إعداد : رشا سمير الحصري
على الرغم من صدور إعلانات ومواثيق دولية وإقليمية وتشريعات لحماية حقوق الأطفال ذوي الإعاقة، فإن ظاهرة الإساءة والاستغلال بأنواعها كافة لهؤلاء الأطفال لاتزال في حالة انتشار نتيجة عوامل متعددة، من أبرزها غياب الثقافة الداعمة للأطفال ذوي الإعاقة بصفة عامة والذين يتعرضون منهم للإساءة بصفة خاصة.
وهذه الثقافة لا بد من توفرها لدى المتعاملين معهم، وتوعية أبناء المجتمع من مختلف الأعمار بها، وهي ثقافة تقوم على نبذ الإساءة بكل صورها قولا ً وفعلاً مع الصغار والكبار، وفي العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية انطلاقاً من احترام إنسانية الإنسان ومساعدته على التعبير عن نفسه ومواجهة مشكلاته والسعي لحلها دون قهر أو إرغام.
وفيما يلي سنلقي الضوء على مفهوم الإساءة بشكل عام والإساءة إلى الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل خاص والعوامل التي تجعلهم أكثر عرضة لها وأشكالها والعوامل المترتبة عليها.
مفهوم الإساءة:
تمثل الإساءة الموجهة إلى الطفل ذي الإعاقـة أي فعـل أو تهديـد بفعـل مـن قبـل والديــه أو القــائمين علــى رعايتــه أو المحيطــين بــه يــؤدي إلــى إحــداث أذىً بدني أو نفسي أو جنسـي، أو يحـد مـن حريتـه بسـبب إعاقتـه الجسـمية أو العقليـة أو النمائيـة أو التعليميــــة أو غيرهـــا مـــن أشــــكال الإعاقـــة ويتسبب في استغلاله بأي شكل كان ويؤدي إلى الإضـرار بـه وعرقلـة نمـوه وتوافقـه.
ولا تعنـي الإسـاءة الاعتـداء الجســدي أو المعنـــوي فحســـب، بــل تعنـــي جميـــع أشـــكال الســلوك الفردي والجماعي المباشر وغير المباشر الذي ينال من الشخص ذي الإعاقـة، ويحـط من قدره، ويحول بينـه وبـين الحصـول علـى حقوقـه المشـروعة، بـل يسـلبه هـذه الحقـوق عن طريق إهماله أو إذلاله، والحط من شأنه، وإيذائه جسدياً ولفظياً.
إن الإســاءة الموجهــة إلــى الأطفــال عموماً والأطفال ذوي الإعاقــة خصوصاً مهما تباينــت أدواتهــا وأشــكالها، ظــاهرة معقــدة تتفاعــل فيهــا عوامــل مختلفــة، ويمتــد تأثير كل عامل منها إلى مختلف جوانب شخصية الطفل بصورة تفاعلية فيما يطلـق عليـه بمتلازمـة الإسـاءة؛ فالإسـاءة الجنسـية قـد تتضـمن إسـاءة جسـدية أو لفظية، وفي الحالتين ينطـوي ذلك علـى تـداعيات نفسـية ضـارة بالطفـل الذي وقعت عليه الإساءة.
عوامل إساءة معاملة الأطفال ذوي الإعاقة:
تسهم عوامل عدة في جعل الأطفال ذوي الإعاقة أكثر عرضة لإساءة المعاملة من غيرهم من الأطفال، ومن بين هذه العوامـل مـا هـو راجـع إلـى خصـائص الطفـل ذي الإعاقة ذاته، ومنها ما هـو راجـع إلـى خصـائص الطفـل الأسـرية، ومنهـا مـا يرجـع إلـى طبيعـة وخصـائص المؤسسـات التـي يفتـرض أنهـا تقـوم علـى خدمـة الطفـل ورعايتـه، ومنهـــا مــا يتعلـــق بالخصـــائص البيئيـــة والاتجاهـــات الاجتماعيـــة نحو الأطفال ذوي الإعاقــة.
نشـير إلـى أن مـن بـين العوامـل التـي تجعـل الأطفـال ذوي الإعاقـة إجمـالاً أكثـر عرضة للإساءة والإهمال والإيذاء من غيرهم ما يلي:
- بعض الخصائص الشخصية للأطفال، وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم.
- تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأسرهم.
- التــوترات والضــغوط التــي تتعــرض لهــا أسـرهم نتيجــة وجــود طفــل ذي إعاقــة فــي إطــار ظــروف بيئيــة ضــاغطة وغير مواتية.
- عــدم تفهــم أســرهم لخصــائص الطفــــــــــــل ذي الإعاقــــــــــــة، واحتياجاته ومتطلبات نموه.
- الإقامــــــة داخــــــل مؤسســــــات داخلية.
- عجز أسرهم عن إشباع احتياجاتهم المختلفة ومتطلبات نموهم.
- الاتجاهــات المجتمعيــة الســلبية نحــو الأطفــال ذوي الإعاقــة، والمعتقــدات الثقافيــة الخاطئة المرتبطة بالإعاقات.
- الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإعاقة.
- انخفــاض مســتوى الــدعم الثقــافي والاجتمــاعي والاقتصــادي لأســر الأطفــال ذوي الإعاقة.
- الافتقــار إلــى بــرامج الإرشــاد النفســي الفــردي والجمــاعي للأطفــال ذوي الإعاقــة، والإرشاد النفسي الأسري لذويهم.
أشكال الإساءة:
الإساءة الجسدية:
يقصـد بهـا كـل فعـل عنيـف أو اعتـداء يوقعـه القـائم علـى رعايـة الطفـل وتنشـئته ســـواء باســـتخدام اليــد أو أي أداة أخـرى، بحيـث يـؤدي إلـى ضـرر أو إصابة جسـمية مقصـودة، ممـا يفضـــــي إلـــــى إضـــــعاف الأداء الــــــوظيفي الجســــــمي للطفــــــل.
ويشمل الإيذاء الجسمي إحداث الحروق والجروح، والسجحات والرضوض، والصـفعات واللكمــات، واللســع والكــي بالنــار، والكــدمات وتكســير العظــام وغيرهــا، ممــا قــد يصــل أحياناً إلى الخنق والتعذيب أو القتل.
وتمــارس الإســـاءة الجســدية عــادة مــن قبــل أوليـــاء الأمـــور والمـــربين والعـــاملين المسؤولين عـن رعايـة الأطفـال ذوي الإعاقـة وتعلـيمهم وضـبط سـلوكهم داخـل المنـازل والمدارس وفي مؤسسات الرعاية العزلية، كما تمارس مـن قبـل المجـرمين والشخصـيات السيكوباتية داخل المجتمع.
الإساءة الجنسية :
وتتمثل في استخدام الطفل ذي الإعاقة لغرض إشـباع الرغبـات الجنسـية لشـخص آخــر بــالغ أو راشــد، وتتخــذ صــوراً مختلفة مــن بينهــا التحــرش الجنســي والاغتصــاب، والاعتــــداء علـــى المحــــارم، والممارســــة الكاملـــة للجـــنس مـــع الطفـــل المعتــــدى عليـــه، أو الملامسة التي تفضي إلـى إثـارة الطفـل جنسـياً وغيرهـا ممـا يـؤدي إلـى آثـار سلبية وخيمة على الطفل ونموه النفسي والجسمي.
ويعـد الإكـراه والقهـر، والاسـتدراج والتغريـر والإغـراء من العناصر الأساسـية فـي ممارسـة الإســاءة الجنسية وتتمثل خطـورة الإسـاءة الجنسـية فيمـا يترتـب عليهـا مـن آثـار وخيمـة علـى الطفـل المعتدى عليه ونموه النفسي والجسمي، وفي أن ما يتم الإبلاغ عنه من وقـائع ويسـجل رسمياً لا يمثل سوى نسـبة قليلـة ممـا يحـدث مـن إسـاءات جنسـية فـي الواقـع.
الإساءة الانفعالية (العاطفية):
وتتمثل في السلوكيات التي يمارسها القائمون على أمر تنشئة الطفل ذي الإعاقـة والتـي مـن شـأنها أن تهـدد سـلامة صـحته النفسـية، وتعـوق نمـوه الانفعـالي وتـؤدي إلـى اضطراب علاقاته الاجتماعية بالآخرين وتجنب التفاعل معهم، والتقدير المتدني للذات والشعور بعدم الكفاءة، والاعتمادية، والخوف والقلق.
وتشمل صور الإساءة الانفعاليـة للطفـل إهانتـه والحـط مـن شـأنه وتكـديره مـن قبـل الوالـدين والمحيطـين بـه، والجفـاء والقسـوة فـي معاملتـــــه، وتدليلـــه وحمايتـــــه بشـــكل مفـــرط، ولومــه وتأنيبــه والــتهكم عليــه والســخرية منــه، والـــزج بـــه فـــي مقارنــــات غيـــر متكافئــــة مـــع الآخرين، وجعل الطفـل هـدفاً لتنفـيس الوالـدين عــن غضــبهما لاتخــاذه كــبش فــداء، والتفرقــة والتمييـــز بينــه وبــين الآخــرين فــي المعاملـــة، وحرمانه من حقوق الأساسـية فـي الحـب والحنـان، واللعـب والتـرويح، والرعايـة الصـحية .
الآثار المترتبة على الإساءة:
تعـد إسـاءة معاملـة الاشخاص ذوي الإعاقـة خصوصاً والأطفـال عموماً مـن أكبـر المخاطر التي تتهدد جوانب النمو النفسي والانفعالي السوي والطبيعي، وتعوق الصحة نظـراً لمـا يترتـب عليـها مـن آثـار نفسـية مـدمرة لذاتـه النفسـية السـليمة، وتوافقـه الشخصـي والاجتمـاعي وقـد تصـل أحياناً إلـى الاكتئـاب والإقـدام علـى الانتحـار في مرحلة المراهقة والشباب.
عدا عمّا سبق، لإسـاءة معاملـة الأطفـال ذوي الإعاقـة مجموعـة واسـعة مـن الآثار النفسية والانفعالية السلبية عليهم، ومن بين هذه الآثار ما يلي:
- .
- الخوف المستمر والشعور بالتهديد، وعدم الإحساس بالأمان.
- الشعور بالنقص والدونية والاضطهاد والتمييز.
- الحزن والاكتئاب.
- الإحساس بالإحباط.
- عدم الاستقرار الانفعالي.
- اضطرابات النوم والأكل.
- ظهـور اللزمـات العصـبية وقضـم الأظـافر ومـــــص الأصـــــابع، والتبـــــول الـــــلاإرادي واضطرابات اللغة والكلام.
- الجنوح والسلوك العدواني والإجرامي.
- التمرد والعصيان والخروج عن الأعراف والقانون.
- ضعف الثقة بالنفس والشعور بالازدراء والمهانة.
- نوبات الغضب الحادة.
- اضطرابات السلوك المعادي للمجتمع وفقدان الأمل والإحساس باليأس.
الحماية من الإساءة:
لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة القانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2006 الذي يضمن حقوقهم في المجالات الصحية، والتعليمية، والمهنية، والاجتماعية كافة، كما أطلقت السياسة الوطنية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة لتحقيق مشاركتهم الفاعلة والفرص المتكافئة لهم في ظل مجتمع دامج، فضلاً عن سياسة حماية الأطفال ذوي الإعاقة من الإساءة والتي تهدف إلى مكافحة جميع أشكال الإساءات التي قد يتعرضون لها ، مثل حرمانهم من أساسيات الرعاية والتأهيل والعناية الطبية أو الترفيه والدمج المجتمعي أو استغلالهم في جلب المنافع المادية.
وفيما يلي بعض النقاط التي قد تسهم في التقليل من ظاهرة الإساءة للأطفال ذوي الإعاقة وكان لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية السبق في تحقيقها على المستوى المجتمعي والمهني:
- .
- تطوير برامج إرشادية على المستوى الوطني من أجل تعديل أنماط سلوكية غير مرغوب فيها من قبل أولياء الأمور والعاملين مع الأطفال ذوي الإعاقة.
- زيادة الاهتمام بالأطفال ذوي الإعاقة على مستوى الأسرة والمجتمع من خلال إعداد وتخطيط وتنفيذ برامج خاصة بهم تساعدهم على التكيف اجتماعياً مع المحيط الذي يعيشون فيه، مما يبعدهم عن التعرض للإساءة.
- التثقيف الذاتي حول الإعاقة والإساءة الموجهة ضد الأطفال، وبخاصة ذوي الإعاقة منهم، وسبل حمايتهم من خلال الاطلاع الذاتي، والمشاركة في اللقاءات، والندوات، وورش العمل ذات الصلة بالأطفال ذوي الإعاقة وحمايتهم.
- نشر ثقافة حماية الأطفال ذوي الإعاقة عبر التواصل مع أسرهم، وتبادل الخبرات في هذا الإطار عملاً على تطوير هذه الثقافة، وتوسيع دائرة المستفيدين منها.
- التعاون المثمر مع الجهات والمؤسسات والمراكز والمتعاملين مع الأطفال ذوي الإعاقة كالمعلمين، والأطباء، والاختصاصيين في كل مراحل حمايتهم، بالاكتشاف، والإبلاغ، والتدخل، والإحالة من الوقاية، إلى مرحلة التأهيل..
المراجع
- كتاب نحو بيئة آمنة ( دليل استرشادي لحماية الطفل العربي ذي الإعاقة من الإساءة)
- القانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2006 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
- معلمة في مدرسة الوفاء لتنمية القدرات فرع ( الرملة )
- بكالوريوس خدمة اجتماعية
- دبلوم عام و دبلوم مهني في التربية الخاصة
- دبلوم مهني في التخاطب من جامعة الشارقة
- دبلوم خط عربي لمدة أربع سنوات