بقلم : محمد النابلسي
عندما نتحدث عن أعلام الموسيقى العربية من الأشخاص ذوي الإعاقة، يخطر على البال مباشرة الموسيقار الراحل “سيد مكاوي”، والملحن “عمار الشريعي” والمطرب المعروف بأغانيه السياسية “الشيخ إمام”، وإذا اسعفتنا الذاكرة، وكان المتحدث راغباً في التوسع قد يذكر اسم “مصطفى طاهر” الذي أشتهر بأداء أغاني أم كلثوم في بداية التسعينات.
ويبدو أن الذكورية هنا تفرض سطوتها على المشهد بشكل كبير، في سعي واضح إلى إقصاء حقيقي للمطربات الكفيفات عن المشهد. ومن غير المعروف بالضبط ما هو الدافع الحقيقي وراء إخفائهن، وضعف عملية التوثيق حول إنجازاتهن المختلفة، فلا يتم تكريمهن بالشكل اللائق، ولا ذكرهن عندما يبدأ الحديث عن تاريخ الموسيقى خلال فتراتهن.
على الرغم من وجود عدد قد يكون قليلاً نسبياً من المطربات الكفيفات، إلا أنهن لعبن دوراً بارزاً في المشهد الموسيقي لبلادهن، وبالتالي المشهد الموسيقي العربي. وفي هذا المقال سنمرّ سريعاً على سيرة ثلاثة نماذج واضحة وجلية عربية لمطربات كفيفات عملن جاهدات في ترسيخ أسمائهن، ورغم ذلك لم ينصفهن التاريخ:
- شافية أحمد من مصر
- ابتسام لطفي من السعودية
- عائشة المرطة من الكويت
تحدثنا في العدد السابق عن شافية أحمد، وسنتحدث في هذا العدد عن “ابتسام لطفي”.
بدأت ابتسام لطفي مسيرتها بجرأة عام 1968 حين طلبت بشكل مباشر من الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود بأن تكون أول صوت نسائي سعودي يغني في الإذاعة السعودية، فأتاها الرد بعد شهرين بقبولها كمطربة في الإذاعة السعودية باسم خيرية قربان والتي عرفت فيما بعد باسم ابتسام لطفي.
هنا، بدأ الحظ يبتسم لابتسام لطفي، فهي الطفلة التي أصيبت بالإعاقة البصرية حين كانت في الخامسة من عمرها، واكتشفت موهبتها والدتها التي دعمتها وشجعتها على الغناء في المجالس النسائية والأفراح، حتى وصلت إلى الغناء في البلاط الملكي السعودي. ولم يكن في المشهد الغنائي السعودي إلا صوت نسائي واحد للمطربة توحة السعودية، مما سهل عليها درب الوصول إلى الشهرة.
كانت ابتسام لطفي تعتمد على الدعم الكبير الذي قدمته لها والدتها، والشاعر السعودي طاهر الزمخشري الذي اعتادت أن تناديه بابا طاهر، وغنت له مجموعة من القصائد، أما الفنان طلال مداح فهو من أطلق عليها اسم ابتسام واختارت هي اسم لطفي تيمناً بشقيقها الكبير.
سعت ابتسام لطفي إلى صناعة شهرتها من خلال الوصول إلى آذان المستمعين العرب وليس السعوديين فقط، عبر التعاون مع أسماء عربية مثل تعاونها مع الشاعر أحمد رامي الذي زار السعودية لأداء فريضة الحجّ، لكن حالته الصحية لم تسمح له بإتمام المناسك، فأقام في السعودية بضيافة الفنان طلال مداح لثلاثة أشهر، التقى خلالها بالفنانة ابتسام طفي، ونشأت بينهما علاقة وطيدة، صعبت عليه وداعها بشكل لافت فبعث إليها برسالة حملت قصيدة “وداع”، التي يقول فيها:
“ردّك الله سالمًا لفؤادي/ وطوى بيننا بساط البعاد/ كيف يهنأ لي المنام وعيني/ ملئُها في نواك طوف السهاد”. غنتها ابتسام لطفي بألحان الفنان رياض السنباطي، والذي تعامل معها بداية باستعلاء شديد، مستغرباً وجود صوت سعودي نسائي جيد، مما دفعه إلى رفع أجره بشكل مبالغ فيه، وبعد أن استمع لها اعتذر وتنازل عن أجره وقدم اللحن كهدية. وتمت إذاعة هذه الأغنية في الإذاعة المصرية.
حققت ابتسام لطفي شهرة واسعة قبل وصولها إلى عمر الثلاثين، ولكن بعض الصدمات التي أصابتها خلال فترة الثمانينات إثر فشل عملية زرع عين صناعية سنة 1982، ووفاة والدتها الداعم الأول لها عام 1988، وتزامن كل ذلك مع فترة انغلاق المجتمع السعودي، الذي لم يكن مرحباً بالأصوات الغنائية السعودية النسائية. وربما إعاقة ابتسام لطفي نفسها التي لم تمنع تحقيق نجومية حقيقية لها، حالت دون أن يبزغ نجمها بشكل أكبر، فكان الاعتزال مصيرها على الرغم من حكايات عودتها مرة أخرى إلى الغناء، إلا أنها لا زالت تعيش في بوتقة اعتزالها، بعيدة عن الأضواء والشهرة.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”