عبد الله عباس الزهراني
أخذت قضية الاتجاهات نحو الأطفال ذوي الإعاقة منحنيات مختلفة وشهدت تطورات عدة عبر الزمن. فمنذ العصور السابقة، كانوا يُوصفون بأوصافٍ سلبية، إلى أن جاءت القوانين والتشريعات التي نصت على حقوق الأطفال ذوي الإعاقة، والاهتمام بهم، وتقديم الرعاية لهم، حيث كانت تقدم لهم الخدمات في الملاجئ بمعزلٍ عن الناس، مروراً بالمدارس الخاصة والفصول الملحقة بالمدارس العامة، وصولاً إلى المناداة بالتعليم الشامل.
ومما لا شك فيه أن النظرة تغيرت نحو الأشخاص ذوي الإعاقة نوعاً ما قياساً إلى مستوى الخدمات المقدمة لهم وتوفير البيئة المناسبة وضمان حقوقهم، لكن هذا لا يعني عدم وجود حالات ما تزال حتى الآن تنظر إليهم نظرة دونية، بل يتجاوز الأمر إلى السخرية، وإطلاق الألقاب التهكمية عليهم.
لذا تعتبر قضية الاتجاهات نحو الأطفال ذوي الإعاقة إحدى القضايا المهمة في حقل التربية الخاصة، لما تحمله من تبعات ناتجة عن تلك الاتجاهات الإيجابية، والسلبية نحوهم، كما أن هذه القضية تثير العديد من الأسئلة والإجابات المختلفة منذ العصور المتتالية لدى الأفراد، والمجتمع، والمؤسسات الرسمية، أو غير الرسمية (الروسان، 2013).
إيضاحات حول الاتجاهات:
تشير الاتجاهات إلى تكوّن نزعات ثابتة بشكل نسبي للفرد لتبني أو رفض أفكار معينة، أو قيم محددة، أو حتى قبول ورفض الأفراد والجماعات، لذا تعد الاتجاهات شديدة الأهمية، وذات تأثير كبير على توجيه سلوك الأفراد لبناء منظومة المجتمع فهي تمثل إحدى جوانب شخصية الفرد.
وتتمثل الاتجاهات على أشكال القبول والرفض للأفكار والمواضيع المطروحة، أو حتى المواقف، وهي ذات طابع جدلي، حيث تتيح للأفراد تقديم استجابات تتراوح بين التأييد المطلق والرفض المطلق حيث تغطي مدىً عريضاً من الدرجات الواقعة ضمن هذين النطاقين (العدوان، 2019).
وتؤكد العياضي (2019) على أهمية تكوين الاتجاهات لدى الأفراد لتساعدهم على التأقلم مع متغيرات المجتمع، والعمل على تغيير الاتجاهات السلبية التي من شأنها إعاقة تقدمه، حيث تعتبر الاتجاهات محركاً من محركات السلوك الإنساني، وتحفز الفرد على التعامل مع مختلف المواقف التي تواجهه بشكل مباشر، كما أنها تعتبر من أهم نتائج عملية التنشئة الاجتماعية، وهذا ما جعل للاتجاهات أهمية بالغة وخاصة في العلوم الإنسانية.
تتأثر الاتجاهات نحو الأطفال ذوي الإعاقة بعدد من العوامل والخبرات التي يمر بها الفرد أو الجماعة، وقد تؤثر العوامل العقلية والانفعالية والاجتماعية في تكوين الاتجاه، ويترتب على الاتجاهات الإيجابية نحو الأطفال ذوي الإعاقة زيادة التقبل لهم، والعمل على تحسين البرامج المقدمة لهم وتطوير الخدمات، ودمجهم مع المجتمع، وتفعيل الأنظمة والقوانين لضمان حقوقهم الصحية، أو التعليمية، أو الوظيفية، أو غير ذلك، إلّا أنه في المقابل يترتب على الاتجاهات السلبية نحو الأفراد ذوي الإعاقة رفضهم وعدم تقبلهم وتجاهل حقوقهم (القمش والسعايدة، 2014).
وتشير دراسة (2018) Akyurek et al., إلى أن اتجاهات المهنيين الصحيين نحو الأفراد ذوي الإعاقة تؤثر على جودة الخدمة المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة، بينما ذكر محمد (2017) في دراسة أجراها بهدف التعرف على مدى فعالية استخدام برنامج قائم على مقاطع اليوتيوب في تحسين اتجاهات الطلاب العاديين السلبية نحو دمج المعاقين فكرياً، أن الاتجاهات السلبية تمثل عائقاً رئيسياً يمنع تقدم الأطفال ذوي الإعاقة للاندماج في المجتمع، وتقديم الخدمات لهم، والحصول على حقوقهم.
لذا، فإن الاتجاهات السلبية نحو الأطفال ذوي الإعاقة تؤثر على تفاعلهم مع المجتمع، والاندماج فيه، وتعد اتجاهات المجتمع السلبية نحوهم من أهم التحديات التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال، فمنذ العقود الماضية كانت نظرة المجتمع نحوهم نظرة سلبية تتفاوت بين عدم تقبلهم أو تجنبهم، بالرغم من قلة الاتجاهات السلبية نحو الأطفال ذوي الإعاقة مقارنة بالاتجاهات الإيجابية في الوقت الراهن، إلا أنها تترك أثراً كبيراً وبالغًا في نفوس الأطفال ذوي الإعاقة قد يصل بهم إلى الإحباط والاكتئاب.
من هنا، يأتي دور الأسرة في تقبل أبنائها، والنظر إليهم بكل فخر، وزرع الثقة في أنفسهم، وتكوين الاتجاهات الإيجابية نحوهم، وهذا ما سيزيد من ثقة الأطفال ذوي الإعاقة بأنفسهم ويكوّن الاتجاهات الإيجابية نحوها.
ختاماً، إن توعية المجتمع بقضايا الأطفال ذوي الإعاقة هي شراكة مجتمعية بين الاختصاصيين، والجهات الرسمية وغير الرسمية، يجب تفعيلها من خلال الندوات، المؤتمرات، ووسائل الإعلام المختلفة، بهدف تنمية الاتجاهات الإيجابية نحو الأطفال ذوي الإعاقة، والحد من الاتجاهات السلبية نحوهم، فالاتجاهات الإيجابية نحو الأطفال ذوي الإعاقة تعكس مدى تقدم المجتمع وتطوره وهو الهدف السامي الذي نريد الوصول إليه كمتخصصين في مجال التربية الخاصة.
المراجع العربية:
- الروسان، فاروق. (2013). قضايا ومشكلات في التربية الخاصة (ط.3). دار الفكر.
- العدوان، صيدا قفطان. (2019). اتجاهات أولياء أمور الطلبة ذوي الإعاقة في المدارس العادية في الأردن – دراسة حالة على محافظة البلقاء. دراسات: علوم تربوية، 46(2)، 1-15.
- العياضي، ميساء بنت عبد الله بن إبراهيم. (2019). فاعلية استخدام برنامج إرشادي على تعديل اتجاه الطالبات العاديات نحو الطالبات ذوات الصعوبات التعليمية في مدينة الرياض- دراسة تجريبية. مجلة العلوم التربوية والنفسية، 3(17)، 114-136.
https://doi-org.sdl.idm.oclc.org/10.26389/AJSRP.M230319
- § القمش، مصطفى نوري، والسعايدة، ناجي منور. (2014). قضايا ومشكلات معاصرة في التربية الخاصة. دار المسيرة.
- محمد، السيد يحيى. (2017). فعالية برنامج قائم على استخدام مقاطع اليوتيوب في تحسين اتجاهات الطلاب العاديين نحو دمج المعاقين فكرياً في المدارس العادية. مجلة المعهد الدولي للدراسة والبحث – جسر، 3(12)، 2-18. مسترجع من http://search.mandumah.com.sdl.idm.oclc.org/Record/902936
- Akyurek, G., Kars, S., & Bumin, G. (2018). The Determinants of Occupational Therapy Students’ Attitudes: Mindfulness and Well-Being. Journal of Education and Learning, 7(3), 242-250.
عبد الله عباس الزهراني
طالب دراسات عليا بتخصص التربية الخاصة / جامعة الطائف.
معلم للتلاميذ ذوي صعوبات التعلم في المرحلة الابتدائية لأكثر من 7 سنوات.
<!– wp:paragraph –>
<p>طالب دراسات عليا بتخصص التربية الخاصة / جامعة الطائف.</p>
<!– /wp:paragraph –>
<!– wp:paragraph –>
<p>معلم للتلاميذ ذوي صعوبات التعلم في المرحلة الابتدائية لأكثر من 7 سنوات.</p>
<!– /wp:paragraph –>