إعداد: نوره سعد الثبيتي
تطمح أسر الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية أن يصبح أبناؤها أفراداً ذوي مكانة في المجتمع، فالأبناء هم المرآة التي يرى فيها الآباء طموحهم، ومشروع المستقبل الذي يحرصون على بنائه، ولكن تتلاشى هذه الطموحات عندما يتلقى الآباء الصدمة الأولى ويعلمون أن طفلهم من ذوي الإعاقة الذهنية؛ فوجود هذا الطفل داخل الأسرة يلقي عليهم الكثير من الضغوط النفسية، وتنتابهم حالة من القلق والخوف الشديد تجاه هذا الطفل، كما تستحوذ على تفكيرهم الكثير من التساؤلات حول مستقبله، وكيف يعتمد على ذاته ويحقق الاستقلالية، وكيف يحصل على مهنة يكسب من خلالها مصدر دخل يضمن له حياة كريمة، ويصبح فرداً منتجاً وليس عبئاً على أسرته.
من هنا تأتي الحاجة الماسة للإرشاد المهني في تخفيف الضغوط النفسية التي تواجه أسر الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية حول مستقبل أبنائهم، فهو يهدف إلى تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية لاتخاذ قرار مهني مناسب يتوافق مع قدراتهم وميولهم، والتغلب على الصعوبات التي تحد من فرص العمل وانخراطهم في المجتمع، ويعمل على تزويدهم بالمعلومات والمهارات التي تسمح لهم بالعيش بدرجة أكبر من الاستقلالية (الرمامنة،2018).
ونظراً لأهمية الإرشاد المهني بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، ودوره في خفض القلق بشأن المستقبل لدى أسرهم؛ فإنه سيتم التعمق في هذا الموضوع والوقوف على أبرز المحاور التي تتمثل في: معرفة مفهوم الإرشاد المهني، أهميته، أهدافه، المبادئ الأساسية القائم عليها، فريق العمل المسؤول عنه، وأهم المعوقات التي تواجهه.
الإرشاد المهني
يعرف الإرشاد المهني بأنه “تقديم المساعدة للفرد من خلال العلاقة الإرشادية بين المرشد المهني أو المعلم أو كليهما معاً وبين المتعلم، بهدف تحقيق النمو المهني، ومساعدة الفرد على تكوين صورة لذاته المهنية من حيث تنمية وعيه لذاته وإمكاناته واهتماماته والبيئة المهنية وسوق العمل ومتطلباته، بالإضافة إلى مساعدته على حسن الاختيار المهني الذي يرتكز على أساس المواءمة بين صورة الذات المهنية ومتطلبات العمل، تحقيقاً للتكيف المهني والنمو المهني “(أبو زعيزع،2010).
وقد عرفه الصيادي (2012) بأنه” العملية النفسية التي تساعد على حسن اختيار الشخص ذي الإعاقة الذهنية لمهنته بما يتلاءم مع استعداداته وقدراته وميوله وعوامله الاجتماعية، وبما ينسجم مع جنسه؛ فالإرشاد يتضمن مساعدة الفرد في اختيار مهنته وفي تقرير مصيره المهني، وليس لأحد غيره أن يقرر نيابة عنه، أو أن يفرض عليه، وبذلك يتحمل مسؤولية نفسه”
كما عرفه حسين (2015)”بأنه مساعدة الفرد على اختيار المهنة التي تتلاءم مع قدراته، واستعداداته، وأهدافه، وميوله، وظروفه الاجتماعية، والعمل على إعداده وتأهيله لهذه المهنة والترقي فيها وتحقيق أفضل مستوى ممكن من التوافق المهني “.
تكمن أهمية الإرشاد المهني للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في تمكينهم من معرفة اختيارات المهنة المناسبة التي تنسجم مع قدراتهم وإمكاناتهم وميولهم المهنية، فهو يقلل من مظاهر الهدر في الإمكانيات والموارد المادية والبشرية من خلال ما يقدمه لسوق العمل من عناصر بشرية ذات كفاءات عالية، كما يعتبر داعماً للتنمية من خلال استثمار الطاقات البشرية وربطها بمتطلبات سوق العمل (الحارثي،2017).
يعتبر الإرشاد المهني حلقة وصل بين ما يطرح في سوق العمل من وظائف وبرامج تدريب مهني وبين الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، حيث أن دمجهم في سوق العمل وإبعادهم عن الانعزالية والانسحاب والاغتراب الاجتماعي يؤدي إلى زيادة ثقتهم بأنفسهم، واعتمادهم على ذاتهم، وتقليل إحساسهم بالعجز وإدراكهم لقدراتهم الحقيقية، والتقليل من الآثار السلبية الناتجة عن الإعاقة، والتقليل من الاضطرابات السلوكية والنفسية لدى الشخص ذي الإعاقة، وتغيير نظرة المجتمع إليهم، وتأمين مصدر لرزقهم (المعيقل ومجرشي ،2015)
في ضوء ما تقدم تتضح أهمية الإرشاد المهني في تغيير نظرة الأسرة لابنها ذي الإعاقة، فينخفض القلق الذي تمر به تجاه مستقبله لكونه أصبح قادراً على اتخاذ قرار في اختيار مهنته؛ الأمر الذي يدفعهم إلى الافتخار بقدراته على أداء العمل، وأنه حقق ذاته، وتغلب على الصعوبات التي مر بها، فالإرشاد المهني ينعكس على شخصية الفرد فتزداد ثقته بنفسه، ويحقق أفضل إشباع لميوله وقدراته، ويساعد على التكيف والتوازن بين الفرد ومحيطه الداخلي والخارجي؛ بالتالي ينعكس على أسرته وتشعر بالارتياح والطمأنينة تجاه مستقبل ابنها.
كما يهدف الإرشاد المهني للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية إلى توفير مرونة كافية وخبرات تجعلهم قادرين على مواجهة التطورات المتسارعة في حياتهم المهنية، وتتيح لهم الفرصة كي يجربوا ويختبروا الصورة التي كونوها عن أنفسهم، ودورهم في عالم العمل وفي المهنة التي اختاروها، ويهدف الإرشاد المهني للأشخاص ذوي الإعاقة إلى تزويدهم بالمعلومات الكافية عن فرص العمل المتاحة لهم في سوق العمل، وتقديم المشورة حول المستقبل المهني الذي سيتيح لهم كل الفرص الممكنة للنمو المهني والرضا في العمل (الزارع،2015).
وفوائد الإرشاد المهني للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية كثيرة، حيث أكدت العديد من الدراسات النفسية والتربوية الحديثة أن وضع الفرد المناسب في مكانه المناسب يعود بالكثير من الفوائد نفسياً واجتماعياً واقتصادياً ومنها:
ارتفاع نسب النجاح والتقدم والتفوق في مجالات العمل، وشعور الفرد بالرضا والسعادة عن مهنته مما ينعكس على حياته العملية والأسرية والاجتماعية والنفسية، كما يؤدي الإرشاد السليم إلى زيادة حجم الإنتاج وتحسين جودته، وانخفاض معدلات البطالة في أوساط الشباب ذوي الإعاقة، وانخفاض معدل تغيبهم عن أعمالهم، والمتابعة المستمرة للتقدم العلمي والتكنولوجي المتعلق بالمهن (حسين،2015).
ويستند الإرشاد المهني على مجموعة من المبادئ يجب أخذها بعين الاعتبار تتمثل في أن كل إنسان بحاجه للمساعدة، والإرشاد يبدأ من الفرد ويذهب إليه، فهو يقوم على احترام الفرد ذي الإعاقة وأهميته ،وأن لكل شخص صفات يتميز بها؛ لذا تجب مراعاة الفروق الفردية بين الأشخاص من حيث قدراتهم، استعداداتهم، ومميزاتهم الشخصية، كما ينبغي التحقق من استقرار صفات الفرد وظروفه قبل البدء بعملية الإرشاد المهني، وأن يكون مستقراً من الناحية النفسية، وأن يشارك في عملية الإرشاد المهني فريق عمل يضم بالإضافةِ إلى الاختصاصيين الوالدين، ويتم من خلاله التوجيه والإرشاد المناسب للأشخاص ذوي الإعاقة فيما يتعلق بالحياة المهنية (شقير،2005).
الإرشاد المهني عملية تعاونية تقوم بجهود فريق عمل متكامل يشترك فيه المدير، المرشدون، الأسرة، المعلمون، والاختصاصيون المهنيون؛ وتتمثل أدوارهم في معرفة نواحي القوة والضعف لدى الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، ومساعدتهم على تقييم استعداداتهم المهنية والكشف عن بيئة العمل التي تناسبهم، وتوفير المعلومات اللازمة عن المهن التي يتطلبها سوق العمل، والحرص على تنظيم الزيارات الميدانية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية إلى بعض المعاهد والمراكز التي تقدم خدمات مهنية بغرض التهيئة لبيئة العمل الفعلية والتكيف معها (الحارثي،2017).
وذكر الزهراني (2019) أن الطالب يشارك في عملية الإرشاد المهني وجزء لا يتجزأ منها، ويبقى الاختصاصي المهني الموجه لتقنياته الخاصة من مقاييس واختبارات يستنتج خلالها الآلية المناسبة للإرشاد المهني مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية.
يتطلب الإرشاد المهني للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية توفير المعلومات المهنية التي يحتاجها الفرد، والاطلاع على متطلبات سوق العمل باستمرار، وتوفير المعلومات حول التخصصات المتاحة في مراكز التدريب المهني، والعمل على تنظيم زيارات ميدانية للأشخاص ذوي الإعاقة إلى بعض المعاهد والمراكز والمؤسسات التي تقدم خدمات مهنية بغرض التهيئة لبيئة العمل الفعلية والتكيف معها، كما يتطلب معرفة قدرات وميول الفرد، ومعرفة العمل المطروح وما يتطلبه من مهارات، ومساعدة الفرد على التوفيق بين ميوله والعمل الذي يقدم له.
وقد ذكر عربيات (2015) ” ضرورة توعية الأفراد بتنوع المهن وتطورها واختلاف متطلباتها ومزاياها وأخطارها، وغير ذلك من المعلومات ذات العلاقة بهذا المجال والتي يكون من شأنها التأثير على المستهدفين في اختيار مهنة أو عمل أو تغييرها، أو السعي للتطور والنمو في المهنة المعنية، والتقليل من البطالة في بعديها الفعلي والمتصنع، وكذلك في تحقيق الاستيعاب الكامل للعناصر المدربة والمؤهلة، ورفع معدلات الأداء، ورفع الكفاءة الإنتاجية “.
ومن الجدير بالذكر أن عملية الإرشاد المهني تكتنفها بعض المعوقات بالرغم من تعدد الأساليب في مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية على اختيار المهنة المناسبة لقدراتهم تتمثل هذه المعوقات فيما يلي:
عدم توفر العدد الكافي من مراكز الإرشاد المهني التي تخدم الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا المجال،غياب التنسيق بين المؤسسات ومراكز التأهيل المهني للأشخاص ذوي الإعاقة والتعليم وأصحاب العمل، قلة البحوث والدراسات في مجال الإرشاد المهني، الضغوط والتقاليد السائدة في المجتمع نحو مهن معينة، نقص المعلومات حول طاقات الأفراد ذوي الإعاقة، استعداداتهم، إمكانياتهم، نقص المعلومات المهنية التي يمكن الاعتماد عليها في عملية الإرشاد المهني مع الأشخاص ذوي الإعاقة، عدم الفهم الواضح لطبيعة مجال الإرشاد المهني، عدم توفر العدد الكافي من الاختصاصيين والخبراء الذين يتمكنون من العمل والتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا المجال. (الحارثي،2017)
التوصيات
من خلال ما تم عرضه في هذا المقال تتضح أهمية الإرشاد المهني للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية وتهيئتهم لسوق العمل، لذلك يتم طرح بعض التوصيات التي قد تسهم في الاهتمام بهذا المجال ودعمه والحث على تشجيعه في تقديم المساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم، من أهم هذه التوصيات:
ضرورة إجراء المزيد من البحوث والدراسات فيما يخص مجال الإرشاد المهني نظراً لما لمسته الباحثة من ندرة في هذه البحوث والدراسات ـ حسب علمهاـ ، إعداد البرامج التدريبية المناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة والقائمين عليهم، تنظيم الدورات والمؤتمرات التي تتناول الإرشاد المهني والعمل على إعداد وتدريب الكوادر الاختصاصية في هذا المجال إعداداً سليماً يحقق الهدف المنشود، وتجهيز المدارس بقسم خاص للتأهيل المهني، توفير اختصاصي مهني على قدر عال من الكفاءة، عمل برامج توعوية للمجتمع حول قدرات الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية وأهمية تبني اتجاهات إيجابية في هذا المجال ،والحرص على إتاحة الفرصة أمام الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية للزيارات الميدانية إلى أماكن العمل وتهيئتهم للتكيف معها.
الخاتمة
الإرشاد المهني يساعد الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية على التخلص من الصعوبات التي يواجهونها في حياتهم المهنية، ويخفض من مستوى القلق لدى أسرهم تجاه مستقبلهم الوظيفي، ويوفر لهم المعرفة الكافية حول قدراتهم، وميولهم، واستعداداتهم لاختيار مهنة تضمن لهم حياة كريمة ويشعرون فيها بالرضا والاستمرارية دون مشاكل نفسية، وكسب مصدر دخل يُمكِّنهم اقتصادياً؛ فالإرشاد المهني حلقة وصل بين ما يطرح في سوق العمل وبين ميول وقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، كما يعمل على شعور الأسرة بالارتياح والطمأنينة وأن ابنهم أصبح قادراً على اتخاذ قراراته المهنية بذاته محققاً ذاته من خلالها .
المراجع
- أبو أسعد، أحمد والهواري، لمياء (2008). التوجيه التربوي والمهني، رام الله: دار الشروق.
- أبو زعيزع، عبد الله يوسف (2010). مقدمة في الإرشاد المهني، عمان: دار يافا للنشر والتوزيع.
- الحارثي، أحمد رزق الله (2017). الإرشاد المهني وعلاقته بالمستقبل الوظيفي لذوي الإعاقة، جامعة شقراء، المملكة العربية السعودية.
- حسين، طه عبد العظيم (2015). الإرشاد النفسي ـ النظرية ـ التطبيق ـ التكنولوجيا، عمان: دار الفكر.
- الرمامنة، عبد اللطيف؛ عبيد، محمد؛ السبايلة، عبيد (2018). تقييم الخدمات الانتقالية للأشخاص ذوي الإعاقة العقلية من وجهة نظر أولياء الأمور والمعلمين، مجلة جامعة النجاح للأبحاث.
- الزارع، نايف بن عابد (2015). تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، عمان: دار الفكر.
- الزهراني، سلطان بن سعيد (2019). تقييم خدمات التأهيل المهني من وجهة نظر العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في المملكة العربية السعودية. المجلة السعودية للتربية الخاصة. (9).
- شقير، زينب (2005). خدمات ذوي الاحتياجات الخاصة، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، (3).
- الصيادي، منى علي (2012). الاغتراب النفسي لدى العاطلات عن العمل في ضوء حاجاتهن إلى الإرشاد المهني (رسالة ماجستير)، كلية التربية، جامعة طيبة.
- عربيات، باسم هاشم (2015). التوجيه والإرشاد المهني، الطبعة الأولى: دار المأمون للنشر والتوزيع.
- علي، محمد علي (2016). فاعلية برنامج إرشاد مهني في تحسين عملية الاختيار المهني لدى عينة من طلبة الصف العاشر في مدينة نابلس، رسالة ماجستير، القدس، فلسطين.
- الهذال، عويد (2004). سيكولوجية التوجيه المهني مفاهيم، وتصنيفات، ونظريات، ونماذج تطبيقية، الكويت: دار السلاسل للنشر والتوزيع.
- طالبة دراسات عليا في جامعة الطائف
- 8 سنوات خبرة كمعلمة تربية خاصة (مسار إعاقة ذهنية)