إعداد : وائل أحمد علام
نشر هذا البحث في مجلة سياسات وممارسات في الإعاقات الذهنية كما نشر على موقع المجلة في شهر مارس 2021 قبل أن يتم تضمينه في عدد جديد من المجلة وهو يتناول موضوعاً حديث الطرح ولافتاً للنظر عبر منظور مختلف للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية.
كثيرٌ من الأطفال والبالغين ذوي الإعاقة الذهنية يحصلون على الدعم من أعضاء الأسرة بصورة مستمرة خلال عيشهم في منزل العائلة، ونتيجة لعملية التقدم في العمر فإن بعض أعضاء الأسرة قد يواجهون تحدياً في الاستمرار بتقديم الرعاية بسبب المشكلات الصحية الجسدية أو النفسية.
يسبب ذلك تحولاً في طبيعة العلاقة بالنسبة لبعض الراشدين ذوي الإعاقة الذهنية حيث يتطور دورهم الاعتمادي السابق إلى دور اَخر قائم على تقديم الرعاية وهو ما أصبح يسمى بالدعم المتبادل Mutual Support.
تتوفر معلومات محدودة عن ذلك النمط من مقدمي الرعاية المختفين! وعن الخدمات المتاحة لتقديم الدعم لهم. وقد يقوم هؤلاء الراشدون من ذوي الإعاقة الذهنية برعاية أحد الوالدين أو كليهما أو أحد الأخوة الأكبر سناً أو عضو اَخر في العائلة.
إن الاعتماد المتبادل داخل هذه الأسر حيث يتبنى الشخص ذو الإعاقة الذهنية دور تقديم الرعاية هو أمر شائع وثمة وعي متزايد بأهمية علاقات الرعاية المتبادلة واحتياجات الأشخاص الأكبر ذوي الاعاقات الذهنية من خلال السياسات.
ويتراوح مدى الرعاية المقدمة بين المساعدة في الرعاية الذاتية وإعطاء الأدوية والطبخ والتنظيف إلى المساعدة في التسوق والمرافقة عند الخروج من المنزل وفي كثير من الحالات فإن كلاً من الشخص ذي الإعاقة الذهنية وعضو الأسرة المسن يكون غير قادر على العيش باستقلالية في المجتمع المحلي دون هذه العلاقة من الرعاية المتبادلة.
ويقدر عدد الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في المملكة المتحدة الذين يعيشون مع أعضاء في الأسرة تبلغ أعمارهم 70 عاماً أو أكثر بـ 29 ألف شخص، وفي الولايات المتحدة تشير التقديرات إلى أن ثلاثة أرباع الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية يعيشون مع أعضاء مسنين في الأسرة تبلغ أعمار 25% منهم 60 عاماً أو أكثر.
هدف البحث :
يهدف البحث إلى استكشاف الخبرات الحياتية لتسعة من الراشدين ذوي الإعاقة الذهنية الذين يقومون بتقديم الدعم المعنوي والمادي لأحد أعضاء الأسرة المسنين.
المنهج :
اتبع البحث تصميماً كيفياً حيت تم استخدام التحليل الموضوعي في تحليل المقابلات نصف المخططة مع تسعة من الراشدين ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة إلى المتوسطة وذلك لاستكشاف خبراتهم في علاقة الرعاية المتبادلة مع أحد أعضاء الأسرة المسنين، وقد أجريت الدراسة في إيرلندا الشمالية.
المشاركون :
(9) من الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة إلى المتوسطة، ثمانية منهم (6 إناث وذكرين) كانوا يقدمون الرعاية لأحد الوالدين أو كليهما، وكان أحد المشاركين يقدم الرعاية لأخيه الأكبر وقد كان المدى العمري لهم يتراوح بين الـ 41 والـ 54 عاماً.
وكانت بعض خصائص المشاركين تتضمن عمراً يبلغ 40 عاماً أو أكثر والعيش مع أحد أعضاء الأسرة المسنين يبلغ 60 عاماً أو أكثر، ولديهم قدرات لفظية مع إعطاء الموافقات اللازمة المبنية على المعلومات.
والدراسة هي مرحلة من ثلاث مراحل لاستكشاف احتياجات مقدمي الرعاية المسنين للأشخاص الأكبر ذوي الإعاقة الذهنية وقد تم تحديد المشاركين بواسطة مقدمي الرعاية على أنهم يقومون بالرعاية المتبادلة خلال مقابلات معمقة في المرحلة الأولى من الدراسة الكلية.
استغرقت كل مقابلة بين 60 إلى 90 دقيقة واستخدمت مواد معدة بطريقة القراءة المبسطة easy read مع تسجيل المقابلات صوتياً و تفريغها.
وشملت الإجراءات بسبب الطبيعة الانفعالية لموضوع الدراسة جلسة إعداد تتضمن التعارف مع كل فرد من المشاركين والفرد المحدد من أعضاء أسرته، وذلك لبناء العلاقة وإبلاغ الفرد بطبيعة وهدف المشروع وتحديد رغبته بالمشاركة في المقابلات والحصول على موافقة كتابية وقد أعطي المشاركون أسبوعاً واحداً لتحديد رغبتهم في المشاركة أو عدمها، تم الحصول على الموافقة الأخلاقية من لجنة أخلاقيات البحوث في إيرلندا الشمالية
النتائج
من خلال تحليل المقابلات برزت خمسة مواضيع أساسية:
- الانتقال الطبيعي إلى تقديم الرعاية:
وجه إلى المشاركين طلب للتحدث عن خبراتهم المتعلقة بالظروف التي قادت إلى قيامهم بدور الرعاية، وكانت الفكرة الأساسية التي برزت هي التحول الطبيعي إلى دور الرعاية سواءً كان ذلك تدريجياً بتغير الحالة الصحية لعضو الأسرة متلقي الرعاية أو بسبب حادث ما.
كما أشار المشاركون إلى أن رأيهم لم يؤخذ في موضوع التحول إلى تقديم الرعاية ولكن ذلك نشأ عن تغير الظروف مع مرور الوقت وبالنسبة لإحدى المشاركات كمثال فقد تولت دور الرعاية لوالديها، ومع وفاة الأب وعدم وجود إخوة اَخرين يعيشون في نفس المنزل، أخذت دور مقدم الرعاية الرئيسي للأم.
- الاحتياجات الصحية لعضو الأسرة المسن:
تواجدت مجموعة متنوعة من المشكلات الصحية الجسدية لدى فرد الأسرة متلقي الرعاية وشملت أمراضاً مزمنة بعيدة المدى أو مشكلات في الحركة ومن المشكلات الصحية التي تمت الإشارة إليها التهاب المفاصل وهشاشة العظام وأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري والربو وأمراض أخرى، وبعض هذه الأمراض مثل التهاب المفاصل قد يؤدي إلى مشكلات في الحركة.
وكان من ضمن المشاركين شخصان يقومان برعاية قريب يستخدم كرسياً متحركاً، وشخص يقوم برعاية أحد الوالدين من ذوي مشكلات الصحة النفسية، وعندما طلب من المشاركين تحديد مهام الرعاية التي يقدمونها بصورة يومية ذكروا بعض النماذجِ التي ترتبط بمهام الحياة اليومية إلى حد كبير مثل إعداد الوجبات وتنظيف المنزل وذكر كل المشاركين أن عضو الأسرة متلقي الرعاية يتناول وصفات طبية وكان نصف متلقي الرعاية قادرين على تناول الأدوية بمفردهم، بينما يحتاج النصف الاَخر إلى مساعدة في ذلك.
إحدى المشاركات ذكرت كيفية مساعدتها لوالدتها في تنول الأدوية وتقديم الأوكسجين لعلاج صعوبات التنفس.
- الدعم :
وُجّه للمشاركين سؤال حول العوامل التي مكّنتهم من تقديم الرعاية لفرد الأسرة المسن في المنزل، وقد ذكروا أنواعاً من الدعم تشمل الدعم الرسمي، والدعم الأسري وفترات الاستراحة المؤقتة.
الدعم الرسمي: كان معظم أعضاء الأسرة من متلقي الرعاية يحصلون على دعم رسمي مدفوع الأجر للمساعدة في أنشطة الرعاية الشخصية في المنزل.
إحدى المشاركات ( 49 عاماً ) كانت تقدم الرعاية لوالديها (75 ، 76، عاماً ) وذكرت أنها تساعد والدتها في ارتداء ملابسها، أما والدها فيتلقى رعاية شخصية من مقدم رعاية مدفوع الأجر.
الدعم الأسري: رغم أن معظم المشاركين ذكروا أنهم يتلقون دعماً من أعضاء اَخرين في العائلة لأداء دورهم في تقديم الرعاية، إلا أن ذلك الدعم متقطع وغير منتظم، وأشارت إحدى المشاركات إلى تلقيها دعماً من العديد من أفراد العائلة، إلا أنهم يأتون في وقت فراغهم وليسوا متواجدين طول الوقت وأنها تكره الليل بسبب ذلك.
فترات الاستراحة أو الإقامة المؤقتة Respite : كان هناك إجماع بين كل المشاركين على احتياجهم وتقديرهم للحصول على فترات للراحة بأيّ صيغة كانت ، حيث وفرت لهم متنفساً من أدوارهم في تقديم الرعاية.
بعض المشاركين أمضوا فترات لعدة مرات أسبوعياً في مراكز نهارية، وإحدى المشاركات ذكرت حصولها على الراحة عبر ذهابها أحياناً إلى أحد بيوت الإقامة الداخلية والخروج مع إحدى العاملات في الخدمات المجتمعية لتقديم الرعاية أو الإقامة المؤقتة، حيث تأخذها للتسوق أحياناً كما أشارت إلى أن والدتها قادرة على رعاية نفسها عندما تكون خارج المنزل، إلا أنها ما تزال تشعر بالقلق عليها رغم ذلك.
- تأثير تقديم الرعاية:
أكد العديد من المشاركين أن تقديم الرعاية لعضو الأسرة المسن قد أثر على رفاهيتهم وراحتهم النفسية والجسدية، وكان واضحاً أن ذلك سبب لهم الإحباط والاكتئاب والقلق في كثير من الأحيان.
إحدى المشاركات ذكرت أن رعايتها لوالدتها سببت لها الإحباط حيث لا يمكنها على الدوام القيام بالأشياء التي تحبها.
أحد المشاركين وصف ما يمر به من إحباط خلال محاولاته إعطاء الأدوية لوالدته حيث ترفض ذلك أحياناً.
كذلك كان الشعور بالقلق متواجداً لدى كل المشاركين حول رفاهية وراحة أعضاء الأسرة متلقي الرعاية خاصة إن كان لديهم مرض شديد، وكان الحرمان من النوم مشكلة لدى بعض المشاركين أيضا بسبب القلق على متلقي الرعاية.
- التخطيط المستقبلي:
تحدث كل المشاركين بصورة عاطفية حول ما يمكن أن يحدث لعضو الأسرة المسن إذا لم يعودوا قادرين على تقديم الدعم له.
أحد المشاركين ممن يقدمون الرعاية للوالدين معاً ذكر أنه لا يود التفكير في المستقبل مفضلًا أن يأخذ الأمور يوماً بيوم.
ولم يتحدث معظم المشاركين بصورة رسمية مع أي شخص حول الرعاية المستقبلية لعضو الأسرة وسلم اثنان من المشاركين بإمكانية الحاجة لوضع عضو الأسرة في أحد بيوت رعاية المسنين.
خلاصة :
إن احتياجات مقدمي الرعاية المجهولين هؤلاء، كذلك أعضاء أسرهم المسنين فورية وملحة وعلى واضعي السياسات ومقدمي الخدمات أن يفحصوا نمط الدعم المتوفر لمقدمي الرعاية الجدد هؤلاء إذا كان عليهم أن يستمروا في العيش في منزل الأسرة مع أعضاء عائلاتهم المسنين، والذين سيحتاجون لدعم إضافي أيضاً.
إن تجاهل المجموعتين سوف يؤدي إلى نفقات وتكاليف أكبر على جهات تقديم الخدمات في المدى البعيد ، كما يهدد بصورة خطيرة نوعية وجودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية وأسرهم.
المرجع :
Truesdale,M.,Taggart,L.,Ryan,A.,McConkey,R.(2021).
Experiences of reciprocal caring among adults with an intellectual disability caring for an older family member. Journal of policy and practice in Intellectual Disabilities .Retrieved from https://doi.org/15.1111/jppi.12380.
مدير ادارة الخدمات التعليمية و التأهيلية بمدينة الشارقة للخدمات الانسانية
عضو الفريق البحثي -عضو اللجنة العلمية للمؤتمر
متخرج في قسم علم النفس بجامعة عين شمس بالقاهرة
حاصل على ماجيستير علم النفس (مجال الاعاقة الذهنية) عام 2002 من نفس الجامعة .
تدرج في العديد من الوظائف في مجال الاعاقة كالتدريس و التقييم النفسي و الاشراف الفني و الادارة الفنية و تقديم الاستشارات في مؤسسات مختلفة خاصة و غير هادفة للربح .
لديه خبرة تزيد عن 25 عاما من العمل مع الاشخاص ذوي الاعاقة و أسرهم و مع فرق العمل في مؤسسات و هيئات متنوعة في كل من مصر و السعودية و الامارات.