إعداد: محمد فوزي يوسف
فوائد ربط الأطفال بالطبيعة: لماذا تفضل بيئات التعلم في الهواء الطلق؟
لفترة طويلة كنا نعتقد أن الأطفال الصغار ذوي الإعاقة يتعلمون بشكل أفضل في نظام الجلسات المباشرة “واحد إلى واحد” مع المتخصصين. وكان العلاج الفردي في أماكن متخصصة أو برامج خاصة للأطفال من ذوي الإعاقة هو المعيار “الذهبي”. يعمل المعالجون والمعلمون بجد من حيث تعليم الخطوات النمائية بالتسلسل، والعمل على مجموعات من المهارات النمائية، وتحليل المهام أو المهارات. ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة حول التعليم المبكر إلى أن الأطفال الصغار لا يتعلمون “بشكل أفضل” مع الخبراء في البرامج الخاصة أو البيئات المعزولة ولكن يتعلمون بشكل أفضل من خلال الأنشطة المألوفة والمحببة لهم ومع الأشخاص البالغين المألوفين في حياتهم.
لقد بات التوجه المعاصر في تربية الأطفال إلى تفضيل استخدام بيئات التعلم في الهواء الطلق والتي من شأنها تحفيز التنويع بخبرات اللعب لدى الأطفال والمساهمة في نموهم الصحي والاجتماعي والنمائي بشكل عام، وأفضل الممارسات من فرص التعلم الفطرية تتضمن وجود الأشجار، والزهور والأعشاب كذلك الفواكه والخضروات الصالحة للأكل وذلك لضمان ربط الأطفال بالطبيعة وتنويع تجربتهم واغنائها بالهواء الطلق.
لماذا التركيز على بيئات التعلم في الهواء الطلق – فرص تعلم فطرية في رعاية الأطفال؟
في أيامنا هذه الأطفال والأسر غالباً ما تكون فرص تواصلهم مع الطبيعة محدودة، وقد دعا ريتشارد لوف في كتاباته هذه الظاهرة باضطراب نقص الطبيعة’، والطفل الأخير في الغابة، وفتح عيوننا على أثار الطبيعة في نمو أطفالنا.
وقد وثّق لوف كيف تغيرت الحياة الأسرية الحديثة بشكل كبير في العقود الأخيرة. حيث يقضي الأطفال وقتاً أطول في مشاهدة التلفزيون ولعب ألعاب الفيديو على أجهزة الكمبيوتر أكثر مما يقضونه في الخارج. كذلك أصبحت الأُسر تتناول المزيد من الأطعمة المصنعة وعالية السعرات الحرارية بسبب جداولها المزدحمة مما يجعل جلوس الأُسرة جميعها معاً على وجبة طعام حدثٌ نادر.
وقد أدت هذه التغيرات إلى وباء السمنة في مرحلة الطفولة، والذي يشكل تهديدات صحية خطيرة للأطفال بما في ذلك أمراض القلب والسكري وتوقف التنفس أثناء النوم والمشاكل الاجتماعية والنفسية. فمثلاً اليوم في ولاية كارولينا الشمالية، يعتبر أكثر من ثلث الأطفال الصغار يعانون من زيادة الوزن والسمنة، وفي العقد الماضي، تم توثيق فوائد الربط بالطبيعة بشكل جيد في العديد من الدراسات والمنشورات البحثية العلمية وبشكل جماعي،
وتُظهر هذه المجموعة من الأبحاث أن صحة الأطفال الاجتماعية والنفسية والأكاديمية والبدنية تتأثر بشكل إيجابي عندما يكون لديهم اتصال يومي مع الطبيعة مما يوفر فرصاً من التعلم الفطري والذي يعتمد على اهتمامات وميول ورغبات وأهداف المتعلم والذي قد يشار إليه أحياناً بالتعلم الموجه ذاتياً أو التعلم الاستكشافي.
وتشمل الآثار اللاحقة على الأطفال بناءً على الأبحاث والدراسات المتعددة ما يلي:
- يدعم تطور الأطفال في مجالات النمو المختلفة ذهنياً، عاطفياً واجتماعياً، وروحياً وجسدياً
- دعم الإبداع وحل المشكلات: حيث أن الدراسات التي أجريت على الأطفال في ساحات المدارس دلت على أن الأطفال ينخرطون في أشكال أكثر إبداعاً من اللعب في المناطق الخضراء ويكونون أكثر تعاوناً، ووجد أن اللعب في المناطق الطبيعية يحفز الابداع والابتكار وتطوير القدرات الذهنية.
- يعزز القدرات المعرفية: إن القرب من الأماكن الطبيعية، والتعرض اليومي لها، يزيد من قدرة الأطفال على التركيز وتحسن القدرات المعرفية ويعززها.
- تحسين الأداء الأكاديمي: تظهر الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أن المدارس التي تستخدم الصفوف الدراسية في الهواء الطلق وغيرها من أشكال التعليم التجريبي القائم على فرص التعلم الفطرية تدعم مكاسب كبيرة للطلاب في الدراسات الاجتماعية والعلوم وفنون اللغة والرياضيات.
- يقلل إلى حد كبير من أعراض اضطراب نقص الانتباه والتشتت لدى الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات.
- زيادة النشاط البدني، حيث أن الأطفال الذين يتعلمون في البيئات الطبيعية المتنوعة هم أكثر نشاطاً من الناحية البدنية، وأكثر وعياً بالتغذية، وأكثر مدنية لبعضهم البعض وأكثر إبداعاً.
- يحسن التغذية: فالأطفال الذين يزرعون طعامهم هم أكثر عرضة لتناول الفواكه والخضروات وإظهار مستويات أعلى من المعرفة بشأن التغذية الجيدة كما أنهم أكثر عرضة للاستمرار في عادات الأكل الصحية والسليمة طوال حياتهم.
- يحسن البصر: يرتبط زيادة الوقت الذي يقضيه الأطفال والمراهقين في الهواء الطلق بانخفاض معدلات قصر النظر وذلك بناءً على تقارير الأكاديمية الأمريكية لطب العيون.
- تحسين العلاقات الاجتماعية: يكون الأطفال أكثر ذكاءً، وأكثر قدرة على البقاء إلى جانب الآخرين، وأكثر صحة وسعادة عندما تتاح لهم فرص منتظمة للعب الحر غير المنظم في الخارج.
- يحسن الانضباط الذاتي: فالوصول إلى المساحات الخضراء، بل وحتى رؤية البيئات الخضراء، يعزز السلام، والتحكم بالذات، والانضباط الذاتي للشباب وخصوصاً الفتيات.
- يقلل من التوتر: إن النباتات الخضراء وامتداداتها يحد من التوتر بين الأطفال، وتظهر المواقع التي بها عدد أكبر من النباتات، والمناظر الخضراء، أو لها سهولة الوصول إلى مناطق اللعب الطبيعية نتائج أكثر أهمية وايجابية في تخفيف توتر الاطفال.
الأطفال بحاجة الى “الفيتامين الأخضر”
“البيئات الخضراء هي عنصر أساسي للعادات الصحية للبشر” وفقاً لفرانس مينغ كو، وهو باحث يوثق الصلة الإيجابية بين الطبيعة وصحة الإنسان، والأداء الاجتماعي، وتظهر دراسات مينغ البحثية أن البشر يستفيدون من التعرض للبيئات الخضراء (الحدائق والغابات والحدائق، وما إلى ذلك) وعلى العكس من ذلك، فإن الأشخاص الذين لديهم إمكانية أقل للوصول إلى الأماكن الخضراء يبلغون عن أعراض طبية وصحية أكثر سوءًا بشكل عام. ويستخدم مينغ كو عبارة “الفيتامين الأخضر” لإظهار دور الطبيعة كعنصر ضروري لحياة صحية ملائمة. وتشير الأدلة إلى أن هناك حاجة إلى الاتصال بالطبيعة والبيئات الخضراء، بجرعات متكررة ومنتظمة مثل الحاجة إلى الفيتامينات.
تحفيز استخدام بيئات التعلم في الهواء الطلق في رعاية الأطفال
نسبة كبيرة من الأطفال يمضون أوقاتاً طويلة في دور رعاية الأطفال، وغالباً ما تكون من ثمان إلى عشر ساعات يومياً، مما قد يجعل تخضير البيئة عن طريق إضافة عناصر طبيعية أمر حيوي لصحتهم العامة وأدائهم. بيئات التعلم في الهواء الطلق يعني التفاعل والتمتع بالأشجار والنباتات الصالحة للأكل للأطفال، تسمح مراكز الرعاية ذات البيئات الخارجية للأطفال بالوصول الآمن إلى الأماكن الخضراء والمشاركة وتشجيع الأطفال على تجربة الطبيعة بطرق أكثر تكراراً.
إن البحوث الداعمة للتعلم المبكر وتوفير فرص التعلم الفطرية في الطبيعة متوفرة بكثرة مما يعني أهمية توفير الخدمات للأطفال في البيئات الطبيعية الشاملة للجميع مع استثمار مثالي لفرص التعلم في الأنشطة الروتينية اليومية التي يشارك فيها الأطفال والأُسر بشكل فاعل سواء في البيت أو في مرحلة ما قبل المدرسة، وتبني مفهوم أن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل عندما يفعلون ما يحتاجون إليه ويريدون القيام به، ويتم تحديد أفضل المهارات التي يحتاجها الأطفال من خلال تحليل المهارات والمهام اللازمة في الأنشطة اليومية والروتينية ضمن سياق الحياة اليومية للطفل وأُسرته.
إذا أردنا تحقيق أقصى قدر من التعلم ضمن الأنشطة الطبيعية، يجب أن تؤثر الخدمات التي نقدمها بشكل مباشر على الإجراءات الروتينية والأنشطة التي يشارك فيها الطفل كل يوم. وبما أننا لا نستطيع أن نكون مع الطفل كل يوم، فإن هذا يعني تحويل اهتمامنا من الأطفال وحدهم أثناء الزيارات إلى الاهتمام المشترك بالأطفال والبالغين في حياة الأطفال. إن جوهر التدخل المبكر هو قدرتنا على تزويد الأطفال الصغار ذوي الإعاقة وأُسرهم الدعم اللازم وزيادة كفاءتهم للمشاركة في روتينهم اليومي وأنشطتهم.
المبادئ الرئيسية التي يجب مراعاتها
1. يتعلم الأطفال أفضل عندما يعملون مع الناس والأشياء المألوفة لهم.
خدمات التدخل المبكرتعني دعم الأطفال على المشاركة الكاملة والاستقلال في الأنشطة التي يحتاجونها ويريدون القيام بها، وتوفر الحياة اليومية للأطفال فرصاً عديدة لتنمية المهارات وممارستها وتعميمها عبر مجموعة متنوعة من الأوضاع البيئية والأنشطة.
2. تقديم الخدمات لا يقتصر على الموقع أو المكان: ان كلمة طبيعة تعني المهارات والانشطة الروتينية اليومية، ليس من الطبيعي مطالبة مقدمي الرعاية بتكرار الأنشطة غير النصية أو مطالبة الأُسر بتخصيص أوقات معينة في اليوم للعمل على مهارات محددة لأن الأطفال ذوو التأخر/الإعاقة يستفيدون من الاهتمام الخاص بفرص التعلم الروتينية التي تحدث خلال الحياة اليومية.
3. الأدلة على مهارات جديدة في الأنشطة اليومية هو أنسب مقياس لفعّالية التدخل المبكر، الأطفال يمارسون المهارات كل يوم في إطار فرص التعلم التي تحدث بشكل طبيعي. وإذا ما كان لممارستهم أن تكون فعّالة أمراً مهماً فعلينا أن نجد سبلاً لدعم البالغين في حياة الأطفال الصغار للتأثير إيجابياً على فرص التعلم هذه.
المرجع :
- www.naturalearning.org
- NDE/NDHHS: The EI/ECSE Practitioner’s Guide June 2013
- الشارقة، الإمارات العربية المتحدة
- هاتف : 00971 6 5535364 Fax: 00971 6 5665665
- هاتف متحرك : 00971 50 9763650
- البريد الإلكتروني : [email protected]
- تويتر : @mohammadfawzi
- صفحة الفيس بوك : facebook.com/pages/Mohammad-Fawzi-Yousef/132496393462718
- حساب الفيس بوك : Mohammad Fawzi Yousef
- انستغرام: mohammadfawzi1
- أنهى دراسة العلاج الطبيعي عام 1992 في الأردن وكان الأول على مستوى المملكة في مجال التخصص في ذاك العام، عمل بعدها مع الأطفال من ذوي الإعاقة ، ثم التحق بفريق عمل مركز التدخل المبكر بالشارقة كمتخصص في العلاج الطبيعي في العام 1994 ثم تسلم مسؤولية قسم العلاج الطبيعي والوظيفي التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنة 1999 ثم مديراً لإدارة لعلاج الطبيعي والوظيفي في العام2008 أما في العام 2010 فإلى جانب مهامه في العلاج الطبيعي استلم مديراً ادارياً بالإنابة لمركز التدخل المبكر وحالياً هو مدير مركز التدخل المبكر الشارقة التابع للمدينة منذ عام 2014.
- أكمل مشواره التعليمي بحصوله على شهادة متخصصة في مجال التدخل المبكر من جامعة جورج تاون في واشنطن – الولايات المتحدة ودبلوم مهني في التربية الخاصة في العام 2015.
- التحق بعدد كبير من الدورات وورش العمل المتخصصة في مجال العلاج الطبيعي للأطفال والطرق العلاجية ومجالات التعامل مع الآخرين والادارة والبرمجة العصبية اللغوية والتدخل المبكر والتربية.
- عضو في عدد من الجمعيات المتخصصة في الأردن والإمارات، ومجموعات الدعم للمعاقين مثل جمعية الامارات لمتلازمة داون وجمعية الإمارات الطبية، جمعية العلاج الطبيعي الأردنية والجمعية العالمية للتدخل المبكر، مجلس الأطفال الاستثنائيين.
- له عدة كتابات متخصصة ونشرات تثقيفية منها ما نشر في مجلة المنال ومجلة عالمي ومجلة الصحة والطب ومجلة منار الاسلام وله كذلك عدة مؤلفات منشورة في مجال التخصص:
- كتاب متلازمة داون: حقائق وإرشاد
- كتيب أهمية العلاج الطبيعي في مجال التربية الخاصة
- كتاب متلازمة الشلل الدماغي
- سلسلة الإرشادات المنزلية لتنمية المهارات الحركية / وهي سلسلة مصورة مكونة من 5 أجزاء.
- حاصل على عدة جوائز محلية ودولية (جائزة الموظف المتميز للعام 2007 في حكومة الشارقة وجائزة أحسن كتاب مؤلف للعام 2008 من جامعة فيلادلفيا الاردن عن كتاب متلازمة الشلل الدماغي وحاصل على جائزة الاميرة هيا للتربية الخاصة / أخصائي العلاج الطبيعي المتميز 2010، وحصل على جائزة مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الانسانية 2010).