إعداد: محمد النابلسي
من الشائع أن يشعر المصاب باضطراب الشخصية الحدية (BPD)بالخوف والقلق على كيفية سير حياته، وتأثير الاضطراب عليها، وخصوصاً فيما يتعلق بحياته المهنية، فالأعراض التي قد تصيب الشخص من ذوي اضطراب الشخصية الحدية قد تؤدي إلى وجود تحديات كبيرة في التعامل مع بيئة العمل.
ورغم ذلك فإن العديد من الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية يتمكنون من الحصول على وظائف ناجحة للغاية.
ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
اضطراب الشخصية الحدية (BPD) هو اضطراب في الصحة العقلية يؤثر على مشاعر الشخص وأفكاره وسلوكياته.
يمكن أن تؤثر أعراض اضطراب الشخصية الحدية على جميع مجالات حياة الشخص، بما في ذلك علاقاته الشخصية وحياته العملية.
غالبًا ما يواجه الأشخاص ذوو اضطراب الشخصية الحدية عواطف شديدة لا يمكن السيطرة عليها وقد يكون لديهم نظرة غير مستقرة لأنفسهم وللآخرين في حياتهم.
قد تظهر على الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية إحدى الأعراض التالية أو أكثر:
- المشاعر القوية.
- تقلب المزاج ونوبات الغضب.
- أعراض الاكتئاب.
- الخوف من الوحدة والهجران.
- إيذاء النفس ومشاعر كره الذات.
- سلوكيات محفوفة بالمخاطر ومندفعة، قد تؤدي إلى سلوكيات مؤذية أو التعاطي والإدمان.
- علاقات غير مستقرة مع الآخرين.
- نظرة غير مستقرة للنفس
- المعتقدات المتطرفة أو التفكير بطريقة الأبيض والأسود.
قد لا يحمل كل شخص مصاب باضطراب الشخصية الحدية نفس الأعراض. يمكن أن تختلف شدة الأعراض وطول مدتها من شخص إلى آخر أيضًا.
آثار أعراض اضطراب الشخصية الحدية في العمل
من الممكن أن ينجح الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية في حياته المهنية عندما لا تظهر عليه الأعراض بشكل مباشر. لكن حدة تأثيرات اضطراب الشخصية الحدية يمكن أن تختلف من شخص لآخر، مما يؤثر على أداء وظيفته وقدرته على “التوافق” مع زملاء العمل.
يمكن أن تؤثر أعراض اضطراب الشخصية الحدية على الحياة المهنية بعدة طرق مختلفة. على سبيل المثال:
- الصورة الذاتية: يواجه الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية صعوبات في استقرار صورته الذاتية وأهدافه، وقد يكون من الصعب الالتزام بمسار وظيفي واحد. مما يسهم في تأخر تقدم المسار الوظيفي للشخص ذي اضطراب الشخصية الحدية، وقد تفوته الترقيات أو الفرص المرتبطة بالأقدمية.
- تفكير الكل أو لا شيء: يميل العديد من الأشخاص ذوي اضطراب الشخصية الحدية أيضًا إلى رؤية الأشخاص والمواقف على أنها جيدة أو سيئة بالكامل، ويشار إليها عادةً بالتفكير أو الانقسام “الكل أو لا شيء”.
على سبيل المثال، قد تبدأ بما تعتقد أنه وظيفة الأحلام. ثم ذات يوم تتلقى مراجعة أداء ضعيفة أو ترتكب خطأ وبالتالي الشعور بالرغبة في الاستقالة. قد يؤدي هذا إلى عدم الاستقرار الوظيفي أو تغييرات متكررة في الوظائف، مما يجعل من الصعب الوصول إلى الأهداف طويلة المدى.
- العلاقات غير المستقرة: قد يؤثر السلوك الاندفاعي وتقلب المزاج على علاقات الشخص في مكان العمل. إذا لم يكن مكان العمل داعمًا، فقد يشعر الشخص بأنه يساء فهمه أو يجد صعوبة في “التوافق”، كما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في العلاقات في مكان العمل، مما يؤدي إلى علاقات غير مستقرة وأماكن عمل مثيرة للانقسام. وبدلاً من تصحيح هذا الشيء والتغلب عليه، قد يشعر الشخص المصاب بالاضطراب بالإحباط التام والتوقف عن الاعتقاد بأن هذه الوظيفة هي الوظيفة المناسبة.
كمايمكن أن تتداخل أعراض اضطراب الشخصية الحدية أيضًا مع التركيز، مما قد يؤدي إلى ضعف الأداء المهني.
على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الانفصال العاطفي المتكرر إلى عدم قدرة الشخص على إنهاء المهام في الوقت المناسب.
بالإضافة إلى ذلك قد تؤدي المواقف العصيبة في العمل أو عدم وجود وقت كافٍ لحضور العلاج إلى تفاقم أعراض الشخص المصاب بأعراض الشخصية الحدية.
ما هي بعض الوظائف الجيدة للأشخاص ذوي اضطراب الشخصية الحدية؟
لكل شخص الحق في الحصول على بيئة عمل داعمة ومتفهمة، فالحصول على الوظيفة المناسبة يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية، ويسهم في نمو الشخص وثقته بنفسه والتركيز على الهدف الحقيقي.
لا توجد وظيفة مثالية للأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية. هي مسألة فردية إلى حد كبير، وتعتمد على الشخص نفسه ومدى تأثره بالأعراض، الأهم هو العثور على وظيفة مناسبة.
وقد يكون من المناسب التحدث مع مستشار توظيف لمساعدة الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية في الحصول على وظيفة تتلاءم مع سماته وطبيعة وشدة الاضطراب.
وينصح عموماً عند بحث شخص مصاب باضطراب الشخصية الحدية عن عمل، بمراعاة العوامل التالية:
الجانب الإبداعي
يزدهر العديد من الأشخاص ذوو اضطراب الشخصية الحدية في الأدوار الإبداعية التي تسمح لهم بالعمل باستمرار في مشاريع جديدة. تشمل المسارات الوظيفية الإبداعية كتابة الإعلانات والتصميم الجرافيكي والتصوير الفوتوغرافي وتصميم المواقع وتحرير الفيديو.
مهنة تنطوي على الإبداع من شأنها منع الشعور بالملل.
المهن الرعائية
يشعر العديد من الأشخاص ذوي اضطراب الشخصية الحدية بالعواطف العميقة ويجدون العمل في دور الرعاية مُرضِياً. لذا فإنه ينصح بالحصول على وظائف مثل التدريس ورعاية الأطفال والتمريض ورعاية الحيوانات.
البرنامج المرن
قد يعمل الشخص ذو اضطراب الشخصية الحدية بشكل أفضل مع جدول زمني مرن يسمح بالحصول على إجازات من أجل المواعيد أو أخذ فترات راحة طوال اليوم عند الحاجة. لذا فعادة ينصح بالعمل في دوام جزئي أو وظيفة بجدول زمني مرن. بالإضافة إلى ذلك، فإن ساعات النهار هي الأفضل حتى يتمكن من الحفاظ على جدول نوم صحي.
بيئة مكان العمل
قد تؤدي أماكن العمل المجهدة والمتوترة مثل أسواق المال والبنوك أو المطابخ المزدحمة أو إدارة الفعاليات إلى تفاقم أعراض اضطراب الشخصية الحدية. يعمل بعض الأشخاص بشكل أفضل في مكان عمل هادئ ومريح حيث يمكنهم التركيز بسهولة، بينما يستمتع البعض الآخر بوجود الكثير من الأشياء في وقت واحد.
المهم هو إيجاد بيئة داعمة وتساعد على الازدهار.
التدريب والتعلم المستمر
يستطيع الشخص ذو اضطراب الشخصية الحدية التقدم لبعض الأدوار من خلال الحصول على المزيد من التدريب والتعليم. ولا بد من الوضع في الاعتبار المسارات المهنية التي يمكن اتباعها وآليات تحقيق الأهداف المهنية.
معرفة الذات
معرفة الذات هي أهم جزء في إيجاد وظيفة مُرضية. تتضمن بعض الأشياء التي تريد أن تفهمها عن نفسك اهتماماتك وقيودك ومهاراتك ونقاط قوتك وقيمك.
من جهة أخرى ينصح الأشخاص من ذوي اضطراب الشخصية الحدية، باتباع بعض الممارسات التي تمكنهم من الاندماج في بيئة العمل:
- الاستمرار في العلاج النفسي، والمحافظة على المواعيد مع مقدمي الرعاية الصحية.
- تجنب الإجهاد قدر الإمكان.
- استخدام تقنيات الاسترخاء للمساعدة على إدارة التوتر
- الحرص على عدم الرد بشكل مباشر ومن الضروري تجنب المواقف العصيبة، حيث يمكن أن يساعد التراجع عن المواجهة المحتملة في رؤية الموقف بشكل أكثر وضوحًا. وإتاحة الفرصة لاستخدام مهارات الاتصال الإيجابي بشكل أكثر فاعلية، وهو أمر مهم بشكل خاص في علاقات العمل.
- إن مشاركة المشاعر والأفكار مع الآخرين تسهم في تحسين التواصل وتقوية العلاقات الشخصية في بيئة العمل.
- لا بأس من الإفصاح عن الاضطراب للمسؤول المباشر إن كان ذلك يمنح الشعور بالأمان. لا يتعين الإفصاح لصاحب العمل، ولكن يجد بعض الأشخاص أن إجراء محادثة مفتوحة حول اضطراب الشخصية الحدية الخاصة بهم يؤدي إلى دعم أفضل وعلاقات أقوى في مكان العمل.
- تناول الأدوية المحددة والالتزام بمواعيد مراجعة الاختصاصي النفسي، حتى لو كان الشخص من ذوي اضطراب الشخصية الحدية يعتقد بأنه يشعر بتحسن. استشارة الطبيب ضرورية دائمًا قبل التوقف عن تناول الدواء أو تغييره.
- § يمكن لتمارين الاسترخاء مثل التنفس العميق والتأمل أن تساعد في الحفاظ على بعض الاستقرار في المواقف المرهقة.
بيئة العمل المناسبة:
من المهم أن يفكر أرباب الأعمال بتوفير بيئة مناسبة للعمل وزيادة الإنتاجية، وجعلها بيئة ملائمة لمختلف الموظفين، ولكن عند العمل مع الأشخاص ذوي اضطراب الشخصية الحدية يتطلب ذلك توفير بعض التغييرات في بيئة العمل أو ضمن المهام الوظيفية التي تساعده على إنجاز المهام على أكمل وجه، بعض الدول مثل استراليا تلزم جهة العمل على توفير هذه التعديلات، والتي قد تشمل:
- مساحات مخصصة للاستراحة والاسترخاء والمساعدة في إدارة العواطف والتركيز.
- سماعات إلغاء الضوضاء للمساعدة في التركيز.
- إعادة هيكلة مهام الوظيفة لتقليل التوتر.
- جدول مرن للسماح بمواعيد تتناسب مع مواعيد الرعاية الصحية.
- العمل عن بُعد كجزء من الأسبوع.
بناء مستقبل مهني قوي
على الأشخاص من ذوي اضطراب الشخصية الحدية قبل اختيار أي وظيفة التعامل مع كافة المعطيات من ناحية طبيعة الوظيفة، وطبيعة التشخيص والأعراض الموجودة لديه، ومدى قدرة بيئة العمل على احتواء الشخص.
فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص يعاني من ضغوط كبيرة ولديه أعراض حادة، قد لا يكون من الصائب اختيار مهنة ضمن صناعة متسارعة أو عالية الضغط مثل الأسواق المالية وخدمات الزبائن في مراكز الاتصال.
لا بد للأشخاص ذوي اضطراب الشخصية الحدية من التحلي بالقوة الكافية للتعامل مع تشخيص اضطراب الشخصية الحدية والتعامل به، حتى لا يتحكم به أو يحد من اختياراته الوظيفية. هناك الكثير من الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية الذين نجحوا وحققوا ما يصبون إليه في حياتهم المهنية.
أما إذا كان الشخص قلقًا بشأن تأثير أعراض الاضطراب على حياته المهنية، فالحديث إلى المعالج قد يسهم في تجاوز هذا القلق، فقد يكون المعالج قادراً على تقديم بعض الاستراتيجيات المفيدة لإدارة الأعراض والاقتراحات للمسارات المهنية المحتملة التي تتناسب مع مواهب الشخص نفسه.
المراجع والمصادر:
- https://apm.net.au/
- https://www.verywellmind.com/bpd-and-career-choices-425401
- National Registry of Evidence-based Programs and Practices. Systems training for emotional predictability and problem solving (STEPPS). Substance Abuse and Mental Health Services Administration. https://nrepp.samhsa.gov/Legacy/ViewIntervention.aspx?id=243.
Accessed May 10, 2018.
- Bornovalova MA, et al. (2006). Temperamental and environmental risk factors for borderline personality disorder among inner-city substance users in residential treatment.
ncbi.nlm.nih.gov/16776552/
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”