إعداد: محمد النابلسي
من أوضح الصور التي عرفت اضطراب الشخصية الحدية تصور الشخص بدون جلد عاطفي يحميه من الاعتداءات العاطفية الحقيقية أو المتصورة. ما يُعتبر تصرفاً تافهاً بالنسبة للآخرين، قد يتم اعتباره كارثة عاطفية بالنسبة لهذا الشخص. وعادة يكون رد الفعل هذا عفويًا، ولا يقوم به باختياره.
أعلنت منظمة الصحة العالمية في اليوم العالمي للصحة العقلية هذا العام أن حوالي مليار شخص في جميع أنحاء العالم لديهم أمراض عقلية، وأن هذه المشاكل يمكن أن تؤثر على أي شخص في أي مكان. وفي المقابل تنفق حكومات العالم أقل من 2٪ من ميزانياتها الوطنية للصحة على الصحة النفسية في المتوسط. أكثر من 75٪ من المصابين بأمراض عقلية في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل لا يتلقون أي علاج على الإطلاق.
ولعل اضطرابات الشخصية عموماً، هي من أبرز الأمراض العقلية وأكثرها شيوعاً. ووفقًا لدراسة أجريت في بريطانيا، يعاني نصف المرضى النفسيين في وحدات المستشفى والعيادة من اضطراب في الشخصية، كما أن نفقات الرعاية الصحية المباشرة وغير المباشرة المرتبطة باضطرابات الشخصية، وخاصةً اضطراب الشخصية الحدية، أعلى بكثير من تلك الخاصة بالأمراض الأخرى.
ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
تم تقديم مصطلح اضطراب الشخصية الحدية في الأصل من قبل المحلل النفسي الأمريكي أدولف ستيرن في عام 1938. ولكن في عام 1980 أصبح اضطراب الشخصية الحدية تشخيصًا رسميًا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية. اضطراب الشخصية الحدية، منذ نشأته في مجتمع الطب النفسي، كان أحد أكثر الحالات التي يتم وصمها ويساء فهمها. يشترك العديد من المعالجين في وصمة العار العامة حول الخطوط الحدودية، بسبب التصور بأن أصحاب هذا الاضطراب “يصعب” علاجهم.
اضطراب الشخصية الحدية هو اضطراب الشخصية الأكثر شيوعًا من بين عدة أنواع مختلفة من اضطرابات الشخصية المدرجة في مراجعة نص الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، والذي يُعرف اضطراب الشخصية على أنه “نمط دائم من التجربة الداخلية والسلوك الذي ينحرف بشكل ملحوظ عن توقعات ثقافة الفرد، ويكون منتشرًا وغير مرن، ويبدأ في مرحلة المراهقة أو مرحلة البلوغ المبكر، ويستقر بمرور الوقت ويؤدي إلى ضائقة أو ضعف كبير من الناحية السريرية “. يعاني الشخص المصاب باضطراب الشخصية عمومًا من صعوبة في التعامل مع العلاقات والمواقف الاجتماعية، والتعامل مع العواطف والأفكار، وفهم كيف أو سبب تسبب سلوكه أو سلوكها في حدوث مشكلات، ويجد صعوبة في التغيير ليناسب المواقف المختلفة.
يعد اضطراب الشخصية الحدية أكثر شيوعًا عند النساء بثلاث مرات منه عند الذكور، حيث يقدر حدوثه بنسبة 1 إلى 2 ٪ من عامة السكان. كما يعتبر من أكثر اضطرابات الشخصية إثارة للجدل، فقد اهتم العلماء والباحثون بدراسته في عينات مختلفة لتحديد أهم المتغيرات التي قد تساعد في تفسير قوته ومقاومته للتغيير، ولعل ازدياد الاهتمام في السنوات الأخيرة باضطراب الشخصية الحدية، يرتبط بسببين على الأقل:
أولاً: إن الأشخاص الذين يستوفون معايير اضطراب الشخصية الحدية يطلبون المساعدة عادة من الاختصاصيين النفسيين والممارسين للطب النفسي، حيث يمثل اضطراب الشخصية الحدية 11٪ من جميع الحالات النفسية التي يقصد أصحابها العيادات الخارجية، وحوالي 19-63٪ من المقيمين في المستشفيات.
ثانيًا: يبدو أن الأساليب العلاجية المتاحة غير كافية إلى حد كبير، حيث تشير دراسات المتابعة إلى أن اضطراب هؤلاء الأشخاص قد لا ينتهي، وأن التطور العلاجي قد يحدث ببطء وقد يحتاج إلى سنوات عديدة بعد عملية التقييم الأولي.
وحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، يعتبر الشخص من ذوي اضطراب الشخصية الحدية في حالة وجود خمسة أعراض على الأقل من الأعراض التالية:
- محاولة يائسة لمنع الهجر سواء كان حقيقياً أو متخيلاً.
- العلاقات الشخصية غير المستقرة والمضطربة التي تتميز بالتناوب بين المثالية والكراهية.
- صورة مشوهة للذات وإحساس مشوش واضح بالهوية.
- التصرفات المحفوفة بالمخاطر والمندفعة (على سبيل المثال، الهوس بالشراء، العلاقات الحميمية غير الآمنة، تعاطي المخدرات، القيادة المتهورة، الشراهة عند الأكل).
- الدوافع الانتحارية أو إيذاء النفس التي تتكرر.
- ردود الفعل العاطفية الشديدة أو الخارجة عن السيطرة والتي تنقلب بسرعة بين الحالات العاطفية المختلفة.
- الشعور بالفراغ بشكل منتظم.
- الغضب المفرط أو صعوبات في ضبط الغضب
- التفكير بجنون العظمة نتيجة الإجهاد أو أعراض فصامية قوية وجيزة.
كيف يؤثر اضطراب الشخصية الحدية على الحياة اليومية للشخص المصاب؟
يعاني الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية من عدم السيطرة على عواطفه أو سلوكه، أما عقله فيعيش في حالة حركة دائمة مما يؤدي إلى عدم ارتياحه وتعرضه لنوبات من الغضب الشديد وعدم القدرة على السيطرة على مشاعره.
يؤثر هذا المرض بشكل كبير على الحياة اليومية للشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية، مما يؤثر بالتالي على الحياة المهنية والعلاقات الأسرية والاجتماعية. قد يتخذ الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية خطوات تؤثر بشكل كبير على حياته، مثل:
- عدم القدرة على إكمال التعليم.
- اللجوء إلى العلاقات المسيئة أو غير الصحية.
- فقدان الأعصاب نتيجة الغضب الحاد.
- السلوك المتهور الذي قد يتسبب في حوادث ومشاجرات خطيرة بسبب هذه الحالة الاندفاعية لدى الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية.
- من وجهة نظر مهنية، يميل الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية إلى العمل بمفرده، وقد لا يتمكن من العمل ضمن فريق بشكل فعال، وبالتالي قد يؤثر على مساره المهني إلى حد كبير. وكنتيجة لسلوك المريض مع الآخرين، فإن عدم فهم وتكيف من حوله للعمل معه قد يؤدي به إلى ترك الوظيفة والتغيير المستمر فيها.
- أما أسوأ مرحلة، فقد يصل المريض المصاب باضطراب الشخصية الحدية إلى فكرة الانتحار أو الانتحار فعليًا. نسبة كبيرة من الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية لديهم سلوك انتحاري باستخدام أفعال وسلوكيات خطيرة لإيذاء أنفسهم. وإن ما بين 4٪ إلى 9٪ من مرضى اضطراب الشخصية الحدية يموتون بالفعل انتحاراً.
يدفعنا هذا إلى استنتاج أن الحياة اليومية للشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية صعبة للغاية، وقد تكون تكلفتها عالية بالنسبة للمريض نفسه أو من حوله.
هل اضطراب الشخصية الحدية مرتبط بنوع الجنس؟
تشير الإحصاءات إلى أن المجموعة الأكثر تضررًا من اضطراب الشخصية الحدية هي النساء، أكثر بكثير من الرجال. في الواقع، حوالي 75٪ من المصابين باضطراب الشخصية الحدية هم من النساء. نسبة 3 سيدات إلى رجل مصاب باضطراب الشخصية الحدية. سبب هذه النسبة العالية لا يزال مجهولاً بالنسبة للباحثين.
قد يكون السبب هو أن النساء أكثر عرضة للإصابة باضطراب الشخصية الحدية، أو قد تكون النساء أكثر عرضة لطلب المساعدة والعلاج النفسي، وقد يكون أيضًا بسبب التمييز بين الجنسين عند تشخيص اضطراب الشخصية الحدية.
على سبيل المثال، قد يكون الرجال الذين يعانون من أعراض اضطراب الشخصية الحدية أكثر عرضة للتشخيص الخاطئ بحالة أخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب الاكتئاب الشديد.
هل يمكن علاج اضطراب الخطوط الحدودية؟
من أجل أن يتم اعتبار الأشخاص من ذوي اضطراب الشخصية الحدية قد تم شفائهم بالفعل، لا ينبغي أن يشعر المريض بخمسة من أعراض المعايير التسعة لاضطراب الشخصية الحدية، وذلك حسب تعريف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.
وقد أظهر الأفراد المصابون باضطراب الشخصية الحدية تحسنًا على مر السنين مع العلاج أو بدونه. على الرغم من أن بعض الأعراض قد تظل قائمة.
“التغيير هو عمل شاق حقيقي!” يحدث التغيير للأفراد عند تكوين فهم واضح لأنفسهم ومحيطهم، في حين أن قبول عملية التغيير أيضًا يمكن أن يأتي مع الكثير من التحديات، الخوف من التغيير ومقاومة التغيير ينطوي على إيمانهم بفقدان السيطرة وكذلك التخلي عن العادات في تجنب المشاعر. يتطلب التغيير النفسي من المرضى اختيار بدائل أخرى أو حتى معاكسة عن عمد. يتشكل منظورهم للعالم بشكل كبير من خلال تجارب الطفولة، مما أدى إلى إيجاد صعوبة في مواجهة المسؤولية وقبول التغيير.
في كل الأحوال يجب الاستعانة بخدمات الاختصاصي النفسي أو الطبيب النفسي بالإضافة إلى خلق شبكة اجتماعية داعمة، وفهم الأشخاص المحيطين لأبعاد اضطراب الشخصية الحدية وما يفرضه أحياناً من أعراض قد تؤثر بشكل مباشر على التعامل المريض مع محيطه.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”