ترجمة: هاشم كاطع لازم ، بقلم: كاثرين سوستانا Catherine Sustana
تُعرَفُ قصة الومضة flash fiction)) بأسماء أُخرى منها القصة بالغة الصغرmicro fiction)) والأقصوصة والقصة القصيرة جداً (short short story) والقصة متناهية القصر very short story)) والقصة الفجائية (sudden story) والقصة البريدية (postcard fiction ) والقصة متناهية الصغر (nano fiction)، مما يجعل من الصعوبة بمكان بلورة تعريف دقيق لقصة الومضة استناداً إلى عدد الكلمات.
غير أن تسليط الضوء على ميزاتها العديدة لابد أن يعيننا على إزالة الغموض عن هذا الشكل المضغوط جداً للقصة القصيرة.
سمات قصة الومضة
1. الإيجاز الشديد: تسعى قصة الومضة إلى تكثيف القصة لأقل عدد ممكن من الكلمات بصرف النظر عن العدد الدقيق، بمعنى أن قصة الومضة تسعى إلى سرد حكاية كبيرة وغنية ومعقدة بسرعة وتركيز.
2. البداية والوسط والنهاية: على خلاف كل من المقطع الأدبي الوصفي القصير vignette والفكرة الناشئة عن التفكير والتأمل reflection فإن غالبية قصص الومضة تؤكد على الحبكة. ورغم وجود استثناءات لهذه القاعدة يمثل سرد قصة كاملة جانباً من الإثارة المترتبة عن كتابة هذا الشكل المكثف.
3. التطور غير المتوقع أو المفاجأة في النهاية: تعتبر عملية بناء تطلعات معينة ومن ثم قلبها رأساً على عقب في حيز محدود للغاية إحدى السمات المميزة لقصة الومضة الناجحة.
طول القصة
لا يوجد اتفاق عام على طول قصة الومضة لكنها في العادة لا تزيد عن 1000 كلمة كما أن التوجهات تختلف باختلاف نوع قصة الومضة الذي يكتب به الكاتب قصته.
فعلى وجه العموم تميل كل من قصة الومضة بالغة الصغر وقصة الومضة متناهية الصغر إلى القصر الشديد أما القصص القصيرة جداً فأطول قليلاً وتبقى القصة الفجائية هي الأطول من بين الأشكال القصيرة.
وغالباً ما يلاحظ أن الطول الدقيق لقصة الومضة يقرره الكتّاب أو المجلة أو الموقع الإلكتروني الذي تنشر فيه القصة.
فمجلة إسكواير (Esquire) ، على سبيل المثال ـ أقامت مسابقة لقصة الومضة عام 2012 حيث تقرر أن يكون عدد الكلمات المطلوبة للمشاركة في المسابقة بعدد سنيِّ طبع المجلة.
وأعلنت (محطة الإذاعة الوطنية الشعبية ) National Public Radio عن مسابقة تحت عنوان (قصة الثلاث دقائق) طالبت فيه كتاب القصة المتنافسين بتقديم قصص تقرأ في أقل من 3 دقائق.
ورغم أن المسابقة سمحت بتقديم قصص تصل كلماتها إلى 600 كلمة فإن الوقت الذي تستغرقه القراءة يتجاوز في أهميته العدد الدقيق للكلمات.
ذيوع قصة الومضة
يمكن لمتابع تاريخ القصة القصيرة جداً أن يجد أمثلة منها عبر التاريخ وفي حضارات مختلفة. والواضح تماماً أن قصة الومضة تحظى باهتمام وشعبية واسعة في وقتنا الحاضر.
وقد أدى محرران بارزان هما (روبرت شابارد) Robert Shapard و(جيمس توماس) James Thomas دوراً هاماً في نشر مثل هذا النمط من القصة على نطاق واسع حيث شرعا بنشر السلسلة الموسومة بـالقصة المفاجئة (sudden fiction) في الثمانينيات من القرن الماضي واشترطا ألا تزيد كلمات القصة عن ألفي كلمة.
منذ ذلك التاريخ، واصلا نشر مجموعات لقصة الومضة ومنها القصة الفجائية الجديدة (New Sudden Fiction ) والمضي بقصة الومضة (Flash Fiction Forward) وقصة الومضة لكتاب أمريكا اللاتينية (Flash Fiction Latino). وكانا يقومان بعملية الطباعة والنشر بالتعاون مع محررين آخرين.
كما أسهم (جيروم ستيرن) Jerome Stern إسهاماً بارزاً في حركة قصة الومضة، وكان يتولى إدارة مشروع الكتابة الإبداعية في جامعة فلوريدا الحكومية التي بدأت مسابقتها الموسومة بأفضل قصة قصيرة جداً في العالم World’d Best Short Short Story عام 1986.
وقد اشترطت المسابقة أن يشارك الكتاب بقصص لا يزيد عدد كلماتها عن 250 كلمة رغم أن هذا العدد قد زيد لاحقاً ليصل إلى 500 كلمة.
ورغم أن بعض الكتاب نظر بعين الريبة لقصة الومضة، عمد آخرون إلى قبول التحدي المتمثل بسرد قصة كاملة بأقل عدد ممكن من الكلمات فيما تلقى القراء القصص بحماسة كبيرة.
لذا يمكن القول إن قصة الومضة تحظى اليوم بقبولٍ واسع.
ففي عدد مجلة O, The Oprah Magazine الصادر في تموز عام 2006 خصص ملف خاص لقصة الومضة ساهم فيه كتاب بارزون مثل (أنطونيا نيلسون) Antonya Nelson و (أيمي هيمبل) Emy Hempel و (ستيوارت ديبيك) Stuart Dybek.
وفي وقتنا الحاضر ازدهرت قصة الومضة كثيراً من خلال كثرة المسابقات ومجاميع قصة الومضة التي يتم إصدارها فضلاً عن المواقع الإلكترونية الكثيرة. وأنتقل الأمر أيضاً إلى الصحف الأدبية التي درجت في السابق على نشر القصص الطويلة فحسب لتبدأ بعد ذلك بنشر قصص الومضة على صفحاتها.
القصص ذات الكلمات الستة
لعل من أشهر قصص الومضة ذائعة الصيت قصة (حذاء طفل) Baby Shoes : ( للبيع: حذاء طفل ، لم يلبس قط).
هذه القصة تنسب خطأ الى أرنست هيمنغوي لكن (غارسن أوتول) Garson O’Toole أجرى بحثا مسهباً بهدف تحديد الأصل الحقيقي لهذه القصة.
لقد وجدت هذه القصة الشهيرة طريقها إلى الكثير من المواقع الإلكترونية والمطبوعات المكرسة للقصص التي تكتب بست كلمات واجتذبت مثل هذه القصص القراء والكتاب معاً لما تتسم به من عمق عاطفي:
إنه لأمر محزن للغاية أن نتخيل الأسباب الكامنة وراء عدم الحاجة لحذاء الطفل (القصة)، والأكثر حزناً من ذلك تخيل الشخص الرزين الذي خلص نفسه من الخسارة وركز تفكيره على فعل عملي من خلال اللجوء الى إعلان مبوب لبيع الحذاء!
ولغرض الاطلاع على القصص ذات الست كلمات المتميزة يمكن مطالعة مجلة Narrative التي تختار القصص التي تنشرها بكل عناية وتنشر عدداً محدوداً من هذه القصص المتميزة سنوياً.
غرض قصة الومضة
في ظل تحديد الكلمات الكيفي، يطرح تساؤل عن هدف هذا الجنس القصصي. وإذا عمل كل كاتب ضمن القيود ذاتها سواء كانت 79 كلمة أو 500 كلمة فإن قصة الومضة تصبح على وجه التقريب مثل لعبة ما أو رياضة حيث أن القواعد تقتضي الإبداع وتكشف عن الموهبة.
تقريباً، بمقدور أي شخص لديهِ سلّم، أن يلقي كرة السلة في حلقة اللعبة، لكن الأمر يحتاج إلى رياضي حقيقي كي يراوغ الفريق المنافس ومن ثم يحرز هدفاً أثناء المباراة.
بالطريقة ذاتها يجد كتاب قصة الومضة أنفسهم أمام قواعد تتحداهم لضغط أكبر قدر مما فكروا به من قبل تاركين القراء في ذهول أمام إنجازاتهم.
المراجع :
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.