركية لاختصاصيي التربية الخاصة، ومجلس البحث العلمي في الجامعة الأردنية، والمجلس الوطني للأشخاص المعوقين، وهيئة تحرير مجلة دراسات، ومجلسي أمناء جامعة عمان الأهلية وجامعة الحسين بن طلال، ولجنة ترجمة الفكر العالمي في الجامعة الأردنية.
حصل على الجوائز العلمية التالية: جائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبان للعلوم الانسانية (1993)، وجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم (1994)، وجائزة جمعية الأطفال المعاقين للبحث العلمي في التربية الخاصة، السعودية، (1998)، وجائزة وزارة التعليم العالي للباحث المتميز في العلوم الإنسانية (2005)، وجائزة خليفة التربوية في مجال التعليم العالي على مستوى الوطن العربي (2010)، وجائزة جامعة فيلادلفيا لأفضل كتاب مؤلف (2010).