على شارع الشيخ زايد أمام أحد الأبراج الزجاجية »الساحرة«، أخذ أحد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ينظر بأسى وحرقة إلى ذلك »الدرج« المؤدي لمدخل البرج والموصل إلى »كافيه « شهير، كان أقرب إلى الانفجار من الغيظ على من صمم هذا البرج الراقي بكل المقاييس والمواصفات، ولم يضع في اعتباره أن هناك فئة من البشر تمتلك الحق مثل غيرها للدخول إلى المبنى والاستمتاع بالجلوس في ذلك الكوفي شوب.
وفي لحظات بسيطة أدرك أصدقاء هذا الرجل معاناته فحملوه هو وكرسيه إلى مدخل البرج ليقضي ساعات بسيطة معهم، ومن ثم عاد لمأساته مجددا حيث حمل مرة أخرى عند مغادرته المكان !!
هل يتخيل أحد ذلك، منظر غير حضاري بالمرة على أحدث وأرقى شارع بدبي، وفي منطقة تشهد أسرع نهضة حضارية ومعمارية في المنطقة.. بصراحة حمدت الله كثيراً أنه لم يكن هناك أي مصور »أجنبي « لاحدى الوكالات الاخبارية المنتشرة في مدينة دبي للاعلام، لكانت هذه اللقطة بالنسبة له صورة مميزة تتناقلها وكالات الأنباء في ثوان!!
ترى ما ذنب ذوي الاحتياجات الخاصة ليتكبدوا معاناة يومية عند معظم المباني والأبراج وبعض الفنادق والمؤسسات الحكومية أحياناً؟ هل يستوجب عليهم استئجار عمال مرافقين يحملونهم هم وكراسيهم عند اللزوم!!
منذ شهور قليلة نظمت وزارة العمل »عرس« جماعي هو الأول من نوعه لذوي الاحتياجات الخاصة، وفي اليوم التالي، انهالت المكالمات على الزميل راشد الخرجي في برنامج البث المباشر باذاعة دبي والجميع يتسائل: ماذا بعد الزواج، هل تريدون الزوجات يحملن أزواجهن على كراسيهم عند المداخل الرئيسية في الأماكن العامة؟!
الغريب في الأمر أن دائرة السياحة تخطط بجد لاستقطاب السياح من هذه الفئة، بحجة تحويل دبي إلى وجهة مميزة للسياح من ذوي الاحتياجات الخاصة.. بلا شك فكرة هائلة وتوجه حضاري، لكن هل يا ترى نحن مؤهلون لاستقبالهم؟ هل لنا أن نتسائل عن عدد الغرف الفندقية التي تمتلك مواصفات تتلائم مع هذه الفئة؟ وهل يا ترى دورات المياه المخصصة لهم في الفنادق والمراكز التجارية وكافة الشواطئ والمنتجعات السياحية كافية؟ وهل الحد الادنى على الاقل من المواصفات المطلوبه لهم متوفرة في جميع الاماكن العامة والمباني والمناطق السياحية؟!
صور لنا أحد الأصدقاء مشهداً يرفع »ضغط « كل من له ذرة احساس حيث يقول: دخلت دورة المياه في أحد الدوائر الحكومية لأرى أمامي شخص على كرسيه المتحرك وعلى وجه ملامح التعب ممسكا بطنه بيديه، وهو ينتظر أمام باب الحمام المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، سلمت عليه ودخلت لقضاء حاجتي ثم خرجت لأتوضأ، فتفاجأت بأنه ما زال ينتظر، وبعد مدة ليست بالقصيرة انقتح باب الحمام ليخرج منه شاب في ريعان شبابه لا يعاني من أي اعاقة بالرغم من وجود أماكن أخرى خالية تماماً!!
اذن المسألة تتعدى أيضا توفير الأماكن ذات المواصفات الخاصة، لتدخل أيضا مشكلة أخرى تزيد معاناتهم، فالاعتداءات كما هو واضح تجاوزت بكثير الوقوف مكانهم في مواقف السيارات القريبة من البوابات الرئيسية، لتصل حتى إلى حرمانهم من حق ممارسة الأمور الطبيعية والفطرية بسهولة ويسر، واذا كان رجال الشرطة ـ جزاهم الله خيرا ـ استطاعوا تقليل الظاهرة الأولى بعد أن شنوا حملات مكثفة على من يقف مكانهم بمواقف السيارات، فماذا بوسعهم أن يفعلوا على اعتداءات دخول دورات المياه !!
وبكل تأكيد سيسرع المسؤلون بالتأكيد على الاهتمام بهذه الفئة، ووجود دراسات وقوانين صارمة لوضع هذه المواصفات موضع التنفيذ في كافة المباني والأبراج.. والرد على ذلك ببساطة، اذا لم نجد هذه القوانين إلى يومنا هذا على أبراج شارع الشيخ زايد وهي الأحدث فأين سنجدها ياترى؟!!
هذه الفئة ليست بحاجة إلى نظرات عطف، ولا تحتاج إلى حفلات فنية تصرف فيها الاموال ببذخ على المطربين وكتاب الأغنية بحجة الترفيه عنهم.. لا يحتاجون إلى المتاجرة باسمهم لأسباب عديدة، ولا يحتاجون لدراسات وقوانين قابعة في الأدراج منذ سنوات طويلة.. كل ما يحتاجونه المساواة بينهم وبين بقية الفئات، المساواة بمعنى وضعهم في الاعتبار في كل الخطط والمشاريع وتسهيل الحياة لهم كما هي مسهلة لغيرهم.. يجب أن لانتذمر من ذلك، ولا نسترخص عليهم مبالغ زهيدة عند مقارنتها بتكلفة البناء والتشييد، فمن يستطيع بناء برجا زجاجيا شاهقا، لن يعجز عن توفير مدخلا سهلا لو أراد ذلك !!
والأهم من ذلك أن نرفع معا شعار »الانسان قبل المكان «.. عندها لن نرى أبدا منظر غير حضاري في مدينة تزخر بالحضارة.
صحافي وكاتب عمود يومي في «الإمارات اليوم« التي يرأس تحريرها منذ 2005، عمل سابقا في صحيفة «البيان»، وهو نائب رئيس جمعية الصحافيين في الإمارات، وتركز كتاباته على الشؤون المحلية، وصدر له كتابان هما: «عيون الكلام» و«كائنات في حكايات».