بقلم: د. روحي عبدات
في ظل جائحة كورونا، بات العمل من المنزل خياراً أساسيا عند الكثير من دوائر القطاعات الحكومية والخاصة في العالم، حيث يؤدي الموظفون أعمالهم اليومية من البيت بما يحقق أهداف المؤسسات ويضمن توفير خدماتها وبالتالي ديمومة العمل وانسيابيته. وعلى الرغم أن هذا الخيار لا يعتبر مجدياً لكثير من الأعمال والمهام الميدانية، إلا أنه حافظ على ديمومة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ورفد المجتمعات باحتياجاتها وخدماتها اليومية.
لقد كان العمل من المنزل أحد الخيارات المطروحة في تشغيل ذوي الإعاقة، وخاصة من ذوي الإعاقة الإعاقات الجسدية والشديدة، الذين يواجهون تحديات في استخدام وسائل المواصلات، أو الذين ينطوي على جلوسهم المستمر لساعات طويلة؛ مشكلات وآلام جسدية. ولقد عززت جائحة كورونا خيار العمل من المنزل، ليس لذوي الإعاقة فحسب؛ بل لجميع الموظفين، وبذلك عززت المساواة في المنافسة في أداء الأعمال الموكلة عن بعد، دون الحاجة للتنقل أو استخدام وسائل المواصلات، أو التواصل الجسدي، فكل ما على الموظف هو القيام بمهامه الموكلة وتسليمها في موعدها المحدد.
يعاني الكثير من ذوي الإعاقة من تبِعات العمل اليومي في بيئات العمل الفعلية، لما تنطوي عليه من تحيات ترتبط بعدم توفر الترتيبات التيسيرية المعقولة، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام المنافسة الفعلية على قدر المساواة مع الآخرين، من حيث انعدام تساوي الفرص بين الموظف من ذوي الإعاقة وغيره من الموظفين، فتكون هناك فرصة لتميز وانجاز بقية الموظفين على حساب ذوي الإعاقة، وظهور الموظفين من ذوي الإعاقة بمظهر الموظفين قليلي الانتاجية، وهو ما يرجع إلى قلة مصادر الدعم في البيئات المحيطة بالدرجة الأولى وليس للموظفين لقدرات ذوي الإعاقة أنفسهم.
لقد يسّر العمل من المنزل الكثير من العقبات على الموظفين ذوي الإعاقة، ووضعهم في نفس الخانة مع زملائهم، سواء كانت هذه العقبات في البيئة الفيزيائية، أو الاجتماعية،أو التواصلية أو حتى النفسية الإنفعالية. ففي بيئات العمل غير المهيأة من الناحية الفيزيائبة، يجد ذوي التحديات الحركية أنفسهم مقيدين في مكاتبهم، دون أن تتاح لهم نفس الفرص المتاحة لأقرانهم في الوصول إلى جميع مرافق المؤسسة بشكل مستقل وآمن، والاستفادة من جميع الخدمات المتوفرة، بدءاً من مرحلة الوصول إلى العمل ومدى توفر مواقف السيارات، أو وسائل المواصلات المهيأة، ومروراُ بالمداخل والأبواب والمقابض، والفراغات الداخلية التي تمنح الكراسي المتحركة القدرة على المناورة، والمساحات المتوفرة في المصاعد ومواصفاتها، والقدرة على الوصول للطوابق العليا، عدا عن المرافق الصحية، والقدرة على الوصول إلى قاعات التدريب والمسارح وغيرها من ماكنات الصراف الآلي والخدمة الذاتية.
كل هذه العقبات ومواجهتها بشكل يومي قد تشكل مزيجاً من الاحباط والشعور بالتمييز على أساس الإعاقة، نتيجة لعدم القدرة استخدامها على قدم المساواة مع الموظفين الآخرين، وبالتالي التأثير على الانتاجية، وهو الأمر غير الموجود في نظام العمل من المنزل.
لو أمعنّا النظر في الروتين اليومي لعمل ذوي الإعاقة، لوجدنا بأن الكثيرون منهم قدر حرموا من حضور الاجتماعات والدورات التدريبية والأنشطة والمناسبات التي من حقهم المشاركة فيها، وذلك بسبب ظروف مادية ليس لهم علاقة بها، كأن يكون مكان الاجتماع في الطابق العلوي في ظل عدم توفر المصعد، أو عدم توفر مترجم لغة الإشارة للموظف الأصم، أو عدم توفر الوثائق والمعلومات بصيغ ميسرة للموظفين من ذوي الإعاقة البصرية بشكل يمكنهم من الاطلاع عليها. كل هذه المعيقات وغيرها أصبحت غير موجودة في ظل العمل عن بعد، وبالتالي تحقيق عنصر المساواة في الفرص المتاحة للموظف من ذوي الإعاقة مع بقية زملائه الموظفين.
فأصبح من السهولة على الموظفين من ذوي الإعاقة الحركية حضور الاجتماعات والدورات التدريبية وغيرها من الأنشطة المؤسسية بغض النظر عن أماكن انعقادها، دون أن يكون هناك حُجة عدم توفر المصاعد أو دورات المياه، أو ضيق الممرات الداخلية. وأصبح بإمكان الأشخاص الصم العثور على مترجم لغة إشارة عن بعد، لمعرفة مضمون هذه الاجتماعات. وكذلك الأمر فإن العمل عن بُعد هو صديق للبيئة، كونه يعتمد على المستندات والوثائق الإلكترونية دون الحاجة لطباعة الأوراق، وهو ما يعتبر أيضاً صديقاً لذوي الإعاقات البصرية وصعوبات التعلم الذين أصبح بإمكانهم الاستماع بسهولة للمحتوى المعلوماتي عبر البرامج التقنية الحديثة، دون الحاجة لقراءته.
إن شعور ذوي الإعاقة بالمساواة في نظام العمل من المنزل مع أقرانهم من غير ذوي الإعاقة يمنحهم الفرصة لإثبات الذات والنجاح في العمل، ويُضفي نوعاً من العدالة على بيئة العمل. فالتحديات والخبرات السلبية اليومية التي يمر بها الموظفون ذوي الإعاقة نتيجة عدم توفير البيئات المكانية الملائمة، لا يقل تأثيرها عن غيرها من العوامل التي تسبب ضغط العمل والتسرب الوظيفي وعدم الرضا المؤسسي. لذلك فكلما كانت خيارات العمل متنوعة أمام ذوي الإعاقة، كلما كانت لديهم الفرص للاحتفاظ بالمهن والنمو والتطور فيها وزيادة الانتاجية، وهو الأمر الذي يحدث عند إزالة العقبات أمام الموظفين من ذوي الإعاقة، وجعلها صديقة لهم.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011