الجزء الأول حول مفاهيم البحث العلمي
إعداد : اَمنة إبراهيم الزعابي
حظي البحث العلمي باهتمام المجتمعات الإنسانية، نظراً لما له من أهمية ودور فعّال في تقدم وازدهار هذه المجتمعات، ولما له من دور كذلك في التغلب على المشاكل والصعوبات التي يمكن أن تواجهها.
وتطور البحث العلمي مع تطور الحياة وازدياد المعرفة الإنسانية، فبعد أن كان يقوم أو يعتمد إلى حد ما على الجهود الفردية، أصبح الآن يقوم أو يعتمد على الجهود الجماعية. لذلك أنشأت بعض المجتمعات مجموعة من المؤسسات والمراكز البحثية العلمية التي تهدف إلى استثمار جهود الباحثين بما يخدم المجتمع ويسهم في رفعته وتطوره.
ولا يكون البحث علمياً إلا إذا كان مجرداً موضوعياً بعيداً عن التحيز وقد أنجز بناءً على خطوات بدأت بمشكلة وانتهت بحل لهذه المشكلة.
والبحث العلمي ذو دلالة لغوية تعني طلب الشيء وإثارته وفحصه.
وقد تباينت تعريفات البحث العلمي في مضمونها ولم يتفق العلماء على تعريف واحد محدد واضح وشامل لها، ويرجع ذلك إلى تعدد وتنوع أساليب البحث العلمي واختلافها من مجال إلى آخر، ويعرف العلماء المتخصصون البحث العلمي بأنه:
“عملية علمية، تجمع لها الحقائق والدراسات وتستوفى فيها العناصر المادية والمعنوية حول موضوع معين دقيق في مجال التخصص، لفحصها وفق مناهج علمية مقررة يكون للباحث منها موقف معين، كي يتوصل إلى نتائج جديدة”.
هذه النتائج هي ثمرة البحث، والغاية التي ينشدها الباحث.
يتكون مصطلح البحث العلمي من مقطعين: الأول “البحث”، وهو كلمة مشتقة من الفعل الماضي بحث ومعناه حاول تتبع، بحث، سعى، تحرّى…الخ.
والمقطع الثاني “العلمي” . كلمة العلم ومعناه الحقيقة، المعرفة، التجريب… الخ.
يمكن تعريف البحث العلمي: بأنَّه وسيلة يحاول بواسطتها الباحث دراسة ظاهرة أو مشكلة ما والتعرف على عواملها المؤثرة في ظهورها أو في حدوثها للتوصل إلى نتائج تفسر ذلك، أو للوصول إلى حل أو علاج لذلك
أهمية البحث العلمي
للبحث العلمي أهمية كبيرة للفرد وللمجتمع، وهذه الأهمية تمتد إلى مختلف نواحي الحياة، فقد أصبح البحث العلمي في العصر الحديث:
- من المعايير التي تستخدم لقياس مدى تقدم المجتمع، وحرصه على اللحاق بغيره من المجتمعات المتقدمة.
- يساعد على زيادة المعرفة حول الموارد الطبيعية والبشرية المتوافرة وفي الكشف عن الإمكانيات الكامنة والمحافظة عليها، وتنسيقها واستثمارها، بما يحقق الرفاهية والتقدم لجميع أفراد المجتمع.
- يسهم في تحديد المشكلات التي تواجه المجتمع، ودراستها، وفهمها على أساس علمي بدلاً من فهمها في ظل الأوهام والاجتهادات الشخصية.
الأهداف العامة للبحث العلمي
تختلف البحوث العلمية في الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها باختلاف طبيعة كل منها، ومع ذلك يمكن تصنيف هذه الأهداف فيما يلي:
ـ بحوث تهدف إلى اكتشاف حقائق جديدة، أو جمع أكبر قدر ممكن من الوقائع والظواهر ومن أمثلة ذلك البحوث المسحية الاجتماعية أو الاقتصادية.
ـ بحوث تهدف إلى تفسير المعلومات والبيانات المتاحة، مثل البحوث المكتبية.
ـ بحوث تهدف إلى بناء نظرية علمية جديدة في مجال معين.
خصائص البحث العلمي
هناك خصائص للبحث العلمي من أهمها:
أولاً : التنظيم وفق قواعد وأصول منهجية علمية متعارف عليها في جميع المراحل، وهو لا يقوم على التخبط العشوائي .
ثانياً : الهدف منه، حيث توجه الأهداف التي يسعى إليها الباحث في جميع مراحل البحث لذلك يجب أن تصاغ الأهداف بدقة وضوح .
ثالثاً : الموضوعية، ويقصد بها الجهد في إطار موضوع معين وعدم الخروج عنه والبحث في جوانب هامشية كي لا تشتت القارئ ويجب أن تكون أفكاره وأحكامه خالية ومتجردة من النزاعات الشخصية وعدم التحيز المسبق للأفكار.
رابعاً: الدقة، يلتزم الباحث بالدقة المتناهية في جميع مراحل البحث وبخاصة صياغة المشكلة والأهداف ووصف مجتمع الدراسة والعين ومنهجية البحث والمعالجات الإحصائية المتبعة.
خامساً: المنطقية باستخدام مهارات التفكير الاستدلالي الذي يتضمن التفكير الاستنباطي القائم على الانتقال من المقدمات إلى النتائج فإذا كانت المقدمات صحيحة ستكون النتائج صحيحة.
سادساً: المنهجية وتنظيم المعلومات وعرضها عرضاً منطقياً متدرجاً من السهل إلى الصعب ومن المسلمات إلى الخلافيات.
سابعاً: الإثبات والتحقق:
لا يتوقف بحث في موضوع ما عند نتيجة مقطوع بصحتها بل يجب تكرار البحث للحصول على نتائج مؤيدة وأكثر صدق ودقة.
ثامناً: تعميم النتائج التي تم الحصول عليها لتوسيع نطاق تطبيقها في المجتمع.
تاسعاً: الأمانة العلمية، وهي مطلب أساسي في البحث العلمي عند الاقتباس من المنشور، وتتركز الأمانة بالإشارة إلى المصادر التي نقل منها الباحث معلوماته وبياناته.
عاشراً: ترابط أقسام البحث وتكاملها وانسجامها مع بعضها البعض.
صفات الباحث العلمي :
- الحرص على البحث عن المسببات الحقيقية للأحداث والظواهر وعدم الاكتفاء بالمبررات السطحية.
- الدقة في جمع الأدلة الموثوقة للوصول إلى الأحكام والتحرر من الجمود والتحيز.
- الإلمام بأساليب البحث العلمي وطرق جمع البيانات وتحليلها وتفسيرها.
- الاستعداد لتغيير الرأي إذا ثبت خطأه.
دوافع الباحث:
لابد من توافر مجموعة من الدوافع التي تحث الباحث وتدفعه للقيام بالبحث كـ:
- حب الاستطلاع والرغبة في التعلم والمعرفة والحرص على كشف الحقائق.
- الإيمان بدور البحث العلمي في حل مشكلات على أسس علمية سليمة.
- الرغبة في سد نقص في الإنتاج الفكري.
- الرغبة في إيجاد حل مشكلة معينة في المجتمع.
- ظهور حاجات ومطالب جديدة تستدعي القيام بالبحث لإيجاد طرق للوفاء بها.
- الرغبة في القيام بالبحث لإيجاد تفسير لبعض الظواهر.
أنواع البحث العلمي:
تختلف البحوث العلمية باختلاف حقولها وميادينها وتتنوع من حيث جدواها ومنفعتها إلى بحوث ريادية يتم فيها التوصل لمعرفة جديدة أو تحل بها مشكلة قديمة وهذا النوع له دور كبير في توسيع آفاق المعرفة الإنسانية. وإلى بحوث يتم فيها جمع العلوم والمعارف أو الكشف عنها لغايات المقارنة والتحليل.
تتنوع البحوث العلمية من حيث الميدان إلى بحوث تربوية واجتماعية وجغرافية وتاريخية وغيرها، ومن حيث الأهداف إلى بحوث وصفية وبحوث تنبوئية وبحوث تقرير السببية وغيرها.
كما تصنف البحوث حسب مناهجها إلى:
- بحوث كمية: ويتم من خلالها جمع البيانات باستخدام أدوات القياس (الاستبانات) ومعالجة البيانات وتحليلها ومن ثم تعميمها في ضوء نتائج الفرضيات المصاغة أو الأسئلة.
- بحوث نوعية: وتعنى بدراسة الظواهر في ظروفها الطبيعية وتقاس بواسطة الملاحظة المباشرة والمقابلات وفحص الوثائق ويتم فيها عرض البيانات بطريقة وصفية تستخدم الكلمات والصور.
- البحوث الوصفية: وتعتمد المنهج الوصفي في تفسير الوضع القائم للظاهرة أو المشكلة من خلال تحليل ظروفها وأبعادها وتوصيف العلاقات بينها بهدف وصف علمي دقيق للظاهرة بناءً على الحقائق المرتبطة بها.
- البحوث الميدانية: وتنفذ عن طريق جمع المعلومات من مواقع الوحدات والتجمعات المعنية بالدراسة ويكون جمع المعلومات مباشر عن طريق استبانات أو مقابلات .
- البحوث التجريبية: وهي التي تنفذ في المختبرات العملية سواءً على مستوى العلوم التطبيقية أو بعض العلوم الإنسانية وتعتمد على استخدام التجربة العلمية في دراسة الظواهر ودراسة متغيراتها وهو أدق أنواع البحوث لإيجاد علاقة بين متغيرين.
- البحوث التاريخية وتعتمد على المنهج التاريخي في تتبع الظاهرة منذ نشأتها ومراحل تطورها والعوامل المؤثرة فيها .
المرجع :
- الدكتور أيمن عبد الله محمد أبو بكر، أساليب البحث العلمي مدخل (منهجي – تطبيقي)، الطبعة الثالثة، دولة الإمارات العربية المتحدة، دار الكتاب الجامعي ٢٠٢١.
آمنة الزعابي
اختصاصية نفسية
مدرب معتمد في التنمية البشرية من المجلس الكندي الأمريكي
كوتش لايف معتمد من الاتحاد الدولي للكوتشينج ICF