إعداد: ولاء إبراهيم
ثقة.. ثبات.. إيمان بالقدرات.. روح وطاقة إيجابية .. جميعها جعلت الأشخاص الصم يشرقون بتميزهم ضمن قاعة المؤتمرات في مكتبة الإسكندرية، حيث حققوا بأنفسهم اندماجاً كاملاً نابعاً من ثقة بلا تردد، وفي عيونهم رسالة تقول: أن تؤمن بقضية نبيلة، أمر يجعل لك قيمة، ولكن أن تؤمن بذاتك، تصبح أنت قيمة لكل شيء تفعله.
داخل قاعة المؤتمرات، وخلال احتفالية إعلان نتيجة مسابقة الليجو للروبوت FLL كانت فرق الأشخاص الصم تنتظر النتيجة، واللافت للانتباه تجاوبهم مع باقي الفرق من الأشخاص السامعين تجاوباً اجتماعياً وبكل ثقة.
وقفوا للسلام الجمهوري بثبات بإشارة من “دينامو” الفرق محمد هشام مدربهم من الأشخاص الصم أيضاً، ومع الموسيقى تمايلوا في تناغم واضح يستشعرون إيقاعها وذبذباتها، أبهروا الجميع، تخطوا سقف توقعاتنا، ثقة في النفس، وإيمان بالقدرات، ونبوغ في الأفكار، مؤكدين أن الروبوت هو عالمهم.
وكان حدسهم بالفوز صادقاً، فقد حصلوا في المسابقة على كأس المركز الخامس لأفضل أداء روبوت وكأس جائزة لجنة التحكيم وكأس جائزة الاختراق لعالم الروبوت والبرمجيات، بالإضافة إلى حصولهم وباقتدار على المراكز الثلاثة الأولى في أداء الروبوت وسط مجموعتهم المكونة من عشرين فريقاً.
لقد حصدوا تلك المراكز المتميزة وسط مائة فريق متسابق، مبهرون كعادتهم، يكتسبون من المسابقات مهارات البحث والإبداع والاكتشاف والتصميم والبرمجيات.
تزينت قمصانهم الصفراء البراقة بشعار مؤسسة مصر الخير، مؤكدين على دور المؤسسة المتمثل في تنمية الإنسان، تلك المؤسسة التي كانت الراعي لمشاركتهم في المسابقة، وأتاحت الفرصة للأشخاص الصم وضعاف السمع أن يتدربوا في عالم الروبوت والبرمجيات وفتحت لهم آفاق ارتياد عالم تكنولوجيا المعلومات ليصبح مجالاً ينطلق بهم إلى آفاق بعيدة في عالم البرمجيات، المجال الذي أجج داخلهم طاقاتهم الإبداعية وأتاح لهم فرصة الإبداع والتميز.
إن الأشخاص الصم فعلاً هم صناع البهجة والتفرد والإلهام والتحدي، وعن إبداعاتهم في المسابقة، كانت مشروعاتهم الإبداعية الثلاث:
1ـ مشروع روبوت يقوم بتنظيف عنابر السفن التي تحمل القمح لتكون العنابر صالحة لنقل القمح.. ومبدعو هذا المشروع هم: فرح ، عبد الرحيم ، يونا ، عمر ، ياسمين مع مدربيهم نادر وجهاد.
2ـ مشروع منظومة رصيف للحاويات يدار بالروبوتات متضمناً سيارات نقل الحاويات تسير على مسارات محددة لتفادي الاصطدام بأي سيارة أخرى داخل الميناء مما يحقق السلامة والأمان والسرعة في نقل وتداول الحاويات، بينما وحدة تخزين الحاويات مكونة من عدة أدوار مزودة بخلايا منفصلة تحمل كل خلية حاوية واحدة توضع حاوية بكل كلمة، وعند إعادة تداولها يتم تحديد كودها على وحدة الروبوت الناقلة للحاوية (ونش الحاوية) ليتم نقلها مباشرة وهو ما يوفر في الوقت والجهد ويحقق الأمان والدقة في تداول حاويات الميناء.
أعد المشروع: أسامة، محمود، محمد عطا، إسراء، مصطفى، آية، مع مدربيهم فارس ودعاء.
أما المشروع الثالث فكان جهاز روبوت يستشعر جنوح أي باخرة في طريق عبورها قناة السويس ليعطي إنذاراً صوتياً بإرسال تنبيه عبر البلوتوث إلى جهاز الإرشاد الموضوع على الباخرة فتتم إلكترونياً إعادة توجيه الباخرة إلى منتصف ممر القناة كي تعود إلى مسارها الصحيح مما يحقق تفادي جنوح أي باخرة تمر خلاله، مع الدقة في الإرشاد الملاحي ضمن القناة.
أبدع هذا المشروع كل من: عدنان، شهد، ريتاج، عمر، رنا، وفراج، بإشراف مدربيهم هشام وفاطمة.
وفي حوارنا مع مدرب الروبوت محمد هشام أفاد بأن الأشخاص الصم لديهم من القدرات والمهارات ما يتميزون به بالدرجة التي يتنافسون فيها مع أقرانهم من السامعين منذ سنوات تعدت الخمسة عشر عاماً في مسابقات الروبوت المتعددة محلياً ودولياً، فكانوا ولا زالوا يحصدون المراكز الأولى والمتميزة.
وإنهم يستحقون مع هذا التميز أن يجدوا مكانتهم في معاهد تكنولوجيا المعلومات التابعة لوزارة الاتصالات وأن يحصلوا على منح دراسية متميزة في مجال الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية.
إنهم حقاً عقول مبدعة وشخصيات مبتكرة وملهمة أثبتت وجودها وسط الأشخاص السامعين، أبهروا بأدائهم جهات التنظيم ولجان التحكيم بل ونالوا إعجاب وتقدير منافسيهم.
إنها رسالة إلى القيادة السياسية ووزارة التربية والتعليم العالي: الأشخاص الصم يستحقون أن يجدوا مقاعدهم داخل مدرجات المعاهد والكليات والأكاديميات المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات والذكاء الاصطناعي.
وفى حوارنا مع الدكتورة نجوى السيد مدير الابتكار العلمي في مؤسسة مصر الخير عبرت عن إعجابها بقدرات وطاقات الأشخاص الصم وإصرارهم وعزيمتهم التي تستحق كل الدعم والمساندة، وقالت: “إنهم من كنوز مصر، وإنهم ثراء لمجتمعنا، يمتلكون عقولاً مبدعة، ونثق في أنهم سيجدون وبأنفسهم مكانتهم ضمن المعاهد والأكاديميات في عالم البرمجيات..
إن مؤسسة مصر الخير تتشرف بأن تكون داعمة لإبداعاتهم وتميزهم وستكون دوماً معهم سنداً كي يصلوا إلى تحقيق أحلامهم.
- ليسانس الآداب في علم الآثار.
- تجيد لغة الإشارة