إعداد: خديجة أحمد بامخرمه
العلاج بالموسيقى هو علاج صحي مبني على التفاعل مع الموسيقى من أجل تحقيق أهداف معينة مرتبطة بصحة الشخص المستفيد، ويقوم خلالها اختصاصي العلاج الموسيقي باستخدام الموسيقى لتحقيق أهداف تربوية أو تطوير مهارات في كل من الجوانب الحركية والمعرفية والعاطفية والعقلية والاجتماعية واللغوية والجمالية والروحية لتحسين الحالة النفسية والعقلية والبدنية للمستفيد، عبر استخدام المجالات الموسيقية لتحقيق أهداف العلاج.
كما تؤكد الدراسات أن العلاج بالموسيقى لا يعتمد فقط على الاستماع إلى الموسيقى، ولكن على استخدام الموسيقى كوسيلة لتحقيق أهداف وتأثيرات أخرى، كما أنه أحد العلاجات المساندة للعلاجات الطبية الأخرى من أجل: تعزيز الصحة، السيطرة على التوتر، تنمية المهارات والقدرات، تخفيف الآلام ، التعبير عن المشاعر، تعزيز الذاكرة ، تحسين التواصل لدى مرضى الزهايمر والباركنسون، و تعزيز إعادة التأهيل البدني.
ووفق الجمعية الأمريكية للعلاج بالموسيقى يعرف العلاج بالموسيقى بأنه (الاستخدام السريري والقائم على الأدلة للتدخلات الموسيقية لتحقيق أهداف فردية ضمن علاقة علاجية من قبل اختصاصي مؤهل ومعتمد أكمل برنامج العلاج بالموسيقى)
https://www.musictherapy.org/ American Music Therapy Association (AMTA, 2015
عرف العرب منذ القدم العلاج بالموسيقي ودوره المهم في علاج الأمراض النفسية والجسدية، وفائدته في الشفاء من بعض الأمراض النفسية والعصبية والعقلية، حيث استخدمه بعض الأطباء والفلاسفة المسلمين منذ القرنين السادس والسابع الميلادي في تطبيب المرضى النفسيين والمصابين بما أسموه سابقاً “علل العته العقلي” بل وبأمراض عضوية أيضاً.
وكان أبو نصر محمد الفارابي الفيلسوف والطبيب المسلم أول مَن استخدم الموسيقى في العلاج النفسي وبلور هذا الفيلسوف العربي رؤيته ضمن مؤلفات عدة منها “كتاب الموسيقى الكبير” و”إحصاء الإيقاعات”، وكان الفارابي فيلسوفاً في الأساس يصنع ألحاناً بديعة يحرك بها الانفعالات.
ويقال إن الآلة المعروفة بالقانون من صنعه، ولعله أخذها عن الفرس وزادها إتقاناً فنسبها الناس إليه.
عزف عليها مرة فأضحك الحاضرين، وعزف ثانية فأبكاهم ثم عزف ثالثة فأنامهم .
أما الفيلسوف والطبيب أبو بَكر مُحَمَّد بن يَحْيَى بن زَكَرِيّا الرَّازِيّ فكان في بداية أمره موسيقياً وضارباً ممتازاً على العود ثم ترك ذلك وأقبل على دراسة كتب الطب والكيمياء فنبغ فيها.
يبدو أن ذلك لم يمنعه من استخدام الموسيقى في أغراض العلاج ومن أشهر مؤلفاته (كتاب الحاوي في الطب) و” كتاب في جمل الموسيقى” ، فقد وردت إشارات ضمن بعض المراجع لم يذكر أصحابها مصدرها، أن الرازي درس فائدة الموسيقى في شفاء الأمراض وتسكين الآلام، ولكنه لم يقتنع بهذه النتيجة من المرة الأولى وأخذ يدرس بدقة تأثير الموسيقى في شفاء الأمراض، وبعد تجارب كثيرة أخذ يعتمد عليها بوصفها أسلوباً من أساليب العلاج الطبي.
ولأبي عَلْي الحُسَيْنَ بن عَبد الله بن الحسَنَ بن عَلْي بن سِينَا العالم والطبيب المسلم كتاب في الموسيقى، يدعى (المدخل إلى علم صناعة الموسيقى) وقد عالج بعض الأمراض العقلية أيضاً عن طريق الموسيقى ، كما قسّم الفيلسوف والعالم يعقوب بن إسحاق الكندي النغمات والأوتار والإيقاعات، وفقاً لتأثيرها على أعضاء الجسم.
وانتشرت فيما مضى البيمارستانات (المستشفيات) ومنها: بيمارستان قلاوون في القاهرة، بيمارستان النوري في دمشق ، بيمارستان أرغون الكاملي في حلب ، بيمارستان سيدي فرج في فاس ، بيمارستان مراكش وكانت الموسيقى تُعزف للمرضى الذين تستخدم معهم العلاج الموسيقى حيث كانت تعزف لهم مقامات مختلفة بحسب حالة كل مريض، إذ أن بعضهم يتأثر بمقام الحجاز وآخرون بمقام الكرد، وهكذا ، كما كانوا يُوضعون بجانب بحيرات المياه ليستمعوا إلى خريره وأصوات الطبيعة التي كانت تخفف من آلامهم.
من خلال العديد من الدراسات الدقيقة التي أجريت من قبل علماء النفس تبين لهم أن للموسيقى اتصالاً مباشراً بالناحية الوجدانية لدى الإنسان، وأن أعصابه تتأثر تأثراً واضحاً عند الاستماع إلى ألحانها المشوقة، ولذلك أنشئت مستشفيات خاصة ومراكز للعلاج بالموسيقى يعالج فيها المصابون بالأمراض العصبية والعقلية
أما في أوروبا فقد بدأ العلاج بالموسيقى خلال القرن العشرين بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث كان هناك عدد من الموسيقيين المتطوعين الذين يذهبون إلى المستشفيات لعزف الموسيقى بهدف تخفيف معاناة الجنود العائدين من الحرب، ولاحظ الأطباء تحسناً كبيراً على الحالة النفسية للمرضى بعد سماعهم الموسيقى، فقاموا بإجراء عدد من الأبحاث حول ذلك، وبدأ مفهوم العلاج بالموسيقى يتوسع وتعددت طرقه وأساليبه.
وفي عام 1944 نشأ أول برنامج في العالم للعلاج بالموسيقى من قبل جامعة ميتشجان، ثم حذت حذوها جامعات أخرى ومنها جامعة كنساس (1946) ، كلية المحيط الهادئ (1947) ، كلية شيكاغو الموسيقية (1948) وكلية ألفيرنو (1948) .
بعد ذلك انتشر العلاج بالموسيقى وصار علمًا مستقلاً حيث اعتمدَ العلاج بالموسيقى في جامعة إيوا النسائية بكوريا الجنوبية عام 1990، وأبدت العديد من المنظمات الموسيقية اهتمامًا متزايدًا باستخدام الموسيقى كشكل من أشكال العلاج. وبذلك انتقل الأمر من مجرد الترويح إلى العلاج الفعلي للحالات.
ولا يعد أي شخص مؤهلاً للعلاج بالموسيقى حتى يتم دراسته للبرامج العلمية المعتمدة لهذا التخصص.
تأسست لاحقاً عام 1998 منظمة عالمية للعلاج الموسيقي تدعى (American Music Therapy Association definition, ) «أمتا AMTA» ، ومقرها في الولايات المتحدة الأميركية ، عملت الجمعية على توحيد مهنة العلاج بالموسيقى ، وتعتبر الموطن الفكري للأعضاء ، وهي تخدم المعالجين الموسيقيين والطلاب وطلاب الدراسات العليا وغيرهم ومهمة جمعية AMTA هي الدعوة والتثقيف بمهنة العلاج بالموسيقى ككل.
وتنشر الجمعية مجلتين بحثيتين بالإضافة إلى مجموعة من المنشورات، وتشجع العلاج بالموسيقى من خلال الوسائل الاجتماعية، وتوفر العديد من المراجع .
أما على مستوى الوطن العربي حالياً، يعد العلاج بالموسيقى جديداً نسبياً، كما أن ممارسته تقتصر على بعض المراكز الطبية والتأهيلية في عدد من الدول العربية ويوجد العديد من الخبراء المعالجين والاختصاصيين الذين تخصصوا في برنامج العلاج بالموسيقى ويمارسونه عملياً، ومن الجمعيات الناشطة في هذا المجال الجمعية الوطنية للعلاج بالموسيقى في تونس والتي تأسست عام 2014 وهي عضو في الجمعية العالمية للعلاج بالموسيقى.
ويشهد الوعي بمفهوم العلاج بالموسيقى تقدماً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وأصبح من العلاجات التأهيلية والطبية الهامة ضمن المؤسسات التعليمية والطبية والتأهيلية في الوطن العربي وتبني الجامعات العربية هذا التخصص وتخريج متخصصين مؤهلين في مجال العلاج بالموسيقى، وتغيير النظرة إليه كتدخل علاجي مبني على الأدلة، والتركيز على البحوث والدراسات حول العلاج بالموسيقى في الأزمات والاضطرابات، وأهمية توظيف اختصاصيي العلاج بالموسيقى في المؤسسات الطبية والتعليمية والتأهيلية، لما له من أثر في تعزيز جودة الحياة.
المراجع
- Lagasse. (2014). Effects of a music therapy group intervention on enhancing social skills in children with autism. Journal or Music Therapy, 51(3), 250-275. Journal Psychosomatic Medicine , 5 – 2013 http://www.musictherapy.org http://www.bamt.org
- Otter beck، J.، & Ackfeldt، A. (2012). 6 (3) ، 227-233.
- Kim, J., Wigram, T., & Gold, C. (2008). The effects of improvisational music therapy on joint attention behaviors in autistic children: a randomized controlled study. Journal of Autism and Developmental Disorders, 38, 1758-1766.
- Cheon, Wan-Kyung (2009). Understanding of Arab Music. Journal of Middle Eastern Affairs. 8(1), 81-110.
- مسؤول التخطيط والمتابعة، والمشرف العام لبرنامج العلاج بالموسيقى ، والمشرف للفريق البحثي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، ورئيس رابطة التوعية البيئية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حتى الآن
- حاصلة على بكالوريوس من جامعة بيروت العربية ، وعلى العديد من الدبلومات المهنية والتخصصية العربية الدولية في مجالات التخطيط والجودة والتميز والتقييم والتدريب
- اختصاصي في التخطيط الاستراتيجي والاستشراف في المستقبل – LMG – جنيف ، سويسرا
- مدرب دولي معتمد من الأكاديمية البريطانية للموارد البشرية والمركز العالمي الكندي للتدريب وجامعة مانشستر وبوستن
- خبير الحوكمة والتطوير المؤسسي المتعمد من كلية الإدارة الدولية المتقدمة IMNC بهولندا
- مقيم ومحكم دولي معتمد من المؤسسة الأوربية للجودة EFQM، عضوة مقيمة ومحكم في العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية خبيرة في إعداد تقارير الاستدامة وفق المبادرة العالمية للتقارير – GRI
- مدقق رئيسي في الجودة الإدارية أيزو 9100 IRCA السجل الدولي للمدققين المعتمدين من معهد الجودة المعتمد بلندن – CQI
- أعددت مجموعة من البحوث و الدراسات منها ما حاز على جوائز وقدم في مؤتمرات
- كاتبة و لديها العديد من المقالات المنشورة في الصحف و المجلات وبعض الإصدارات
- قدمت ونفذت العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات الهادفة والتطوعية والمستدامة لحينه
- حاصلة على العديد من الجوائز على المستوى المحلي والعربي منها : جائزة الشارقة للعمل التطوعي ، جائزة خليفة التربوية ، الموظف المتميز ، جائزة أفضل مقال في معرض الشارقة الدولي للكتاب
- حاصلة على العديد من شهادات الشكر والتقدير على التميز في الأداء والكفاءة.
- شاركت في تقديم العديد من البرامج التدريبية في مختلف المجالات الإدارية والجودة والتميز
- عضوة في العديد من الهيئات و المنظمات التربوية والتدريبية والجودة والتميز والتطوعية داخل وخارج الدولة